بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

الثورات تغير المجتمعات العربية حسام عيتاني

رويداً رويداً، نكتشف آثار الثورات العربية على مجتمعاتنا وعلى تفاصيل حياتنا اليومية. تجاوزت الثورات المستمرة منذ حوالى الأعوام الثلاثة الميادين والساحات وحتى المواجهات المسلحة، وانتقلت من دون أن نشعر إلى البيوت والعلاقات الاجتماعية والقيم والأفكار.
نظرة استعادية إلى ما قبل الثورات، على المستوى الشخصي والاجتماعي، قد تكشف لكثر منا المدى الذي بلغته تلك الآثار على صداقاته وعلاقاته الاجتماعية. لقد أعادت الثورات العربية، موضعة كثر من العرب، في البلدان التي شهدت التغييرات السياسية الكبرى وفي تلك التي ظلت على هامشها، في سياقات ربما لم تخطر لهم على بال.
كانت مفاجآت قاسية اكتشاف النزعة الطائفية المسيطرة على من اعتقدهم المرء أصدقاء له. كانت مؤلمة تجارب تحطيم عائلات بسبب انحيازات تتجاوز الأيديولوجيا إلى النظرة إلى الحياة والعالم ومعنى الصلات الاجتماعية والزوجية. حالات الانفصال والتوتر الأسري والخلافات بين الأصدقاء السابقين والجفاء بين زملاء العمل، ما زالت بعيدة عن الاهتمام المباشر في وسائل الإعلام، على رغم أنها باتت ملء النظر ومنتشرة على أوسع نطاق.
تقول الحالات هذه إن المجتمعات العربية
، وبغض النظر عن المآلات السياسية وحالات الصعود والهبوط في الثورات الجارية وقدرتها على تحقيق الوعود التي انطلقت في المقام الأول لتحقيقها، قد تغيرت تغيراً غير قابل للعودة إلى ما كانت عليه قبل أن يضرم محمد البوعزيزي النار في نفسه ذات يوم في تونس.
وسيان عاد العسكر إلى السلطة هنا، أو تقدم الإسلاميون إلى مواقع جديدة هناك، لا مفر من القول إن الأطر البطريركية المنطوية على سلسلة من المُسلّمات والتابوهات والتي كانت تحكم علاقات الأفراد داخل الأسرة ومع السلطات السياسية والاجتماعية والثقافية قد تعرضت إلى رضّات عميقة في أكثر البلدان العربية باتت في طريقها إلى الاندثار ولن تعود إلى سابق عهدها، بغض النظر عن سلبية أو إيجابية العودة تلك، على استقرار المجتمعات وتطورها.
تضافرت عوامل عدة على تكريس هذا التبدل. ليس أقلها انتشار وسائل الاتصال الحديثة وتعميم قيم جديدة. سال حبر كثير في الحديث عن دور مواقع التواصل الاجتماعي في تنظيم التظاهرات والهبّات. لكن ما يعنينا هنا، أن الوسائل تلك والأقنية الفضائية المفتوحة وسهولة انتقال الأفكار، تدخلت في تشكيل وعي جديد يقوم في جانب منه على رفض الفساد المستشري في أنظمة الاستبداد والمطالبة بالحرية والمساواة وحكم القانون وقدر من العدالة الاجتماعية.
الخطوة هذه أعمق بكثير من أن يمكن التراجع عنها، طوعاً أو قسراً. وستظل حاضرة في الاجتماع العربي وفي أوساط الشباب لأعوام طويلة مقبلة.
التبدل في منظومة القيم الاجتماعية الذي بدأ يطل برأسه، سيتحدى أي محاولة لتطويعه أو ترهيبه أو استيعابه. وسيشكل رافداً إضافياً في نهر الثورات العربية. ولا مبالغة في القول إن تلك التبدلات التي تخشاها الحكومات، ستكون الإرث الأكبر في التاريخ الحديث، بحيث تبدو معه الأحداث السياسية المباشرة وتولي هذا الجانب أو ذاك السلطة، مسألة تفصيلية.

وها نحن نعاين كل يوم موت صداقات وبزوغ أخرى، حالات طلاق وانفصال وزواج تتأسس على أرضية تتغير باستمرار ولم تعد تصلح للتسويات الاجتماعية الآفلة التي فرضت في الماضي تلك العلاقات. نحن أمام فجر اجتماعي عربي جديد غائم المعالم وغامض التفاصيل ولن تكون طريقه سهلة أو معبدة. لكن الأكيد أن لا طريق للعودة عنه
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق