بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 21 سبتمبر 2013

لعنف ثقافة مشوَّهة -شهاب احمد الفضل



العنف واحدا من أهم التهديدات التي تواجه البشرية، لما يحويه من مظاهر مختلفة، كالتعصب، والتطرف، والانغلاق، ومجموعها في النهاية يؤدي الى وأد كلّ ما هو جميل في الحياة، لأنّها تعمل على تحقيق أهداف أنانية، وشريرة، بالضد من الطبيعة السويّة للانسان، وما جاءت به النواميس السماوية، والأعراف والقوانين الوضعيّة، بيد أن لكلّ عصر مسبباته، في بروز ظاهرة العنف كآيديولوجيا تبنى على الفعل ورد الفعل إن كان جماعيا او فرديا، إلا انها في نهاية الامر ظاهرة منبوذة  لاسيما التعصب منها كأبرز مظهر.
باستطاعة الانسان فعل العنف او عدمه، وسلوكه هذا مشروطا ليس فقط بالقدرة على الفعل، بل كونه محدداً ايضاً بالظروف التي تسمح بفعل العنف والأرضية التي تساعد في انتاجه، والمرتبطة بجملة من العوامل المتداخلة مع بعضها البعض”موضوعيّة/ ذاتيّة “. اذ كما هو معلوم فإن طبيعة الثقافة تحدد طبيعة الفعل”اليد/ اللسان “ لتصل الى القتل والتدمير وكلّ اشكال العنف المادي والعكس صحيح عندما تحتضن مفاهيم كالرفق والعفو والتسامح وتقبّل الآخر الخ . هذه الادوات تتحول الى مبشر بقيم ومضامين جديدة، ما يعني ان هناك ترابطاً عميقاً بين مظاهر العنف وأدواته المستخدمة وبما ان العنف ظاهرة اجتماعية واقعة تجد تفسيرها في التاريخ الانساني ذاته، تتمظهر باصطراع الطاقات الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، الذي هو نزوع طاقات القوة في تحقيق وجودها المتعين القائم على تغالب الارادات، وعلى هذا الاساس فإن الفرد او الجماعة يكتسب السلوك العنفي او اللاعنفي من الثقافة التي توجه المجتمع وتحكمه عبر ادوات الضبط العنفي ومعايير السلوك. لذا فإن العنف كظاهرة لازمت الانسان والجماعة عبر التاريخ، وعدّه الانثربولوجيون والفلاسفة ميلا طبيعيا، فمن السهولة الحديث عن الوحشية، العدوان، القتل، الافتراس، كأفعال صاحبت الانسان في اطواره المتعددة على البسيطة " الانسان / الطبيعة " وهو ما يفسر بحسبهم، الميل البشري نحو العنف، وبما ان الانسان صانعٌ لتاريخه فهو مسؤول عنه. وكلما تطور الانسان والمجتمع تطور معهما شكل العنف، ليتخذ في تاريخنا المعاصر صفة الارهاب، كون ما يجري لا يمكن فصله عن التطور الحاصل في عالم اليوم، وهو نتاج لنظام العولمة او ما يسمى بالرأسمالية المتوحشة.
 للعنف اسباب متعددة من الصعوبة حصرها لكثرة تبايناتها " سياسية اجتماعية اقتصادية نفسية دينية ...الخ "، لذا فهي ظاهرة اشكالية بامتياز، ولكن ما يهمنا حاضرا انها تبدو صارخة في المشهد العراقي، لاسيما جانبها الديني، وطغيانه على باقي الجوانب، وقراءته لا ينبغي الفهم منها ان العنف يجد جذوره او مرجعه في العقيدة الاسلامية على نحو ما يذهب اليه البعض، بل ان نسق القيم المتشبّع بالدين وجد نفسه احياناً في صراع مع منظومات جديدة من القيم، اصبح من العسير التكيّف معها، تركت تأثيرات عميقة في البيئة الاجتماعية والثقافية، ودفعت الكثير الى الانكفاء والعزلة وبناء حواجز اجتماعية خارج الفضاء العام، بحكم ما تعرضت له مكونات التشكيلة الاجتماعية العراقية من تخريب وتدمير جعل منها ثقافة ترفض التعددية وحق الاختلاف وتكتفي من التقدم الانساني والحداثة بالقشور وتنزع الى الاختزال والاستبداد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق