بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 7 سبتمبر 2013

سورية... الدول لاتخوض الحروب مجانا أحمد الجارالله


 أن يتردد رئيس أكبر دولة في العالم بتنفيذ قراره شن عملية عسكرية خاطفة ومحدودة على سورية, ويحيل الأمر إلى السلطة التشريعية في بلاده, ذاك يعني ان المسألة في حسابات خبراء الادارة الاميركية تنطوي على مخاطر كبيرة, ويمكن ان تتطور الى حرب شاملة.
وان يصطف قادة الكتل في مجلسي الشيوخ والنواب خلف باراك اوباما في هذا المشروع مع اعترافه »إن الشعب الاميركي تعب من الحروب«, وتهيب اولئك القادة من انزلاق قواتهم المسلحة إلى مستنقع قتال جديد فهذا يعني ادراكهم أن الأمن القومي للولايات المتحدة على المحك, والمسألة لم تعد محصورة في الاحتفاظ بمناطق نفوذ أو توسيعها لتشمل منطقة ثانوية ستراتيجيا, وليس الهدف منها جر طرفي الصراع الى طاولة مؤتمر سلام ليتفقا على سورية جديدة.
القرار الاميركي بات واضحا انه سعى جديا الى الاحتفاظ باليد العليا والابقاء على احادية القطبية عالميا, ومن هنا تكون كل حسابات القوى المتقاتلة على الاراضي السورية مجرد تفاصيل في اللعبة الكبرى, لكن المؤسف أن دم الشعب وقودها, فهل يستدرك هؤلاء الامر قبل فوات الاوان?
لا شك ان هناك عبثية تصل الى حد الجنون في المشهد السوري, بل ايضا في المشهد الاقليمي كله, فالجميع مستنفر ويده على الزناد, من اصغر الجماعات الارهابية الى أكبرها, ومن اضعف الدول الى تلك التي تعاني من فائض قوة تحاول تصريفه في حروب متعددة, لان الجميع بات مرعوبا من اليوم التالي للضربة او الحرب التي تتولد منها.
انهم قلقون على المصير والجغرافيا والوجود برمته.
اذا كانت تلك الدوائر الفاعلة دوليا ومعها بعض الدوائر الاقليمية غير قادرة على قراءة الوقائع التي بين ايديها فلماذا اطلقت التصريحات الملتهبة, وضمنتها تهديدات بدأت من التأديب ومرت بتهديد المصالح ووصلت الى اشعال الشرق الاوسط كله? الا تنطوي تلك الخطب والتصريحات على عبثية?
هذا المشهد السوريالي المرعب لم يشعر به احد ممن دفع بالوضع في شرق المتوسط الى حافة المواجهة المفتوحة, تبدأ بهجوم "محدود ومخطط على قوات النظام السوري" كما قال الرئيس الاميركي باراك اوباما, يُعرف فيها من سيضغط على الزناد أولاً لكن لا يُعرف من سيطلق الطلقة الاخيرة في حرب, ربما تؤدي الى تغيير ليس في بعض الانظمة, بل في الجغرافيا ايضا.
فمن المستعد لدفع أثمان ذلك كله, وهل غاب عن بال من قصف بالكيماوي, وهو لا شك مدرك النتائج, ومن قرع طبول ضرب سورية, في آن, ماذا ستكون عليه الحال عند اشتعال النار? 
هل يحتمل الشعب السوري المزيد من القتلى بعد أن تخطى العدد المئة والعشرة الاف, ومئات الاف الجرحى والمعوقين, وملايين النازحين الموزعين في اتجاهات الارض الاربعة? الم يسألوا انفسهم الى اين سيؤدي ذلك? هل بالضربة العسكرية الاميركية تنتهي المأساة, ام تزداد فوضى الدم والدمار, ويتشبث كل فريق من فرقاء الصراع بموقفه اكثر? 
بين ظهرانينا تجربة دموية مريرة استمرت 15 عاما في لبنان ولم تؤد الى سلام أهلي راسخ او تسكِّن هواجس مكونات الشعب, بل هو اليوم غارق في الانقسامات والفوضى حتى استطاعت ميليشيا "حزب الله" خطف قراره جراء ضعف الدولة?
هل تحتمل سورية تكرار التجربة واحتمال الفوضى كل هذه السنين? اليس هذا ما يجب ان يدركه السوريون, قبل غيرهم, فربما يبعدون عن انفسهم تجرع كأس العملية العسكرية المرة التي لا شك اذا لم تكن قاصمة فإنها تزيد من قوة طرفي الصراع.
لم يعد يجدي السؤال اليوم: من استخدم الكيماوي, بل يجب ان يدرك الجميع ان تجاوز هذا الخط الاحمر, يعني هزيمة للطرفين, فالضحايا من الشعب السوري سقطوا بأيد سورية فأي نصر سيحققه استخدام ابشع الاسلحة التي اجمع العالم على تحريمها منذ الحرب العالمية الاولى, ولذلك فإن محاسبة مرتكب هذه الجريمة واجبة اخلاقيا وانسانيا وشعبيا بالدرجة الاولى, فالوضع السوري لم يعد يحتمل التخفي خلف الاصبع, ويحتاج الى علاج جذري وجدي وسريع.
نعم, لينظر السوريون حولهم, نحو العراق والصومال ولبنان واليمن, ويتعظوا من المجازر المتنقلة بين شعوب تلك الدول, قبل اي أمر آخر, ولينظر الرئيس باراك اوباما, ايضا, الى ما كسبته بلاده من افغانستان والعراق, ولتدرك ايران النافخة في كير الحروب الأهلية وتحريض الشعوب بعضها على بعض, انها لن تكون بمنأى عما تفعل يداها, اما روسيا المتاجرة بالدم السوري من اجل حفنة صفقات سلاح وزيادة اتفاقات بيع نفطها فلن تستطيع ابعاد النار عنها.
هل المطلوب ان يكون ثمن التشبث بالسلطة باهظا الى هذا الحد, او يكون ثمن تولي السلطة, ايضا, تدمير سورية? ليسأل السوريون انفسهم هذا وينظروا غربا باتجاه البحر حيث ترابط السفن الحربية الاميركية والروسية التي لن تكون صواريخها بلا ثمن, فالدول لا تخوض الحروب مجانا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق