بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

لصوصية البنوك- جهاد الخازن


أشعر اليوم بأنني في سبيل كتابة مقال مقدمته أطول من الفكرة التي سأصل إليها قرب النهاية، أي أنني كمَنْ يبني غرفة جدرانها أعرض من مساحتها الداخلية. مع ذلك أرجو القارئ أن يصبر عليّ لأن المقدمة مسليّة ومفيدة والفكرة مهمة.
المرابي اليهودي شايلوك في مسرحية شكسبير «تاجر البندقية» يُقرِض انطونيو ثلاثة آلاف دوكات لثلاثة أشهر مع تعهّد المُستَدين بأن يدفع للدائن رطلاً من لحمه إذا تخلَّف عن الدفع. ويعجَز انطونيو عن تسديد القرض ويطالبه شايلوك برطل من لحمه، وينتهيان في المحكمة التي تقول إن الاتفاق ينصّ على رطل من اللحم، ويحق لشايلوك أن يحصل عليه، إلا أنه لا يشمل سفك دم انطونيو، فإذا استطاع شايلوك أن ينتزع رطل اللحم من دون أن ينزف انطونيو فهو حقه.
شايلوك يخسر القضية، ويخسر مرة ثانية وابنته جسيكا تهرب من البيت ومعها مال ومجوهرات لتتزوج لورنزو، صديق انطونيو، وتعتنق المسيحية.
مسرحية «تاجر البندقية» عزَّزت حجة أنصار اللاساميّة في أوروبا، ودخلت كلمة شايلوك قاموس الإنكليزية فالفعل منها بمعنى الربا الفاحش.
على سبيل الشرح، دوكات قطعة عملة ذهبية كانت مستعملة في أوروبا حتى الحرب العالمية الأولى. وفي العصر الوسيط كان المسيحيون في أوروبا يتحرجون عن ممارسة الربا حتى لو كانت الفوائد محدودة لأنهم يعتبرونه خطيئة في دينهم، مثل المسلمين. وهكذا كان أن أصبح أكثر المُرابين من اليهود الذين يمنع دينهم (سفر التثنية) الربا بينهم ولكن يسمح لهم
بالربا في التعامل مع غير اليهود.
أعتقد أن مسرحية «تاجر البندقية» فُهِمَت خطأ في زمانها وعندما درستُها أيام الثانوية في بيروت، فدوافع شايلوك لم تكن الربا بل الانتقام، وهو يقول لأنطونيو وهما يتفاوضان على المبلغ إن انطونيو أهانه وبصق عليه أمام الناس، وكان واضحاً تماماً من حوار المسرحية أنه يكره انطونيو المسيحي ويريد أن ينتقم.
شايلوك ظُلِمَ وعوملت شخصيته في المسرحية بطريقة لاساميّة. والآن سيعيد الكاتب اليهودي البريطاني هوارد جاكوبسون كتابة المسرحية، ضمن برنامج لدار النشر راندوم يعيد كتابة عدد من مسرحيات شكسبير، فأخلص من شايلوك إلى الفكرة التي أشرت إليها في البداية.
البنوك العالمية هي مرابي العصر، تسرق الناس جهاراً نهاراً بحماية القانون، وبما أنني لم أكن في حياتي دائناً أو مديناً فإنني أستطيع أن أتكلم عن الموضوع لفائدة القارئ من دون أي مصلحة شخصية على الإطلاق.
عدتُ من بيروت إلى لندن قبل أيام واكتشفتُ مع وصولي أنني لم أحمل معي حوالى مئة جنيه استرليني نسيتها عندما غيّرت ثيابي. وقفتُ أمام مكتب صيرفة صغير في المطار لأحوِّل مئة دولار إلى الاسترليني بهدف دفع إيجار التاكسي إلى البيت ووجدت أنه سيعطيني 53 جنيهاً للمئة دولار، مع أن التحويل وفق قيمة العملتَيْن هو 65 جنيهاً. واكتشفت أن سعر بيع الاسترليني للدولار هو 176 سنتاً ومعه عمولة بمبلغ 2.5 جنيه.
غضبتُ وانتقلت إلى مكتب صيرفة مقابل وسمعت الأسعار نفسها، وحاولت صرف عشرة دولارات لآخذ القطار بدل التاكسي، فلم أكن أحمل حقائب، ووجدت أنني سأتلقى أقل من خمسة جنيهات بعد خصم العمولة، ما لا يكفي أجر القطار. الصيرفي نفسه قال لي أن أذهب إلى متجر مجاور وأشتري شيئاً بحوالى جنيه، وأتلقى بقية المبلغ بالاسترليني من دون عمولة ما يكفي أجر القطار.
وجدتُ أن الفرق بين بيع الدولار وشرائه حوالى 30 بنساً إنكليزياً، تُضاف إليها العمولة، وهذه لصوصية أين منها أسوأ المُرابين.
وخرجتُ من المطار وأنا أفكر بألوف السيّاح الذين يصلون إلى مطار هيثرو كل يوم، وبينهم عرب كثيرون، أغلِقَت في وجوههم مصر ولبنان، ويُسرَقون في المطار وهم يصرفون عملة أجنبية للحصول على جنيهات. والسرقة مجتمعة تصل إلى الملايين والبلايين، وليست عشرة دولارات كما حدث معي.
أتمنى لو أن كل سائح عربي يأتي إلى لندن وهو يحمل جنيهات استرلينية حتى لا يُسرَق في المطار، إذ يكفي أن يُسرَق في الفنادق والمطاعم والمتاجر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق