بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 6 سبتمبر 2013

التردد الأميركي - الغربي والوطنية السورية منير الخطيب


طرح الراحل ياسين الحافظ سؤالاً في السبعينات وفي سياق تحليله للموقفين الأميركي والسوفياتي من الصراع العربي - الإسرائيلي: لماذا تعامل أميركا الدول العربية الحليفة لها كدول من خارج السور وتعامل إسرائيل كدولة من داخل السور؟. وأجاب: وراء هذا الموقف أسباب عديدة في مقدمتها القاع الثقافي - الحضاري المشترك بين المجتمعين الأميركي والإسرائيلي، أي اشتراك المجتمعين بالانتماء إلى منظومة الحداثة وإلى قيم العصر. في الوقت الذي يغلب فيه الطابع التقليدي على المنظومة السياسية - الثقافية والاجتماعية للمجتمعات العربية.
فالسائح الأميركي مثلاً، لا يشعر بالفارق عندما يتجول في مستوطنة إسرائيلية بينها وبين المدن الأميركية، لكنه يشعر بفارق شاسع عندما يتجول في مدينة عربية. لا يزال هذا السبب، في اعتقادي، يقبع في خلفية التردد الأميركي - الغربي للتدخل في إنهاء المأساة السورية الراهنة. إن أوباما المنكفئ والمركوب بعقدتي العراق وأفغانستان وآثار الأزمة الاقتصادية التي خلفتها له المرحلة البوشية، لم يلتقط البعد «الكوني - الحداثي» والمدني للثورة السورية في بداياتها، بتأكيدها مفاهيم الدولة والشعب الواحد والسلمية والحرية.... وإصرار الحامل الشبابي لها على إخراج سورية من منظومة البعث القاتلة. لقد ضيّع أوباما المنكفئ والذي كان العنوان العريض لسياسته هو تصفية آثار المرحلة البوشية، ضيّع تلك الفرصة التي قدمها التاريخ للسوريين وللغرب وللمنطقة لتصحيح العلاقة بينهم.
نعم الثورة السورية فرصة تاريخية ضائعة للبشرية جمعاء، وأسباب ضياعها: الانكفاء الغربي أولاً، وتوحش النظام وانفلات بنيته المذهبية ثانياً، وملء الفراغ الذي أحدثه الانكفاء الغربي من قبل القوى الظلامية (إيران الخمينية وملاحقها، روسيا نموذج البلشفية المتفسخة تحت قيادة ضابط الكي حي بي، التنظيمات الجهادية المتطرفة) ثالثاً. لقد استقدم النظام التنظيمات الجهادية، ليخيّر العالم بينه وبينها.فكانت النتيجة أن هذا التحالف الموضوعي غير المقدس بين قوى التطرف والتأخر والنظام، أخرج الفئات الوسطى والمتنورة والنخب والقوى المنتجة والمدنية والشباب من دائرة التأثير السياسي، بعد أن تقدم منطق السلاح والحرب، فتراجعت فرص التقدم نحو تشكيل وطنية سورية معبراً عنها بالدولة - الأمة.
إن تقدم السوريين في مسار الدولة الوطنية يتطلب إخراج سورية من المنظومات الأيديولوجية الشمولية سواء كانت قومية أم يسارية أو دينية أولاً، وإخراجها من أوهام «الدور الإقليمي» ثانياً، وتحديد موقف حاسم من إسرائيل والتسوية وبأن مشكلة سورية مع إسرائيل تنحصر في احتلالها للجولان ثالثاً، وإخراجها من منطق المحاور ما يستوجب رفع وصاية عمامة المرشد ومسدس ضابط الكي جي بي رابعاً، ويتطلب من نخبهم السياسية امتلاك وعي كوني متجاوز لبؤس الوعي القومي المحلوي وعي ما قبل الدولة خامساً.
لذا فإن طريق الوطنية السورية يؤدي حكماً إلى إرساء قاع سياسي- ثقافي مشترك مع الغرب بخاصة ومع العالم المتقدم بعامة. إن العامل الجوهري الذي يفّسر تردد الغرب في تعامله مع المأساة السورية، رغم تكاليفها البشرية والأخلاقية والإنسانية، هو تعثر السوريين في التقدم الجدي في طريق الوطنية التي تتطابق حدودها مع حدود الحداثة. فالقوى العسكرية الإسلامية ذات الصبغة الجهادية تسيطر على المجال العسكري إلى حد كبير، والمعارضة السياسية يمكن وضع كل كسورها وأقسامها تحت يافطة تيارين أساسيين: معارضة الداخل ذات الوعي الأيديولوجي الشعاراتي، ومعارضة الخارج المنقسمة حول مسائل ذات طابع سياسوي وشخصي، وإن تردادها على الطالع والنازل عبارة «الدولة المدنية» الملتبسة لا يجعلها مقنعة للغرب، هذا فضلاً عن عدم قدرتها في النفاذ إلى الرأي العام الغربي.
إن العمل الجاد على عودة القوى المدنية والفئات الوسطى والتنسيقيات والشباب إلى دائرة الفعل السياسي، ووضع حد للعقل الأيديولوجي والفصائلي، والسير جدياً في مسار الدولة الوطنية، كفيل بإطلاق تفاهمات ذات طابع تاريخي مع الغرب، تصب في مصلحة السوريين والمنطقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق