بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 5 سبتمبر 2013

خمسة شروط لمنع الإنتكاسة أو التشوُه د. علي محمد فخرو



في هذه اللحظة الحاسمة من عمر ثورات وحراكات الربيع العربي المبارك يطرح الكثيرون السؤال المفصلي الآتي : ما مستقبل تلك الثورات والحراكات؟ 
وذلك بعد ما حدث من إنتكاسات هنا وتراجع هناك.
دعنا أولاً نعاود التأكيد والتذكير بأن الثورات والحراكات السياسية الشعبية الكبرى هي سيرورات في طريق طويل، تراوح بين الصُّعود والهبوط، بين التقدم والتًّراجع، بين الإنتصارات والهزائم، قبل أن تستقرًّ وتتكون في صورة شبه نهائية، استعداداً لمعاودة السًّير في الأفق البعيد الواعد.
ومع ذلك دعنا نحاول الإجابة على السؤال. في اعتقادي أن ذلك المستقبل سيعتمد على توفًّر الشروط الضرورية المفصلية التالية:
اولا : مبادرة واستعداد شباب الثورات والحراكات الإنتقال من مرحلة تفجير الثورات والحراكات إلى مرحلة المساهمة في بناء صورها المستقبلية وفي المشاركة الفعَّاله اليومية في قيادتها مع الآخرين. إن ذلك يعني إمًّا مبادرة الشباب أو إشتراكهم الفعلي مع قوى سياسية أخرى في بناء جبهة ديموقراطية وطنية عريضة تتفق فيما بين مكوناتها على أولويات المرحلة الإنتقالية، على تحديد أعداء الثورات والحراكات ومنعهم من تكوين ثورة مضادًّة وعلى عدم التفريط بأية صورة كانت من إنزلاق الربيع العربي من كونه حراكاً ديموقراطياً شعبياً هائلاً بأهداف ثورية كبرى إلى كونه منحة أنتهازية من جيش أو جهة أجنبية أو جهة داخلية كاذبة غير مؤمنة بالأهداف التغييرية الكبرى.
ثانيا: وكتكملة للشرط الأول السًّعي لبناء كتلة تاريخية، على المستوى العروبي القومي، تكون نواتها الجبهات الوطنية في أقطار الثورات والحراكات، من أجل أن يحمي بعضها البعض من بطش الداخل والثورات المضادًة من جهة ومن ألاعيب وتدخلات وابتزازات قوى الخارج من جهة أخرى. سترتكب قوى كل ثورة وكل حراك الخطأ الفادح لو أنهم ظنًوا بأن باستطاعتهم النجاح على المستوى القطري الوطني دون التفاعل والتناغم مع البعد القومي على مستوى الوطن العربي كلًه.
لا نحتاج لإثبات هذه المقولة بسرد تاريخ قرن من الفواجع العربية بسبب التهويمات القطرية الضيٍّقة الأفق فكراً وعملاً وأنانية.
ثالثا: ما كان للربيع العربي أن يحقق ما حقَّق لولا المشاركة الشعبية الهائلة في الدفاع والإسناد والتضحية بالغالي والرَّخيص، بما في ذلك الأولاد ولقمة العيش. هذا الإستعداد التاريخي المبهر يحتاج أن يبقى في مستوى من الحيوية والإستعداد الدائم للتلاحم مع قوى الجبهات الوطنية والكتلة التاريخية.
إن التاريخ يعلمنا بأن ذلك يحتاج إلى أشكال من النضالات والنجاحات اليومية وإلى أنواع من القدوة البطولية المضحيٍة وإلى التحام حقيقي بين ممارسي السياسة وبين جموع المواطنين العاديٍين. إنً الخزًان الشعبي يجب أن يبقى على الدَّوام ممتلئاً وقابلاً لأن يفيض أفواجاً تكتسح وحمماً تضيئ الظلام.
رابعا: التخلُص من عادة خسيسة تاريخية، المتمثلًة بالإستقواء بالخارج لحلٍّ مشاكل الداخل، ما حدث في العراق، وما سمحت به القيادات الفلسطينية المتعاقبة، هي أمثلة كافية لشرح ما نعني. لايمكن لنصائح أوتوجيهات أو تدخُّلات تأتي من عواصم القوى الاستعمارية إلاً وتصبُ في النهاية في صالح الوجود الصهيوني والنًّهب لثروات الوطن العربي وحرق الثورات والحراكات عن أهدافها والإتيان بشياطين في هيئة بشر من الانتهازيين والنفعيًّين.
خامسا: سيرتكب قياديُّو الثورات والحراكات غلطة مفجعة لو أنهم ظنوا بأن بامكان الربيع العربي أن ينجح من خلال الفقز فوق الإسلام كثقافة متجذًّرة في عقل ووجدان وروح الغالبية السًّاحقة من الشعب العربي. لا التاريخ ولا الثقافة ولا الاجتماع سيسمحون بذلك ولذلك فان محاولة البعض من مراهقي السياسة في جرٍّ الربيع العربي الى مواجهة مع الإسلام، خطاباً وغمزاً وتجريحاً وحتى إستئصالاً لقوى الإسلام السياسي المعقولة، سيضعف الثورات والحراكات وسيقودها إلى صراعات فرعية.
كيف تجنًّب ذلك القفز العبثي وكيف التعامل مع هذا الموضوع الشائك المعقٍّد موضوع كبير لا يمكن إيفاء حقه من التوضيح في مقالة مختصرة. خمسة شروط إن لم يبادر قادة ثورات وحراكات الربيع العربي إلى التعامل معها بعمق وجديًّة وأفعال تراكمية فان مستقبل الربيع العربي محفوف بالمخاطر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق