بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

آراء لمثقفين في كيفية مواجهة الإرهاب - صفاء ذياب

هل الثقافة نوع من الاسترخاء والحياة الباذخة؟ كيف يمكن أن تعمل الثقافة في ظل مواجهات يومية تسعى لإيقاف الحياة بكل أشكالها؟ أسئلة كثيرة نحتاج للإجابة عنها في ظل التوتر الذي نعيشه بشكل يومي، توتر في الشارع وفي البيت وحتى في الكلمة، إلا أن الإجابات تبقى ناقصة ما لم نستطع تفعيل الشأن الثقافي أولاً، ونقف بشكل معلن ضد العنف والإرهاب الذي يضرب بنا من جميع الجهات.
نشر الثقافة السلمية         
الشاعر والكاتب ناصر الحجاج يشير إلى ضرورة توفر الوسائل لنشر ثقافة السلم، بما أن الثقافة تحتاج إلى وسائل (تثقيف)، ليتسنى للأمة حل مشاكلها من دون اللجوء إلى العنف. ووسائل التثقيف تتباين بحسب الفئة المستهدفة وبحسب البيئات المتنوعة، وعلى هذا الأساس  يرى الحجاج أنه يجب توفر بعض المسلمات لتكون الثقافة السلمية في مواجهة العنف، ويحددها بنقاط عديدة، منها: من خلال وجود سلطة قضائية مستقلة تحمي المثقفين (بكسر القاف) وترعى مشاريعهم الثقافية رعاية دستورية قانونية. ومن خلال وجود برلمان كفء لإصدار حزمة متكاملة من القوانين الملزمة التي يمكن للسلطة التنفيذية الإشراف على تطبيقها، لحماية المواطنين من أن يكونوا أهدافاً سهلة للعنف. ومن خلال وجود نظام تعليمي يأخذ على عاتقه تعليم التلاميذ كل الطرق القانونية التي تحول دون وقوع العنف. ومن خلال  وجود مراكز ومؤسسات ثقافية تأخذ على عاتقها رفد الكيانات الثلاثة السالفة بالأبحاث والدراسات العلمية التي من شأنها دعم السلطتين القضائية والتشريعية ودعم
المؤسسة التعليمية عن طريق وضع تصورات جديدة تضمن المسيرة السلمية في المجتمع. ومن خلال وسائل الإعلام بحيث يمكن مواجهة العنف أولا، ومن ثم الحيلولة دون تكرار وقوعه. وأخيراً من خلال الأعمال الثقافية الفردية كالفنون والآداب والأعمال الدرامية وغيرها، ولكن ضمن خطط طويلة الأمد تسهم كلها في الانتقال بالذائقة الجمعية التي تؤمن بالعنف من شعورها بأن العنف والانتقام عمل بطولي، إلى الشعور بأن الإنسان العنيف إنسان مريض يجب معالجته من أمراضه، وهذا يحتاج إلى أن يشكل المثقفون مؤسساتهم التي طال غيابها الإيجابي في مواجهة العنف ومن وجهة نظر الشاعر قحطان جاسم تلعب الثقافة، كونها الحاضن المستمر للذاكرة الجمعية، دوراً مهما في حياة الشعوب لإرساء التآخي والمحبة والتسامح، لكنها يمكن أن تكون مصدراً للعنف والاقتتال والكراهية، بحيث يتحول انتماء الفرد الثقافي إلى خزين كامن للصراع مع الثقافات الأخر، وهذا ما أطلق عليه صموئيل هنتنغتون صراع الحضارات. وإذا أردنا أن تلعب الثقافة دوراً إيجابيا فعلينا أن نعثر على ما هو إيجابي فيها، الذي يؤكد قيمة الإنسان باعتباره المخلوق الأفضل على الأرض. وهناك تجارب عديدة لعبت فيها الثقافة والمثقفون دوراً كبيراً في إيقاف العنف أو الحد منه سواء كان على شكل حرب ضد  شعوب أخرى أو ضد مجموعة أو طائفة من المواطنين داخل الشعب الواحد.
ويضيف جاسم: ننسى هنا سعي المثقفين العراقيين للجم الصراعات الطائفية عبر قصائدهم وأغانيهم وأمسياتهم الثقافية. وهكذا يمكن القول إن الثقافة بجميع أنماطها يمكن أن تلعب ككابح قوي ضد العنف والموت والخراب وتتحول إلى أداة للسلم والمحبة والأخاء.
ويرى الناقد والمترجم أسامة الشحماني أنَّ تحرير العقل الاجتماعي من تفشي ظاهرة العنف يدعو قبل كل شيء لوضع برامج عاجلة على مستوى مناهج التربية والتعليم، وتأسيس مراكز بحوث متخصصة في مجال التوجيه والإرشاد الأسري والاجتماعي وحث الشبكات المعلوماتية والمراكز الخاصة بالإعلام على اختلاف مظاهره وأشكاله للمساهمة في تنشيط السبل المنطوية على تشجيع ثقافة السلم والسلام، والقطيعة مع ما أفرزته الحواضن التاريخية من تغضنات وتخثرات وسّعت الهوّة والقطيعة من بين المجتمعات.
مشيراً إلى أن هناك ضرورة حتمية تدعو لأن نؤسس في العقل الجمعي، وفي وعي الناشئة على وجه الخصوص فهماً وسطياً ينبني على أساس التسامح والاعتدال وقبول الآخر وإعلاء شأن الاختلاف السلمي المتوازن. ولعل أهم آليات هذه الاستراتيجية طويلة الأمد، هي إعادة صياغة وتشكيل مؤسسات ومراكز ودور التربية والتعليم، بوصفها الوعاء الاجتماعي الوحيد القادر على خلق ذهنية نوعية ذات توجهات إنسانية تكرس حقيقة الفكر المعتدل وتستوعب المشهد العالمي الجديد وقيمه ومفاهيمه التي كرّستها طبائع العولمة والانفتاح على الآخر.
مضيفاً أن إدارة دفة المجتمع بأسلوب ثقافي لابد أن تنطلق من نظرة شاملة لواقع العراق بكل أجناسه وأديانه وطوائفه وقومياته وثقافاته ولغاته. ولا يمكن لهذا التنوع الاجتماعي أن يستعيد عافيته، بعد كل ما لحق بها من ضرر وما تعرضت له من ضغط وتشويه وهزات عنيفة، إلا من خلال النشاط الثقافي والعلمي وتعميق الدور الأخلاقي عبر منهج ثقافي مشبع بالقيم الحية لمظاهر التعايش السلمي وإحياء التنمية الحضارية للإنسان. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق