بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 1 سبتمبر 2013

المصالحة بين السيسي والإدارة الامريكية والمحاكمة الدولية محمد عبد الحكم دياب


كيف نجعل دعوة المصالحة في مصر ممكنة؟، هذا السؤال له علاقة بما أنتهينا إليه في مقال الأسبوع الماضي وكان ‘ماذا عن الموقف من السيسي؟ وماذا عن التوقيعات التي تجمعها جماعة الإخوان وحلفاؤها لتقديمها للمحكمة الجنائية الدولية ضد القائد العام للقوات المسلحة المصرية؟’، وكنت وأنا أرتب لتناول الموضوع أسأل نفسي كيف تغيرت طبائع المصريين؟ وكيف لهم وهم المعروفون بالتحمل والصبر والجلد ومواجهة المكاره والظلم لسنوات طويلة، ووقوعهم في الأربعة العقود الأخيرة تحت ضغط بالغ ومعاناة شديدة بسبب مقامرات السادات ونرجسيته وشطحاته والإصرار على التطبيع والتبعية، وبسبب دولة مبارك البوليسية وجبروتها وتبعيتها، ومع ذلك لم يتحملوا مرسي أكثر من سنة؟.. وهذا يعني تغير إيقاع الزمان وتطور أوضاع المكان.
وأبدأ بالقول أن الغالبية العظمى من سياسيي مصر ينسون أن السياسة هي القوة الناعمة التي تقف وراء صياغة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين الوطن والمواطن، ومع ذلك فإن للدولة الحديثة وحدها حق احتكار الضبط والربط، والولاية في فرض النظام واستخدام القوة الخشنة؛ على قواعد القانون وضمانات الحريات وفق معايير القوانين الوطنية والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، والمواطن الذي يحمل السلاح ضد مواطن آخر يعد خارجا على القانون وعلى النظام العام ويخضع للمحاسبة، أما من يحمل السلاح ضد الدولة فتصرفه يرقى إلى مستوى العصيان المسلح، وهو غير العصيان المدني؛ المشروع والسلمي.
ويحسب لثورة 25 يناير أنها لم تلجأ للعنف ولا لقنابل المولوتوف الحارقة ولا للأسلحة النارية أو البيضاء، ولا مدافع الجرونوف السريعة الطلقات، وقد استخدمت في مذبحة ‘كرداسة’ مؤخرا. وإذا ما تناولنا موقف السيسي فسوف نلاحظ وجود فجوة شاسعة بين صورته اللامعة والإيجابية بين الرأي العام الداخلي؛ إذا ما استثنينا جماعة الإخوان المسلمين وحلفاءها، أما الرأي العام في أوربا والولايات المتحدة يعاديه إلى حد كبير، ويصل إلى مستوى التحامل، وهو ما انعكس على موقف قطاعات واسعة في الداخل، وهي تنظر إلى الهجوم عليه باعتباره تحريضا ضد الجيش الوطني، وتهيئة الظروف لاستنزافه وتفكيكه، وفك ارتباطه بالشعب، الذي ينظر إلى قواته المسلحة على أساس أنها ‘مصنع الرجال’، وتستهدف الحملة عقاب المصريين على تقديرهم لجيشهم ومساندته.
يرى البعض أن تأييد الملايين للسيسي ليس إلا نفاقا، وقد يكون ذلك صحيحا، إذا لم يكونوا قد رأوا من من المشهد إلا ‘كدابين الزفة’، وهم موجودون في كل زمان ومكان، وأن تكون كل هذه الملايين من ‘كدابي الزفة’ فهذا ظلم بيّن للشعب وهو يقدم كل هذه التضحيات، وهناك سبب نفسي يفسر ذلك التأييد يعود إلى التعطش إلى استرداد الكرامة، وإلى تحديه للإدارة الأمريكية وتمرده على آن باترسون مندوبة واشنطن السامية في القاهرة قبل أن ترحل الأسبوع الماضي، ووجد تشدده ضدها ورفض الرد على مكالمات الرئيس الأمريكي أكثر من مرة؛ وجد تقديرا بالغا، وقد استقبل الرأي العام تصريحاته لصحيفة ‘الواشنطن بوست’ في مطلع هذا الشهر (أغسطس) بارتياح كبير بسبب ما فيها من صراحة وحسم تجاه الإدارة الأمريكية. وفي الوقت الذي أعلن فيه عن نيته في عدم الترشيح لمنصب الرئيس انتقد الرئيس الأمريكي لعدم احترامه للإرادة الشعبية المصرية، وأعاد بذلك سيرة القادة العظام من أمثال أحمد عرابي وعزيز علي (المصري) وعبد المنعم رياض ومحمد فوزي وسعد الدين الشاذلي وعبد الغني الجمسي والقائمة تطول، وجاءت التصريحات ردا على ضغوط أمريكية لصالح جماعة الإخوان، ولذا طلب من الإدارة الأمريكية استخدام نفوذها لدى الجماعة لحل الأزمة السياسية، وشدت هذه الجرأة المفتقدة منذ غياب عبد الناصر الأنظار ومنحته شعبية كاسحة رغم الحملات الضارية ضده.
وكلما زاد استهداف السيسي زاد الالتفاف حوله، ووصل هذا الاستهداف حد قيام مكتب الإرشاد بتشكيل فريق قانوني دولي لرفع قضايا ضد القوات المسلحة، وتنظيم استلام البلاغات وحصر الاتهامات وتصنيف المعلومات وتحديد المتهمين والضحايا المفترضين، ويتولى التنظيم الدولي ترجمة النصوص القانونية إلى الإنكليزية والفرنسية والأسبانية، وتقديم كل ما يمكن لإثبات عدم توافقها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وفي الوقت الذي يتم فيه الحديث عن المصالحة وعن وساطات داخلية وعربية ودولية يتزايد التصعيد كل ساعة بشكل يعرقل مطلب المصالحة، ولم تتوقف الاتصالات الإخوانية بجمعيات حقوق الإنسان الغربية، وشركات العلاقات العامة الأمريكية والأوروبية، من أجل كسب الرأي العام الخارجي، والاعتماد الكبير على جهودتركيا، وقد حشدت كبار رجال القانون فيها لتجهيز البلاغات للفريق القانوني ومساعدته بالخبرات اللازمة.
في المقابل أدلى المستشار عادل ماجد نائب رئيس محكمة النقض بدلوه في دعوة مناهِضة للتوقيعات التي يجمعها أنصار الرئيس المعزول بموقع الكتروني عنوانه ‘المحكمة الجنائية الدولية’ بغرض إحالة القائد العام للقوات المسلحة لها. ورأى أن تضخيم الأمور على هذا النحو قد يفضي إلى نتائج عكسية، والادعاء بأن الجيش المصري مرتكب لجرائم تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية هو شيء من قبيل اللغو، ولا يمكن أن يصدر عن مصري مخلص لوطنه. وأضاف أن قراءته لما تضمنه الموقع الالكتروني من قدح في جيش مصر وشعبها العظيم بما يخالف أبسط مظاهر الوطنية، على حد قوله، وهو ما حرك في نفسه حس الغيرة على هذا الوطن العظيم المستهدف من قبل أعدائه، ودفعه إلي التعليق.
وأعلن أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لا ينعقد إلا على الدول الأطراف المصدقة علي نظامها الأساسي، ومصر دولة غير طرف، فلا اختصاص لهذه المحكمة عليها. وذلك يمكن فقط في حالات استثنائية أن ينعقد اختصاص المحكمة بنظر قضايا خاصة بدول غير أطراف إذا تمت إحالتها إليها من قبل مجلس الأمن على النحو الذي تم بالنسبة للوضع في ليبيا. هذا وقال شاهدنا العديد من المحاولات لإحالة الوضع في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية عن طريق مجلس الأمن, ألا إنها باءت جميعا بالفشل لاستخدام روسياوالصين حق النقض (الفيتو). وأشار إلى ما هو معروف عن قادة الجيوش المصرية منذ القدم واحترامهم لقواعد وأعراف الحروب وقواعد الاشتباكات المسلحة. وهذا الاحترام لا ينبع فقط من احترامهم للقوانين والأعراف الدولية، بل أيضا من قيمهم الحضارية وثقافاتهم الدينية، التي تدعو للرحمة والتسامح حتى مع الأعداء. ودليل على ذلك ممارسات القوات المسلحة المصرية خلال الحروب التي خاضتها بمختلف العصور ومعاملة الجنود المصريين لأسرى الحرب والمدنيين وفقا لقواعد القانون الدولي الإنساني.
وتطرق للمادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهي تنص على أن أحكام هذا النظام لا تنطبق على حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية، كما أنه يكون دائما لسلطات الدولة الحق في حفظ وإقرار القانون والنظام، وأيضا الدفاع عن وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية، بجميع الوسائل المشروعة. وإذا لجأت الجماعات أو التنظيمات إلى استخدام العنف لإثارة الرعب والفزع بين الناس بغرض الضغط علي الدولة لتحقيق أهداف سياسية، خضعت لمنظومة الإرهاب الدولي، وينطبق هذا جليا على المشهد المصري بعد أن أعلن قادة تلك الجماعات المسلحة صراحة رغبتهم في حرق مصر وزعزعة استقرارها بهدف إثارة الرعب والفزع بين المواطنين، خاصة إذا ثبت ارتباط أفراد تلك الجماعات بالتنظيمات الإرهابية في سيناء أو خارج أرض الوطن، وذلك يستلزم من سلطات التحقيق إبراز الطريقة المنظمة والمنهجية التي يتم بها ارتكاب جرائمهم، وارتباطاتهم التنظيمية، من خلال استراتيجيات تحقيق شاملة ومدروسة تربط الوقائع بعضها البعض. ووجد نائب رئيس محكمة النقض أنه في حالة النظر إلى الوضع الراهن في مصر أن ارتكاب جماعات العنف المسلح المناصرة للرئيس المعزول أفعالا ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية، فقائمة الجرائم المنسوبة لهم باتت طويلة تستحق التوثيق والعرض بطريقة صحيحة على الرأي العام العالمي. ومن قبيل ذلك استهداف الأخوة المسيحيين بالقتل واستهداف دور عبادتهم بالحرق والتدمير بطريقة ممنهجة وعلى نطاق واسع وذلك على النحو المعاقب عليه بالمادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. بجانب ما أثير من وقائع استهداف المدنيين بالقتل والتعذيب من قبل معتصمي النهضة ورابعة العدوية وكذا استخدام النساء والأطفال كدروع بشرية، واستغلال الأطفال والاتجار بهم وتعريضهم للخطر، والقتل العشوائي للمدنيين وأفراد الشرطة بدون تمييز، وكلها أفعال تندرج أيضا تحت طائفة الجرائم ضد الإنسانية.
ونبه المستشار ماجد إلى خطأ إطلاق وصف الميليشيات المسلحة على تلك الجماعات بما يعنيه هذا من خضوعهم لأحكام اتفاقية جنيف لعام 1949 وبروتوكولها الإضافي الثاني الخاص بالنزاعات المسلحة غير الدولية بما يمهد الطريق للتدخل الدولي. كما نوه إلى حالة ضبط أجانب على الأراضي المصرية يحملون السلاح أو يشاركون في أعمال العنف فيتم التعامل معهم كمرتزقة يخضعون للقوانين العسكرية الخاصة، أو لقوانين مكافحة الإرهاب في حالة ارتكابهم أعمالا إرهابية.وأكد على أن الحل في وقف حملات التحريض وخطب الكراهية، وتحكيم العقل والمنطق، والتمسك بقيم التسامح، والجلوس على مائدة الحوار بهدف إصلاح ذات البين، ووقف العنف الذي لا يخدم سوى مصالح أعداء الوطن، واستنكر التعميم في كيل الاتهامات لعدم تعميق الخلاف. واعتبر أن الوقت قد حان للالتجاء إلى آلية وطنية محايدة ومستقلة تجمع حكماء هذا الوطن في المفوضية العليا للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية لاحتواء الموقف ومعالجة حالة الاحتقان التي يشهدها المجتمع تمهيدا لتطبيق آليات العدالة الانتقالية.
وكشف هيثم التابعي من وكالة الانباء الفرنسية في هوامش خاصة به أنهم كلهم (يقصد الإخوان وفلول مبارك) لا يروننا؛ ‘مبارك اعتبرنا اخوان’، والاخوان يعتبروننا فلول مبارك. ‘الكل يتجاهل شعب مصر’. ويتذكر انه كتب بعد خطاب مرسي ان ‘الجماعة لا ترى 30 يونيو اصلا.. في كل الاوقات كانت هناك ادارة سيئة للموقف، وتفاصيل موقعة الاتحادية لا تزال ترن في اذني كلمة قيادي مسجون الان الوضع مشرق ولا يدعو إلى القلق، مصر عظيمة والأمر سيمر بخير’، وتابع ‘شوية عيال قليلة الترباية وهنربيهم’. وهكذا كانت الجماعة تتعامل مع الجميع بمبدأ ‘هنربيهم’ لكن احدا لن يتمكن من تأديب الشعب المصري بكامله، لا الجماعة ولا غيرها. وهذه هي المشكلة، ورغم ذلك علينا ألا ندخر جهدا من أجل المصالحة والمحاسبة، فهو جهد مطلوب وملح لحقن الدماء!! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق