بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 31 أغسطس 2013

كيف تكتشفون الجواسيس بينكم؟ ماجدة موريس

على الشاشات المصرية الآن جدال صاخب حول الماضي والحاضر، ولا شيء للمستقبل إلا نادراً، وقد يتساءل المرء: ولماذا الماضي؟ فيأتيه الرد من مصادر عدة أن الحكاية لم تنته بعد، وأن الملايين الكثيرة من المصريين الذين خرجوا للتخلص من حكم «الإخوان» لا يساوون في نظر «الطرف الآخر» ومتحدثيه إلا بضعة آلاف ساهم برنامج «الفوتوشوب» في تكبير أعدادهم على رأي قناة «الجزيرة» (مباشر مصر) التي وضعت مقعدها الأساسي في اعتصام رابعة واشتغلت على معدات التلفزيون المصري التي كان استولى عليها المعتصمون، قبل أن يفض الاعتصام وتعود «الجزيرة» إلى موقعها المكتبي متجهة منه إلى مخابئ سرية لـ «الإخوان»، ومنها مخبأ محمد البلتاجي القيادي الشهير الذي يطارده الأمن، لكنه يخرج صوته على «الجزيرة» في حوار مساء الاثنين الماضي ينفي فيه كل شيء فعله هو والآخرون.
والطريف أن البلتاجي لم يكن وحده مفاجأة الشاشات في ذلك اليوم، وإنما أيضاً ضيف آخر، من خارج مصر، وهو رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا الذي ظهر في اجتماع يتحدث عن «الإخوان» ومآثرهم ويبكي على رحيل مرسي (الذي كان سينتشلهم من الفقر) ويؤكد للعالم أنها مؤامرة من الجيش والفلول التي لا تريد لمصر خيراً، وليصبح الأمر سيركاً وليس لغزاً، وكل يغني على ليلاه. فالتلفزيون المصري الذي يرفع شعار «مصر تحارب الإرهاب» بالإنكليزية، وكذلك القنوات الخاصة تعمل جاهدة لفضح ممارسات «الإخوان» أثناء حكمهم القصير.
وإذا أردنا الصدق لقلنا إن الشاشات تطرح علينا صوراً من الحرب وآثارها، لكنها لم تطرح على أي مشاهد صورة إيجابية واحدة عن المستقبل القريب. صحيح أنه ليس مطلوباً من الإعلام أن يكذب، وليس مطلوباً من الشاشات فبركة صور، لكنّ المطلوب المساهمة في صناعة الأمل لدى ملايين أنهكهم الموقف السياسي أثناء حكم «الإخوان» وحتى الآن، وزادت آلامهم حين أوصى بعض وسائل الإعلام بأن الإفراج عن مبارك من الحبس الاحتياطي هو إفلات تام من العقاب على غير الحقيقة... إضافة إلى الإغراق في البحث عن تاريخ «الإخوان» منذ أيام الملك فاروق وقدراتهم الخارقة في التنظيم في الوقت نفسه الذي يواجه فيه المشاهد قدرات أخرى في الكذب والإنكار لمن وقف منهم أمام المحققين متهماً بالتحريض على القتل وتهم أخرى.

وأخيراً دخل الإعلام المصري المرئي في حكاية «الطابور الخامس» القائم والصاحي والذي بدأ يظهر بوضوح الآن مطالباً بحقوق الإنسان للبعض من دون الآخرين وهو ما دعا مقدم برنامج «الشعب يريد» على شاشة «التحرير» إلى محاولة جذب جمهور أكبر من خلال مقدمة قال فيها مساء الثلثاء إنه يستضيف خبيراً أمنياً كبيراً سيحكي للناس كيف يمكنهم اكتشاف الجواسيس بينهم... ويا للهول
.

تنجيم سياسي إبراهيم العريس

يصعب على المرء فهم الدوافع التي تحدو بقناة تلفزيونية لبنانية اتّسم تاريخها بقسط لا بأس به من الجدية، الى ان تحوّل السياسة الى نوع من التدجيل، مستبدلة التحليل المفترض بالتنجيم، والمفكرين الذين يفترض بها استضافتهم كي يجيبوا عن الأسئلة الحائرة التي تتأرجح في أذهان المواطنين، ببعض الذين يمتهنون اغرب انواع التكهن والعرافة في زمن يفترض بالعقل ان يكون رائده، وبالإيمان بالمنطق ان يكون شعاره.
نقول هذا وأمامنا صورة تلك السيدة التي يؤتى بها مرة في الشهر طوال العام، ثم مرات ومرات عند أواخر العام - كما يؤتى بعشرات من طينتها -، كي تحاول ان تقنع الناس بأنها تعرف ما الذي سيحدث في الأيام والأسابيع والشهور المقبلة...
ولو كان الأمر يتوقف هنا عند استضافة هذه السيدة لكان أمرها مجرد عبور تلفزيوني مسلٍ يمكن وضعه في خانة واحدة مع التهريج المستشري على شاشاتنا واصلاً أحياناً الى حدود العهر الإباحي. لكن المشكلة مع هذه المنجّمة «التلفزيونية» وأمثالها، ليست فقط ان الجمهور العريض بات يصدق ما تقوله، حتى وإن ثبت له يقيناً انها لا هي ولا العشرات من أمثالها اثبتوا ولو مرة واحدة وبوضوح ان اي شيء مما تكهنوا به وقع حقاً، وربما ثمة بين أفراده من يبني جزءاً من حياته ومشاريعه انطلاقاً مما يقولون، بل إن ثمة في عالم الطبقة السياسية من يصدقهم حقاً وربما يبني سياساته على اساس ما «كان قد انكشف أمام أعينهم من أحداث المستقبل وتطوراته»... ويقيناً ان هذا الدخول الأرعن للطبقة السياسية على خط خزعبلات المنجمين لا يبشر بالخير، بل هو يجعل من العته مأساة عامة تطاول الذهنيات. وهذا إن لم نذهب في المغالاة الى ما بات يذهب اليه البعض على ضوء نشاط هذا النوع «الخطير» من المنجمين، من انهم انما يُستخدَمون في بعض الأحيان – ويقول البعض «في معظم الأحيان» – من جانب اجهزة ومؤسسات تستفيد من حضورهم التلفزيوني و «تنبؤاتهم» كي تقترف ضربة من هنا وتسبب كارثة من هناك.

طبعاً لن نتفق هنا مع اصحاب هذا التفسير، لكننا، وفي الوقت نفسه، سنضم أصواتنا الى تلك الأصوات القليلة التي لا تزال، في عالم المجانين الذي نعيش فيه الآن وفي زمن المعتوهين الذي يتخبط فيه العقل والمنطق باحثين عن زاوية يمكنهما، بعد، ان يتحركا فيها، نضم اصواتنا اليها لنطالب بوقف هذه «المسخرة» ووضع نهاية للعبث بعقول الناس وطمأنينتهم من جانب كل هؤلاء الذين لا عمل لهم إلا اعتلاء الشاشات للزعم انهم يعرفون عن المستقبل ما لا تعرفه عادة إلا السموات وأهلها. وبالطبع لن نكون نحن اول ولا آخر من يقول عنهم انهم يكذبون يكذبون ويكذبون حتى ولو صدقوا... فكيف وهم لا يصدقون ابداً
؟

الحكم الصادر ضد دمشق - محمد الأشهب


لم يوجه مجلس العموم البريطاني رسالة خاطئة إلى سورية. لكنه أبان عن مدى احترام إرادة الناخبين، فيما النظام السوري يزيد إصراراً على إبادة شعبه الذي انتفض ضد الاستبداد. وبالقدر الذي يبدو الرأي العام الغربي متمسكاً برصد أهداف أي حرب، حرصاً منه على حياة جنوده، يقدم بشار الأسد نموذجاً سافراً في الاستخفاف بحياة شعب كامل، حوله إلى رهائن سياسته، إما قاتلاً أو مقتولاً.
عقدة الحرب على العراق لا يزال نفوذها مؤثراً. أقله البحث في دلائل قاطعة لإدانة نظام، لم يتورع عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، ولا يعني النقاش الواسع حول هذه المسألة، سوى أن قرار الذهاب إلى الحرب يتطلب مرجعية قانونية وأخلاقية، تخفف بعض تداعياتها المأسوية، بخاصة وأن نظام الأسد كان سباقاً في شن الحرب على المدنيين، ومثل أي دكتاتور يقايض كرسي الحكم بالدماء والجماجم، لم يبحث عن ذرائع لإعلان حرب طال أمدها. ولم تعد تقبل وقوف المجتمع الدولي في صف المتفرج الذي لا يبالي.
الرسالة البريطانية لم تخطئ العنوان. إنها دليل إضافي على أن الديموقراطية تختبر مداها في الفترات الحرجة، وأن الأيدي المطلقة لأنظمة الاستبداد تقابلها أيد مقيدة بالتزامات لا تحيد عنها. يكون محورها المصالح الإستراتيجية والحرص على حماية أرواح العسكريين، وعدم الإقدام على مغامرات غير محسوبة النتائج.
ليس في الأمر تردد، بل معاودة ترسيم دائرة الحرب القادمة، للحؤول دون زيغها عن أهدافها أو انبثاق حركات مناهضة لها في الشارع الأوروبي. ولعل الشفافية المطلوبة هي ما بات يحتم ربط قرار الحرب بمبررات موضوعية، تجعلها خياراً لا بديل منه. وفيما يبدو الغرب في طريقه لأن يتعلم من أخطائه، ويضع الاعتبار الكامل للرأي العام المعني بالحرب تمويلاً ودعماً أو تشكيكاً وتردداً، تبدو الصورة مغايرة في سورية. إذ لا أحد يريد أن يتعلم من الأخطاء التي قادت إلى انهيار أنظمة عدة.
بيد أن رصيد النظام السوري في النكسات لم يتوقف. فقد أجبرت قواته على الانسحاب من لبنان، ولم يستوعب الرسالة، وجرى تصنيف الذراع العسكرية لـ «حزب الله»، بما يحد من نفوذه، لكن ذلك زاد طبيعة تحالفه القائم مع النظام السوري. فيما الدرس العراقي لم يغيّر شيئاً من عقيدة بشار الأسد الذي تحيط به الحرائق من كل جانب.
لم يكن من قبيل الصدفة أن واشنطن قطعت حبال الاتصال مع موسكو، على خلفية لجوء عميل استخباراتي أميركي إلى روسيا. فقد حدث ما يشبه هذه الحالات كثيراً في حروب الاستخبارات. ولم يصل الأمر إلى القطيعة، ما يعني أن إدارة الرئيس باراك أوباما أرادت توجيه رسائل إلى موسكو لثنيها عن استمرار دعمها لنظام بشار الأسد. والحال أن الأميركيين فتحوا كوة صغيرة في جدار الحوار مع إيران، وإن بدا محتشماً في البحث عن مفقودين أميركيين، لكن هذا التحول على رغم محدوديته يروم رفع بعض الغطاء الإيراني عن سماء دمشق. وسيكون على نظام الإصلاحيين الجدد في طهران أن يحسب كثيراً قبل الانكفاء، بخاصة وأن تجربته السابقة مع أميركا في الحرب على العراق أهدته بلاد الرافدين على طبق من ذهب. ومن يدري فالأطماع الإيرانية لا حدود لها، كما أن الصداقات والعداوات لا تخضع لغير معيار المصالح المتبادلة. ولا شك ان طهران سترصد تصرفات الجار التركي بكثير من الحذر. فيما تبدو أنقرة في وارد معاودة عقارب الساعة إلى فترة «التسامح» الإيراني – الأميركي، وعينها مسمرة على ما يمكن أن تجنيه من غنائم بعد انهيار نظام الأسد.

تميل الإدارة الأميركية إلى استيعاب الدرس، ولم يكن للتصريحات الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وتلك التي أطلقها الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي أن تمر من دون صدى. أقربه أن قرار الحرب اتخذ، وأن تنفيذه لا يتطلب أكثر من تقليب صفحات المرجعية القانونية والأخلاقية التي تعزز المواقف. وما أشبه نظام بشار الأسد بذاك السجين الذي صدر ضده حكم الإعدام. ولم يعد يؤرقه شيء سوى حلول موعد تنفيذه. فالبوارج الحربية لها وقعها أيضا مثل الأقدام الثقيلة التي تعبر ممرات الموت. ليلة تنفيذ حكم الإعدام الذي لا يحتمل أي نقض أو إرجاء
.

ضد أو مع الضربة الأميركية- مشاري الذايدي

ما زال أوباما يتحدث محاولا التهوين من شأن الضربة ضد قوات بشار الأسد، وأنها محدودة معدودة سريعة، وأنها ليست حربا، وأنها ليست بغرض إسقاط النظام. بقي فقط أن يخبر بشار بإحداثيات المواقع المستهدفة ليتم إخلاؤها، وبمدة الضربة حتى يأخذ بشار وماهر وبقية أركان النظام إجازة صيفية ريثما تنتهي الضربة!
أوباما يخوض في مياه يكره الخوض فيها، وأقبح خبر نقله له رجاله هو تأكيد أن قوات بشار استخدمت بالفعل السلاح الكيميائي المحرم! وبالتالي «دعست» قوات بشار على خط أوباما الأحمر. فلم يبق من مهرب لأوباما إلا إثبات صدق وعد أميركا ووعيدها.
الحرب تخاض لغايات متعددة، منها التوسع، ومنها الصراع على الموارد، ومنها الباعث الديني، ومنها الباعث القومي، ومنها حتى النزعات الشخصية، ناهيك بالحروب التي مبعثها حرج أخلاقي.
ليس صحيحا، أن «كل» الحروب تخاض لسبب واحد فقط.
فهذا أوباما يساق سوقا إلى حرب مختصرة سريعة، يشعر العالم كله بأنه لا يريدها، وكلنا يعلم كيف تلكأ الرجل عامين، رغم دموية الوضع السوري، عن فعل شيء حقيقي على الأرض. هذه حرب لاستعادة الهيبة والصدقية الأميركية، وأيضا حرب لإثبات المسؤولية الأخلاقية في الغرب، ناهيك بوجود بعد عملي فيها - هذه الحرب «المصغرة»، وهو عدم تطبيع استخدام السلاح المحرم في العالم. لا ندري عن جدية الحرب. ربما يتمخض جبل أوباما «كمشة» صواريخ لا تقدم ولا تؤخر..
المحزن في هذا الأمر، هو إدمان العرب على تكرير السلوك الغوغائي والإنكاري في كل لحظة، ففي اليمن خرجت مظاهرات متضامنة مع بشار القاتل بالكيماوي، وذهب وفد يمني لمساندته، وفي مصر تحفل الصحف، حتى الرصينة منها، بتغطيات موغلة في الإنكار، والإغراق في نظريات المؤامرة، في تكرير كربوني لغوغائية الإعلام العربي مع غزو صدام للكويت 1990. ثمة خليجيون، تأثراً بهذا الخطاب الحالم، يعزفون على نفس المقام. ويطلبون حلا عربيا، وكأن الكويت استعيدت من صدام بحل عربي!
ما المطلوب؟ أن يقتل بشار كما يشاء أملا في أن يصحو ضميره ذات يوم؟ أم أن يتوقف التحلل الاجتماعي في النسيج السوري، أم ترك الجرح السوري مفتوحا للمزيد من جراثيم «القاعدة» والميليشيات الشيعية!؟
أحد كبار الصحافيين العرب المنظرين ضد الضربة العسكرية على قوات بشار، بعدما استعرض دعوات الحرب في أميركا - لم يجد إلا القليل منها ضد بشار - ختم بحيرة: «إذا كان لي رأي ثالث، فهو أنني أرجو أن يفوز الشعب السوري، ولا أعرف كيف». يجيبه سوري هارب من الجحيم بعائلته من على حدود لبنان، هارب من كيماوي بشار وبراميله المتفجرة، ومن الضربة الأميركية المزمعة، كما نشرت جريدة «الحياة»، يقول عامر عبيد، (27 عاما)، الهارب السوري الذي وصل حدود لبنان وهو يقود سيارة فيها نساء وأطفال: «إن شاء الله سيضرب الأميركيون. أريدهم أن يضربوا، لكن الأميركيين لم يصدقوا يوما. عساهم يضربون، فيتنبه العرب أخيرا».

حسن روحاني ضحية الهجوم القريب على سوريا - شهر شهد ثالث

إن أي طريقة سيستعملها الغرب تحت قيادة أميركا في هجومه على سوريا، فإن نتيجة هذا الهجوم ستكون إعادة التشدد إلى الجو السياسي في إيران وإضعاف قوة حكومة روحاني حديثة التشكيل.
في حين أن أغلب وكالات الأنباء كانت تنقل أخبارا عن مهاجمة أميركا وحلفائها لسوريا قريبا، إلا أنه في يوم الأربعاء المصادف الثامن والعشرين من شهر أغسطس (آب) حدث تغيير جديد. أعلن وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ، الذي هو من أقوى الداعمين للهجوم السريع على سوريا، أن المفاوضات حول شن هجوم على سوريا ستستمر في الأمم المتحدة لعدة أيام. يبدو أن الحكومة البريطانية قررت بعد اجتماع مجلس الأمن الوطني البريطاني أن تؤجل موضوع شن الهجوم على سوريا حتى نشر تقرير مفتشي الأمم المتحدة عن جزئيات الهجوم الكيماوي الحديث.
بالنظر إلى الحرب على العراق التي أظهرت أن ادعاءات بريطانيا حول أسلحة صدام حسين الكيماوية والجرثومية لم تكن صحيحة والتي أدت إلى توجيه ضربة إلى مكانة هذا البلد، يبدو أن القرار البريطاني الجديد قرار منطقي. في حال اختلاف تقرير مفتشي الأمم المتحدة مع الادعاءات البريطانية حول دور حكومة بشار الأسد في الهجمات الكيماوية الأخيرة، لن يكون هنالك أي سبب أو حجة للهجوم على سوريا.
أميركا تسعى إلى الهجوم على سوريا لسببين، الأول هو أن بعض التقارير تشير إلى أن جيفري فيلتمان، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، المعاون السابق لوزير الخارجية الأميركي والسفير الأميركي السابق لدى لبنان، وكان المسؤول عن التصدي للسياسات الإيرانية في لبنان وفي زيارته الأخيرة حمل رسالة إلى القادة الإيرانيين.
يقال إن فيلتمان وفي جلسة مع المسؤولين الإيرانيين، «حذر من أن نجاح مؤتمر (جنيف 2) يقوم على توازن القوى في سوريا، وإن إيران يجب أن تفهم هذا من أجل الوصول إلى هدف أكبر، أي إقامة السلام»، وفقا للتقرير آنف الذكر، فإن فيلتمان ألقى كلماته بلغة دبلوماسية و«جعل الإيرانيين يفهمون أن فيلتمان (في الحقيقة) يقول لهم إنه في حال الهجوم على سوريا، (من الأفضل) ألا تتحرك إيران».
إن تأجيل مؤتمر «جنيف 2» الذي كان من المقرر أن يقام في الثامن والعشرين من أغسطس بجنيف، يؤكد الخبر السابق بصورة ضمنية. بعبارة أخرى، إن أميركا تسعى قبل المفاوضات إلى تغيير موازين القوى الحالية في سوريا التي تصب في صالح الأسد بصورة واضحة.
من ناحية أخرى، أعلن الرئيس أوباما في العام الماضي أن استعمال حكومة دمشق الأسلحة الكيماوية «خط أحمر» بالنسبة لأميركا. إن القوى العظمى، وبصورة خاصة أميركا، تستعمل سلاح التهديد والخطوط الحمراء من أجل منع الحروب الطاحنة. والآن مع وقوع الهجمات الكيماوية، إذا لم يقم أوباما بصفته رئيس الجمهورية الأميركي بتصرف حيال ذلك، فإنه سيقلل من أهمية تهديداته، إلا بوجود دليل قاطع لا شك فيه (مثلا تقرير واضح من قبل مفتشي الأمم المتحدة) يثبت أن الهجوم المذكور لم يكن على يد حكومة بشار الأسد.
يجب ألا ننسى أن أوباما حدد لإيران حتى الآن خطين أحمرين، الأول هو إغلاق مضيق هرمز والثاني هو السعي إلى الحصول على أسلحة نووية، إذا لم تقم أميركا باعتبارها قوة عظمى، باتخاذ قرار لمواجهات الأحداث الأخيرة في سوريا وأظهرت عدم اهتمامها بذلك، فإن إيران ستتصور أن الخطوط الحمراء التي أعلنها أوباما ليست إلا هراء. إن عواقب هذا الأمر لن تنحصر على إيران فحسب، بل إن التهديدات الأميركية سيكون مشكوكا فيها وستضعف مكانة أميركا باعتبارها قوة عظمى.
إن رد فعل إيران على الهجوم على سوريا يعتمد على قوة هجوم أميركا وحلفائها. إن المسؤولين في الجيش الإيراني، وحتى قائد الحرس الثوري الإيراني، حذروا بشدة من قيام أميركا بمثل هذا الهجوم. إن عدم تصرفهم أبدا سيجعلهم عرضة للموقف الذي وقع فيه الرئيس أوباما حاليا. بعبارة أخرى، في حالة عدم القيام بأي رد فعل، ستنتشر الفكرة القائلة إن إيران رغم كل تهديداتها الكثيرة، فإنها من الناحية العملية خافت من مواجهة أميركا. لذلك، فإن إيران حتى لو لم تشارك بصورة علنية في المواجهة مع أميركا، من المحتمل أن تعمل في الخفاء مع ترك آثار تدل عليها، إن رد الفعل هذا يتعلق بالهجمات الصاروخية.
إذا كانت هجمات أميركا وحلفائها محدودة، لا يوجد ما يدفع إيران إلى الارتقاء لسطح المعركة. ولكن، إذا عرضت قوة الهجمات نظام بشار الأسد للخطر، أو أنزلت خسائر كبيرة بالبنى التحتية للجيش السوري مما يغير توازن القوى لمصلحة معارضي بشار الأسد، في هذه الحالة ووفقا لقول القائد في الحرس الثوري محمد علي جعفري، فإن رقعة الحرب سوف تتسع وستصل إلى إسرائيل أيضا.
إن الخطر الآخر هو حتى لو لم تضرب إيران وسوريا إسرائيل كحل أخير، فإن المجاميع المتشددة قد تنظم هجمات صاروخية على إسرائيل وتلقي المسؤولية على الجيش السوري، مما يدفع إسرائيل إلى الحرب مع سوريا، وبالتالي مع إيران.
على كل حال، إن أي طريقة سيستعملها الغرب تحت قيادة أميركا في هجومه على سوريا، فإن نتيجة هذا الهجوم ستكون إعادة التشدد إلى الجو السياسي في إيران وإضعاف قوة حكومة روحاني حديثة التشكيل. في حال هجوم أميركا على سوريا، فإن المفاوضات المباشرة بين إيران وأميركا ستلغى على مدى المستقبل القريب. سوف ترتفع الشعارات النارية من الجهتين، ستتوسع فجوة الخلاف بين أميركا وإيران حول الموضوع النووي. بتشديد الحصار أكثر، فإن المبادرة سوف تسلب من روحاني والمجموعة الدبلوماسية الإيرانية، التي عقدت الأمل على حضور محمد جواد ظريف.
في مثل هذه الأوضاع، رغم وجود حكومة ذات ظاهر معتدل في إيران، ولكن مع زيادة حدة التوتر بين إيران وأميركا، فإن المتشددين هم من سيقود دفة السياسة الخارجية الإيرانية.

ما بين الحرية والأمن - سعاد فهد المعجل



أحداث مصر الأخيرة طرحت سؤالا تقليديا، حول أولويات الإصلاح السياسي في العالم العربي، وعما إذا كان الأمن والأمان أهم من الحرية والديمقراطية.

لا نريد أن نكرر بأنه لا يوجد تعارض أو تناقض بين سيادة الديمقراطية كنهج، وتأمين الأمن والانضباط داخل أي مجتمع.
التردد الذي مارسه الكثيرون تجاه أحداث مصر الأخيرة مفهوم ومبرر ومتوقع، والموقف الذي اتخذه حتى ألدّ أعداء «الإخوان» ضد استخدام العنف والقوة لفض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة، ينبع من مخاوف البعض من عودة العسكر لتصدر المشهد العربي، بعد أن خطت الشعوب العربية خطوة جبارة من ربيع العرب نحو ترسيخ مفاهيم الحرية والحقوق المجتمعية.. وغيرها من الأسس لبناء الدولة المدنية.
مشكلة الموقف من أحداث مصر، هي المشكلة ذاتها التي برزت في أحداث العراق من قبل.. وأخيرا أحداث سوريا، فالعرب أصبحوا محكومين بسيناريوهات محددة، إما ديمقراطية وحرية، أو فوضى وغياب للأمن، أو اصطفاف مع متشددي تيار الإسلام السياسي، الذين يتصدرون مشهد الصراع في مصر، ويسيطر بعضهم على جبهة المقاومة في سوريا مع كل ما يمثله هذا التيار من تعارض مع أبسط أولويات المجتمع المدني، أو دعم العسكر والجيش ونهج القوة والعنف في سبيل ترويض طموحات الإسلام السياسي الشاذة.
إشكالية الخبز والأمن، أو البندقية والعسكر، تبرز من جديد في أحداث مصر، كما برزت من قبل في أحداث العراق، حين عمت الفوضى، وسالت الدماء، فلا يزال أثر سقوط صدام حسين ونظامه العسكري العنيف قائما، بحيث أصبح الناس أمام خيارين؛ الأمن في ظل قمع وديكتاتورية صدام، أو الحرية مع الفوضى والتفجيرات والدماء.
إن حضور النموذج العراقي دائما في كل مرة تحدث فيها أحداث صاخبة في العالم العربي، هو حضور مهدد للتغيير السياسي المطلوب، فانهيار المؤسسة الأمنية للدولة حمل معه انهيارا للدولة بأكملها، ولا داعي لشرح ذلك، فأوضاع العراق تتحدث عن نفسها، لكن هناك جانبا آخر من الرواية لم يُروَ بشكل جيد، وهو أن الدولة ليست مؤسسة أمنية فقط، بل هي منظومة مؤسسات يؤمنها نهج ديمقراطي متكامل وحريات إنسانية ومجتمعية راسخة، ويبقى على العرب وسط حيرتهم اختيار أحد الطريقين؛ طريق الخبز أو طريق الجيش، أن يبحثوا عن طريق ثالث يؤدي بهم إلى دولة مؤسسات حقيقية قائمة على احترام الفرد أولا قبل تأمين أمنه ورغيفه.
هذا الطريق الثالث هو الذي سيحفره شباب الربيع العربي في مصر وفي غيرها، والطريق طويل بالطبع، لكنه حقا قد بدأ.

اليمن: المخرج من مأزق القضية الجنوبية - مصطفى أحمد النعمان



توقع الجميع أن تكون الفترة الانتقالية التي حددتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بعامين تنتهيان، حسب نصوصهما، في 21 فبراير (شباط) 2014، مدخلا لحل جميع القضايا التي أدمن اليمنيون محاولات فك طلاسمها وإيجاد الحلول لها، وتوقع البعض أن يصبح ما يعرف بـ«مؤتمر الحوار الوطني الشامل» ساحة لطرح الأفكار الجادة والرؤى الواقعية وابتكار المخارج السلمية والمقبولة من أصحاب الشأن.

قبل بدء أعمال اللقاءات تجاهل معدوها أهمية التهيئة السليمة التي دعا إليها الكثيرون من قادة الجنوب الذين أدركوا أنها قد تسهم في دفع القوى الحقيقية للمشاركة اللقاءات، وطرح ما يرونه سبيلا للخروج من الكارثة التي صنعتها حرب صيف 94 وما تلاها من أعمال تعسفية جعلت المزاج في الجنوب كارها وناقما ليس على الذين قادوه إلى الوحدة على غير هدى ومن دون بصيرة، وإنما على الوحدة نفسها.. لكن العناد والركون على الضغط الخارجي والتأخير في انطلاق لقاءات الـ«موفنبيك» دفع إلى التعجل من دون إعداد بحجم الحدث.
أثرت هذه المخاوف في لقاء جمعني بسفير غربي معتمد في صنعاء، وحذرته من الدخول في أعمال الحوار قبل استنفاد سبل التواصل مع القادة الجنوبيين الفعليين في الداخل والخارج، وعجبت من تبريره بأنه من الممكن المضي في الحوار وإن تغيبت القوى الحقيقية، وأنه من الممكن خلال هذه الفترة استمرار المساعي، حتى لا يضيع الوقت - حسب تعبيره - وهو ما جعل النجاح مرهونا بمدى القدرة على المواءمة بين المبادئ والابتزاز وقدرة أحد السفراء على التأثير في ما يدور في أروقة الـ«موفنبيك».
بعد أيام قليلة من بدء اللقاءات في الـ«موفنبيك»، اتضح أن المخاوف التي ساقها الكثيرون إزاء سياسة حرق المراحل صارت هاجسا وواقعا تحولا مع مرور الوقت إلى عامل قلق وإحباط عند المواطنين، ورغم المزايا المادية التي تم إغداقها على المشاركين فإن الواقع كان أكثر ضغطا وحسما، وكان جرس الإنذار هو انسحاب أحد القادة الجنوبيين من اللقاءات وتقديم استقالته، بل ومغادرته البلاد لينشغل بأعماله الخاصة، لكن ذلك لم يثر أي رد فعل لتدارك الموقف، وتم التعامل مع الموقف بالتجاهل المعتاد.. لكن استمرار العناد والاعتماد على تحركات بعض السفراء الغربيين وجعلها عامل الحسم الأهم برهنا بأن الداخل هو الذي يجب التركيز عليه بعيدا عن الأساليب العتيقة من صرف للأموال وشراء للولاءات.
تعددت القضايا التي تم تكليف أعضاء المؤتمر بمناقشتها، وكثرت التوصيات والمقررات والوقفات الاحتجاجية، وفجأة تذكر أصحاب القرار أنه لا قيمة لكل الجهد المشكور الذي بذله المشاركون والوقت الثمين الذي قضوه، ما لم يتم التوصل إلى حل لقضية الجنوب بما يرضي أبناءه ويعيد لهم ما افتقدوه خلال العقدين الماضيين.. وتذكر هؤلاء التوصيات التي سبقت لقاء الـ«موفنبيك»، ثم ما أضيف إليها، وتم تشكيل لجان لتنفيذ ما جاء فيها، وتم رص مصفوفة تنفيذية محددة بأزمنة ثابتة، على أن يتم رصد الأموال اللازمة، إن توافرت، لجعلها واقعا بعيدا عن الأحجية.
هنا يتبادر سؤالان إلى الذهن: ماذا يريد حقا أبناء الجنوب؟ ولماذا يتخوف بعض أبناء شمال الشمال من مطالب الجنوبيين؟
عند انتهاء حرب صيف 94، تحول الجنوب إلى ساحة لاقتسام الغنائم، وتغاضى شركاء الحرب، شماليين وجنوبيين، عما أصاب إخوانهم في الجنوب، بل وزادوا أن اعترضوا على كل دعوات المصالحة الوطنية والإسراع في تطبيع الأوضاع وعدم الانتقام من خصوم الماضي. وهكذا ذهبت كل الصرخات في واد سحيق من التجاهل والسخرية من الموهومين بالانتصار مدعومين بغرورهم وقوتهم الزائلة.
أدى مرور الوقت إلى حالة من الاسترخاء في المركز المقدس، تحول إلى استخفاف من تدهور الأوضاع النفسية والاجتماعية والأمنية، وزينت التقارير كل باطل وأحالت كل المساوئ إلى مصطلحات «العملاء» و«أعداء الوحدة» و«الحاقدين» إلى آخر قاموس الأنظمة التي تبتعد عن الواقع وتعيش في برجها العاجي، ولا تدرك أنها صارت كالنعامة.
تعالت الأصوات في الجنوب تعبيرا عن الحنق والشعور بالظلم والمطالبة بالمساواة وإن في حدودها الدنيا، وظل المركز المقدس في صنعاء غائبا عن المشهد الحقيقي، والتزم بنهجه في التعامل مع المسألة عبر شراء الولاءات وإنفاق الأموال والمشاريع التي لا تعود على المواطنين بنفع يخفف من غضبهم وغيظهم، وتحول الأمر منطقيا من المطالبة بالمساواة ورفع الظلم إلى دعوات بالانفصال وإنهاء الاحتلال.
إنني أشعر بأن ما يدور من محاولات تتصارع مع الزمن للتوصل إلى حلول مرضية للجنوبيين يجب أن يتعامل مع الوقائع على الأرض وليس لاستنزاف الوقت في الهوامش، وعلى الجميع السعي لتدارك الانزلاق في متاهات اللجان والمصفوفات والجداول الزمنية، ووجوب التعامل الجاد والمسؤول مع قضية أدى التساهل في حلها وتسطيح عواملها إلى انزلاق البلاد جنوبا وشمالا نحو هاوية بلا قرار.
إن الحديث الذي كان يدور، حاليا، حول ما يمكن «التفاوض» عليه يدور حول مشروعين اثنين: شعب واحد في إقليمين، وشعب واحد في أقاليم خمسة (اثنين في الجنوب وثلاثة في الشمال).
صحيح أن النظرة العدائية في الشمال (خاصة شمال الشمال) تجاه الفيدرالية خف وزنها وصار الحديث عنها مقبولا من باب امتصاص الصدمة، لكن واقع الحال الذي على هؤلاء أن يدركوه هو أن القبول بالفيدرالية بين إقليمين سيفتح أبوابا أغلقها التعامل المغرور، وسيتيح مجالات تعاون وستستعيد النفوس - حتما - هدوءها وصفاءها. في شهر يونيو (حزيران) 1994 زرت وصديق عزيز أحد زعماء الجنوب في منفاه، نستحثه السعي، بحكم علاقته الوثيقة حينها مع السلطة في صنعاء، لوقف قصف عدن وضواحيها وإنقاذ أبنائها من الموت ظمأ وقصفا، وقلنا له إن غاية ومقصد أي وحدة في الجوهر هو حرية الانتقال بين أجزاء الوطن المختلفة وحق العيش الآمن والعمل الكريم في أي مكان فيه دون قيود، وضمان مصالحه، وما عدا ذلك لا يهم المواطن العادي الذي هو قوام الأوطان. لم يتحمس مضيفنا لهذا الطرح واعتبره دعوة للعودة باليمن إلى زمن التشطير. التقيت الزعيم اليمني مرات عديدة بعد أن بلغت القلوب الحناجر، فوجدته مدافعا عن رأينا بل ومن دعاته.
هل يتدارك من يديرون الأمور خارج الـ«موفنبيك»، وهل يفهم الذين لا يقبلون العيش من دون رعية يفرضون عليهم سطوتهم، أنه لم تبق في الزمن فسحة للتحايل والتلاعب وبيع الأوهام؟.. كما أنه على الذين يقولون، تحت وطأة الشعور بالظلم والغضب، بأن الجنوب ليس يمنيا أن يعلموا هم أيضا أن في ذلك تعسفا وإنكارا للتاريخ والجغرافيا وروابط القربى الممتدة منذ قديم الزمن بين اليمنيين.
سيظل اليمنيون موحدين وإن عاشوا في إقليمين أو خمسة لا يفصل عنها إلا خط وهمي.. وحتى لو صار الأمر كما يتمناه البعض عودة لأوضاع ما قبل الوحدة.

حبل الفساد قصير - عبدالحكيم صلاح


اثبت نطريات علم النفس الاجتماعي ان الفساد بكل اشكاله ما هو الا نتيجة لحالة مرضية بفعل مجموعة من العوامل تجعل من المريض يستسيغ الجنوح في هذا المنزلق .في بلادنا كثير من الناس موظفين او في القطاع الخاص تورطوا ولا يزالوا في مسألة التعدي على المال العام  مستغلين الوطن المواطن من اجل الثراء السريع دون وازع اخلاقي .احد رجالات الفساد الذين اطيح بهم مؤخرا بداء حياته الوظيفية بشكل طبيعي بل كان يدعي ان لديه طموح بان يسهم في عمل شيء من اجل الوطن والقضية .التف حول مراكز القوى الذين مكنوه من تقلد مواقع اقتصادية مرموقة فاخذته العزة بالاثم فصال وجال واصبح مقصد المسؤولين بل ومرجعية لهم .بحسب مصطللحات وامثال الفاسدين والمنحرفين كانوا يوصفوه بأنه يعرف من اين تؤكل الكتف , لكن المسكين لم يحسب  بأن العدالة ستأكله يوما .عبد الاصنام فعندما سقط الصنم رُفع عنه الغطاء فانكشفت مفسدته فحق عليه القول .الفاسدون لا يعلمون انهم كلوح زجاج في مكان عام يبهر الجموع ببريقه ولمعانه ولكن ما ان يمسه حجر الحقيقة حتى تتناثر  شظاياه .

طرابلس الليبية «مدينة تغازل الصحراء» لينا هويان الحسن



منذ الصفحات الأولى، يُمكن القارئ أن يتلمّس في كتاب «حصون على الرمال: تريبوليتانيا الليبية 1934» (دار الجمل) الذي ينتمي إلى أدب الرحلات، سحر الموضوع الذي يقدّمه وأهميته. فنرى أنّ مؤلف الكتاب برونيسواف كريستين فيجايسكي، الطالب البولندي، كان قرر زيارة ليبيا، فقط، بسبب حبه للصحراء، ومن ثمّ دوّن مشاهداته بلغة أدبية شيّقة وجذّابة، وببراءة خالصة من أية شبهات استعمارية.

قليلة هي الكتب التي كُتبت عن الصحارى العربية، لدوافع إنسانية خالصة. وللوهلة الأولى، عند قراءة العنوان، قد تتبادر إلى الذهن أعمال أخرى كتبها رحّالة ومستشرقون لغايات سياسية بذريعة الاستشراق أو شراء الخيول، مثل كتاب»حجّ إلى نجد» لليدي آن بلنت وزوجها ولفرد سكاون بلنت، أو كتاب «الرمال العربية» لولفرد ثيسغر، أو «البدو» للبارون ماكس فون أوبنهايم. لكنّ سيرة مؤلف هذا الكتاب تبعد كل الشبهات «الجاسوسية» عنه.
بدأت القصة عندما كان الكاتب طالباً جامعياً في روما، وبينما كان يحتفل مع صديقه الايطالي «مارسيلو» بمناسبة اجتياز الامتحان الأخير في الجامعة، هتف مارسيلو قائلاً لصديقه البولندي: «أدعوك إلى طرابلس لتقضي عندنا عطلة العيد. ستستقبلك عائلتي بصدر رحب وستكون لك فرصة للتعرف الى طبيعة عملنا في المستعمرات الأفريقية. أما عن تكاليف سفرك، فلا تهتم، ستكون عند الحد الأدنى: المطلوب أن تؤمّن فقط قيمة التذكرة إلى افريقيا ومقابل هذا، آمل أنك ستأخذني يوماً ما إلى بلدكَ بولندا لتريني حقول الحبوب عندكم ومناجم الفحم والملح وكل شي عن بلدك تحبّ الحديث عنه». وهكذا كانت بداية مغامرة هذا الشاب الجامعي الذي شدّ الرحال إلى ليبيا باقتراح ودعم من أصدقائه الايطاليين، هو الشاب الذي يتمتع بحرية سمحت له باتخاذ قرار لا يخلو تحقيقه من مخاطرة.
موضوع الكتاب محصور بفترة زمنية حسّاسة في تاريخ ليبيا، تميزت بتحريرها من التبعية العثمانية وإدخالها ضمن النفوذ الايطالي الذي حوّلها إلى مستعمرة استراتيجية. وخلال فترة وجود الكاتب في ليبيا، كانت الفاشية الإيديولوجية الرسمية المعتمدة في إيطاليا قد تمثلت بموسوليني وأطماعه الاستعمارية. فلا يخفي الكاتب، وفي أكثر من مكان، قلقه من تبعات هذه الايديولوجية التي، كما نعلم، أسفرت عن ويلات تجسدت بالمحارق الجماعية ومعسكرات الموت. من هنا يُمكن اعتبار هذا الكتاب توثيقاً حيّاً لتلك الفترة من تاريخ ليبيا.
بفضل معارفه الايطاليين، استطاع ذلك الشاب المغامر تحقيق أمنيته بالسفر إلى ليبيا أو المستعمرة الايطالية «تريبوليتانيا»، ومن ثم الحصول على رخصة من قيادة الجيش في المستعمرة، تخوله حقّ استعمال المواصلات العسكرية مجاناً مع المبيت مجاناً في كل مراكز الحصون العسكرية، وإلاعفاء من تكاليف التغذية في المطاعم العسكرية وثمن المواد الغذائية من المخازن العسكرية.
وبعنوان «مدينة تغازل الصحراء»، يُقدم الكاتب وصفاً لمدينة طرابلس في عام 1934 بدقة مدهشة ولغة خلاّبة، وذلك قبيل إنطلاقه في رحلة تستغرق أربعة اشهر تقريباً، يتجوّل خلالها بين الواحات الصحراوية، حيث يكتب كل انطباعاته، ويصف كل ما يراه. إنّه يكتب عن كل ذلك بإخلاص حقيقي إلى حدّ أننا نصدقه وهو يقول في بداية رحلته: «لم أحسد يوماً إنساناً على ما يملكه من الغنى والشهرة والأوسمة، لكنني أحسد فعلاً الرحّالة الذين يتجولون ويكشفون العالم المجهول لنفسهم ولغيرهم».
يحتوي الكتاب في نهايته معلومات إحصائية نادرة، وبالأرقام، عن الجزء التريبوليتاني من ليبيا، تشمل كل مناحي الحياة ومعالم الطبيعة من جغرافيا وتعليم (المدارس بمختلف مراحلها) وثقافة (أسماء الصحف) ورياضة (أسماء النوادي) وتجارة وطُرق وثروة حيوانية ونباتية وحجم الاستيراد والتصدير مع تعداد السكان وتوزيعهم وأصولهم... وما يضفي مزيداً من الجمالية على هذا الكتاب هو النيات الطيبة للشاب البولندي المغامر الذي لا تكتب له الحياة أكثر من ثلاثين عاماً.
كتب الشاب فيجايسكي هذا الكتاب ونشره في بولندا عام 1935، ومن ثمّ اختفى ذكره إلى أن ورد اسمه الكامل ضمن لائحة تضمّ أكثر من تسعة عشر ألف ضابط من ضباط الجيش البولندي الذين فُتك بهم غدراً، برصاصة في مؤخرة الرأس، في منطقة غابات تدعى «كاتين» تقع في غرب روسيا، في العام 1914. إنّها نهاية مؤسفة للرحالة الذي يذكر في كتابه وهو على مشارف الصحراء الليبية: «أعشق الأجواء المفتوحة والمساحات الواسعة، ومن الهواء عليله، أحبّ كلّ إنسان حيّ، أهوى الحياة السعيدة، الجميلة، المليئة بالنشاط والحركة». ربما كان حدس خفي ينذره، ويبدو أن الشاب فيجايسكي كان يخاف من شيء ما دون أن يعلم ما هو: «كيف ستدور السنوات بي؟ إلى أين سيقذفني مجذاف الحياة؟ كيف سيكون مصيري؟- هل ستتصف بغنى الانطباعات وبجمال الأحاسيس، كسنوات الشباب المحظوظ التي عشتها؟»...

مترجم الكتاب ميخائيل عبدالله يروي في تقديمه للكتاب رحلة الترجمة الطويلة التي استغرقت أكثر من عشر سنوات من المراسلات بين المترجم والهيئات المختصة في وارسو للتأكد من المصير المؤلم لمؤلف هذا الكتاب الرشيق. ومن المقاطع التي تعكس تأثّر فيجايسكي البالغ بتلك الرحلة: «أتجولُ في الواحة. ألقي عليها نظراتي الأخيرة. أودّع كلّ شيء وكل إنسان: المسالك التي مشيتُ، الأمكنة التي جلستُ فيها، الناس الذين تحدثت معهم... بدأتُ الآن – بعد تجربتي الحية مع الصحراء وتعايشي مع رمالها ونخيلها- أقيّم العديد من الأمور بمعيارٍ آخر. تغيرت مفاهيمي»
.

موقف دعاة الحرب- جهاد الخازن



هل من القراء مَنْ لا يزال يذكر رسالة المحافظين الجدد إلى الرئيس بيل كلينتون في 26/1/1998 التي طالبته بحرب على العراق، ورسالة مماثلة لهم إلى جورج بوش الابن في 20/9/2001؟ هناك الآن رسالة ثالثة من أعداء العرب والمسلمين، أنصار الحروب الذين وقفوا وراء حرب على العراق أقول مرة أخرى إن اسبابها زُوِّرَت عمداً، فلا علاقة إطلاقاً لصدام حسين بالقاعدة، والنتيجة موت مئات ألوف العرب والمسلمين لأسباب نفطية وإسرائيلية.
«ويكلي ستاندارد» الليكودية نشرت قبل أيام الرسالة الجديدة التي تطلب تدمير الجيش السوري، وبين الموقّعين عليها دعاة الحرب أنفسهم الذي وقعوا الرسالتَيْن السابقتين، وآخرون من أنصار إسرائيل المدافعين عمّا تمارس من إرهاب واحتلال وقتل وتدمير.
وجدتُ بين موقّعي الرسالة الجديدة إيليوت أبرامز وفؤاد عجمي وجو ليبرمان وبرنار هنري-ليفي ووليام كريستول وريول مارك غيريشت وروبرت كاغان ودانيال بليتكا ودان سينور، وأيضاً أسماء لعرب أو مسلمين لا أعرفهم إلا أنهم من النوع نفسه.
أنصار إسرائيل وجدوا فرصة في مجزرة الغوطة، إلا أن الأخبار ليست كلها كما يريدون فيزدادون هياجاً وشططاً.
في الأخبار أن وزارة التعليم الأميركية رفضت شكوى طلاب يهود من أن الاحتجاجات ضد إسرائيل تخلق جواً من اللاساميّة في حرم جامعة كاليفورنيا في بيركلي. أقول إن هناك حملات ضد إسرائيل في كل جامعة أميركية، وفي كل كنائس البروتستانتية باستثناء التبشيريين من نوع بوش الابن، والحملات تلف العالم كله، فإسرائيل دولة نازية جديدة تمارس أبارتهيد ضد الفلسطينيين وتحتل بلادهم.
هذه الحملات يؤيدها يهود معتدلون حول العالم، ومجلة «كومنتري» الليكودية وصفتهم بأنهم طابور خامس يشجع على مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها ومعاقبتها (هذه الكلمات يجمعها بالإنكليزية شعار BDS الذي يجد أنصاراً صاخبين له في كل جامعة اميركية)، بل إن 41 كاتباً عالمياً نشروا رسالة تؤيد القرويين الفلسطينيين في الضفة ضد محاولات الاحتلال تهجيرهم.
ماذا تفعل عصابة الحرب والشر عندما يقف العالم كله، بمَنْ فيه من يهود طلاب سلام، ضد جرائم إسرائيل؟ العصابة تحاول إبعاد الأنظار عن دولة الجريمة إلى أهداف أخرى.
هنا يصبح باراك اوباما الهدف المفضل للعصابة. وأقول إنه إما بلا إحساس وأجبن من أن يدافع عن نفسه، أو إنه ذكي صبور يتحيَّن الفرصة للانتقام. بين ما قرأت عنه في الأيام الأخيرة فقط:
- هل اوباما بطة عرجاء؟ بمعنى أنه عاجز.
- انتهت صلاحية تهديدات أوباما عن استعمال الكيماوي.
- ما مدى فساد إدارة اوباما؟
- تحالف أوباما مع الإخوان المسلمين (مقالات عدة).
- داعية الحرب دانيال بايبس يهاجم السياسة الخارجية لأوباما ويصفها بالـ «فاشلة» والـ «ملخبطة».
- مصر هي إيران 1979 لأوباما.
- أخطاء (أوباما) في مصر.
- نصف جهد لأوباما في سورية، وهذا المقال كتبه إيليوت أبرامز أحد رموز مجزرة حرب العراق التي تفوق مجزرة الغوطة بألف ضعف.
عندما يتعب المحافظون الجدد من مهاجمة باراك اوباما يتحولون الى رجب طيب اردوغان بعد تلميحه إلى دور إسرائيلي في إطاحة محمد مرسي، ودفاعه عن الإخوان المسلمين. وهكذا أقرأ أن أردوغان منغمس في ممارسة اللاساميّة، وأنه يغامر بمركز تركيا ضمن المجموعة العالمية بتأييد الإخوان. وأسأل أي مجموعة هي، فالعالم كله ضد إسرائيل وجرائمها، والاستثناء الوحيد هو مجلس النواب الأميركي الذي اشتراه لوبي إسرائيل ووضعه في جيبه.
ويبقى الفلسطينيون الهدف الدائم لعصابة الحرب والشر، فأقرأ أنهم مع إبادة الجنس، أو أنهم «متدينون نازيون.» وأقول إن هذا رأيي في إسرائيل، فهي بقيادة حكومة نازية جديدة وتقتل الفلسطينيين يوماً بعد يوم، لذلك تقف شعوب العالم كله ضدها، ولذلك يفقد المجرمون من أنصارها أعصابهم وينقلون التهمة منهم ومنها إلى ضحاياها أو إلى أناس أبرياء.

قوميات ومظلوميات في هذه المنطقة يوسف فخر الدين -

 
تعج منطقتنا بالمظلوميات، وواحدة من أسبابها عطل في تعاملنا مع حقيقة انقسامنا المزمن إلى قوميات وطوائف. فعلى رغم شيوع التغزل باجتماعنا كفسيفساء، إلا أن ذلك لم يمنع في يوم من الأيام قهرنا لبعضنا البعض. فكل منا يمتلك ما يبرر له الادعاء أنه من جماعة قُهرت، ولكن قل بيننا من يعترف بأن «جماعته» لم تقصر في قهر الآخرين حين أُتيح لها أن تفعل.
وأمام الجحيم الذي دشنه الاستبداد السوري في مواجهة الثورة، والأحقاد التي أنتجها عنفه الفاشي، وبعد الإقرار بحقيقة أن هناك من لم يتوقف عن تأييده لأسباب طائفية، وأن بعض هؤلاء شارك بنشاط واندفاع في القتل والتدمير، وأن هناك من تعاون معه تلبية لطموحات قومية، أصبح لزاماً علينا الوقوف أمام حقائقنا متخلصين من المساحيق التي لا تنفع لتجميل قبحنا. الأمر الذي يعني الإقرار بأننا لا زلنا نعيش ذهنية القسوة، وأن الثقافة السائدة عندنا لا تعبأ بالضعيف وتقدس القوي، وتهمل مشكلاتها، بل تجرم من يتجرأ على البوح بها. ما يبقينا مقيدين في دورات من المظلومية تنقلب فيها الأدوار، فيصير في كل منها الظالم مظلوماً قبل أن يتحولا بدورهما إلى مظلومَين من قِبل ظالم ثالث. وفي كل مرة نجد أنفسنا أمام «حقوق» لا يطاولها الشك، قومية كانت أم دينية، تبيح إهمال حقوق الآخرين، بل كتمها إن لزم الأمر.
يمكن للفلسطيني أن يثبت بسهولة أن مستوطنين أغراباً تجمعوا من كل بقاع الأرض لاغتصاب أرضه، والإسرائيلي اليهودي بدوره يمتلك تفويضاً إلهياً قديماً وتراثاً من التعهد أمام الرب أنه لن ينسى أرض أورشليم/ القدس التي اغتُصبت منه. وكذا يفعل العربي حين يثبت ملكية الأرض ويدعي بأن كل الممالك والشعوب القديمة في المنطقة قد ذابت في بوتقته، وأورثته حقوقها. هناك سريان أكسبوا الجغرافيا اسمهم، وأكراد يذكرون مملكة، يكاد لم يسمع بها أحد، كدليل لا يمكن رفضه عن مليكتهم الأرض إلا من قِبل الشوفينيين بحسب زعمهم. كل من ذكرنا، ولم نذكر، يغذون الأمل بأنهم ذات يوم سيتمكنون من استعادة أمجاد دولتهم القومية من دون أي اكتراث ببقية القوميات، وفي أحسن الأحوال يتحدثون عنها كأقليات يمكن أن تُعطى بعض الحقوق. ولا شيء يبعث على الأمل بأننا قد نخرج من هذه الدائرة. ما يُبقينا في دوامة إنتاج وإعادة إنتاج المظلوميات، بتبادل أدوار قائم على ضعف عصبيات وتفككها والغلبة لعصبيات فتية.
ما يمكن أن نحقق عليه الإجماع من دون كثير عناء هو أنه لا يوجد تغيير واسع ممكن للتنوع القائم، فالتطهير العرقي الذي ربما يداعب أحلام المتطرفين من كل اتجاه، والذي يمكن أن يؤدي إلى الخلاص من قومية من القوميات المتنازِعة، أمر غير وارد إلا إن قامت حرب إقليمية عظمى. وحدود الحرب في سورية أقل من ذلك بكثير، وستبقى من دون حدود التطهير العرقي الواسع حتى لو تحققت أماني حكام دمشق - التي تولدت عندما اقتنعوا أن العودة إلى الوراء أصبحت مستحيلة ومنوا النفس بأن زج الدول معهم في المستنقع يولد وقائع جديدة الكل فيها متضرر يبحث عن مخرج، ما يسمح لهم بطرح أنفسهم جزء من الحل - وتورطت تركيا في الصراع السوري. ولكن ذلك لم يحصل، ولن يحصل، فالإدارة الأميركية قررت أن تدفع كل حلفائها إلى مقاعد الفرجة معها إلى أن يُنهك خصومها ويقرروا أنهم جاهزون لتقديم التنازلات، وهو ما ستفضي الأمور إليه قصُر الزمن أو طال، وإن تدخلت فستضرب من بعيد محافِظة على المسافة بينها وبين «الورطة». وبما أننا سنبقى هنا معاً، وأن أي عنف لن تكون نهايته إلا صيغة للعيش معاً، يبقى السؤال عن الوجه الجديد للمنطقة التي نريد العيش فيها، وما إذا كنا سنعود لما ألفناه من تغيير للمواقع من دون تغيير في قواعد اللعبة، هو الأكثر أهمية والجواب عنه يستحق منا تحدي يقينياتنا ومحرماتنا.
على مستوى الوعي تنتج مشكلتنا من التناقض بين فهم نتبناه عن حق تقرير المصير بما هو السيطرة على الجغرافيا، وبين حقيقة أن هذه الجغرافيا تعود لجميع من عليها بوجهين: الأول، هي مهد حضارات قومية عدة ممثلوها على قيد الحياة ويعتقدون بأحقيتهم فيها. والثاني، أن انتهاء دورات المظلومية بين القوميات يتم حين تكف كل منها عن التعامل مع الجغرافيا كملكية حصرية. أي أن الطبقات المتراكبة للحقوق على جغرافيا واحدة، وما يتعلق بها من حقائق وأوهام وزيف، ستؤدي إلى استمرار الاعتماد على الغلبة، وهو ما ستكون محصلته الدورية مظلومية متبدلة وفق متوالية عنف وقهر. وحتى عندما نحاول الارتكاز على الحقوق لإيجاد حلول بدفع من نية تحقيق العدل، نجد أنفسنا نتيجة اعتقادنا الراسخ بأن حق تقرير المصير هو السيطرة على الجغرافيا مدفوعين إلى مقاربة حل قضية المظلوميات على أنه الحق بالانفصال، أو السيطرة على جغرافيا مختلف على ملكيتها ضمن فيديراليات هشة، ما يؤدي إلى إعادة توزيع المواقع من المظلومية. وفي هذه الحالة ينشغل الديموقراطي بتعداد السكان تاركاً للغالبية في كل موقع حق الهيمنة، ويروح إلى نقاش البقية كأقليات يجب مراعاتها. وبدلاً من ذلك نقترح التفكير في حق تقرير المصير كعدم سيطرة، التفكير في فيديرالية لا تقوم على اعتبار الأرض إنما على اعتبار الناس. وطالما أن أغلب الناس في منطقتنا يصرون على أن يكونوا «جماعات» في معاملاتهم، علينا أن نفكر كيف يمكن أن ننشئ بناء سياسياً جمهورياً يسمح لهم أن يعيشوا مشاركتهم السياسية على هذا الأساس. أي أن تكون هناك مؤسسات تُنتخب على أساس قومي، وترعى مصالح ناخبيها بغض النظر عن أماكن تواجدهم على مساحة الجغرافيا الوطنية المشتركة كلها، لا على ما تقتطعه لنفسها منها مطلقة عليه صفة «أرضي». يمكن التفكير في التمثيل القومي في المؤسسة ومن خلالها، وليس في ما تشغله من حيز مختلَف عليه.
تستدعي مثل هذه الحلول إجراء تغيير جوهري في ثقافتنا، والتحرر من قيود ثقيلة أصبح واضحاً في أيامنا المضطربة هذه أنها لا تفضي إلى أي فائدة لنا بل تطيل زمن الاستبداد. وهو ما سيسمح لنا بالتفكير في الحقوق بطريقة مختلفة، نتوقف نتيجة لها عن وضع حقنا مقابلَ «حقهم». ينفع مثل هذا الأمر في فلسطين الموحَدة كما في سورية والعراق وربما تركيا وإيران. ما يهمنا هنا هو البحث فيما إذا كانت مقاربة مختلفة، لواقع أثبت استعصاءه على الحلول الناجحة في مواقع لا تشبهه، يمكن أن تشكل آلية لحل قابل للتطوير ومراجعة نجاحاته وإخفاقاته.


 

صنع الله إِبراهيم، ماذا تفعل بنفسك؟ معن البياري



مفزعٌ ما صار ملحوظاً من تماهٍ بين خطابي أجهزة الأمن المصرية ونخبٍ مصرية مثقفة ذات مكانة خاصة، حين تستسهل هذه النخب، بمجانيّةٍ غير مسؤولة، نعت جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب والفاشية، من دون حرج، وبلا التفاتٍ إِلى وجوب استناد هاتين الصفتين المقيتتين على تحقيقاتٍ موثوقة، تثبت رمي «الإخوان المسلمين» المصريين بها، بعد انتزاع السلطة منهم، لا سيّما مع حبس قياداتهم في اعتقالاتٍ ناصرها كثيرون من أَصدقائنا المثقفين المصريين، من دون انتباهٍ منهم إِلى وجوب وضوح الاتهامات بشأنهم، واحترام حقوقهم كمواطنين، جريرتُهم دعوتُهم ملايين يتبعونهم إِلى التظاهر. وأَنْ نقرأَ للروائي المصري، صنع الله إِبراهيم، قوله إِنَّ «الإخوان جماعة إِرهابية غير وطنية، ليس لها انتماء إِلى مصر»، فذلك يُذكّر بأنَّ خمس جولات اقتراع تمت في مصر، بعد «25 يناير»، فاز فيها «الإخوان» ومنظورُهم، في الاستفتاء على إِعلانٍ دستوري وانتخابات مجلسي الشعب والشورى والرئاسة والاستفتاء على الدستور، ما يُسوّغ سؤالاً عمّا إِذا كان ينبغي استبدال الشعب المصري بشعب آخر، طالما أَنَّ خياراته في صناديق الاقتراع تتفق مع «جماعة إِرهابية وغير وطنية». ولأَنَّ صنع الله مثقفٌ كبير، وصاحبُ مواقف ومبادراتٍ مقدّرة في مناوأَةِ نظام حسني مبارك، فإِنَّ مطالعتك مقابلةً معه نُشرت قبل أيام، تُصيبك بالجزع، إذ يكتفي فيها باعتباره أَحداث القتل والترويع الأَخيرة مؤلمةً، من دون أَنْ يجتهد في تعيين المسؤوليات في وقوعها، وكان متوقعاً، أَو مطلوباً على الأَصح، من الكاتب المعروف أَنْ يستفظعها، وأَنْ يُشهر حساسيةً عاليةً لديه في استنكارِها، وأَنْ يجهرَ بوجوب معاقبة كل متورطٍ فيها. وكان مأمولا أَنْ يُبادر مع كتابٍ وأُدباء وفنانين إِلى تلويحٍ باعتصاماتٍ مفتوحة، ما لم تُعلن نتائجُ تحقيقاتٍ مطمئنة، أَقله للرأي العام، بشأن مذبحتين، وقعتا قبل أَيامٍ من فض اعتصامي «الإخوان» وأَنصارهم في القاهرة، أَمام مقر قيادة الحرس الجمهوري وقريباً من نصب الجندي المجهول، وهما واقعتان كان مذهلاً إِلى حدِّ الصدمة أَنْ يصمت صنع الله إبراهيم وزملاؤه عن إِعلان موقفٍ صلبٍ بشأنهما، وهما مجرد مثاليْن هنا.

يزيدُ جرعةُ الجزع في تصريحات صاحب «نجمة أُغسطس» أنه يدعو إِلى ذهابِ محمد البرادعي إِلى «مزبلة التاريخ»، لأَنه استقال من منصبه، نائباً للرئيس الموقت للشؤون الخارجية، بعد انزعاجه من حلٍّ عسكريٍّ تم اللجوءُ إِليه في التعامل مع اعتصامي الإخوان المسلمين وأَنصارهم. ومدهشٌ أَنَّ صنع الله يقفز عن أَدوارٍ ومواقفَ بالغة الشجاعة، أَخذها البرادعي عشية «25 يناير» وحتى ما بعد «3 يوليو»، ويعتبر أَنَّ استقالة الرجل جاءَت بأَمر من باراك أوباما. وكان الظنُّ أَنَّ الروائي البارز شديد الإخلاص لمبدأ حرية التعبير، وللحريات الشخصية عموماً، والتي تجيز للبرادعي، وغيره، أَنْ ينسحب من موقعٍ في المسؤولية، إِذا ما رأى نفسه غير قادر على الانسجام مع استحقاقاتها. وإِذا استطاب كاتبنا مناوأة استقالة البرادعي تلك، كان في وسعِه أَنْ يُعبّر عن ذلك من دون هذا التعبير غير اللائق والمهين.
فظيعٌ من الروائي الذي يبعث نتاجُه على إِعجابٍ مستحق، والذي لا تُنسى بادرته الاحتجاجية الاستثنائية، عندما أَشهر رفضَه استلام جائزة الرواية العربية تمنح مكافأتها المالية وزارة الثقافة المصرية، تعبيراً عن رفضِه سوءات نظام حسني مبارك، وتنديده بوجود سفارة إِسرائيليةٍ في بلده، فظيعٌ منه، وهو الذي أَودعه جمال عبدالناصر السجن خمس سنوات، أَنّه يُغدق على الجنرال عبدالفتاح السيسي صفاتٍ لم تتبيَّن بعد، ويُناصر ترشحه للرئاسة، (وإنْ لا يُرشحه كما أَوضح لاحقاً)، باعتبار ذلك حقّاً «أَصيلاً» له، ويصف السيسي مكسباً للحياة السياسية المصرية. وكان الظنُّ في كاتب بديع، مشتغلٍ بالثقافة والأَدب والفن، أَنه مقيمٌ على التحسّس التقليدي من تدخل العسكر في السياسة وإدارة الحياة المدنية، وعلى الحماسة إِياها لوظيفة الجيوش في حماية الأوطان، غير أَنَّ مؤلف «التلصص» يرى تدخل السيسي في الحياة السياسية «ممتازاً»، ويقول إنه مع الفريق أَول «قلباً وقالباً»، ويلحظ أنَّ الأخير يتحدّى أَميركا بمواقف «وطنية حاسمة» ضدها، الأَمر الذي يصعب على مراقب المشهد أَن يلحظه، بمثل هذه الثقة، إذ لم يُراكم في شهريْن مثل هذه المواقف التي تجعلنا نبارك للمصريين به، ما لا يعني اتهامه بعمالةٍ لأَميركا أَو لغيرها، لا سمح الله... وتُجيز مواقف صنع الله إبراهيم المعلنة، هذه وغيرها، سؤالاً مشروعاً عما يفعله بنفسِه، حين يُغالي في مناهضته «الإخوان المسلمين»، فيتكلم وكأَنه ضابط في مباحث أَمن الدولة، وحين يستطيب تطبيلاً وتزميراً لسلطةٍ أَهم منجزاتها مضاعفةُ الاحتقان الأمني في البلاد، والتسبب في زيادة جرائم الإرهاب. ليس هذا صنع الله الذي أَحببنا وقرأنا وعرفنا
.

اليوم التالي بعد سقوط الصواريخ على دمشق جمال خاشقجي

*إذا لم يسقط النظام بعد أيام من ضرب مقاره الأمنية ومفاصله العسكرية فهذه مشكلة، أما إذا تهاوى بسرعة وتقدم الثوار نحو العاصمة ودخلوا القصر الجمهوري وأعلنوا سقوط نظام بشار الأسد من على عتبات مجلس الشعب السوري فهذه مشكلة أيضاً!كيف ذلك؟ الحل الأسلم للأزمة السورية كما يتحدث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومبعوثه الأممي الأخضر الإبراهيمي هو التفاوض والحل السلمي، أن يتوجه بشار الأسد أو من يمثل نظامه إلى جنيف، وكذلك المعارضة السورية ممثلة في الائتلاف الوطني، ويجلسا على طاولة واحدة، ويتفقا إما على أن ينقل الأول السلطة للثاني أو المشاركة معاً في مرحلة انتقالية تفضي إلى انتخابات حرة، فسلام ووئام بين الإخوة، حافزهم في ذلك الحرص على سلامة «الدولة» وتماسكها، فلا تنهار أجهزتها البيروقراطية ولا الأمنية، إنما يعمل الجميع بعد ذلك بإخلاص وتفانٍ لإصلاح حقيقي يرضي كل أبناء الشعب السوري الواحد... ما سبق أمنيات ليس لها موقع في سورية الحقيقية اليوم، لقد انهارت الدولة، وثمة ثورة حقيقية هناك ترفض كامل النظام وكل ما يمت إليه بصلة، ثم متى اختار العربي حلاً معتدلاً لأزماته خارج قاعدة «كل شيء أو لا شيء»؟الجميع يتحدثون عن ضربة «محدودة في الزمان والمكان»، كما يستخدم السياسي الأميركي عبارة «معاقبة» الذي ارتكب جريمة استخدام السلاح الكيماوي المحظور دولياً وليس «إسقاطه»، وثمة فارق بين المعاقبة والإسقاط، ولكن هذا هو الموقف الأميركي والغربي، والذي لا يلزم الثوار في سورية، الذين يريدون إسقاط النظام بالكامل وبناء سورية جديدة تماماً، هؤلاء سيستغلون الضربات العسكرية على مفاصل النظام الأمنية للتقدم نحو كل ثكنة ومطار وموقع يستطيعون السيطرة عليه، وليس لأحد أن يلومهم في ذلك، بل بالتأكيد هناك من سيدعمهم، ودربهم على ذلك، فالوحدات السورية التي تم تدريبها وتجهيزها في الأردن وتركيا من قبل الجيش الأميركي وحلفائه مناطة بها هذه المهمة، وهي وحدات منضوية تحت مظلة «الجيش الحر» الذي يرأسه اللواء سليم إدريس، وتتبع سياسياً للائتلاف الوطني السوري الذي يرأسه أحمد الجربا، اللذان يتمتعان بثقة قوى إقليمية ودولية.ومثلها شتى التشكيلات العسكرية للثوار تحت مختلف المسميات، مثل لواء الإسلام، صقور الشام، كتائب التوحيد، كلها نظرياً تشكل «الجيش السوري الحر»، ولكنها في الحقيقة مستقلة بقيادات وتوجهات وتمويل وعلاقات إقليمية مختلفة، ويجمعها الآن هدف إسقاط النظام، بل إن بعضهم يتعاون حتى مع «جبهة النصرة» تحت هذا الشعار، وستعمد هذه الفصائل بحماسة شديدة للاستفادة من الضربات الصاروخية وتبعاتها التي ستؤدي بالتأكيد إلى حالة إرباك شديد في صف وحدات النظام العسكرية، بل يجب توقع حالات فرار وانشقاق في الجيش السوري، وبالتالي لا يستبعد انهيار كامل للنظام، الذي لا بد من أن يكون هو الآخر منهكاً بعد عامين ونصف العام من الحرب (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ).لذلك فمن الضروري الاستعداد إقليمياً لليوم التالي بعد سقوط النظام كاملاً أو انحساره إلى مناطقه العلوية «الخطة ب» كما سمّاها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، وأحسب أن هذا كان بعضاً مما ناقشه رؤساء أركان جيوش الدول المعنية بالأزمة السورية في العاصمة الأردنية الأسبوع الماضي، فإذا كان تأمين الأسلحة الكيماوية ومستودعاتها هاجساً مشتركاً بين الغرب والدول الإقليمية، فإن ضمان انبثاق سورية آمنة وموحدة من بين الرماد والحروب هو ما يجب أن يكون هاجس دول المنطقة،خصوصاً السعودية والأردن وتركيا.الذي سيعلن سقوط دمشق ثائر شاب لا نعرفه، يستحوذ على كاميرات الصحافة والتلفزيون هو وزملاؤه ريثما تصل قيادات المعارضة. من هناك سيعلن الائتلاف الوطني عن بدء المرحلة الانتقالية، ويحدد أهدافها وربما زمانها. سيوجه السيد الجربا نداء لموظفي الدولة بالبقاء في أعمالهم وخدمة وطنهم، وربما حتى للشرطة بحفظ الأمن، ولكن هل يستطيع الائتلاف الوطني السوري وهو كيان «ائتلافي» كما هو واضح في اسمه إعمال سيطرته على كل سورية بكل ما ترك بشار فيها من تناقضات، وما خلقته الحرب من أحزاب وكتائب وعداوات وثارات؟ حتى لو تغلبت كل الفصائل والقادة المحليين على طموحاتهم ومكاسبهم وقبلوا بمظلة الائتلاف، ماذا عن «جبهة النصرة»؟ بل ماذا عن الكارثة الأكبر «دولة العراق والشام الإسلامية»؟يبدو أنه لا مناط من قوة سلام عربية - تركية، تشكّل في إطار الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، تكون وظيفتها حماية عملية الولادة الصعبة لسورية الجديدة الديموقراطية التي تحميها من نفسها وتحمي المنطقة من انهيارها. إنه شرق أوسط جديد إن لم يصنعه الحكماء سيصنع نفسه بنفسه، وها هو الفصل الثاني من الملحمة السورية على وشك انفراج ستارته عن تفاصيل لن تقل إثارة وربما ألماً عن فترة العامين ونصف العام الماضية.

الجمعة، 30 أغسطس 2013

الويل من الكسل الفكري -خالد القشطيني

الكسل الفكري علة يتعرض لها الجميع. نحن نتمسك بأفكار تعلمناها من آبائنا ومثقفينا ومرجعياتنا من دون أن نتعب أنفسنا بتدقيقها. هكذا آمنا جميعا بأن الاستعمار عدونا الأول والأخير. دققت في الأمر فوجدت عكس ذلك وقلت إن الاستعمار ارتكب جريمة شنعاء عندما أعطانا الاستقلال قبل الاوان. اتهموني بأنني أصبحت عميلا خائنا. نسوا أن رجلا آخر أعلم مني، كارل ماركس، نفسه سبق ودقق في الموضوع وقال إن الاستعمار البريطاني للهند كان خطوة للأمام. وكذا كان في رأيي في العراق ومصر والمغرب العربي. ولكن القليل منا من تأملوا في الموضوع وحكموا عقلهم في ضوء معطيات التخلف العربي.
الغربيون أيضا لهم كسلهم الفكري الذي ظهر في حملتهم على ما قام به الجيش المصري بشجاعة. لهم مسلماتهم التي لا يريدون أن يتعبوا انفسهم في مراجعتها. بالنسبة لهم حقوق الإنسان مقدسة، حرية الفكر أساس التقدم، المظاهرات والإضرابات حق، الشرعية بنية الدولة، الديمقراطية هي الحل، الانتخابات الحرة أساس الديمقراطية، حق التصويت مقدس، القضاء العادل المستقل فريضة، كرامة السجين لا تمس، وهكذا. أقاموا حضارتهم وثروتهم على هذه المسلمات. راحوا يفترضون أن ما صلح لهم يصلح للجميع على علاته ومن دون قيد أو شرط. تجد رجل الدولة والمعلق الصحافي وحتى المفكر المستقل عندهم لا يواجه خرقا لهذه المسلمات في أي بلد في العالم إلا وتشنج وبادر تلقائيا للاعتراض عليه. كلما قلت ان إعطاء حق التصويت لمواطن أمي جاهل خطأ وخطر وينبغي تفاديه بحصر الاقتراع بالمتعلمين، ثاروا عليّ وقالوا هذا خرق لحقوق الإنسان. لا يكلفون أنفسهم من دراسة تبعات تسليم مصير دولة لأفكار قوم جهلاء ليس لهم ي اطلاع على متطلبات وتبعات كل هذه الشؤون المعقدة للدولة والعالم.
وفي ضوء هذه المسلمات، امتنع الجيش الألماني في الثلاثينات من التحرك ضد الحزب النازي واعتقال هتلر وزمرته. تركوهم باسم حقوق الانتخاب وشرعية البرلمان ليلقوا بالمانيا والعالم كله في أتون الحرب العالمية. وبالفعل دافعت الصحافة الغربية في حينها عن حق النازيين في تسلم الحكم. كيف لا وقد صوّت لهم الشعب؟
كل ما كان الالمان وأوروبا والعالم كله في حاجة ماسة إليه هو رجل من طراز السيسي على رأس الجيش الالماني، أو قل رجل من طراز كرومويل، عندما اقتحم البرلمان البريطاني مع فصيل من الحرس وخاطب النواب الانتهازيين قائلا: «بحق السماء لقد طال جلوسكم في هذا المكان. اخرجوا من هنا بحق السماء»! خرجوا طائعين وانصرف كرومويل لبناء دولة الكومنولث الضاربة الارجاء.
أنا واثق لو أن الإخوان المسلمين بقوا في الحكم أكثر مما بقوا لألقوا شعوب المنطقة بكاملها في جحيم لا يقل كثيرا عما فعله النازيون، ولكن من دون أي من منجزات النازيين واختراعاتهم وفلسفتهم.

«النهضة» وتكتيك الأيادي المفتوحة - آمال موسى

بعد أشهر طويلة من إظهار الصلابة والتعنت أمام الهزات السياسية القوية التي عاشتها تونس، فإن تضافر عاملين؛ أحدهما خارجي والثاني داخلي، أجبر حركة «النهضة» التونسية صاحبة الأغلبية النسبية في الحكم، على تقديم تنازلات نوعية وتغيير التكتيك السياسي، باتباع أسلوب الأيادي المفتوحة، والإذعان للعاصفة السياسية والاجتماعية التي هبت ضد تنظيم الإخوان المسلمين.
وقبل أن نفهم التحول النوعي في خطاب حركة النهضة في الأيام الأخيرة، فإن المنطق يستدعي تحديد مضمون هذا التحول ودلالاته.
لقد جاء على لسان رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي أن «النهضة» لن تدعم ولن تتبنى مشروع قانون الإقصاء، وأنها تدعو إلى المحبة والتسامح والوحدة الوطنية والعيش المشترك بين الجميع، وأن إقصاء أي مواطن تونسي وإنزال أي عقوبة سياسية ضده هما من مشمولات القضاء.
وفي الحقيقة، فإن توضيح هذه النقطة والتصريح برفض حركة النهضة الانخراط في دعم مشروع إقصاء التجمعيين والمصادقة عليه، يمثلان خطوة نوعية في خطاب الحركة؛ حيث إنه لأول مرة يجري الإعلان الصريح عن الرفض باعتبار أن الحركة كانت تتبع نهج المراوغة واللعب بهذه الورقة سياسيا وذلك من وراء ستار حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» صاحب اقتراح مشروع إقصاء آلاف التجمعيين السابقين من الحياة السياسية لمدة خمس سنوات. وهو قانون أثار منذ تاريخ اقتراحه جدلا طويلا، وظلت حركة النهضة تتبناه من دون أن تظهر بشكل أساسي في الصورة. وها هي نهاية صلاحية هذه الورقة السياسية قد حانت عندما حتّم تدهور الأوضاع ذلك، فكان التنازل، ولكنه مع الأسف بدأ متأخرا، وجاء في سياق داخلي وخارجي يشهد احتقانا وريبة ضد نخب الإسلام السياسي.
وبالتمعن في كل المواقف المعلنة سابقا من حركة النهضة بخصوص مشروع قانون الإقصاء، وأيضا الدفاع المستميت لقياديين نهضويين، يمكننا الجزم بأن السياق السياسي الجديد في المنطقة قد أرغم «النهضة» على اتخاذ هذه الخطوة بعد أن بدأت الدائرة حولها تضييق أكثر فأكثر، فكانت التضحية بحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» الحليف في الترويكا، لأن «النهضة» دخلت في زمن سياسي حرج، يُخيِّرها بين الحياة أو الموت.. وهو ما يعني أن البعد السياسي حاليا هو المتحكم حاليا في خطاب الحركة وأدائها، خلافا لمواقف سابقة كانت فيها «النهضة» ضحية منطق المصلحة الحزبية الضيقة والخطاب «الإخواني» العقائدي.
ولكن مع أهمية التحول النوعي في خطاب الحركة، فإن تأخره والفشل في تبني تكتيك الأيادي المفتوحة في فترة القوة لا الضعف، يؤثر في أهميته، وهو ما حصل واقعيا؛ حيث إن الطابع النوعي للمواقف النهضوية الجديدة لم يكن محل إجماع بين النخب السياسية، خصوصا أن الحركة المستهدفة من قانون الإقصاء؛ أي حركة «نداء تونس»، قد أصبحت قوية ورقما سياسيا ومنافسا جديا لحركة النهضة.
لذلك، فإن حركة النهضة لم تقدم خطوات إيجابية بقدر ما قامت بتنازلات تفيد خصومها من دون أن تفيدها.. إنه تنازل نوعي، ولكنه نتاج النهاية المفاجئة والضربة القوية التي ألمت بـ«إخوان مصر»، وأيضا النقد السلبي لتركيا وانكشاف أمر شعاراتها البراقة. وإلى جانب تأثيرات الزلزال المصري، فإن الضغط الداخلي من خلال اعتصام «باردو» والثقل الشعبي لمسيرات يومي 6 و13 أغسطس (آب) الحالي، إضافة إلى انطلاق ما سمته جبهة الإنقاذ «أسبوع الرحيل»، كل هذا قد فعل فعله في إرباك تنظيم النهضة وجعله يتبنى خطابا مختلفا فاجأ البعض، خصوصا في المضامين المتعلقة بحركة «نداء تونس»؛ إذ تحولت من حركة «شيطانية» تضم «أزلام النظام السابق»، إلى حزب شريك وكبير، وتحول قائده من رجل «طاعن في السن» عمل مع النظامين السابقين، إلى صديق تُحتسى معه القهوة في باريس!
صحيح أنه لا يوجد صديق دائم أو عدو دائم في السياسة، ولكن الانتقال بـ180 درجة من دون مقدمات يعد سلوكا صادما ممزوجا بالنوايا المفضوحة ومناطق الضعف المكشوفة.
إن عدم التمييز بين ما هو مبدئي وما هو ظرفي سياسي يمكن اللعب به، خاصية سلبية تميز بها سلوك حركة النهضة، حيث كان من الممكن أن تعلن وبصوت سياسي عال رفضها مشروع القانون منذ اقتراحه.. ساعتها كانت ستبرهن عمليا على حرصها على الوحدة الوطنية وعلى كل التونسيين، وكانت ستحقق القوة التي أصبحت مهددة بفقدانها.. والأهم من كل هذا ربما كانت تجنبت العديد من الأزمات؛ وعلى رأسها الاقتصادية منها.. فهل يجب أن تتراجع حركة الإنتاج، وترتفع نسبة التضخم، ويتزايد العجز التجاري، ويضرب الإرهاب البلاد.. حتى تؤمن «النهضة» بضرورة التسامح والمحبة والوفاق؟

التقسيم على الأبواب! - هاشم صالح

ربما كنت مخطئا. أرجو أن أكون مخطئا. ولكن هناك علامات وإرهاصات تدعو للارتياب والتخوف. فكبار استراتيجيي الغرب أصبحوا يدعون إلى التقسيم علنا أحيانا أو ضمنا وتلميحا في معظم الأحيان. وحجتهم في ذلك أنكم شعوب «متخلفة» لا تستطيعون أن تتعايشوا بعضكم مع بعض بشكل مدني حضاري وبالتالي فلا حل لكم إلا بفصلكم بعضكم عن بعض ريثما تكونون قد تمدنتم وتقدمتم. بالطبع لا يقولون لك ذلك صراحة ولكن هذا هو المضمون. ثم يقولون لك بأن دولا كسوريا والعراق وسواهما ليست منسجمة عرقيا ولا طائفيا وبالتالي فلا يمكن أن تستقر قبل تقسيمها إلى وحدات مصغرة تكون أكثر انسجاما من الناحية المذهبية أو العرقية–اللغوية. والواقع أن العراق شبه مقسم؛ فـ«الدولة الكردية» قائمة عمليا في الشمال ولها قرارها المستقل ولغتها وبرلمانها وحكومتها. لم يبق إلا أن تتشكل دولة شيعية وأخرى سنية ولا يعود أحد يتحكم في أحد أو يتسلط عليه في عقر داره. أليس ذلك أفضل من السيارات المفخخة التي تحصد العشرات كل يوم أو يومين؟! ولكن إنجلترا وحدت العراق بعد الحرب العالمية الأولى بشكل اصطناعي لأسباب مرحلية خاصة بها وبمصلحتها. وأما سوريا فشلال الدم حفر هوة سحيقة بين الفئات إلى درجة أن التعايش لم يعد سهلا إلى الحد الذي نتصوره. لم يعد أحد يطيق أحدا. الكل مرعوب من الكل. أنا شخصيا لم أعد أطيق حتى نفسي!
لكن لنعد إلى صلب الموضوع. يقول بعض المحللين المطلعين بأن الغرب ترك الحرب الجهنمية تجتاح سوريا لمدة طويلة عن قصد. لم يشأ التدخل قبل أن تهترئ الحالة وتتفاقم الهيجانات الطائفية ويصبح التقسيم أمنية الأمنيات بالنسبة للسكان المروعين والمنهكين والمشردين على الطرقات والدروب. وبالتالي فهو يقطف الثمرة بعد أن نضجت وأصبحت جاهزة للقطاف. ضمن هذا المعنى نفهم قرار الغرب فجأة بالتدخل. فلو أنه كان يريد الحفاظ على سوريا موحدة لما ترك الدماء تسيل أنهارا والأحقاد تشتعل نيرانا طيلة أكثر من سنتين متواصلتين. كان بإمكانه التدخل من أول لحظة أو في بدايات الانتفاضة الثورية العارمة فيغير نظام الاستبداد والانسداد ويوقف المجزرة الكبرى حتى قبل أن تبتدئ. والدليل على أن هناك نية في التقسيم هو أن معظم استراتيجيي الغرب وليس فقط هنري كيسنجر أصبحوا يؤيدونه كما ذكرت. كل شيء يحصل كما لو أنهم يريدون أن يقولوا لنا: التقسيم نعمة لا نقمة. ارضوا بما قدر الله لكم. فلا تستحقون أكثر من ذلك أصلا نظرا لمستوى وعيكم أو لا وعيكم بالأحرى. أنتم لم تتجاوزوا المرحلة الطائفية بعد كما حصل في أوروبا المستنيرة المتحضرة. وبالتالي فقد تمزقون بعضكم بعضا إربا إربا عن آخر رجل إذا لم نفصل بينكم.
وعلى أي حال فإن سوريا لن تعود إلى سابق عهدها بعد كل ما حصل من فواجع ومجازر. وبالتالي فيخشى أن تكون هناك «سايكس بيكو» جديدة. والآن اسمحوا لي أن أطرح هذا السؤال الممنوع: هل الحق كله على الغرب أم علينا أيضا؟ بمعنى آخر: هل العوامل الخارجية هي التي تحسم الأمور أم العوامل الداخلية؟ وجوابي: كلاهما معا. ولكن على عكس بعض الآخرين فإني أولي أهمية كبرى للعوامل الداخلية. فكما قال مالك بن نبي سابقا: لو لم نكن جاهزين للاستعمار لما استعمرنا، فإني أقول: لو لم نكن جاهزين للتقسيم لما قسمنا. مالك بن نبي كان يقصد أن التخلف الشديد للعالم العربي والإسلامي هو الذي دفع بالقوى الأوروبية إلى الطمع به واستعماره. وبالتالي فالتخلف هو المسؤول الأول وليس الاستعمار. وهذا كلام مفكر نزيه وصادق لا يكذب على قومه ولا يغرق في الشعارات الغوغائية الديماغوجية. إنه يدعو المسلمين إلى الاستيقاظ والإصلاح والتجديد. فالجمود التراثي أو الانغلاق الطائفي هو المسؤول عن تردي أوضاع العرب بالدرجة الأولى. لا ريب في أن الاستعمار كان نقمة جهنمية وقد زاد الطين بلة. ولكن لنصلح أوضاعنا أولا ولنتجدد ولننهض وبعدئذ لن يتجرأ أحد على استعمارنا أو تقسيمنا. وأنا أقول نفس الشيء عن سوريا والعراق ومعظم أقطار العرب. لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. بمعنى لن تخرجوا من الحفرة قبل أن تتغلبوا على نواقصكم وتنتصروا على أنفسكم. وهذا هو عنوان المرحلة المقبلة في رأيي: تنظيف الذات من ذاتها، تعزيلها، تحريرها. معركة الذات العربية الإسلامية مع ذاتها ابتدأت ولن تنتهي عما قريب.
ولكن اطمئنوا؛ فهذا التقسيم إذا ما حصل لن يدوم طويلا. فالفكر العربي سوف ينخرط عاجلا أو آجلا في تفكيك رواسب الماضي وتراكماته وجدرانه الطائفية العازلة التي تفصل بيننا. وهذه الحركة التفكيكية–والتحريرية!–الرائعة هي التي ستنقذنا من أنفسنا، هي التي ستخلصنا من عصبياتنا المزمنة وانغلاقاتنا الضيقة. التفكيك الفلسفي للعقلية القديمة التي أثبتت إفلاسها وفشلها هو الذي سيقضي على التقسيم ويعيدنا إلى التوحيد. نعم هو الذي سيوحدنا على أرضية فكر عربي تنويري تتسع أحضانه للجميع.

عراقيا.. العدل مقابل الأمن! - وفيق السامرائي



«صحيح ألا أحد يذرف دمعة إذا ما سقط النظام القائم في العراق، لكن سيبقى العرب في حسرة على العراق، إذا لم تنتق الوسائل وتتقن المسالك، وربما سيبكون دما، لأنه العراق بكل أهله وقدراته العظيمة».. بهذه الكلمات ختمت مقالا في جريدة «الشرق الأوسط» يوم 25 ديسمبر (كانون الأول) 2001. فهل حدث ما كنا نخشاه؟ أم أن تعدد مشكلات العرب أنستهم أهمية العراق؟ وهل فقد العراقيون بوصلة الإصلاح تحت ضغط المصالح الحزبية والتناقضات الفئوية التي تدعو الحاجة إلى قرارات حازمة لتجاوزها من دون التفات إلى أحد؟

وكلما نستطلع رأي العراقيين على نطاق واسع نصطدم بإحباط وجزع، وبمشاعر تدل على أن وطنية البعض أصبحت على المحك، والشعور باليأس فاق التصورات، وباتت أعداد الذين يتقبلون مصطلحات التهدئة وإشاعة الأمل قليلة، في ظل وضع أمني أصبح كابوسا، و«حديث» عن فساد أصبح الناجون منه في عداد «الصالحين»، وتزعزعت مبادئ الثقة المعتادة لدى الشعوب المحافظة، ولم يعد التدين صك براءة كما كان الوضع في عقود غبرت. وأيقنت أن المصطلحات والمفاهيم التي راجت بعد 2003 لم تكن، أو لم تعد، صالحة للعراقيين، في ظل وضع يحتاج إلى «حاكم أو فريق حكم قوي وعادل» ضمن نمط ديمقراطي متوازن، وهو الشعار الذي كنت أدعو إليه في فترة المعارضة قبل 2003، مع قوات مسلحة وطنية محايدة تضمن حماية المفهوم الجديد للحكم.
حدث الذي حدث، ولا جدوى من اجترار الأقوال والأفعال السابقة. فالوضع العراقي في حاجة لانتشاله مما هو فيه، وهي مهمة عراقية، تزداد فرص نجاحها إذا ما تحسنت فرص الدور العربي والإقليمي. ومع أن النظام الحالي قام بخطوات إيجابية قياسا إلى سلوك وممارسات وقوانين وأنظمة النظام السابق، خصوصا فيما يتعلق بحقوق الناس المالية وهامش الرأي الكبير قياسا حتى مع دول كثيرة، فالقضية لا تزال في حاجة لإجراءات تخرج عن السياقات التقليدية المرتبطة بمراعاة مشاعر بعض المتوافقين أحيانا، وأقرب ما تكون إلى القرارات الثورية ضمن أطر الإصلاح.
فرص تحقق الأمن ممكنة للغاية تحت سقف قرارات مصالحة تخرج عن السياقات الدارجة حتى الآن، مع ضرورة التخلص دفعة واحدة من التصنيفات الطائفية والعرقية وما يتبعها من عناصر اختلاف وتمييز كبيرة تثير مشاعر إحباط يسهم في إضعاف مشاعر الإحساس بالعمل المشترك والحياة المشتركة، وهو ما يعني ضرورة تطبيق العدل والمساواة والإنصاف، ويبقى الإنصاف سيد القوانين، فمهما قيل عن تشريع القوانين تبقى مشروعيتها مرتبطة بدرجة الإنصاف التي بنيت عليها.
الخروقات الأمنية المتكررة تعطي دليلا على أن حزم الإصلاح لا تزال في حاجة لقوة دفع قوية، يمكن لفريق حكم متجانس اتخاذها، وهنا يقع لوم على الذين أبقوا المسميات الطائفية قائمة في مرحلة تكوين تحالفات تشكيل الحكومة الحالية ولا أستثني «الكتلة العراقية» التي لم تنجح في تبني سياسة واقعية للخروج من المأزق، فأضاعت فرصة إحداث تطور ديمقراطي بتقديم تنازلات فرضت عليها لاحقا.
لقد خسر العراقيون والفقراء والأبرياء منهم خاصة، خبرات الأمن والاستخبارات المتراكمة، نتيجة الضوابط المرتبطة بسياسة المساءلة والعدالة التي تحولت إلى مطالب «العزل السياسي». كان يمكن أن يسهم آلاف ضباط الأمن والاستخبارات وقادة الجيش في إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية بكفاءة عالية، إلا أن الكتل السياسية–بما في ذلك المحسوبة بقربها على المنظومات السابقة – بقيت حساسيتها عالية تجاه معظم ما هو مرتبط بالسابق، على عكس التجارب في دول أخرى حافظت كليا على مؤسساتها، أو حتى نسبيا مثل إيران.
الشعور بالمواطنة المتساوية، ومنع خطب التحريض الطائفي من الطرفين، وضرب الفساد بقوانين تحافظ على أموال الشعب، والاستفادة من الخبراء العراقيين، وتشريع قوانين حماية البلاد بدل الاختلاف على قوانين يمكن تأجيلها إلى أجل غير محدد، ومنع ثقافة الكراهية، عناصر تسهم بقوة في بلورة مرحلة انتقالية سريعة من حالة عدم الاستقرار إلى مرحلة الالتزام من المستوى الفردي إلى الكتل السياسية وصولا إلى الهياكل الاجتماعية لإعادة بناء العلاقات الأصيلة بين كل الشرائح. ومن المنطق القبول بمبادئ تعزيز متقابل، فعندما نقول الأمن مقابل العدل لا يعني مقايضة تفاوضية بين طرفين خارجيين، بل حالة تفاهم ضمن إطار مجتمعي على أسس أسرية.

نعم.. مختلفون حول سوريا -مشاري الذايدي

المزاج المصري، في غالبه، ضد توجيه أي ضربة عسكرية لنظام بشار الأسد، خصوصا إذا كانت من جهات غربية، وبالأخص أميركا.

الحكومة، من خلال الخارجية المصرية، أعلنت رفضها لهذه الضربة، وأنها لن تشارك في التحالف العسكري ضد نظام بشار.
بقية الأصوات السياسية أخذت موقفا أكثر حدة، فلدينا مثلا حمدين صباحي، زعيم التيار الشعبي (الناصري) في مصر، ضد الضربة، المزمعة، باعتبارها هجوما «إمبرياليا» على الأمن القومي العربي، مطالبا «الأمة» بموقف حازم وسريع.
مثله النائب مصطفى بكري، وزاد أن المخطط «الشيطاني» المتكون من أميركا وإسرائيل والإخوان، يستهدف تقسيم الأمة العربية، وأن المخطط أحبط في مصر ويجري محاولة تنفيذه في سوريا.
محمود بدر، الشاب القيادي لحركة «تمرد» المصرية والمتحدث باسمها، وهي الحركة «الشرارة» لمظاهرات إسقاط الإخوان، بدعم من الجيش، انضم بدوره لهذا التيار المصري الغاضب من الضربة المزمعة لقوات ومراكز النظام الأسدي. وقال إنه يؤيد الجيش العربي السوري في مواجهة الضربة العسكرية الأميركية المرتقبة تجاه سوريا.
وغيرهم، في المشهد المصري.
كثير من هؤلاء يحاول تنبيهك، حتى لا تختلط عليك الأمور، بأنه معني بالدولة في سوريا، وليس ببشار الأسد، بل إن بعض الساسة المصريين ما زال يطرح فكرة الوساطة المصرية لحل الأزمة السورية بعد أن عجز العالم كله عن حلها بهذا الأسلوب!
الحجة المكررة في الجدليات المصرية هي أن ثمة قوى شريرة تريد إنهاء الجيش السوري، أسوة بـ«محاولة» إنهاء الجيش المصري التي لم تنجح بفضل ثورة المصريين وحزم السيسي.
هذا «المزاج» المصري يوجد نقيضه في المزاج الخليجي كله، وعلى رأسه السعودية، تجاه رؤية ما يجري في سوريا، إلا شذرات طبعا من الخليجيين المقتنعين بالطرح المصري.
المزاج الشعبي في الخليج المطالبة بسرعة إسقاط بشار ونظامه «المجرم».
ليس المجال هنا لمجادلة هذه الحجج التي يحاول المزاج المصري تقديمها تجاه الكارثة السورية، لهذا فرصة مقبلة، الغرض هو كشف مدى الهوة بين مزاجين عربيين، المصري والخليجي، تجاه المعضلة السورية.
يجب ألا يكون هذا التباين الواضح مدعاة للحروب الإعلامية. هذا مقتضى الرشد والعقل، فالمصالح المشتركة أكبر من أن تضيع بسبب هذا الاختلاف حول سوريا. من الواضح أن المزاج المصري متشبع بفكرة وجود مؤامرة غربية بأدوات عربية، تستهدف الأمن القومي العربي، وأن هذا المخطط «الشيطاني» على حلقات منها الحلقة المصرية والسورية.
شخصيا، أعتقد أن هذا كلام لا خطام له، ولا برهان عليه، ينتمي لعالم الوجدان أكثر من عالم الواقع. سنتوقف عند مناقشة هذا المنطق لاحقا، لكن ليس هذا هو المهم، بل تأسيس إطار يمكن فيه «التعايش» بين الخطابين، الخليجي والمصري، تجاه الأزمة السورية، وعدم تحويل هذا «الاختلاف» إلى مادة للشقاق، والتراشق. الأمر لا يحتمل مثل هذا.
وكما قال الشاعر بركات الشريف، من شعراء الحكمة بالجزيرة العربية:
عندك حكا فيني وعندي حكا فيك

سورية غير متفاجئة - عز الدين الدرويش

يكثر الحديث عن عدوان أمريكي مبيّت على سورية وينقسم المتحدثون بين مؤكد لهذا العدوان وبين نافٍ له، وعلى الهوامش تتوزع الاحتمالات والاستهدافات والنتائج وما إلى ذلك. 
أما سورية فتعد منذ زمن طويل لكل احتمالات العدوان عليها ولا يمكن القول إنها متفاجئة أو يمكن أن تتفاجأ بما يُعدّ لها أمريكياً وإسرائيلياً وخليجياً، وهي في الواقع تحارب كل هؤلاء على أراضيها منذ سنتين ونصف السنة عبر محاربتها المجموعات الإرهابية التكفيرية الوهابية التي أرسلوها إلى سورية بقصد تدميرها وإعادتها إلى «العصر الحجري» كما سبق أن تفوه بندر بن سلطان آل سعود.
والكل يعرف في سورية وخارجها أن الإرهابيين الموجودين على الأراضي السورية يحاربون بالوكالة عن أمريكا و«إسرائيل» وآل سعود وهم يحملون الأسلحة والسواطير ويقطّعون أجساد الأموات والأحياء باسم هؤلاء، وأخيراً استخدموا السلاح الكيميائي في غوطة دمشق وريف حلب باسمهم أيضاً، ومستعدون لأن يفعلوا أي شيء ما داموا يقبضون ثمن أعمالهم أموالاً خليجية طائلة.
وللتدليل على خسة هؤلاء الإرهابيين وعدم انتمائهم لأرض أو وطن أو دين فقد زودت مجموعات منهم بأجهزة تجسس إسرائيلية عالية التقنية ووزعت هذه المجموعات حسب الترتيب الإسرائيلي على مناطق سورية محددة لجمع المعلومات وإرسالها مباشرة إلى جهاز «الموساد» الإسرائيلي الذي يقوم بدوره بتوزيع بعض هذه المعلومات وليس كلها على أجهزة الاستخبارات الأمريكية والتركية.
ولمن يقول هنا ما دور جهاز مخابرات بندر بن سلطان؟، فالجواب: ما لدى آل سعود مما يسمى جهاز مخابرات هو عبارة عن مجموعات من العسس الذين أكل عليهم الزمان وشرب، وأن سيئ الذكر بندر يعتمد كلياً على أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإنكليزية، ويسمي نفسه رئيس الاستخبارات السعودية.
إذاً سورية تحارب منذ البداية الأمريكيين والإسرائيليين والسعوديين، وهي مستعدة الآن لمحاربتهم ولصّد عدوانهم المباشر عليها، إذا ما وقع ولإيلامهم إذا ما تألمت، والمفاجآت بانتظارهم وهي كثيرة.
أما الحرب السورية على المجموعات الإرهابية فستستمر وبوتائر أعلى، ولن تتوقف حتى يتم تطهير الأراضي السورية من كل هذه المجموعات.

الاسد.. طبيب عيون قصير النظر -غي بخور يديعوت



يحدث الآن مع بشار الاسد ما حدث مع صدام حسين الذي فسر الرسائل الامريكية في تموز/يوليو 1990 تفسيرا غير صحيح. يبدو أنه يصعب على الطُغاة أن يلاحظوا مصادر القوة والضعف في الديمقراطيات. بعد لقاء صدام حسين مع سفيرة الولايات المتحدة في بغداد أبريل غاسبي، اعتقد أن الولايات المتحدة لن تتدخل اذا غزا الكويت. وما كان أشد دهشته حينما بدأت حربا عليه. وبعد ذلك بسنوات اعترف صدام في التحقيق معه بأنه لو عرف أن الولايات المتحدة كانت تعارض ذلك لما غزا.
وهذا ما حصل مع الاسد ايضا، فحينما رأى أن الولايات المتحدة لا تتدخل بعد أكثر من 100 ألف قتيل في بلده، وبعد أن استعمل السلاح الكيميائي مرتين، وأنها لا تتدخل في ما يجري في مصر، حيث قتل النظام العسكري نحوا من 1500 مواطن، استنتج بشار أنهم قد وافقوا له على أن يوسع استعمال السلاح الكيميائي. إن الامر من وجهة نظر النظام في دمشق، ولا سيما أبناء الأقليات هناك، أمر حياة أو موت. ولهذا فان جميع الوسائل حلال، وستكون حلالا في المستقبل ايضا لأنهم ان لم يقضوا على أعدائهم فسيقضي هؤلاء عليهم، ولن تساعد هنا فرقعات لسان جون كيري أو اصدقائه في الغرب تأنيبا ووعظا.
ما كان أشد دهشة بشار حينما جعل الامريكيون والغرب استعمال السلاح الكيميائي في هذه المرة مسدسا مدخنا، وكان سبب ذلك رؤيته، فلم يرَ الغرب الاصابات الكيميائية السابقة، لكن الشبكة العنكبوتية امتلأت بالأفلام في الحالة الحاضرة.
ومع ذلك لا يرى بشار نفسه الصيغة السورية من صدام حسين، هذا الى أن الرئيس بوش الأب قد استقر رأيه في حرب الخليج الاولى على إبقاء صدام في الحكم. وكان الحديث آنذاك ايضا عن عمل بري ضخم، لكنه لم يُخطط لمثل هذا العمل في هذه المرة. ويُقدر النظام في سورية أن يتلقى ضربة، لكن لا بصورة شديدة جدا، وهم يستطيعون العيش مع ذلك، فالمسألة مسألة كلفة وفائدة. معلوم أن سورية كانت تود أن تمنع هذا الهجوم البالستي الجوي ولهذا تُرسل التهديد في كل اتجاه حتى نحو اسرائيل القوية، لكن اذا حدث هجوم فسيكون مُقدّرا. وقد مر النظام في سورية بأكثر من هذا بكثير في السنتين ونصف السنة الأخير.
ويوجد فرق آخر بين حرب الخليج الاولى وما يجري الآن: ففي ذلك الوقت، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بوقت قصير، كانت في العالم قوة عظمى واحدة، أما اليوم فان روسيا والصين قوتان قويتان تؤيدان الاسد تأييدا شاملا، وهما نقيضتان للولايات المتحدة. 
وإن ثنائية القوة العظمى هذه هي نوع من الرادع عن هياج دولي كبير جدا في سورية. ألا يُعذب بوتين نفسه الى اليوم لأنه لم يقف حارسا حينما أسقط اعضاء حلف شمال الاطلسي والغرب معمر القذافي؟
هل تحقق سورية تهديداتها بالهجوم على اسرائيل ردا على الهجوم الامريكي؟ يقول المنطق إن بشار لن يريد أن يجر اسرائيل الى المعركة العسكرية عليه لأنه يُضعف نفسه بذلك. فاسرائيل ستهاجم وبقوة وهو معني بانهاء المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة بأسرع وقت ممكن وألا يوسعها. 
وهذه مسألة كلفة وفائدة مرة اخرى، لكن المنطق ليس وحده الذي يعمل في الشرق الاوسط الذي يصبح أخطر من يوم الى آخر، فالانتقام والكراهية وتصفية الحسابات والكرامة الضائعة والمخاوف والكثير من الغرائز القاتمة كل ذلك جزء لا ينفصل عن المعركة.