بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

العراق في مرمى الأزمة السورية - صادق كاظم


مر اكثر من عامين على اندلاع الاحداث في سوريا والتي كانت في بداياتها تظاهرات سلمية  مطالبة بتغيير النظام ضمن موجة التغيير التي شهدتها المنطقة والتي ادت الى تغيير اربعة انظمة رئيسية ومهمة في العالم العربي.
لكن الوضع السوري المعقد واستعجال بعض القوى والاطراف السورية المعارضة  لتبني الخيار المسلح ودخول اطراف اقليمية ودولية راغبة بتصفية الحساب مع دمشق على خلفية  تحالفها مع طهران ضمن ما يعرف بمحور الممانعة والمقاومة افقد هذه التظاهرات زخمها وجعل الانتفاضة السورية تسقط في فخ التعثر والارتباك وضاعف من هذا الوضع مشاركة تنظيم القاعدة في العمليات المسلحة الدائرة في سوريا وعملياتها الدموية التي تبنتها والتي الحقت خسائر كبيرة في صفوف المدنيين السوريين، وهو أمر شوه كثيرا من صورة الحدث السوري وأدى الى اضافة المزيد من التحفظ الدولي الداعم للمعارضة السورية التي لم تنج هي الاخرى من الارباك والتخبط في عملها عبر فشلها في تبني برنامج عمل سياسي يرتب لوضع سوريا ما بعد نظام بشار الاسد، اضافة الى طمأنة حلفاء النظام الى دور سوريا المقبل في المنطقة،بل انها وبالعكس سارعت الى تبني خطابات ثأرية تدعو الى تصفية النفوذ الايراني وقطع العلاقات مع حزب الله وربما الدخول في حرب الى جانب الاسرائيليين ضده وهو ما لم يكن ليسمح به الايرانيون وحزب الله،فضلا عن نشاط مسلح على الحدود مع العراق وعمليات تهريب كثيفة للاسلحة والمسلحين بين سوريا والعراق . 
الموقف العراقي الرسمي من الاحداث السورية حاول ان يكون حياديا قدر الامكان تقديرا لوضعه الحساس بالنسبة الى المشهد السوري فواشنطن العدوة لسوريا والحليفة لجماعات المعارضة السورية كانت ترغب في انضمام العراق ال
ى الحلف المناوئ لنظام بشار الاسد والمساهمة في تضييق الخناق عليه عبر قطع رئة التعامل مع دمشق والتي تشكل احد المنافذ القليلة التي يتنفس منها النظام بعد القطيعة الكبيرة التي عانى منها بسبب العقوبات الدولية والاقليمية التي اتخذت بحقه بينما كانت تفضل طهران ان يبقى العراق الى جانب نظام الاسد وان لا يعمل على اضعافه ومقاطعته ،حيث ان الجماعات الايديولوجية المسلحة في سوريا لا تكن الود لحكومة بغداد وتخاصمها، وتقوم باطلاق تصريحاتها التي تهدد بالزحف نحو بغداد بعد اسقاط دمشق.
هذه المواقف الضاغطة على بغداد لم تكن تتيح امامها اي خيار سوى تبني نهج الاعتدال والحياد في تعاملها مع ازمة معقدة وصعبة كالازمة السورية التي دخلت فيها الاطراف الاقليمية المتصارعة كطرف في النزاع والتقاتل فيما بينها في داخل الساحة السورية ،اذ يصعب عليها مسايرة الاميركان في معا قبة دمشق وتضييق الخناق عليها او التحالف مع دمشق والوقوف بوجه حكومات واشنطن والرياض ولندن وباريس ممن تقود محور التحالف الدولي المناوئ لنظام بشار الاسد.
الفوضى التي تعاني منها الفصائل المسلحة السورية التي تقاتل نظام بشار وسلوكها العدواني تجاه العراق،حيث حوادث اطلاق النار المتكررة التي تستهدف قوى الامن العراقية المنتشرة على الحدود العراقية مع سوريا ووجود عناصر تابعة لتنظيم القاعدة من الفرع العراقي وانضمامها الى الفرع السوري وتشكيل جبهة واحدة وتبني هذا التنظيم المسؤولية عن عدة عمليات مسلحة استهدفت قوات الامن ومواطنين عراقيين، وهي أمور جعلت من الحكومة العراقية لا تطمئن اليها فضلا عن سيطرة دول عليها كالسعودية تناهض بغداد وتبني هذه التنظيمات المسلحة لمواقف تلك الدول الداعمة لها تجاه العراق ورفضها اية مبادرات ودية تجاه العراق.
وبالرغم من ان العراق فتح قنوات اتصال مع التنظيمات السورية المعتدلة واقناعها بالحوار مع الحكومة السورية الا ان تلك المساعي العراقية لم يكتب لها النجاح بسبب خشية تركيا والسعودية وقطر من نفوذ عراقي متزايد في اوساط التنظيمات المعارضة يكون على حسابها ويقلل من ارباحها على الساحة السورية ،اضافة الى عدم قدرة الحكومة العراقية على مزاحمة النفوذ التركي الخليجي في الازمة السورية ماليا وسياسيا وجذب تلك التنظيمات الى جانبها والبحث عن حل سلمي للازمة السورية يوقف دورة العنف والدمار التي تشهدها سوريا منذ اكثر من عامين .
الموقف العراقي المحايد لم يوقف فاعلية دور العراق في الازمة ،حين اصبح العراق محطة لتبادل الرسائل والمبعوثين بين دمشق وواشنطن وزيارات وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى بغداد بهذا الصدد بهدف نقل رسائل الى اطراف الازمة الآخرين قبل ان تحتكر موسكو الحليف القوي لبشار الاسد الدور ولجوء لاعبي الازمة السورية الى موسكو لتنسيق المواقف والمبادرات معها.
نجاح النظام السوري مؤخرا في استعادة زمام المبادرة الميدانية والقيام بعمليات عسكرية كبيرة ومؤثرة ساعدت في اعادة سيطرته على مساحات واسعة من الاراضي السورية كانت خارج سيطرته وتبنيه لتكتيكات العزل والحصار للجيوب المسلحة بدلا من خيار القتال الجبهوي المباشر المكلف بشريا واعادة النظر باستراتيجيته العسكرية من خلال توزيع قواته المسلحة في ميدان المواجهة واشراك المزيد من القطعات النظامية في العمليات التي يقوم بها في شمال البلاد ووسطها والتي كان يحظر اشتراكها في السابق خوفا من انشقاق افرادها وميله الى تحويل قوات المشاة التقليدية الى قوات كوماندوس قادرة على خوض حرب المدن بعد اعادة تدريبها وتأهيلها للمشاركة في حرب الشوارع الشرسة التي تواجهها القوات السورية، كل هذه الأمور دفعت في الواقع داعمي المعارضة السورية من الاميركيين والسعوديين الى تبني خيارين مزدوجين ومضادين يقوم على دعم المعارضة بالاسلحة المتطورة المضادة للدروع والطائرات من اجل تحجيم الاندفاع السوري نحو القرى والمدن الخاضعة لسيطرة المعارضة وفي الوقت نفسه تحقيق انتصار كبير يوازي هزيمة المعارضة في القصير من اجل معادلة كفة النزاع والذهاب الى جنيف بأوراق ضغط ومساومة فاعلة ومؤثرة تسمح لها تحقيق مطالبها في تلك المفاوضات.
دور بغداد يظل حياديا برغـــم الاتهامـــات بالسمــــاح بمــرور شحنـــات الاسلحــة الايرانية الى دمشق عبر الاجواء العراقية والتي لا تبدو مقنعة  بسبب ان دمشق تملك فائضا ضخما وكبيرا من الاسلحة ،فضلا عن عشرات المصانع الحربية التي تغذي قوات الجيش السوري بما يحتاجه ،فضلا عن  ان دول الغرب والخليج المنتقدة لبغداد هي نفسها تقوم بامداد وتزويد المعارضة السورية المسلحة بمختلف انواع الدعم والسلاح ، بل وتعلن عن ذلك ولا تنفيه ما يكشف عن ازدواجية ورغبة في ممارسة ضغط على حكومة بغداد.
الموقف الحيادي لبغداد يبدو الموقف الاكثر مقبولية ورواجا لدى الساسة العراقيين،اذ ان هذا الدور يبدومطلوبا من اجل التوازن بين جميع الاطراف،فضلا عن انه يحفظ دور العراق في اية مفاوضات او ترتيبات دولية بشأن مستقبل الاوضاع في سوريا.
كما انه يثبت للعراق بانه الجار الذي لم يسع للانحياز الى اي طرف ما يجعل من اعتبار العراق جارا ستراتيجيا ومؤثرا لدى اية حكومة سورية سواء اكانت الحالية منها او المتغيرة مستقبلا امرا مفروغا منه ولا يمكن تجاهله بعد ان بات الحديث عن قرب حسم معركة دمشق من قبل المعارضة وداعميها امرا بعيد الاحتمال بعد تغيير المعادلة ومبادرة الجيش السوري لاقتحام معاقل المعارضة القريبة من دمشق واعادة السيطرة عليها ،اضافة الى وجود جبهة النصرة وسلوكها الدموي المثير للاشمئزاز والمقلق للغربيين والخليجيين ما يجعل من القبول بحل سلمي وسطي امرا قائما ومفتوحا خاصة بعد قلق الكثير من الأطراف من تداعيات أية ضربة اميركية محتملة ضد سوريا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق