بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 15 سبتمبر 2013

دوافع التعديل الحكومي في الجزائر محمد الأشهب


يهدف التعديل الحكومي الذي أحدثه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى ترتيب الأوضاع لمواجهة أكثر من استحقاق، انتخابات الرئاسة وعودة الجزائر إلى الساحة الإفريقية والمغاربية بعد تراجع نفوذها. ولم يكن صدفة أنه بعد التعديل مباشرة، انبرت الجزائر للقيام بوساطة بين حركة «النهضة» الإسلامية الحاكمة في تونس والمعارضة التونسية، رغم أن هكذا مسعى جرى الإعداد له مسبقاً.
ويشكل اختيار المفوض السابق في شؤون السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي رمضان العمامرة لرئاسة ديبلوماسية بلاده، مؤشراً لناحية إيلاء الأسبقية للمجال الإفريقي الذي اعتبر دائماً من بين محاور العصر الذهبي للديبلوماسية الجزائرية. بخاصة في ضوء إخفاق الجزائر في القيام بدور أكبر كانت تعول عليه في منطقة الساحل جنوب الصحراء، خصوصاً في مالي.
انضاف إلى الحد من النفوذ الجزائري في الساحة الأفريقية أن تعاطيها والملفات المغاربية والعربية أبعدها عن دائرة التأثير الذي كانت تتوخاه. وانكفأ الاهتمام إلى الداخل، إثر مرض الرئيس بوتفليقة والانشغال بترتيبات الوضع الداخلي التي انفجرت في شكل صراعات طاولت قيادة جبهة التحرير، وتزايد ضغوط المعارضة لثني الرئيس عن الترشح لولاية رابعة، ما يفسر الاختيار الذي وقع على رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز وزيراً للداخلية التي ترعى كافة الاستحقاقات الانتخابية، وهو من الشخصيات المقربة إلى الرئيس بوتفليقة الذي يسعى إلى الجمع بين نفوذ الداخل والخارج، مدعوماً بجناح عسكري يقود الجنرال المتنفذ محمد قايد صالح الذي عينه نائباً لوزير الدفاع بصلاحيات واسعة، قد تنسحب على قطاعات عسكرية وأمنية حيوية.
بيد أن عودة ملف الاستقرار إلى الواجهة يبرز من خلال مظاهر التحالف الجديد بين الرئاسة والجيش، في ظل الإفادة من تجارب الحراك العربي التي أدت إلى اشتعال الشوارع. وتريد الجزائر، من خلال فرض سيطرة الجيش والانفتاح على التيارات الإسلامية، الإيحاء بأنها تقف في موقع وسط بين ما يحدث في مصر وتونس. وتعتبر تجربتها المريرة في الحد من نفوذ الحركات المتطرفة نموذجا قابلاً للتهذيب، وهي الرسالة التي سعت لإبلاغها عبر الوساطة في الأزمة التونسية. فيما التلويح بهذا الدور لا يستثني الأوضاع المتوترة في جوارها الجنوبي في منطقة الساحل والصحراء.
ويبدو جلياً أن التلويح
بتثبيت أركان الاستقرار على الصعد الأمنية والعسكرية والسياسية، أريد له إبراز الدور الذي اضطلع به الرئيس بوتفليقة منذ ولايته الأولى. كونه أول رئيس مدني استطاع إخراج البلاد من عنق الزجاجة بعد عشرية عنف مدمر، أي أن ترتيب الأجواء أمام انتخابات الرئاسة يركز على محورين داخلي وخارجي لتعبيد الطريق أمام استمرار الخيار الذي يمثله بوتفليقة ورجالاته، سواء استقر الرأي على الترشح لولاية رابعة أو اختيار خلف لا يحطم المعبد على مرتاديه. إلا أن كل ذلك يظل رهن التطورات المتلاحقة، وهل سيكتفي خصوم بوتفليقة بالوقوف عند مقاعد المتفرجين أم أن اللعبة مرشحة لفصول جديدة من الصراع غير المعلن.
التعديل في جوهره ومراميه أراد الجواب عن السؤال الكبير: إن كان بوتفليقة سيترشح لولاية قادمة، وبدل أن يفصل في ذلك دستورياً، في ضوء الخلافات القائمة خلص إلى تكريس وضع يشير إلى استئثار الرجل بنفوذ واسع في دواليب الدولة، بصرف النظر إن كان الأمر يتعلق بطموح يستند إلى المعطيات الصحية والسياسية، أم مجرد انقياد وراء سلطة أخرى لا تريد أن تعتلي الواجهة. والراجح أن الدور الذي سيضطلع به الجنرال محمد قايد صالح الذي بات ينظر إليه بمثابة الرجل القوي، من دون منازع، سيدفع بالأحداث في الاتجاه الذي يرضي أحد أطراف الصراع. ومنذ أن كانت الجزائر والمؤسسة العسكرية تضطلع بدور أكبر من أي لاعب سياسي، فقد كانت تختار الرؤساء من ثكناتها. ولأن الوصفة لم تعد مقبولة صار في إمكانها أن تمنح الدعم لأي رئيس مدني أو تنزعه عنه، لكن في إطار لعبة قفازات ناعمة، تخفي وراءها ثقل الأقدام العسكرية التي تترك وقعها على الآذان التي تصغي إلى ذبذبات وهمسات الأصوات الخافتة.

تعديل في شكل انقلاب، أم انقلاب في صورة تعديل. العبرة في الآتي من الأحداث
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق