بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 7 سبتمبر 2013

ضرب سوريا: دروس مستفادة من التجربة الإسرائيلية مايكل هيرتسوغ


تراقب إسرائيل [الأوضاع في حدودها الشمالية] عن كثب في الوقت الذي تمهد فيه الولايات المتحدة الطريق لتوجيه ضربة محتملة في سوريا. وعلى الرغم من إدراك المسؤولين أن ثمة رد فعل عسكري قوي ضد إسرائيل لا يمكن استبعاده من قبل النظام السوري، إلا أنهم لا يزالون يعدون العدة للتعامل مع أي احتمال أو أي أمور طارئة في هذا الشأن فضلاً عن إصدار بيانات علنية هدفها ردع بشار الأسد. وكما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأسبوع الأخير من آب/أغسطس، "إن دولة إسرائيل مستعدة لأي سيناريو. نحن لسنا جزءاً من الحرب الأهلية في سوريا، ولكن اذا ما شخصنا أي محاولة على الإطلاق لإلحاق الأذى بنا ... فإننا سنرد وبقسوة".
وفي الوقت الذي تحرص فيه إسرائيل بأن لا تظهر كمتورطة في الأزمة، فهي تتوقع أيضاً في قرارة نفسها أن تتخذ واشنطن إجراءات ذات مغزى في هذا الشأن. فبعيداً عن الأبعاد الإنسانية والمعيارية، يعتقد الإسرائيليون أن مصداقية الولايات المتحدة - بين العناصر الفاعلة المحلية والدولية - هي على المحك، خصوصاً في إيران. وسيكون تآكل قوة الردع الأمريكي سيئاً بالنسبة لإسرائيل وكذلك لواشنطن. ولذا ربما يستفيد صناع القرار والمخططين العسكريين من النظر إلى الوراء إلى التجربة الإسرائيلية الطويلة فيما يخص الضربات التي وجهتها ضد سوريا و «حزب الله» و «حماس»، والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى.
الدروس المستفادة
منذ تولي بشار الأسد السلطة عام 2000، شنت إسرائيل عدة غارات جوية جراحية في سوريا. فبين عامي 2001 و 2005، عندما كان الجيش السوري لا يزال يحتل لبنان، كان الهدف من الضربات الإسرائيلية هو الضغط على النظام لكبح جماح الهجمات الإرهابية التي ينفذها وكلاؤه. ففي تموز/يوليو 2001، على سبيل المثال، دمر سلاح الجو الإسرائيلي محطة رادار سورية في شرق لبنان في محاول (فاشلة) لردع «حزب الله». وفي تشرين الأول/أكتوبر 2003  تم توجيه ضربة عسكرية على معسكر لتدريب إرهابيين فلسطينيين بالقرب من دمشق رداً على هجوم انتحاري في إسرائيل جرى تنفيذه بتعليمات من مركز القيادة في سوريا. وقد أفادت بعض التقارير أن الهجمات الأخيرة كانت تهدف منع سوريا ووكلائها من رفع قدراتهم الإستراتيجية. وفي عام 2007، أفادت التقارير بأن إسرائيل دمرت مفاعل نووي في شرق سوريا. وفي أكثر من مناسبة هذا العام، أفادت التقارير بأن هجمات إسرائيلية استهدفت (بتحفظ) القوافل التي كانت تحاول نقل الأسلحة الإستراتيجية إلى «حزب الله» في لبنان.
ويقيناً، هناك فروق واضحة بين إسرائيل والولايات المتحدة من بينها حقيقة أن إسرائيل ليست قوة عظمى لذا فإنها لابد أن ترد وحدها وبإنكار على العديد من المواقف. ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة استخلاص العديد من الدروس - بعضها كانت دروساً مريرة - من مواجهات إسرائيل السابقة في سوريا.
تحقيق التوازن الصحيح عند تحديد موعد شن الضربة العسكرية.
على الرغم من أهمية القيام بالاستعدادات العسكرية المناسبة وبناء التحضيرات القانونية والسياسية والإعلامية والدعائية لأي ضربة عسكرية، إلا أن الانتظار طويلاً قد يتسبب في خلق مشاكل. فبالإضافة إلى إخراج الهجوم عن سياق سببه الأصلي، قد يعطي التأخير الطرف المستهدف وحلفاءه وقتاً ثميناً لإعداد تدابير دفاعية ومضادة. وقد يكون ذلك هو ما يحدث بالفعل في سوريا.
تحديد الهدف بوضوح.
عند التخطيط لتوجيه ضربة عسكرية
، يجب على الجهة المنفذة أن تحدد أهدافها بدقة، وأن توفق بين الأهداف المنشودة مع ما يمكن تحقيقه، وأن تحدد الوسائل لتلبية تلك الغايات.  فخلال الحرب في لبنان عام 2006، حددت إسرائيل في البداية بعض الأهداف غير الواقعية (مثلاً، استرجاع جنود مخطوفين) واضطرت لتعديلها في مواجهة الحقائق الخطيرة. وكانت النتيجة هي تنفيذ إستراتيجية سياسية-عسكرية تفتقر إلى الترابط والتماسك الأمر الذي أدى إلى الوصول إلى نتيجة غير مرضية.
وفي ضوء هدفها الأساسي الخاص بتعزيز مصداقية الولايات المتحدة وردعها، تستطيع واشنطن إما وضع أهداف محدودة أو أهداف إستراتيجية أوسع نطاقاً. ومن المحتمل أن يتكون الخيار المحدود من ردع النظام السوري عن أي استخدام آخر مفرط للأسلحة الكيماوية وذلك عبر فرض ثمن عقابي لأفعاله. وقد يشمل ذلك تدمير بعض من قدرات الأسد في استخدام المواد الكيميائية. ومن الممكن أن يكون الهدف من المنهجية الإستراتيجية الأوسع نطاقاً هو تغيير ميزان القوى في سوريا (وبالتالي إضعاف المحور الراديكالي الذي تقوده إيران)، والذي قد يتطلب توجيه ضربات أكثر قوة وفرض تدابير إضافية لمساعدة مجموعات بعينها من الثوار أو الإطاحة بالأسد بشكل كامل. وأياً كان الهدف المختار، ينبغي على واشنطن أن توضحه بقدر الإمكان وبالتالي تحسن من فرص استيعاب الأسد له وتتيح الفرصة لكي يفسره العالم الخارجي بصورة صحيحة.
وكما توضح التجربة الإسرائيلية، من المستحيل في العديد من الحالات تحقيق هدف واضح المعالم بضربة واحدة. فإذا اختارت واشنطن توجيه ضربة واحدة ومقيدة (التفضيل الواضح للرئيس أوباما)، فإنها ستحقق بذلك هدفاً محدوداً. ومع ذلك، فهذا ليس معناه بالضرورة تنفيذ عملية رمزية وغير فعالة، فمن خلال اختيار الأهداف المناسبة وتوجيه الهجوم بالطريقة الصحيحة تستطيع الولايات المتحدة تحقيق أهداف هامة دون مزيد من التصعيد.
تحقيق التوازن الصحيح بين الفعالية والاحتواء.
لكي يكون الهجوم فعالاً، يتعين أن تدمر الضربة المحدودة بعضاً من مصادر القوة الكبرى التي يعتمد عليها الأسد، ولدى سوريا الكثير من الأهداف الكيميائية والعسكرية ومراكز القيادة والتحكم من هذا النوع. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يكون خيار شل حركة سلاح الجو الضعيف التابع لنظام الأسد متوافقاً مع تحقيق هدف محدود. ومع ذلك هناك نقطة معينة قد يشعر الأسد بعدها أنه مضطر للتصعيد حتى لو كان ذلك ضد مصلحته الشخصية. فعند اختيار الأهداف، قد تحتاج واشنطن أن تولي بعض الاهتمام للتأثير النفسي والرمزي لأي أعمال موجهة ضد أهداف تخص القيادة الرئيسية (إلا اذا اختارت قطع رأس الأسد). ففي حزيران/يونيو 2006، أحدثت الطائرات الإسرائيلية دوي أصوات خارقة لنطاق الصوت فوق قصر الأسد قرب اللاذقية بعد قيام فصائل فلسطينية مدعومة من سوريا باختطاف جندي إسرائيلي. ومع أن الأمر يتجاوز مسألة إذلال الأسد، إلا أن ثمة شك حول ما إذا كان ذلك الاستعراض للقوة قد أحدث تأثيراً حقيقياً على سياساته أم لا.
أخذ العواقب بعين الاعتبار.
إن الحساب الشامل لعواقب الضربة العسكرية يمثل أهمية جوهرية، لاسيما من حيث تقدير رد فعل الأسد (وحلفائه) ومن حيث الإعداد لرد فعل مضاد ووضع جميع هذه الإجراءات في سياق إستراتيجية للخروج. وكما في لعبة الشطرنج، فإن الشيء المهم هو التخطيط المسبق لبعض الخطوات. وقد فشلت إسرائيل في القيام بذلك في حرب لبنان عام 2006 - فقد كان المقصود منها في الأساس توجيه ضربة واحدة وحاسمة إلا أنها أصبحت حرباً مطولة غير متماثلة مع إستراتيجية خروج غير متسقة. وفي سوريا، ينبغي على المرء أن لا ينظر فقط إلى رد الفعل الفوري والمباشر للضربة (بما في ذلك ضد دول الجيران العربية مثل الأردن) ولكن لابد من النظر أيضاً إلى أكثر السيناريوهات احتمالاً وهو رد الفعل غير المباشر من خلال الوكلاء السوريين والإيرانيين.
التخفيف من مخاطر التصعيد العسكري.
من الممكن أن تساعد العديد من الإجراءات الرادعة في منع التصعيد بما في ذلك إرسال رسائل واضحة فضلاً عن الانتشار العسكري الواضح وحالة التأهب. فقد أعقبت الضربة التي أفادت التقارير أن إسرائيل وجهتها على المفاعل النووي السوري عام 2007، رسائل تحذر الأسد من أية ردود فعل انتقامية. كما أن الضربات العسكرية التي أفادت التقارير أن إسرائيل وجهتها هذا العام ضد عمليات نقل الأسلحة الاستراتيجية قد أعقبتها تحذيرات علنية. ويذكر أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها عن أي من هذه الهجمات، ويفترض أن ذلك يعود إلى السماح للأسد بحفظ ماء الوجه وممارسة ضبط النفس. وفي النهاية، لم تثأر دمشق، على الرغم من أنها ألقت اللوم على إسرائيل وأصدرت التهديدات ضدها. وأحياناً قد تكون الرسائل الهادئة أكثر فعالية من نظيرتها العلنية، في حين أن الرسائل المبالغ فيها ربما تأتي بنتائج عكسية.
وفي التجربة الإسرائيلية، أثبت الأسد أنه فاعل يتسم بالعقلانية (حتى لو أنه شخص عديم الرحمة). لقد تم ردع الأسد من الرد على الضربات الأخيرة والسابقة لأنه لم يكن راغباً لأن يستدعي عواقب القوة العسكرية الإسرائيلية. ولذلك، فإن أمام الولايات المتحدة فرصة جيدة لردعه أيضاً. غير أنه للقيام بذلك، ينبغي على واشنطن أن تكون مستعدة لمعاودة الهجوم على سوريا عسكرياً حال اتجاه الأسد نحو التصعيد عقب توجيه ضربة أمريكية أولية. يتعين على الأسد أن يكون على يقين بأنه سيدفع ثمناً أكثر إيلاماً - بما في ذلك اتخاذ إجراءات أمريكية أوسع نطاقاً من شأنها أن تهدد حكمه - إذا لم يلتفت إلى رسائل الردع. وبعبارة أخرى، فإن توجيه ضربة عسكرية محدودة وفعالة يتطلب المخاطرة وفي هذه الحالة هناك فرصة جيدة بأن يرتدع الأسد أولاً ويغض الطرف عن ذلك الهجوم.
توقع ما هو غير متوقع
كما هو الحال مع أي استخدام للقوة، ينبغي على المرء أن يستعد دائماً أن ذلك قد يسفر عن حدوث عواقب غير مقصودة مثل وقوع خسائر في صفوف المدنيين أو خطأ في الحسابات. على سبيل المثال، في نيسان/أبريل 1996، أدى إطلاق بطارية مدفعية إسرائيلية على قرية قانا في جنوب لبنان إلى مقتل أكثر من 100 مدنياً بطريق الخطأ خلال عملية "عناقيد الغضب" - الحملة التي كانت تهدف إلى انهاء إطلاق صواريخ «حزب الله» من لبنان. وبالإضافة إلى ارتكابها خطأ مأساوياً، اضطرت إسرائيل إلى وقف العملية في وقت سابق مما كان مخططاً له.
عند النظر في استخدام القوة العسكرية، لابد من الاعتراف إذاً بخطورة مسار الأمور في الاتجاه الخاطئ وإخراجها عن نطاق السيطرة. ومع ذلك، توضح التجربة الإسرائيلية مع الهجمات التي استهدفت الأراضي السورية أن التحليل والتجهيز الدقيق والشامل من الممكن أن يسهل من مواجهة تلك الأخطار والتعاطي معها.

مايكل هيرتسوغ هو عميد (متقاعد) في "جيش الدفاع الإسرائيلي"، وزميل ميلتون فاين الدولي في معهد واشنطن، ومقره في إسرائيل.  وقد شغل سابقاً منصب رئيس التخطيط الاستراتيجي لجيش الدفاع الإسرائيلي، مساعد عسكري أقدم، ورئيس موظفي مكتب أربعة وزراء دفاع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق