بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 2 سبتمبر 2013

شيخان فرقتهما تونس وجمعتهما باريس! محمد صالح مجيد



لقد بدا واضحا أنّ كلّ حزب يُلاعب الآخر، ويعتقد واهما أنه أوقع خصمه في حباله. فشيخ النهضة الذي ركب طائرة خاصة على عجل للقاء عدوه أراد أن يرسل إلى الخارج رسالة مفادها أنه يختلف عن ‘إخوان مصر’ في إدارة الأزمة السياسية،رغم انخراطه الفاعل في هذا التنظيم الدولي. والدليل إقدامه على تنازل مؤلم بلقاء خصمه الذي لم يتوقف أنصار حركة النهضة ومناضلوها على اتهامه بأنه إعادة إنتاج للتجمع و’رسكلة’ لأسلوب الحكم القديم. فما الذي حرّك شيخ النهضة ليلتقي بخصمه خارج الديار التونسية بعد مصافحة عابرة ركزت عليها وسائل الإعلام وأصرت ّحركة النهضة على أنها مجاملة خالية من أي تلميح سياسي؟
الأكيد أن السيّد ‘راشد الغنوشي’ كان بحاجة إلى هذا اللقاء الخالي من النتائج الآنيّة ليقنع خصومه في الداخل بأنّه رجل حوار قد يضحي ببعض الممنوعات والخطوط الحمراء من أجل حلحلة الوضع، ورسم خارطة الخروج من الوضع السياسي الصعب. لكن هل يمكن أن يفوت المتابع تدخل أطراف خارجية تشتغل مخابراتها على الأراضي التونسية في ترتيب اللقاء والتعجيل به؟ ومن يدري لعلّ الشيخيْن قد دُفِعا إلى هذا اللقاء دفعا كما دُفِعَ ‘بن علي’ إلى طائرته ذات يوم مازالت تفاصيله مجهولة؟
والسيد ‘راشد الغنوشي’ الذي يحسب خطواته جيدا، يدرك أن الرياح تجري هذه الأيام بعكس ما كانت عليه يوم 23 أكتوبر لذلك اختار أن يركب الخطر ليختبر مدى استعداد حزب ‘نداء تونس′ للتعاون على تجاوز الأزمة من جهة، وليفتح ثقبا في الجدار الذي بناه التحالف الظرفي بين حزب ‘الباجي’ وبين الجبهة الشعبية من جهة أخرى. إذ من الطبيعي أن يفكر السياسي الخبير في توسيع دائرة الفعل ولو بالقفز على بعض الثوابت، عندما يستشعر الخطر ويكتشف أن دائرة المناورة بدأت تضيق حدّ الاختناق.
أمّا السيّد ‘الباجي قائد السبسيّ’ ذو اليد الطويلة في الداخل والخارج، فقد كان على قناعة بأنّ اللقاء الحاسم مع زعيم حركة النهضة قد أينع منذ مدّة، وأنّه حان قطاف اللحظة الحاسمة لتتطاير الرموز وتتساقط المحظورات. لذلك تعامل مع طلب زعيم ‘حركة النهضة’ على أنه جلسة استماع يمكن استغلالها إعلاميا في الحرب الخفية والمعلنة بين الحزبيْن..
وباحترافه السياسي اغتنم الفرصة ليؤكد للجميع في الداخل والخارج أنّ خصمه اللدود الذي بنى مشروعه السياسي على سب ‘نداء تونس′ هو الذي سعى إليه طلبا للقاء. وعلى هذا النحو يتبيّن أنّ الأزمة السياسية الأخيرة قد ثبتت حزب ‘نداء تونس′ رقما صعبا في معادلة الرهانات السياسيّة حاضرا ومستقبلا.
لكن هل الصدفة وحدها هي التي حكمت بأن يلتقي ‘حاكم مونبليير’ بحاكم البُحَيرْة في مدينة باريس غير بعيد عن أنظار ‘فرنسوا هولاند’؟ الأكيد أنّ عدد المؤمنين بالصدفة في تضاؤل ذلك أنّ العنوان السياسي الثابت في تونس ما بعد الاستقلال هو أنّ هذه الدويلة الصغيرة لم تُحْكَمْ ماضيا وحاضرا من الداخل سواء أتأسلم الحاكم أم تَعَلْمَنَ!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق