بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 سبتمبر 2013

إسرائيل على خطّ التحريض علي قاسم -دمشق


لم يكن وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون بحاجة إلى الحديث طويلاً حتى يُفصح عمّا يقف خلف الألسنة الإسرائيلية، وما يستتر وراء العلاقة المتورمة مع الأطراف والدول الداعمة للإرهابيين، وتلك المجاهرة بعدائها واستهدافها لسورية.
فبعد طول مواربة وكثير من محاولات التلطي خلف الستار، تميط إسرائيل اللثام عن وجهها وتحضر بذاتها في عملية تحريض لا تكتفي بما قامت به في الخفاء من أدوار منفردة كانت أم مع جوقة التحريض بل تستعين بحلفائها من الأعراب وتجاهر بنقاط الالتقاء معهم.‏
لا يبدو الأمر مفاجئا للكثيرين ولا هو مستبعد وقد صدرت الكثير من الإشارات الضمنية والعلنية، وظهر إلى العلن الكثير من المؤشرات الدامغة على العلاقة الوثيقة بين إسرائيل والدول العربية والإقليمية الداعمة للإرهابيين، وتطورت إلى ارتباط مباشر بين إسرائيل والإرهابيين أنفسهم حين أسعفت الكثير منهم إلى مشافيها.‏
لكن التوقيت الذي دفع بوزير الحرب الإسرائيلي إلى الحديث بهذا الأسلوب وبهذه الطريقة يترك العديد من إشارات الاستفهام، ويُعيد الاصطفاف السياسي في المنطقة والعالم على أساس الموقف من العلاقة مع الإرهاب والإرهابيين، وهو الذي يحكم أيضاً العلاقة الإسرائيلية المزدهرة هذه الأيام مع رعاة الإرهاب ومموليه وحاضنيه، وهي علاقة ما فتئت تمارسها علناً وجهاراً على مرأى من الجميع.‏
نستطيع أن نجزم أن المسألة تتعلق أساساً بالتطورات الأخيرة التي بدأت فيها رحلة العودة إلى الجذور بعد أن اختلطت الصورة وباتت المشاهد متداخلة فيما بينها ومتنازعاً عليها شرقاً وغرباً.. شمالاً وجنوباً، وفي طريق العودة كان من الطبيعي أن تتقاطع المحاكاة الإسرائيلية لتلك التطورات مع المقاربات التي تحاول الدول الداعمة للإرهاب أن تسلكها وسط هذه المتاهة المترامية الأطراف، خصوصاً وسط الانزياح الدولي نحو الحلول الدبلوماسية التي تذهب بكل ما راهنت عليه إسرائيل، هي والمتحالفين معها العلنيين منهم والسريين.‏
بالطبع، لم يكن من الصعب فهم أبعاد ودلالات هذا الدخول الإسرائيلي المباشر على خط التحريض، بعدما بلعت إسرائيل لسانها أمام التطورات المتتالية الحاصلة بأمر من رئيس وزرائها، وفجأة يطلّ وزير حربها بهذه الطريقة التي تعكس قلقاً إسرائيلياً من أن ماجرى يفتح الباب على ما تملكه من ترسانة نووية مسكوت عليها، يلاقيه على الطرف الآخر هواجس مشيخات الخليج المتورطة في دعم الإرهابيين، والتي تجد في أي انفراج يمكن أن يحصل خسارة مزدوجة لها باعتبار أن لا مكان لها إلا في مزيد من التصعيد، ولا دور يمكن أن تلعبه إلا من خلال دعم الإرهابيين.‏
الأخطر.. كان الموقف من عملية سحب الذرائع التي وجدت فيها إسرائيل في نهاية المطاف - مثلها في ذلك مثل شركائها الداعمين للإرهابيين- انقلاباً على الحسابات والتمنيات التي اشتغلت عليها طيلة الشهور الماضية، وبأن اتقان الدبلوماسية السورية التعامل مع الملف الكيماوي قد قلب الطاولة رأساً على عقب، واضطرت معها دول كبرى لإعادة حساباتها وربما التفكير في تغيير الكثير من معادلاتها السياسية وطريقة تعاملها مع ما يجري في سورية.‏
ومع تزايد الأصوات التي تقرّ بوجود عصابات إرهابية ترتبط مباشرة أو بالواسطة مع تنظيم القاعدة بالتزامن مع الحديث عن ضرورة اخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل وعلى رأسها الاسرائيلية، وجدت إسرائيل أنها تتعرى أمام هذا الواقع بعد أن رأت أنها مع أولئك الإرهابين وداعميهم في مركب واحد وبالتالي لم تجد ضيراً في أن تكشف عن دورها حتى النهاية، وعن تموضعها في الكفة ذاتها التي تقف فيها القاعدة ومشتقاتها والدول الداعمة لها، والأطراف التي تعمل وفق أجنداتها.‏

لذلك كان النفخ الإسرائيلي مباشرة في القربة ذاتها، يعني من حيث المبدأ أنها تريد أن تملأ الفراغ الناتج عن انحسار الغبار الذي أثارته المعارك الإعلامية والدعائية الغربية في جملة أكاذيبها، وانكشاف الدور الغربي سياسياً ودبلوماسياً ، حيث أدركت بفطرة العلاقة المتجذرة بالإرهاب أن التوافق الروسي - الأميركي لن يترك للحلفاء الأوروبيين مايمكن أن ينفخوا فيه، ولا مايعبثون من خلاله، وقد جربوا نتائج عبثهم في غير مكان.‏

أوباما ظلم مصر والبحرين - جهاد الخازن

هل سمع القارئ أسماء توماس هندركس ايلفس وريكاردو مارتنلي بيروكال والاساني كواترا واولانتا هامالا تاسو وتوري ماتال رواك وجوزف كابيلا كابانجي وماكي سال واندريه نيرينا راجولينا وبول كاغامي وبليز كومباري؟
القارئ لم يسمع ولا يعرف مَنْ هم أصحاب الأسماء العشرة السابقة، وهو بذلك سقط في امتحان العلوم السياسية، فكل من أصحاب هذه الأسماء صاحب فخامة أو سيادة ورئيس دولة، إن لم تكن عظمى فعظيمة. هم على التوالي رؤساء استونيا وبنما وساحل العاج وبيرو وتيمو ليستي (هذه دولة عضو في الأمم المتحدة) وجمهورية الكونغو الديموقراطية والسنغال ومدغشقر ورواندا وبوركينا فاسو.
في اليوم الأول من الدورة الثامنة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة الثلثاء الماضي سمعت خطاب باراك أوباما ثم عبدالله غل وفرانسوا هولاند والملك عبدالله الثاني والشيخ تميم بن حمد في الصباح وحسن روحاني وميشال سليمان بعد الظهر.
وجاء الأربعاء فسمعت في الصباح عشرة رؤساء دول هم الذين سجلت أسماءهم في البداية وثلاثة رؤساء حكومة قبل أن أسمع رئيس وزراء الكويت الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، وأرجو أن يقدر أهل الكويت وطنيتي وصبري على الجوع. وسمعت بعد الظهر 12 زعيماً آخر قبل أن يتحدث رئيس وزراء ليبيا علي زيدان.
هذا يطلقون عليه بالإنكليزية عبارة أترجمها بتصرف بكلمة «العكس». وصبرت وصبرت وسمعت صباح الخميس ضمن 15 زعيماً لا أعرفهم رئيس تونس المنصف المرزوقي ورئيس فلسطين محمود عباس. وكان اسم رئيس السودان عمر حسن البشير مسجلاً بعد الظهر إلا أنني أعرف أنه لم يحضر فهو مطلوب بجرائم حرب، أما مجرم الحرب بنيامين نتانياهو فليس مطلوباً ويحضر ويستضيفه الرئيس أوباما كأنه بشر سويّ.
ثمة إيجابيات كثيرة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة، وربما عدت إليها في الأيام المقبلة، أما الآن فأريد أن أسجل احتجاجين شخصيين على خطاب الرئيس أوباما الذي نشرت «الحياة» تفاصيل وافية عنه.
الأول أن الرئيس أوباما قال إن محمد مرسي انتخِبَ بطريقة ديموقراطية إلا أنه فشل في الحكم فثار ملايين المصريين عليه واستجاب الحكم الانتقالي لرغبة هذه الملايين. هذا صحيح إلا أن الرئيس أكمل قائلاً إن الحكومة الانتقالية اتخذت بدورها قرارات لا تتفق مع الديموقراطية بإعلان قانون الطوارئ وقيود على الصحافة والمجتمع المدني والمعارضة.
الرئيس أوباما لم يقل إن قانون الطوارئ عمره نصف قرن أو أكثر وورثه حسني مبارك عن أنور السادات، وأهم من هذا أنه لم يقل إن قرارات الحكومة الانتقالية سببها الإرهاب الذي تمارسه الجماعة وأنصارها في القاهرة والإسكندرية وأعالي الصعيد وسيناء لتعطيل العمل لإقامة ديموقراطية فاعلة عاملة.
الثاني عندما تحدث الرئيس عن أن نفوذ بلاده في منطقتنا قد يكون محدوداً أحياناً، إلا أنه وعد بالعمل من أجل الديموقراطية وحل التوتر الطائفي في أماكن مثل العراق والبحرين وسورية.
أقول للرئيس الأميركي إنني سجلت له دائماً حسن النية، وإن عجزَ عن التنفيذ، إلا أن الكلام السابق عيب أو معيب، فهو وضع البحرين مع العراق وسورية، بل بينهما. هذا عدوان على الحقيقة، فالبحرين ليست إطلاقاً مثل بلدَيْن كل يوم فيهما عشرات، وأحياناً مئات، الضحايا. إذا كان أوباما يرد تحسين العلاقة مع إيران فنحن معه شرط ألا يكون ذلك على حساب البحرين. لا عربي إطلاقاً يقبل هذا.
تابعت عمل وزيري خارجية مصر والبحرين، نبيل فهمي وخالد بن أحمد آل خليفة، وكل منهما لا ينتهي من اجتماع حتى يبدأ آخر لتصحيح الخطأ الذي ارتكبه الرئيس بحق بلديهما.

مَنْ كتب الفقرتَيْن عن مصر والبحرين للرئيس أوباما؟ جورج دبليو بوش؟ ما قال أوباما يليق بسَلفه، وأنا من الناس الذين لا يزالون يأملون أن ينجز الرئيس أوباما ما وعد، فأقول له إن الأخطاء الواضحة الفاضحة غير المبررة تفسد النوايا الحسنة وتعطل الحل
.

كاميرا الجوال ترقص إبداعا! - طارق الشناوي

لا يستطيع أحد أن ينكر أن كاميرا الجوال صارت تشكّل جزءا حميما في ثقافتنا، وأن هذه الكاميرا لعبت دور البطولة في ثورات الربيع العربي، فلقد اخترقت كثيرا من الحواجز والمعوقات والممنوعات التي تضعها الحكومات قبل الثورات وبعدها؛ فلا تزال السلطة تحاول أن تفرض أحيانا قيودا على حرية نقل المعلومة، ولكن الجوال هزمها وتسلل ووثّق الوقائع ونشرها في الفضائيات. «الجوال» هو الشاشة الرابعة، التي تبدو الآن مثل جنين لم تتضح بعد ملامحه النهائية، إلا أن المؤكد أنه على وشك أن يحدث له مخاض الولادة، وبعدها تبدأ رحلته مع الحياة وتتحدد قواعده أيضا.. فهو قادم لا محالة.. حيث إنه، ومنذ أكثر من عشر سنوات، تقام في العالم مهرجانات لأفلام الهواتف الجوالة! الشاشات الثلاث السابقة على «الجوال»، وهي السينما، والتلفزيون، والكومبيوتر، أحدثت في حياة الناس انقلابا.. الإنسان قبل السينما التي بدأت عام 1895 ليس هو الإنسان بعدها؛ التلفزيون بدأت أولى تجاربه أثناء الحرب العالمية الثانية، ووقتها شعر السينمائيون بالتهديد أمام هذا الوليد القادم بقوة، إلا أن السينما طورت من أدواتها على مستوى التصوير ودار العرض، وانعكس هذا بالضرورة على اللغة السينمائية، وهكذا شاهدنا الشاشات العريضة والألوان والصوت المجسم وسينما الأبعاد الثلاثة، وحاليا هناك تجارب متعددة لتقديم سينما تلعب أيضا بحاسة الشم، وذلك لإقناع المشاهد بأن يغادر منزله ويترك الشاشة الثانية (التلفزيون) ليعود إلى الشاشة الأم التي تقدم له ما تعجز عنه الشاشة الصغيرة، التي في حقيقة الأمر مع كل هذا التطور لم يعد يليق بها صفة صغيرة. الأقمار الصناعية لعبت دورها في تعضيد قوة الشاشة الثانية، وازداد سقف الحرية بالانتشار الفضائي.. الكومبيوتر، الشاشة الثالثة، طرح نوعا من الفردية في التلقي، كما أنها بقدر ما تعطي للفضائيات من أخبار وطرائف تأخذ منها أيضا، فهي، في كثير من الأحيان، تلعب دورَي المنبع والمصب، وإذا كانت السينما جماعية في مشاهدتها ومع جمهور مختلف، فإن التلفزيون بطبعه عائلي حدوده الأسرة، ويأتي الكومبيوتر بتلك الذاتية التي تحيل العالم إلى فرد واحد، والفرد إلى عالم مترامي الأطراف والأجناس.


شاشة الجوال أكثر ذاتية وخصوصية، وهي قابلة للتطوير السريع مع التقدم التكنولوجي الذي من المستحيل ملاحقة سرعة إيقاعه؛ فكل يوم هناك إضافة أكثر طموحا.أشهر تسجيل لهاتف جوال على مستوى العالم هو لقطات إعدام صدام حسين، ولولا الجوال ما كان من الممكن أن تحتفظ الذاكرة البصرية بتلك الوثيقة؛ فلم يسبق في التاريخ أن تم تسجيل مشاهد قتل لشخصية، مثل صدام، وبعدها معمر القذافي، التي كان الجوال أيضا أداة توثيقها للأجيال المقبلة. كاميرا الجوال كان يبدو في البداية أنها فقط أداة إخبارية، وليست إبداعية، وهذا هو منطق وقانون أي آلة جديدة، حتى كاميرا السينما بدأت إخبارية، ومع مرور الزمن قدمت إبداعا خاصا. حاليا، تُقام بمصر الدورة الثانية لمهرجان أفلام الهاتف الجوال، والرهان هو على الإبداع؛ هل تتمكن هذه الأفلام من الإمساك بلمحات وومضات خاصة واستثنائية؟ كان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد من أنصار المدرسة التقليدية الكلاسيكية في الشعر الملتزم بالوزن والقافية، ولهذا كان يقول إن الفارق بين الفن والادعاء، هو تحديدا الفارق بين الرقص والمشي.. كل الناس تمشي كما يحلو لها، لكن الرقص يشترط أن تضع القاعدة الإيقاعية، وكما أنه ليس كل من تحمله قدمان قادرا على الرقص، فإن من يقدم فيلم الجوال ليس من يمتلك الجهاز الأحدث صيحة، ولكن من يحيل لقطة «الجوال» إلى سحر خاص.. أنا أنتظر أفلام الجوال وقد صارت ترقص إبداعا!

نحو قومية عربية ناقصة؟ - مأمون فندي


نحو خيال استراتيجي جديد للعالم العربي، هكذا كان العنوان، ورأيت أنه عنوان أكاديمي بارد لا يشد القارئ، فاستقر رأيي على القومية العربية الناقصة كعنوان مشوق حيث سيظن البعض أنني إما أسخر من فكرة القومية العربية أو أنني بصدد الهجوم عليها، وفي هذا تشويق لمناصري مشروع القومية العربية ومعارضيه حيث سيبحث الكل عن ضالته التي يهجم بها على المقال وعلي. ولكن القصد لم يكن هذا أبدا، فما أدعو إليه هنا هو قومية عربية ناقصة (minus) أي مشروع قومي عربي دون الخرافات والزخارف التي أسقطتها كمشروع عندما فشلت في أخذ خصوصية الدولة الوطنية في الاعتبار وتجاوزت الأعراف الدولية. أدعو إلى قومية عربية في مواجهة التحديات الوجودية الآنية مبنية على الاقتصاد والأمن الإقليمي العربي آخذين في الاعتبار الخصوصية الثقافية والسياسية للدول العربية، وهنا أركز مرة أخرى على أنها دول، يجب احترام أنظمة حكمها وخياراتها المحلية، نتشابك مع بعضنا البعض في مواجهة التهديدات الخارجية وحتى الداخلية من أجل مساعدة كل دولة على حده في تقليل هواجسنا الأمنية ومساعدة شعبها على الازدهار والرفاهية. ولمواجهة التحديات الحالية المعقدة التي يفرضها علينا واقع أشبه بحالة حرب السويس عام 1956 والتي كتبت شهادة وفاة الإمبراطورية البريطانية في المنطقة. أبحث عن خيال استراتيجي جديد متحفزا بتلك المكالمة التليفونية التي حدثت بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وبين الرئيس الإيراني حسن روحاني والتي توحي بأننا أمام حالة من ذوبان الجليد بين أميركا وإيران مما يجعلنا نفكر كثيرا في طبيعة التحديات الاستراتيجية التي تواجه الفضاء الجيوسياسي العربي من قبل دول الجوار غير العربي المتمثلة في إسرائيل وإيران وتركيا من ناحية وطموحات الدول العظمى من ناحية أخرى. أكتب أيضا وأنا مدرك أن 80 في المائة من خطاب الرئيس الأميركي أوباما في الأمم المتحدة كان عن العالم العربي الذي بدا وكأنه مشكلة العالم أو تم تدويله وأصبح شأنا عالميا. أكتب هنا وفي ذهني حالة الوهن الاستراتيجي العربي الجاذبة للتدخل الأجنبي بشتى صوره وفي ذهني في ذات الوقت ذلك الحدث الشعبي العفوي الذي حدث في مصر يوم 30 يونيو (حزيران) 2013 في مصر.

فرغم أن من خرجوا في مصر كان هدفهم إحداث تغيير محلي مرتبط بسحب الثقة من الرئيس المعزول محمد مرسي فإن تبعات ما قاموا به كانت إقليمية وربما عالمية أربكت الخطط الإقليمية والعالمية في المنطقة. وخلقت سيولة جديدة تعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي في الإقليم برمته. ولا يخفى على أحد من كلمة أوباما أيضا أن هؤلاء الضعفاء بدعم من المملكة العربية السعودية والإمارات قد انتصروا واعترف أوباما بشرعية النظام الجديد في مصر.

ومع ذلك حتى هذه اللحظة لم يدرك المصريون مغزى ما حدث وخصوصا فيما يتعلق بالموقفين السعودي والإماراتي تجاه ثورة 30 يونيو في مصر ومعهما أيضا الموقف الكويتي. فبصراحة لا لبس فيها لقد فرضت اللحظة على هذه الدول الخليجية الثلاث - المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت - خيارا ما بين مصر والغرب فاختاروا مصر، ولم يكن الخيار عاطفيا كما يتصور البعض فمصر هي عمق استراتيجي لهذه الدول الثلاث في مواجهة تهديدات عدة آنية ومحتملة من قبل دول الجوار ومن قبل قوى عالمية. وقد وصفت هذا التحالف الاستراتيجي بين الإمارات والسعودية ومصر بأنه مثلث استراتيجي جديد وكتبت مقالا في هذه الصحيفة بعنوان «مثلث استراتيجي جديد في الشرق الأوسط» (19 أغسطس (آب) 2013). ومع ذلك أقول لم يستوعب المصريون ما حدث، وأنا أعي تماما أنه لو كان موقف هذه الدول ضد 30 يونيو لدخلت مصر فيما فيه سوريا الآن. وكان «الإخوان» حطموا مصر على من فيها وخلفوا فوضى إقليمية لا يحمد عقباها. من هنا علينا كمصريين أن ندرك معنى ما حدث وأن نعمق ونوسع الشراكة الاستراتيجية مع المنظومة الخليجية. أدعو إلى خيال استراتيجي عربي حول قومية عربية ناقصة، بمعنى أن القومية العربية هي فضاء ثقافي يسهل من مهمة الدول في التواصل فيما بينها حول القضايا الاستراتيجية المهمة. قومية عربية تعضد كيان الدولة وليست بديلا عنها، كما حدث في المشروع العروبي القديم أو مشروع خلافة «الإخوان» العابر للحدود، الذي يهدف إلى إسقاط الدول. القومية العربية الناقصة هدفها البناء لا الهدم.

في 11 مارس (آذار) 2009 كتبت مقالا في صحيفة «المصري اليوم» القاهرية أثار لغطا في مصر بعنوان «مصر دولة خليجية»، وقلت يومها بالنص «قد تبدو فكرة أن مصر دولة خليجية نوع من الخيال الاستراتيجي»، لكنني سأحاول في هذا المقال أن أطرح هذه الفكرة الجديدة ضمن تصور استراتيجي لأمن الخليج من منظور الأمن الإنساني، وهو منظور جديد لفكرة الأمن الإقليمي يجعل من تصورنا لمصر على أنها دولة ذات دور خاص في مسألة أمن الخليج ليس ضربا من الخيال.

إن فهم الدور المصري في المرحلة المقبلة المليئة بالمخاطر والفرص ودور مصر «كدولة خليجية»، يعتمد على معطيات بعضها جديد والآخر قديم، أول هذه المعطيات هو التوافق المصري السعودي الإماراتي الذي نراه اليوم، وهو أمر حدث جزء كبير منه في فترة الرئيس السابق مبارك، حتى لا نبخس الناس أشياءهم، وتعاظم هذا التوافق بشكل كبير بعد 30 يونيو ومن بعدها 3 يوليو (تموز) التي أسقطت حكم «الإخوان» في مصر إلى الأبد، ولدول الخليج مصلحة كبرى في أن ينتهي نظام «الإخوان» في مصر. الثاني، هو تمدد النفوذ الإيراني المستمر الذي لم يعد مقتصرا على دول الخليج وبلاد الشام، بل امتد إلى غيرها. إضافة إلى التقارب الأميركي الإيراني الجديد القديم. أما المعطى الثالث، الذي يجعل من مصر دولة خليجية فهو حجم العمالة المصرية في دول الخليج، الذي قد يصل إلى أكثر من مليوني نسمة.

أما من حيث الجوانب الاستراتيجية البحتة، فيمكننا القول إن لمصر سواحل بحرية، قد تكون هي الأطول، مع المملكة العربية السعودية التي تعد الدولة الأهم والشقيقة الكبرى في دول مجلس التعاون الخليجي. مصر كانت في تاريخها الحديث تدرك دائما أهمية مسألة أمن الخليج بالنسبة إليها جيدا.

على الجمهورية الجديدة التي تتشكل في مصر اليوم بعد 30 يونيو أن تتعامل بجدية وصرامة مع فكرة أن أمن مصر هو جزء لا يتجزأ من أمن الخليج، وأن مصر قد أصبحت فعليا دولة خليجية. التفاعلات القائمة، سواء من حيث حركة المصريين في بلدان الخليج أو من خلال الدور الخليجي في إنقاذ مصر من الانهيار بعد غروب شمس «الإخوان» جميعها تصب في التصور الذي أطرحه اليوم، والذي يحتاج منا إلى نقاش مستفيض كي يتبلور كمفهوم استراتيجي لقومية عربية ناقصة الزخارف ولكنها كاملة متكاملة في قضايا الأمن والمصالح التي تهم الشعوب والدول معا.


حالة الوهن الاستراتيجي العربي والتحديات القادمة من دول الجوار غير العربية المتمثلة في إسرائيل وتركيا وإيران ومعها الدول الكبرى الطامعة، تفرض علينا خيالا استراتيجيا جديدا، أتمنى أن نبدأ حوارا جادا حوله في مصر وفي دول الخليج، وأتمنى أن يكون هذا المقال بداية تحفيز للأذهان من أجل قومية عربية ناقصة لا تلغي الدولة العربية الحديثة أو تهددها ككيان وإنما تعضد من وجودها وتساعد كل نموذج للحكم للنجاح على حده في إطار مفهوم استراتيجي جديد يخدم الجميع أسميه هنا «القومية العربية الناقصة» أو الجديدة.

حق العودة: النظر في عيني الحقيقة الكسندر يعقوبسون - هآرتس


يُجادلني عودة بشارات في ما كتبت عن الطلب الفلسطيني لحق العودة، ويُنبه الى أنه ‘ينبغي الكف عن التزعزع والغشية تقريبا في كل مرة يُثار فيها مبدأ حق العودة، وكأن الحديث عن كلام كُفر’ (‘ينبغي النظر في عيون اللاجئين’، ‘هآرتس 16/9). أجل لا حاجة الى أن نُزعزَع بل يجب أن نسدد النظر الى الواقع، وأن نحاول أن نفهمه فهما صادقا حتى لو لم يكن الواقع سهلا ايضا.
ليس لمؤيدي الاحتلال وارض اسرائيل الكاملة مشكلة مع هذا الواقع، فهم يريدون المناطق على كل حال، ونظريتهم السياسية تعني نوعا من ‘عودة’ ملايين الفلسطينيين الى اسرائيل. لكن من أراد الخلاص من الاحتلال، لا مناسرائيل، يعنيه أن يعلم هل الجانب الفلسطيني مستعد اليوم للتسليم بذلك المبدأ، الذي جعله يخرج للحرب في سنة 1948 وهو مبدأ دولتين للشعبين. لم يمت أحد الى الآن من كلام الكُفر، لكن اسرائيل لا يمكن أن تحيا مع مبدأ أن يحق لنسل اللاجئين أن يسكنوا فيها كما يختارون.
إن من يطلب الى اسرائيل أن تتحمل المسؤولية وحدها عن نشوء مشكلة اللاجئين، يطلب منها أن تعلن أن محاولة القضاء عليها وهو الهدف المعلن للجانب الفلسطيني والدول العربية في تلك الحرب كانت عدلا؛ ومن هنا فان اسرائيل تتحمل كامل المسؤولية عن الضرر الذي وقع بالفلسطينيين لاحباطها هذه المحاولة. إن هذا الطلب لا يبشر باستعداد لمصالحة تاريخية. يحدث احيانا في الحقيقة أن يحاولوا القضاء على شخص آخر عدلا؛ لكن حتى آنذاك يتوقع أن يقاوم من توجه إليه هذه المحاولة مقاومة شديدة.
إن زعم أن اسرائيل قاومت القضاء عليها في 1948 بشدة مفرطة لا يثبت في أية مقارنة جدية بسلوك شعوب ودول في مواجهة تهديدات وجودية. وعلى كل حال رأى التراث السياسي الذي يتأثر بشارات به، وهو تراث الحزب الشيوعي الاسرائيلي، مسألة العدل بصورة مختلفة: فقد أيد خطة التقسيم والدولتين اعتمادا على مبدأ حق تقرير المصير للشعبين. واتهم اولئك الذين رفضوا التقسيم بحرب عدوانية وبكارثة الشعب الفلسطيني. فليس من المنطق أن يطلب الى اسرائيل أن تتبنى الآن موقف الحاج أمين الحسيني من هذه القضية، بدل موقف الشيوعيين الاسرائيليين آنذاك.
سيتبين لاسرائيل كما يرى بشارات بعد أن تقبل مبدأ العودة الى داخل اراضيها، أن الفلسطينيين ‘يعرفون حدود التطبيق الكامل لمبدأ حق العودة’. لكن لا حاجة لتعريض وجود اسرائيل للخطر الى التطبيق الكامل لمبدأ حق العودة، لأن ما هو أقل من ذلك يكفي. تعلن القيادة الفلسطينية بحق اختيار الهجرة الى اسرائيل حقا شخصيا لكل لاجئ لم يُفوض الى أحد أن يتخلى عنه باسمه. ويفترض أن تكون المصالحة على صورة تحقيق هذا الحق بحيث تحدد أنصبة من العائدين في فترة محددة؛ لكن لا يفترض أن يكون أي نصيب نهائيا إلا بعد أن يُستنفد، وينبغي تحديد نصيب آخر لأن حق الاختيار الشخصي ‘المقدس باقٍ الى الأبد وينتقل من جيل الى جيل الى ذرية اللاجئين.
لا أقترح أن نفرض أن هذا الموقف نهائي بالضرورة، بل يجب أن نمتحن ذلك. واذا تبين أن هذا هو الموقف لا غير، فان من يؤمن بأن تقسيم البلاد حاجة ضرورية لاسرائيل لن يكف عن البحث عن طرق عملية لذلك دونما صلة بالموقف الفلسطيني، لكن لا يجوز إغماض العيون. 

رئيس كردستان العراق باق بالانتخابات او بغيرها جمال محمد تقي


كل المؤشرات تؤكد سعي مسعود بارزاني وحزبه للهيمنة على مقاليد الحكم في الاقليم، المندفع باتجاه الاستقلال الكامل عن الدولة العراقية، من قبل وبعد الانتخابات الاخيرة. الان نجح بارزاني وحزبه بالاستحواذ على اكبر نسبة من اصوات المقترعين في الاقليم، وبالتالي قطع اكثر من نصف الطريق باتجاه احتكار السلطة، وان كانت بالانتخابات.
فقد حزب جلال طالباني مؤهلات الندية مع بارزاني وحزبه، وعليه لم تعد المناصفة بالحكم مقبولة من جهة حزب بارزاني، فالرئيس جلال طالباني وحزبه، بحالة غيبوبة وانحسار، امام صعود نجم معارضه الممثل بحركة، كوران، التغيير التي يقودها، نوشيروان مصطفى، وهو احد ابرز القادة المنشقين عن طالباني، حيث حقق في الانتخابات الاخيرة تفوقا يؤهله ليكون الحزب الثاني بالترتيب البرلماني بعد حزب بارزاني، وهذا يعني ان بارزاني سينجح بتجديد تحالفه مع حزب طالباني، ولكن بشروطه هو وبالتالي بقيادة شبه مطلقة منه.
قالت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ان انتخابات اقليم كردستان بنسخة 21/9/2013 ستكون نموذجية ومتميزة عن سابقاتها في كلالعراق، نتيجة للتنقيحات والتحسينات التي اجرتها المفوضية على عملها، واستعدادها المبكر، وايضا نتيجة لادخال جهاز الترقيم الالكتروني على عمل مراكزها الانتخابية في الاقليم، التي بلغت 1245 مركزا، بحيث يكون لكل صوت انتخابي منجز رقم الكتروني مقرون بوقت التصويت، منعا لاي تزوير، ومعالجة لاي اخطاء محتملة في العد والفرز.
كلام يمكن ان يكون صحيحا جملة وتفصيلا، اذا اعتبرت الجوانب الفنية الخاصة بعملية وصول الصوت وتسجيله، ثم طريقة حسابه منفصلة تماما عن العوامل السياسية والاقتصادية والفكرية والنفسية والقانونية، كبيئة حاضنة للمؤثرات التي توجه الصوت نحو هذا المرشح او ذاك، وبارادة حرة او مسلوبة، لان عمل المفوضية غير معني بالبنية التحتية الواجب توفرها في اي انتخابات نموذجية في ديمقراطيتها، وانما عملها مقتصر على التعامل مع معطيات البنية الفوقية التي تقتصر في حالة المفوضية على تأمين وصول الصوت وفرزه وحسابه، ومن ثم اعلانه، وحتى لو حاولت المفوضية وببراءة مهنية جعل عملها ذا عمق مؤسسي ديمقراطي، وحاثا باستشعاراته ومتطلباته القضاء والنزاهة واجهزة الدولة الاخرى، وليس مجرد جهاز لتحصيل الحاصل في حساب الاصوات المدفوعة باتجاه مراكزها، فانها ستنسف نفسها بنفسها، لان اختيار اعضائها وطريقة اتخاذها للقرارات مبني على اسس غير ديمقراطية، لانها ذاتها ليست خارج دائرة نظام المحاصصة الفئوية السائدة في البنية التحتية للسلطة القائمة، فتشكيلتها لا تخرج عن السياق الطائفي والاثني السائد بين القوى المتحكمة اصلا بالعملية السياسية برمتها، بما فيها العملية الانتخابية، ثم ان وصف المفوضية بالمستقلة عن الجهاز التنفيذي للسلطة الحاكمة، استغباء مكشوف لتضليل الناس، ويراد به ايهامهم بوجود فصل للسلطات، وبالتالي بشرعية ومشروعية النتائج المعلنة، ولنا هنا في قرار نوري المالكي بحبس فرج الحيدري رئيس المفوضية السابق خير دليل على تدخل الجهات التنفيذية الحاكمة في عمل هذه المفوضية، كتدخلها الساري بباقي الاجهزة ذات الاستقلال الشكلي، مثل هيئة الاعلام والنزاهة والبنك المركزي والقضاء.
كان الحكم يسيرفي اقليم كردستان على قاعدة المناصفة، بين الحزبين الرئيسيين فيها، الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، وحزب الاتحاد الوطني بقيادة جلال طالباني، حيث تقاسما السلطة مناصفة، مع احتفاظ كل منهما باجهزته الخاصة لادارة المناطق الخاضعة له اصلا، فبقيت دهوك ومركز اربيل تحت هيمنة بارزاني وعشيرته، ومحافظة السليمانية واطراف من اربيل تحت هيمنة طالباني واتباعه، ولم تتوحد حتى الان قواتهما الامنية والعسكرية، وباحسن الحالات كانت هناك ادارة مشتركة للمؤسسات العامة، اما الموارد المالية المستحدثة فبقيت مقسمة، يديرها كل حزب على طريقته وبمنافع لا تعود الا لمصلحة العوائل المتحكمة بالسلطة والثروة، مما جعل قيادات الحزبين تنغمسان بالاعمال المالية، وهم الان من اكبر رجالات السلطة والمال في الاقليم والعراق، فقط حصة الاقليم من الميزانية الاتحادية تخضع للادارة العامة من قبل الحزبين والممثلة بحكومة الاقليم في اربيل، التي يتناوب على رئاستها كلاهما، والتي تطلع البرلمان على مجالات صرفها.
لقد فتحت الابواب على مصراعيها امام الاستثمارات الداخلية والخارجية في الاقليم، خاصة بعد احتلال العراق، وصارت مجالات النفط والسياحة والعقارات والمواصالات والاتصالات، خاصة شركات المحمول، من اهم نوافذ الاستثمار المحببة لدى القائمين على الامر، لما لريع عمولاتها وصفقاتها ورسوم حمايتها من اثر عظيم في تغول ممتلكاتهم التي تجاوزت الارقام الفلكية، والتي تشبعت بها بنوك سويسرا والمانيا وامريكا.
جرت في الاقليم ثلاثة انتخابات برلمانية، اعوام 92، 2005، 2009، كان الحزبان خلالها يدخلان الانتخابات بقوائم مشتركة على قاعدة المناصفة والمناوبة، من دون غالب او مغلوب، وقد جرت مناصفة حتى في المناصب الاتحادية المخصصة لممثلي الاقليم، وكان التوافق شاملا ايضا للقوائم الخاصة بانتخابات البرلمان الاتحادي في بغداد، واصبحت كتلة الحزبين في بغداد احد عوامل الهيمنة والمنفعة المتبادلة للحزبين بين بغداد والاقليم، ففي الوقت الذي اصبح فيه طالباني رئيسا لجمهورية العراق، صار بارزاني رئيسا لاقليم كردستان وبصلاحيات متميزة سطرها في مسودة الدستور الكردستاني الذي باركه طالباني، مادام الاول متفقا استراتيجيا معه على قطع الطريق امام اي قوى اخرى تريد تغيير خارطة التقاسم هذه، مما يعني دعما من بارزاني لطالباني وجماعته، بالضد من جماعة نو شيروان مصطفى قائد حركة التغيير في السليمانية، ودعم جماعة طالباني لبارزاني بوجه الاسلاميين وهكذا.
اي نموذج انتخابي هذا الذي يجري في ظل غياب قانون ديمقراطي للاحزاب، وفي ظل غياب متعمد لدستور ديمقراطي يمثل ارادة الشعب؟ اي نموذج انتخابي في ظل سياسة شراء الذمم والافساد واحتكار الاعلام وملاحقة اصحاب الاراء المغايرة، وكتم اصوات المناوئين بالترهيب والترغيب؟
سينتج عن الانتخابات الاخيرة ولاول مرة منذ عام 92 تغير في معادلة المناصفة، باتجاه معادلة جديدة اخذت ملامحها تتشكل ولم تكتمل بعد، فحزب الرئيس طالباني بورطة لا يحسد عليها، بسبب تعاظم شأن حركة التغيير، كوران، التي افسدت عليه تفرده بالساحة السورانية، وبسبب شيخوخة الرئيس وغيابه عن الساحة، وبسبب تمدد حزب بارزاني على حسابه. الان حزب بارزاني بقائمة انتخابية منفردة، ويتوقع لها الحصول على 40 مقعدا من اصل 111 مقعدا يتكون منها برلمان كردستان، اما حزب طالباني فهو قد لا يصل الى 20 مقعدا اي نصف مقاعد بارزاني، لان حركة التغيير المنافسة له في عقر داره قد تنتزع الرقم 30 من المقاعد السورانية التي لا تساير المقاعد البهدينية بسهولة طالباني وجماعته. وهناك طرف رابع قد يقصم ظهر المعادلة القائمة ويعيد تشكيلها وايضا على حساب حزب طالباني ونفوذه، انها الاحزاب الاسلامية الثلاثة التي اذا تحالفت برلمانيا قد تشكل ثقلا لا يقل عن 14 مقعدا.
تؤشر نسبة المشاركة بانتخابات برلمان اقليم كردستان الاخيرة، وبحسب المفوضية، الى ارتفاع ملحوظ يعكس شدة التصارع السياسي على السلطة بين القوى المتنفذة والقوى المنافسة، ودفعها وبكل الوسائل المتاحة للجمهور من اجل التصويت لها، فنسبة الاقتراع بالانتخاب العام كانت 74 بالمئة، وفي الاقتراع الخاص كانت 93 بالمئة، ومن الواضح ان مشاركة اكثر من 150 الف ناخب في الاقتراع الخاص، واغلبهم من قوات الامن والجيش، هو تأكيد على ولاء هذه الفئة لقادتهم العسكريين والحزبيين، اي الى حزبي بارزاني وطالباني، اما اكثرية ناخبي دهوك البالغ عددهم 615 الف ناخب، واكثرية ناخبي اربيل البالغ عددهم 991 الف ناخب، فانهم سيصوتون لبارزاني بحكم الهيمنة المناطقية والعشائرية. اما السليمانية صاحبة اكبر عدد من المصوتين، مليون و195 الف ناخب، فان الاكثرية منهم ستصوت لحركة التغيير والاحزاب الاسلامية، والاقلية ستصوت لحزب طالباني.
بارزاني سيعزز مكاسبه على حساب شريكه القديم، لكنه سيصطدم بجدار جديد لا مفر من المجابهة معه، وفي كل الاحوال فان بارزاني لن يمنح الفرصة لانتزاع السلطة منه حتى لو اضطر الى تفصيل انتخابات جديدة تكون على مقاساته وبلا مشارك او منازع، طبعا لا يجري هذا الا بعد ان يجرب كل وسائل الترويض والاحتواء والاستدراج. 


لقاءات امريكية ـ ايرانية تربك السعودية د. مضاوي الرشيد



لا بد ان تنظر دول الخليج وعلى رأسها السعودية الى اللقاءات الامريكية ـ الايرانية على مستوى وزراء الخارجية في نيويورك بحذر حيث تعكس مثل هذه اللقاءات العابرة رغبة الرئيس الايراني حسن روحاني بالوصول الى تفاهم حول برنامج ايران النووي من جهة ورغبة الرئيس الامريكي باراك اوباما تجاوز عقود المقاطعة والعداء الذي استمر لاكثر من اربعة عقود.
ولم يكن لقاء جون كيري مع محمد ظريف من باب الصدفة حيث بدت ملامح التقارب الايراني ـ الامريكي تظهر بوضوح على خلفية الجدل الحاصل حول اسلحة بشار الاسد الكيماوية وتحت مظلة امريكية ـ روسية وصلت المعضلة السورية الى مجلس الامم المتحدة واختفت المطالبات باسقاط حكم الاسد والتي كانت السعودية تطالب به منذ اكثر من سنتين وتصدرت قضية الاسلحة الكيماوية محافل النقاش والجدل مما ميع المطالب السعودية بل همشها ما يجعل المقاربة الايرانية ـ الامريكية تأتي في لحظة تشعر بها السعودية ان مشروعها بالتخلص من نظام الاسد قيد الدرس وقد لا يتحقق في القريب العاجل. فبعد فشل السعودية في اقناع الادارة الامريكية بتوجيه ضربة مباشرة لايران وطي صفحة الحل العسكري من قبل الولايات المتحدة واسرائيل واتجاه الولايات المتحدة بالتحديد نحو الدبلوماسية كحل للقضايا العالقة في منطقة الشرق الاوسط بالتعاون مع روسيا وجدت السعودية نفسها غير قادرة على التحكم بمسار السياسة الخارجية للولايات المتحدة والتي تعكس اولا واخيرا المصالح القومية لامريكا والتي قد تتعارض او تتفق مع مصالح اللاعبين الاقليميين في المنطقة رغم كون هؤلاء من اهم حلفاء الولايات المتحدة حيث التعاون العسكري والاستخباراتي والمصالح الاقتصادية كانت في السابق من اهم المحركات للحلف الامريكي ـ السعودي.
وتظل السعودية وجاراتها الخليجية من اهم المراكز للقوة العسكرية الامريكية وأساطيلها ليس فقط حماية للانظمة بل حماية للهيمنة الامريكية في منطقة الخليج. ورغم العداء الظاهر بين ايران والولايات المتحدة الا ان التفاهم كان قد حصل قبل معضلة الاسلحة الكيماوية السورية خاصة فيالعراق وافغانستان حيث دخلت الولايات المتحدة في حروب طويلة على مساحات لها حدود مشتركة مع ايران الا ان اللقاءات الرسمية العلنية التي شهدتها نيويورك بين وزراء خارجية الدولتين اعطت رسالة واضحة وصريحة ان التقارب سوف يعطي نتيجة قريبة قد تخرج ايران من عزلتها في الغرب وتعيدها الى ساحات الدبلوماسية كما كانت في السابق. فالغرب لن يخوض في مصادمة عسكرية مع ايران مهما ارتفعت الاصوات العربية المطالبة بمثل هذه المواجهة وقد اقتنع الغرب منذ فترة انه لا يستطيع التحكم بالمنطقة من خلال وضع ثقله الكامل خلف حليف اقليمي واحد بل ان مصالحه القومية تخدمها سياسة تنوع مصادر الهيمنة ومساحاتها والولايات المتحدة بالذات لا تريد ان تكون هيمنتها معتمدة بشكل كلي على الحليف السعودي خاصة وان هناك الكثير من المعلقين والمستشارين الامريكيين الذين لا تطمئن قلوبهم للنظام السعودي، وكما ان مثل هؤلاء لا يزالون يعانون من عقدة افغانستان والعراق والحروب الطويلة التي خاضتهاامريكا هناك بالاضافة الى عقدة احداث الحادي عشر من سبتمبر والتي اتهمت بها السياسة السعودية وخطابها الديني في الصحافة الامريكية لاكثر من عقد كامل فيتردد هؤلاء بوضع ثقلهم خلف السعودية كحليف اقليمي وحيد.
وتبدو السياسة الامريكية واضحة خاصة خلال فترة حكم اوباما الذي قال اكثر من مرة انه انتخب لينهي حروب امريكا الخارجية لا ان يبدأ حربا جديدة ومن هنا ربما هو يريد ان ينهي فترة حكمه الحالية بالوصول الى مذكرة تفاهم مع ايران تنهي العداء والمقاطعة السابقة لتحقيق نصر لسياسته ويمهد لفترة حكم جديدة يفوز بها حزبه الديمقراطي. من هنا تبدأ حالة الترقب السعودية والتي حتى هذه اللحظة لم تنجح بالوصول الى مبتغاها وهو اقصاء ايران عن الساحة العربية تمهيدا لهيمنتها وبسط نفوذها خاصة في المناطق الساخنة من العالم العربي. ورغم الاموال الباهظة التي صرفتها السعودية على مشاريعها الخارجية في مصروالبحرين واليمن وسورية الا ان القوة الاقتصادية هذه قد اثبتت انها ليست كافية لتصدر السعودية على الساحة العربية فالعالم العربي اليوم يبدو اكثر تعقيدا من ان تحله وتفكك معضلاته اموال النفط السعودية خاصة وان التقاء المصالح العالمية خاصة الامريكية والروسية اثبت انه اهم من المطالب السعودية ومصالحها القومية.
وتوجس الولايات المتحدة من السعودية وان لم يظهر واضحا وصريحا الا انه على ما يبدو يحرك خطوط السياسة الامريكية الحذرة تجاه النظام السعودي. لا تزال الولايات المتحدة تعتقد ضمنيا ان البيئة السعودية وسياسة النظام بالذات قادرة على تفريخ الارهاب والذي استحوذ على المخيلة الامريكية وارتبط بالاتجاه السعودي خاصة السياسة الدينية ولم تتخلص امريكا من هاجس هذا الارهاب الذي يظل مربوطا بالمخيلة الامريكية بالفكر الديني السعودي ومن هنا تبحث الولايات المتحدة دوما عن وسائل وطرق تستطيع من خلالها حماية نفسها من هذا الخطر الذي تعودت الادارة الامريكية على ارجاعه للبيئة السعودية رغم تغني الولايات المتحدة بالجهود السعودية وبرامج المناصحة التي صممها وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف وكتبت عنها الصحافة الامريكية باعجاب وتقدير كانجاز محليّ وتصميم فعّال في مكافحة الارهاب وستظل الولايات المتحدة تتعاون مع النظام السعودي كحليف استراتيجي لمكافحة الحظر الذي لم يتقلص او يتلاش رغم تحصين الداخل السعودي ضده لكنه خرج من هذه الساحة وانتقل الى مناطق اخرى. لكن الولايات المتحدة ستظل تحاول انهاء اعتمادها الكلي على السعودية بتفعيل دبلوماسية جديدة مع ايران رغم التوجس السعودي والخليجي من اي تقارب مستقبلي بين الدولتين. والسؤال الذي يطرح نفسه هذه اللحظة يتعلق بموقف السعودية من هذا التقارب الذي تراقبه القيادة السعودية بحذر شديد فما هي تداعياته على المنطقة بشكل عام وعلى السعودية بشكل خاص؟
اولا اي محاولة لتحجيم المشاريع النووية الايرانية لا بد له ان ينعكس ايجابيا على السلم في منطقة الخليج بالذات لقرب المنشآت الايرانية من المنطقة بالذات. ثانيا: ربما يؤدي التقارب الامريكي ـ الايراني الى انفراج على الساحة السورية يخفف معاناة الشعب السوري ويحل الازمة العالقة والتي لم تستطع الجهود السعودية حسمها رغم كل المبادرات والتمويل للاطراف المتنازعة على سورية. وقد تستطيع السلطة السعودية تقويض اي حل دبلوماسي او سياسي لحل هذه الازمة خاصة وانها تملك التواصل مع اطراف سورية مسلحة تستطيع ان تطيل الازمة الى اجل غير مسمى. ثالثا: على السعودية ان تعيد النظر بسياستها القائمة على الهيمنة المطلقة على الساحة العربية والاقليمية حيث انها لا تملك من القوة سوى البترودولار فتبدو غير قادرة على فرض نفسها على الساحة دون اللجوء الى الثروة وهذا ما قد جعلها تخطو خطوات اكبر من ثقلها العسكري. فالسعودية لا تقبل ان تنافسها احدى جاراتها الخليجية والتي بدورها تستعمل الثقل الاقتصادي الا انها تظل حتى هذه اللحظة غير قادرة على منافسة الدبلوماسية الايرانية الحالية. وكان على السعودية ان تتوصل الى تفاهم مع ايران وهي القريبة في المنطقة بمعزل عن القوى الاقليمية الاخرى او العالمية البعيدة مما كان سيقطع الطريق على تجاوزها كليا من قبل الولايات المتحدة او روسيا تماما كما حدث خلال مناقشة الازمة السورية الراهنة. ورغم رحلات سعودية متفرقة ومبعثرة الى موسكو من قبل بندر بن سلطان الا ان التفاهم الروسي ـ الامريكي الذي تلاه التقارب الامريكي ـ الايراني اثبت عدم قدرة السعودية على اختراق الدبلوماسية الدولية. لقد فوتت السعودية فرصة ذهبية في السابق وها هي الآن تبدو وحيدة في دور المراقب المتوجس من تطور الاحداث في المنطقة غير قادرة على التحكم بنتائجها لصالحها. وطالما ظلت السعودية تمارس الدبلوماسية الخفية لن تستطيع ان تثبت وجودها اقليميا خاصة في مرحلة جديدة وعليها ان تتحرر من عقدة ايران هي ايضا وتتعامل معها كقوة اقليمية تماما كما تخلصت حليفتها الولايات المتحدة من هذه العقدة.

سنشعر بالخجل لأننا لم نقل كلمتنا احتجاجاً فاروق يوسف

يُخيل إليّ أن هناك خللاً عظيماً أصاب تقنية التلقي صار يؤثر سلباً في طبيعة مشاعر الجمهور العادي وقبلها ردود أفعال المثقفين في مواجهة الأوقات العصيبة في العالم العربي. فلو عدنا إلى الوراء قليلاً، إلى مرحلة السبعينات بالتحديد، سنرى أن ما حدث في تل الزعتر، وهو المخيم الفلسطيني الذي تعرض سكانه للإبادة على يد القوات السورية التي كانت موجودة في لبنان، كان له وقع لافت في النتاج الثقافي العربي، شعراً ورسماً ورواية ونحتاً. أتذكر في هذا المجال رسوم ضياء العزاوي الغرافيكية والتي صدرت في حينه موثقة في كتاب فني. هناك قصائد وقصص كثيرة سعى كتابها إلى التعبير عن صدمتهم. يومها كان لتلك الاعمال الأدبية والفنية تأثيرها القوي في الجمهور العادي. صنعت تلك الأعمال مزاجاً إنسانياً نزيهاً وعميقاً في إدانته الجريمة، لثقافتها وبيئتها والقائمين عليها.
حدث أشبه بالزلزال، قبض عليه الفن ليضعه في أيقونة لا يمكن أن تمحى. «هذا ما حدث، وعلينا أن نمنع تكراره، إذا لم نكن قادرين في هذه اللحظة على معاقبة المجرمين»
لا تزال الجريمة حية، ليس لأنها عثرت على من يوثّقها ويحول بينها وبين النسيان، بل لأنها تخلت بسبب الفن الذي استلهمته عن جانبها الإخباري الموقت لتقف بجدارة ضحاياها وقسوة معانيها إلى جانب القضايا الكبرى التي هي مادة الخيال الفني.
ولأن تاريخنا المعاصر كان غاصاً بمشاهد القتل الجماعي فلم يكن غريباً أن يغوص النتاج الفني والادبي في المياه السوداء بحثاً عن أفق فالت من المأساة.
كان من المتوقع أن يصنع الفن والأدب المنحاز إلى حق الإنسان العربي في البقاء على الأقل شعباً يتخذ موقفاً مناهضاً للقتل والعنف والاضطهاد والكراهية. غير أن أملاً من هذا النوع لم يجد الطريق سالكة أمامه ليتجسد واقعياً.
فبعد بيروت التي حوصرت اسرائيلياً عام 1982 فكانت صورتها محاصرة صدمة يقظة للأدباء والفنانين العرب، مرت الحروب على أجسادنا بأقدام من حرير، ناعمة كما لو أنها قدت من المادة نفسها التي قدت منها عواطفنا. من مجازر الحرب الاهلية اللبنانية إلى مجازر الحرب السورية الحالية مروراً بما شهده العراق ومن بعده ليبيا من عمليات إبادة جماعية كان كل شيء يحيلنا إلى مصير لا إنساني ولا أخلاقي صار يتربص بنا من كل الجهات.
ومع ذلك، فإن كل ما كنا نفعله أدبياً وفنياً في مواجهة واقع مأسوي من ذلك النوع لم يكن يتجاوز رغبة عابرة في التأسي ومحاولة النسيان من غير أن نسعى إلى أن نضع الزمن في المكان الذي يخضع فيه للمساءلة والمراجعة. أما كان علينا أن نتعلم من تجربة الاميركيين حين أوقفوا التقويم الشمسي عند حدود الحادي عشر من أيلول؟

كانت كل مأساة من مآسينا أكبر من مأساة انهيار برجي نيويورك، غير أننا

أكراد سورية لا يريدون الانفصال نحارب النظام و«النصرة» ونخشى مجازر فيكين شيتيريان





صالح مسلم محمّد (روسيا اليوم.كوم)كان زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي صالح مسلم محمّد، الذي يعدّ أقوى سياسي في الأحزاب الكردية السورية، موجوداً في مدينة جنيف لعقد اجتماعات مع منظمات دولية بهدف تفسير وجهة نظره. يسيطر هذا الحزب المرتبط في شكل وثيق بحزب العمّال الكردستاني على المناطق التي يسكنها الأكراد شمال سورية وهو يحظى بقوة مقاتلة منضبطة جداً مؤلفة من بضعة آلاف من الجنود. وأخبرني حين التقيتُه أنّ المنظمات «تحصل أحياناً على معلومات من المجموعات السورية-الكردية الأخرى التي تحاول أن تعطي صورة سلبية عنّا. أتينا إلى هنا من أجل عرض وجهة نظرنا وكي نقدّم وقائع من الميدان». وحين سألتُه عن كيفية تقويمه للدور الذي تؤديه الأمم المتحدّة في النزاع السوري، ضحك وأجاب: «في منتصف تسعينات القرن الماضي، كانت منظمة الأمم المتحدّة على وشك التوقّف عن العمل حين رفضت الولايات المتحدّة دفع مستحقاتها. فهل أجبتك عن سؤالك؟»...

وُلد صالح مسلم محمّد في مدينة كوباني أو عين العرب عام 1951. يقول: «هل تعلم أنّ الأرمن هم من أسسوا مدينة كوباني؟»... «كوباني هو اسم ألماني (شركة السكك الحديدية كو بان). كانت هذه القرية عبارة عن محطة للقطارات بناها الألمان عام 1912 كجزء من خطوط السكك الحديدية التي تربط بين برلين وبغداد. ومن ثمّ عام 1915، تحوّلت إلى قرية عقب وصول اللاجئين الأرمن إليها بعد أن فروا من المجازر. ومن ثمّ قدم إليها الأكراد من القرى المجاورة. حين كبرتُ، أذكر أنّه كان ثمة ثلاث كنائس أرمنية في القرية، إلا أنها انتقلت إلى أرمينيا في ستينات القرن الماضي».
تابع دراسته الابتدائية في مدينة دمشق وأنهى المرحلة الثانوية في مدينة حلب. وانتقل إلى اسطنبول حيث درس في جامعة اسطنبول التقنية وتخصّص في الهندسة الكيميائية وبعدها توجّه إلى المملكة العربية السعودية للعمل. كان صالح مسلم محمّد ينتمي إلى جيل جذبته السياسة الكردية المستوحاة من نضال مصطفى البارزاني. وهو رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي منذ عام 2010.
وكان السؤال الأول الذي طرحته عليه هو التالي: هل يعدّ حزب الاتحاد الديموقراطي في حالة حرب؟ وفي حالة كان كذلك، فمع من؟
«نحن في حالة حرب منذ أن تأسس الحزب عام 2003 أولاً ضد النظام. كان حينها النظام السوري على علاقة جيدة بتركيا. وقد دفعنا ثمناً باهظاً على الصعيد البشري إذ قُتل أحمد حسين الملقّب بأبي جودي على يد الاستخبارات العسكرية تحت التعذيب عام 2004 وفي السنة نفسها تمّ اغتيال شيلان كوباني وأصدقائه في الموصل على يد المخابرات وعام 2008 قُتل عثمان سليمان تحت التعذيب فضلاً عن أمثلة عدة أخرى. كما أنه تمّ اعتقالي وتعذيبي أيضاً. وتوجّب علينا أن نناضل

موقع تجربة 23 يوليو من الحالة الثورية المصرية طارق أبو العينين

 


في مقال منشور في صفحة «قضايا» بتاريخ 14 أيلول (سبتمبر) الجاري تحت عنوان «مصر في معركة البحث عن الذات» طرح الكاتب المصري صلاح سالم رؤيته المتعلقة بعملية إعادة بناء وتحديث الدولة المصرية على ثلاثة أصعدة، أولها هو الحفاظ على تماسكها الداخلي، وثانيها هو تحقيق الاستقلال الوطني في مواجهة الخارج، وثالثها هو العبور نحو ديموقراطية راسخة، وذلك انطلاقاً من فرضية أساسية وهي أننا بصدد لحظة تأسيسية ثانية تلت اللحظة الأولى التي بدأت إبان ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 فحققت هدفين وأخفقت في تحقيق الثالث الذي ينبغي على ثورة 30 حزيران (يونيو) أن تحققه باعتبارها لحظة التأسيس الثانية في التاريخ المصري المعاصر.

هناك إشكاليتان تجعلان هذا التحليل يرتطم بالواقع.
الإشكالية الأولى هي تعاطي الكاتب مع تاريخ مصر السياسي بوصفه متوالية تاريخية تكمل فيها كل حلقة أهداف الحلقة التي سبقتها وهذا ما لم يحدث طوال تاريخ مصر المعاصر بكل أسف. فبحسب ما ذكر المؤرخ المصري صلاح عيسى في كتابه «الكارثة التي تهددنا»، فإن البورجوازية المصرية التي شكلت بجناحيها الكبير والصغير، تيارات الحركة الوطنية المصرية كافة خلال القرن المنصرم، أخضعت تاريخ مصر المعاصر لأسلوبها في الصراع السياسي الذي يتميز بضيق الأفق والقبلية، بحكم نشأتها السياسية في ظروف غير ملائمة، ما جعل كل حركة من حركاتها تنظر إلى ما سبقها نظرة مقت وكراهية، وهو ما فعل الوفديون مع مصطفى كامل بعد قيام ثورة 1919، والقوميون العرب مع الوفديين بعد قيام ثورة تموز 1952 وأنصار السادات مع مشروع عبد الناصر الفكري والسياسي بعد ثورة التصحيح في أيار (مايو) 1971، وحدث ذلك انطلاقاً من حقيقة تاريخية واضحة حكمت حركتها ألا وهي الطبيعة الديالكتيكية (الجدلية) التي حكمت نمو البورجوازية المصرية ومثلت بالنسبة إليها قانون الحركة والصراع، فعلى رغم الطابع الاقتصادي البحت لذلك التحليل التاريخي الذي يرد صراعات الحركة الوطنية المصرية إلى الانتماء الطبقي لقياداتها وكوادرها، إلا إننا يجب أن نعترف في النهاية بأن الأمر الثابت في تلك القضية هو أن مسار الحركة الوطنية المصرية عكس منطق صراع الحلقات والأجنحة بأكثر من ما عكس تكامليتها وتعاضدها.
أما الإشكالية الثانية فهي الطبيعة التاريخية الاستثنائية لحقبة الرئيس جمال عبد الناصر والتي سمحت للرجل بالحفاظ على التماسك الداخلي للدولة والمجتمع عبر تكوين نظام شمولي صادر من خلاله الحركة الوطنية لحساب زعيم أوحد وتنظيم أوحد وخطاب سياسي أوحد. فبحسب ما ذكر المفكر المصري جلال أمين في كتابه «نحو تفسير جديد لأزمة الاقتصاد والمجتمع في مصر»، فإن أحد أبرز ملامح التجربة الناصرية هو نجاحها المذهل في تجميد الصراع بين التيارات الإصلاحية الثلاثة في الحركة الوطنية المصرية ممثلة في التيار الليبرالي والتيار الماركسي والتيار الديني، فعلى رغم تبني عبد الناصر قضية الإصلاح انطلاقاً من قيم مدنية وعلمانية، إلا أنه حاول وبدرجة عالية من الحرفية والنجاح تحاشي الصدام المباشر مع التيار الديني الذي انتصر عليه في معارك صغيرة متتالية، بعكس ما فعل كمال أتاتورك مع الإسلاميين في تركيا، فضلاً عن أن احترامه الشكلي للدين وتمييزه لتجربته عن التجارب الاشتراكية الماركسية بتسميتها الاشتراكية العربية كان عاملاً مساعداً في كبت وتأجيل صدامه مع هذا التيار. أما بالنسبة إلى الماركسيين والليبراليين، فإن تبني عبد الناصر شعارات الفكر الاشتراكي واستعانته بخبرات الاشتراكيين في إدارة الدولة ونجاحه في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة وحقيقية وفرت في مجملها، بحسب ما ذكر أمين، مبرراً موضوعياً كي يقبل الماركسيون والليبراليون بعدم التطبيق الكامل لأطروحاتهم النظرية المتعلقة بمشروع النهضة المصري.
لذلك فإن هناك سؤالاً يجب أن يُطرح في هذا السياق ويتعلق بإمكانية أن تكون تجربة تموز 1952 مقياساً لتجربة التحول الديموقراطي والنهضوي في مصر بعد ثورة 25 يناير وموجتها الثانية في 30 حزيران، خصوصاً أن تلك التجربة يجري استدعاؤها بشدة لتبرير

الأحد، 29 سبتمبر 2013

عبث نخبوي.. وإ«خواني»! محمد صلاح


حدد الدكتور عصام العريان، في آخر رسالة متلفزة له، شروط وقف مظاهر احتجاجات «الإخوان» بعودة الدكتور محمد مرسي إلى المقعد الرئاسي وإلغاء حل مجلس الشورى ومحاكمة الفريق عبد الفتاح السيسي ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم وبعض من سماهم «قادة الانقلاب». ووعد بعدها بأن يسير مرسي، ومعه «الإخوان»، في خريطة طريق سياسية لا تختلف كثيراً عن تلك التي تجري الآن تتضمن إجراء تعديلات على الدستور وانتخاب برلمان جديد. لا جديد في موقف «الإخوان» قبل وبعد عزل مرسي، ولا مجال للبحث في كلام العريان وإخضاع شروطه لنقاش بين الممكن والمستحيل منها. فالأمر وكأنه تحول إلى عبث لا طائل منه، ونشاط الجماعة خارج مصر وداخلها يشير إلى أن لا حل سياسياً قريباً ينهي الأزمة بينها وبين الحكم الانتقالي، ومن ينتظرون مصالحة وتوافقاً قريباً سينتظرون طويلاً وربما سنوات من دون أن يصلوا إلى مبتغاهم.
على الجانب الآخر تشعر أحياناً وكأن النخبة السياسية المصرية عندما لا تجد أو لا تجيد الانشغال بشيء مفيد لها أو للبلد تبدأ في البحث عن توافه الأمور أو أقلها أهمية، وحين تعثر على ضالتها تبذل جهداً حثيثاً في محاولة إقناعنا بأنها تحمل هموم الوطن، وتسعى إلى حل معضلاته، وتبذل الغالي والنفيس من أجل رفعته وازدهاره، وهي في الحقيقة تعطل المراكب السائرة وتضع العجلة أمام الحصان والعقدة في المنشار دون داع أو دوافع إلا عجزها وقلة حيلتها وغياب تأثيرها ووجودها بين الناس. أفضل نموذج يعكس ذلك الفراغ النخبوي هذا الجدل حول حاجة مصر إلى دستور جديد، أو المضي في خطوات تعديل الدستور المعطل الذي صدر العام الماضي. فبينما يشتعل الشارع يوم الجمعة دائماً وباقي أيام الأسبوع غالباً بالمواجهات بين «الإخوان» وأنصار مرسي من جهة وبين جموع المواطنين والشرطة والجيش من جهة أخرى، ووسط محاولات دائمة ومستمرة وحثيثة لقطع الطرق وتعطيل المرور ومنع المصالح الحكومية عن العمل، وفي ظل لغة التهديد والوعيد بإسقاط الدولة والجيش والشرطة وإعادة مرسي إلى مقعده والشرعية إلى الحكم، تجد رموز النخبة، وقد تركت أجهزة الدولة تواجه الإرهاب في سيناء ومدن أخرى وتتصدى لنشاط «الإخوان» وأنصارهم، ملأت الدنيا طحناً من دون دقيق حول طبيعة الدستور الذي يفترض أن يُستفتى المصريون على مواده قبل نهاية العام الجاري، وهل يكون دستوراً جديداً أم يمكن الاكتفاء بتعديل الدستور المعطل؟ المطالبون بدستور جديد يستندون إلى أن المعطل مطعون فيه وصدر عن جمعية تأسيسية غالبية أعضائها كانوا من الإسلاميين وأن مواده عكست رغبات وأهداف «الإخوان» خصوصاً والإسلاميين عموماً، وأن ثورة الشعب في 30 حزيران (يونيو) تستحق أن تكافأ بدستور جديد وليس مجرد تعديل الدستور الذي ثار عليه المصريون. أما الداعمون لفكرة التعديل فيشيرون إلى أن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الموقت عدلي منصور ينص على تعديل الدستور المعطل وليس إعداد آخر جديد ويؤكدون أن وضع دستور بنصوص جديدة يتطلب إعلاناً دستورياً آخر يُلزم لجنة الخمسين بذلك. لم يدرك الطرفان أن الإعلان الدستوري وإن نص على تعديل الدستور المعطل إلا أنه لم يضع آفاقاً أو حدوداً للتعديل، ولم يشترط الإبقاء على مواد بعينها أو إلغاء أخرى واستبعادها. لم يجهد رجال النخبة أنفسهم للوصول إلى نتيجة مرضية لهما معاً تكفل وقف هذا الجدل العقيم واستنزاف الناس في ما لا يفيد، فالأمر محسوم إذ لم يلفت أحد نظر المتجادلين إلى أنه يمكن تعديل الدستور المعطل إلى درجة التجديد! وبذلك سيرضى الراغبون في الاختصار على تعديل الدستور المعطل وكذلك الآخرون المطالبون بدستور جديد، علماً أن بعض مواد الدساتير المصرية لم تتغير ونقلت من دستور إلى آخر منذ العام 1923 وحتى دستور مرسي و»الإخوان»، وغالباً ما تكون مواد شكلية أو إنشائية لكن وجودها ضروري.

أثرياء العراق يحتلون المرتبة السادسة -حسين الصدر




تتولى العديد من الجهات الضليعة بالموارد والثروات، إصدار التقارير السنوية والدورية عن أضخم أصحاب الثروات في العالم، وهي لا تكتفي بالاشارة الإجمالية، لما تبلغه تلك الثروات بالأرقام، وانما تعمد الى ذكر المراتب التي يحتلها أثرياء هذا البلد أو ذاك.
ففي آخر تقرير أصدرته شركة "ويليث – أكس" – المتخصصة في المعلومات والتفاصيل المختلفة عن أثرياء العالم وتوزيع الثروة فيه – والتي أصدرته هذا العام (2013) ذكرت : ان اجمالي الثروة التي يملكها أثرياء العالم تُقدّر ب(27,8) تريليون دولار يمتلكها 199,235 ثرياً حول العالم، وغالبية هذه الثروة تتركز في أميركا.
وما يعنينا من هذه التقرير، المعلومات الواردة فيه عن وطننا الحبيب "العراق"، لنتبيّن موقعه قياساً بدول العالم، ولنعرف مستوى الأثرياء فيه قياساً الى الأثرياء في باقي دول العالم. والمهم ان تقرير الشركة المذكورة، وافانا بالجواب الوافي عن الاسئلة التي تتراقص في الأذهان باحثة عن الجواب، فقال : إنّ العراق يحتل المرتبة السادسة، وقد توزعتْ على 175 ثرياً، وليس ذلك بالغريب عن بلد " كالعراق" مشهور بثرواته النفطية والمعدنية، ولكنّ المفاجئ والمدهش شيء آخر!.
والسؤال الآن : ما هو الخبر المفاجئ في التقرير؟
الجواب : ان بعض المسؤولين العراقيين يتقدمون 175 ثرياً في العراق، بثروة مقدارها 15 مليار دولار ضمن أثرياء الشرق الأوسط .
وأشار التقرير الى أنّ غالبية الأثرياء العراقيين هم من المقاولين القريبين من السلطة، وعند هذه النقطة بالذات يجب ان نتوقف قليلاً لنسلط الضوء على ما آلت اليه الأحوال في العراق.
اننا لا نستكثر على الشركات الكبرى أنْ تجني من الأرباح ما يقفز بها الى مديات عالية للغاية، ولكننا نتساءل: كيف أُتيح لبعض المسؤولين العراقيين ان تتضخم أرقام ثرواتهم الى الحدّ الذي ينافسون به أثرياء العالم ؟!!
ان الرواتب والمخصصات الممنوحة لهم، مهما بولغ في مقدارها، لا تتيح لهم تحقيق تلك الثروات الهائلة، فمن أين جاءت الأرقام الفلكية ؟
ومن المفيد هنا أن نذّكر ببعض الحقائق :
ان كبار رجال الدولة في العهد الملكي ومنهم رؤوساء وزارات – كالمرحوم سماحة السيد محمد الصدر، والدكتور المرحوم محمد فاضل الجمالي ...، ماتوا وهم لايملكون دوراً لسكناهم، فضلاً عن امتلاك ثروات هائلة ..!!
وفي العهد الجمهوري، قُتِل الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، دون ان تكون له دارٌ يملكها أو اية عقارات أخرى.
وفي ظلّ الدكتاتورية المبادة - التي اعتبرت العراق وثرواته وموارده كلها شيئاً من أشيائها – طفت على السطح ظاهرة الاستحواذ على المال العام، والموارد والثروات الوطنية بدون وجه مشروع، وتجبيرها لصالح القائد الضرورة (...) ومن لف لفه من عتاة المفسدين، وان هذه الممارسات المنكرة ، واستمراره في انتهاك الحرمات، كانت في طليعة الأسباب التي دعتنا الى مناهضته ومقارعة نظامه بلا هوادة، دفاعاً عن الوطن والمواطنين، وانتصاراً للقيم والمبادئ والثوابت الوطنية التي آمنا بها ولن نحيد عنها الى الأبد.
اننا نسمع في ايامنا هذه، ما لم يسمعه العراقيون عبر تاريخهم الطويل، من أحاديث تبدأ ولا تنتهي عما يملكه هذا المسؤول أو ذاك من عقارات في لندن وغيرها من عواصم العالم الكبرى.
ولا يستطيع أحد أن يحصي على وجه الدقة والتفصيل، كل تلك الممتلكات المنهوبة من الشعب العراقي، والمسجلة باسماء وعناوين شتى ..!!
لقد حوّلت تلك السرقات الفظيعة بعض أصحاب الباع الطويل في هذا المضمار، ممن تسللوا في غفلة من الزمن الى مواقع ليسوا أهلاً لها، الى عناصر متغطرسة تفوح منها رائحة النرجسية المقيتة، والعناية البالغة بمصالحها ومكاسبها، بعيداً عن هموم الشعب والوطن، حتى أصبح ردّ السلام عبئاً ثقيلاً عليها!
انه المروق والخروج الصريح على القيم الوطنية والانسانية والاخلاقية كلها. وقد قيل في أحدهم :
ما كَفَّ عن قوت الجياع ولا توّرع عن حرام ِ
وتبلدتْ منه المشاعر فهو للسرقاتِ ظامي
العنجهيةُ صيّرتْه مُراوِغاً فَظَّ الكلامِ
يُضنِهِ من بَطَرٍ وسوءِ طويةٍ ردُّ السلامِ
والى مثل هذه السفوح، تدحرج المتلاعبون بقوت الشعب وثروات الوطن .
لاغبار على أية ثروة – مهما بلغ مقدارها وحجمها – اذا كان اكتسابها بالوسائل المشروعة الطاهرة .
أما الثروات التي تأتي عبر الاختلاسات المنكرة، وعمليات النهب المنظم للمال العام، فانها الارهاب المالي، الذي يساوق صور الارهاب الاخرى، من تفخيخ وتفجير وإصرار على ازهاق الأرواح البريئة وإسالة الدماء الزكية وتدمير وتخريب لمظاهر المدنية والحضارة بأسرها.
ان التقرير الرهيب الذي اصدرته شركة (ويليث – أكس ) يأتي في وقت تتزايد فيه المطالبة بانهاء عهد اللصوصية ومحاسبة المفسدين جميعاً بلا استثناء، واسترجاع ما نُهب من الثروات الوطنية الى خزينة الدولة العراقية، دون الاقتصار على الأسماك الصغيرة واعفاء الحيتان الكبرى .
ان التهاون في محاسبة المفسدين يجعل (العراق) بلداً يقاس (بالصومال) في التخلف عن ركب الحضارة والتقدم، ويجعل أبناءه مرتهنين بمعادلات ما أنزل الله بها من سلطان، تتيح للسلطويين ان تتهدل كروشهم، وتتضخم أموالهم، على حساب الجياع والمستضعفين، وذلك ما يعني الموت المبطن الذي لا يقبل به أحد!!.

حروب السعودية بالوكالة - نيويورك تايمز


تبدو السعودية مصمّمة قاطعة في قرارها بإخراج بشّار الأسد من دمشق. فالسعوديون يأخذون القتال في سوريا اليوم بالجدية نفسها التي سبق أن أخذوا بها الحرب الأهلية التي دارت رحاها في اليمن خلال الستينيات .. وهم يرون في هذا القتال صراعاً ستترتب عليه تداعيات خطيرة تغير شكل المسار السياسي لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها لسنوات آتية.
الحرب السورية تفتح أمام السعوديين فرصة لضرب ثلاثة عصافير بحجر. الأول هو إيران، منافسهم اللدود على الهيمنة الإقليمية، والثاني هو الأسد حليف طهران، أما الثالث فهو حزب الله وأنصاره. إلا أن صانعي السياسة في الرياض شديدو الحذر فيما يفعلون لعلمهم بأنهم إذا ما تورّطوا تورّطاً كاملاً سيكون من الصعب عليهم الفكاك فيما بعد وتخليص أنفسهم، لذا تراهم يستلهمون الدروس من حرب إقليمية أخرى كان إوارها مستعراً على حدودهم قبل خمسين سنة.
فالحرب التي اندلعت في اليمن في العام 1962، بعد أن أطاح القادة العسكريون بالنظام الملكي الذي كان قائماً منذ قرون وأعلنوا عن تأسيس الجمهورية، سرعان ما انقلبت إلى مستنقع جرّ إليه القوى الكبرى وأغرقها في أوحاله. فقد سارع الاتحاد السوفييتي بتقديم الدعم الجوي للنظام الجديد، بينما وضع البريطانيون ضرباتهم الجويّة في خدمة أنصار الملكيّة، في حين ساهمت الولايات المتحدة بطائرات حربية في عرض رمزي للقوّة.
إلا أن  الصراع تحوّل إلى حرب بالوكالة بين السعودية، التي انتصرت للإمام ومعاضديه الملكيين، والرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي دعم الجمهورية الجديدة. وكانت رؤية ناصر، المنادية بـ "أمة" عربية موحّدة متحرّرة من الهيمنة الغربية والأنظمة الملكية العقيمة، قد بدأت تتجاوب أصداؤها في أرجاء العالم العربي، عندئذ قرّر النظام الملكي السعودي، المتوجس من حمى الجمهورية الآخذة بالتفشي قرب حدوده، ألا يبقى ساكناً مكتوف اليدين، وعلى هذا لجأت المملكة إلى شتى الوسائل المتاحة أمامها للحدّ من طموحات ناصر .. بيد أنها امتنعت عن إرسال جنود.
تفيد بعض التقديرات أن مصر أرسلت ما يقرب من 55 ألف جندي إلى اليمن خاض بعضهم القتال داخل الأراضي السعودية نفسها، بينما اتهم بعضهم الآخر باستخدام أسلحة كيمياوية زوّدهم بها الاتحاد السوفييتي. أما السعودية فكانت تؤمّن الأموال والسلاح لمناصري الملكية. رغم ذلك لم ينجح أي من الجانبين في تحقيق أهدافه، ثم جاءت حرب مصر مع اسرائيل في 1967 فجعلت ناصر يسحب قواته من اليمن، ولكن السعوديين لم يتمكنوا مع هذا من قلب اتجاه الموجة. وفي النهاية اضطرت الرياض إلى الاعتراف بالحكومة الجمهورية في اليمن.
واليوم مثل الأمس، ترى السعودية في الصراع السوري لحظة فاصلة يتحدد فيها مصير. فبصفتها زعيمة العالم السني تعتقد المملكة أن ثمّة فرصة هنا لصدّ ما تعتبره خططاً إيرانية تهدف إلى تطويق المملكة بأنظمة معادية لها يهيمن عليها الشيعة. وإذ أخذت الحرب تميل إلى طابع أكثر طائفية وصف الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، المعروف عادة بتحفظه، الهجوم الذي يتعرّض له الشعب السوري بأنه "إبادة" كما وصف الأراضي السورية بأنها "واقعة تحت الاحتلال"، في إشارة واضحة إلى التواجد الإيراني وقوات حزب الله.
ليس سرّاً أن السعوديين يزودون عناصر في المعارضة السوريّة بالسلاح، بل أنهم كادوا يقرّوا بذلك صراحة حين أعلن الأمير قبل بضعة أسابيع قائلاً: "إذا لم يكن لدى المجتمع الدولي الاستعداد للقيام بعمل ما فعليه إذن أن يسمح للسوريين بالدفاع عن أنفسهم."
السعوديون لن يدخروا وسيلة تتوفر لهم لإسقاط الأسد إلا ويستغلونها، مع اتخاذ الاحتياطات التي تكفل عدم سقوط الأسلحة التي يمدّون بها الثوار في أيدي المتطرّفين. ولكن مع هذا، وبعد الهجوم الكيمياوي الذي وقع على المدنيين بالقرب من دمشق في الشهر الماضي، أعلن وزير الخارجية السعودي بصراحة أن الدول العربية لن يمكنها وقف الأحداث الجارية من خلال قوّة السلاح فقط، مضيفاً أن أي مسعى عسكري في هذا السبيل من شأنه أن يجرّ إلى الساحة لاعبين من خارج المنطقة. كذلك أن المقترحات التي راجت بأن تقوم جامعة الدول العربية بتشكيل قوّة عسكرية مهمتها منع الهجمات التي تستهدف المدنيين لا تبدو قابلة للتطبيق، حيث حالت خلافات الرأي بين الدول الأعضاء في الجامعة دون التوصّل إلى اتفاق حتى على مساندة ضربة أميركية مستقبلية محتملة.
ولكن مجلس الوزراء السعودي أصدر في 16 أيلول الماضي بياناً قويّاً أوضح فيه أنه يعتبر الحيلولة دون وقوع هجوم كيمياوي آخر ليس سوى هدف المدى القريب، أما على المدى البعيد فإنه إسقاط الأسد.
تنوي السعودية أن تكثّف جهودها لتسليح الثوّار واستخدام منافذها الإعلامية وقبضتها الدبلوماسية لحشد الدعم من أجل توجيه ضربة عسكرية. ورغم أن المملكة معروفة باقتصادها في استخدام القوّة العسكرية فهي قد فعلت ذلك في الماضي ولكن برويّة وحذر. حيث قامت الرياض بإرسال جنودها مثلاً إلى البحرين لإظهار دعمها للنظام الحاكم هناك بوجه التظاهرات الكبيرة التي كانت آخذة في الإتساع. بطبيعة الحال أن سوريا ليست كالبحرين، ولكن السعودية هي الأخرى ليست كما كانت في الستينيات عندما فشلت في تحقيق أهدافها في اليمن. فالمملكة التي تنعم اليوم بثروات النفط قادرة على ممارسة نفوذ أوسع بكثير من ذلك الذي كانت تقوى عليه قبل نصف قرن من الزمن. وما من شكّ في أنها سوف تستخدم هذا النفوذ وتفرضه فرضاً بالقوّة، وستدعم الثوّار بالسلاح والدبلوماسية في إطار مساعيها للمكر بإيران والإيقاع بحزب الله ثم إسقاط الأسد.

شطرنج فارسي -‘ ناحوم برنياع يديعوت



 
استيقظ رئيس الوزراء من نومه والعرق البارد يغطي جبينه. قال متنهدا: ‘إنها حيلة دعائية. يا لي
تني كنت استطيع أن أوجد حيلة دعائية تمحو كل ما حدث هذا الاسبوع في نيويورك’.
أدهش العالم في السنة الماضية بالخط الاحمر الذي رسمه على رسم كاريكاتوري لقنبلة ذرية. ولم يعلم أحد ، حتى ولا العاملون في ديوان رئيس الوزراء ـ أن يُفسروا ما معنى ذلك الخط بمفاهيم التسلح الذري ـ وفي أية ظروف ستجتازه ايران ومتى سترد اسرائيل اذا ردت أصلا. لكن لم يكن للتفاصيل أية أهمية، فقد قامت الصورة بالعمل، فهي لم تعق المشروع الذري الايراني، لكنها سيطرت يوما أو يومين على نشرات الأخبار في العالم، وحظيت بمئات آلاف التصفحات في اليوتيوب. ينتظر الناس الآن حيلة دعائية أكبر، تُقدم إليهم وجبة فاخرة حتى يطلبوا اثنتين. هل يستل رئيس الوزراء في هذه المرة قنبلة حقيقية بدل القنبلة المصورة ويفجرها على منصة الخطباء؟ من المؤكد أن ذلك سيثير ضجيجا، أو ربما يضع على رأسه عمامة كعمامة روحاني يُخرج منها في منتصف الخطبة أرنبا؟ إن العبء في الفيسبوك سيسقط الجهاز. يتوسل رئيس الوزراء قائلا أريد حيلة دعائية.
وهو يتذكر ريتشارد الثالث لشكسبير، الذي اقترح أن يتخلى عن مملكة مقابل حصان. فلم يحصل على الحصان وخسر بعد ذلك المملكة ايضا.
إن الحقيقة هي أنه لا سبب يدعو الى الشماتة برئيس الوزراء لأن أزمته هي أزمتنا دونما صلة بميله المبالغ فيه الى الحيل الخطابية. وقد قال مصدر مقرب إليه هذا الاسبوع إنه يأتي الى امريكا كهادم للحفلات، لكنه لن يستطيع أن يهدم هذا الحفل، لأن جهات كثيرة جدا تحتاج إليه وجهات كثيرة جدا تستمتع به ولن يُجهدوا أنفسهم بدعوتنا.
يأتي الساسة الى نيويورك لتنفيذ اعمال وقد نفذوا أعمالهم. إن رئيس ايران الجديد حسن روحاني مدين بانتخابه للعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب، فقد غيرت العقوبات الخطابة وغيرت التكتيك، لكن يُشك في أن تكون غيرت الاستراتيجية، وهي تقريب ايران بقدر المستطاع من حافة السلاح الذري، بأدنى قدر من الكلفة الاقتصادية.
على حسب التصريحات الاخيرة لرئيس ايران ووزير خارجيته، يبدو أن الايرانيين معنيون خلافا للماضي بالتوصل الى اتفاق. وهم لا يتحدثون عن إتمام المشروع. فلا يوجد الآن طلب كهذا، لا من قبل اوباما ولا من قبل رؤساء دول اخرى في الغرب. وسينحصر التفاوض في نقطة التوقف. إن الفرق موجود لكن يمكن عقد جسر فوقه. وسيُساوم الايرانيون وقد عرفوا كيف يُساومون قبل أن يكتشف كولومبوس امريكا بمئات السنين. رأى آيات الله ما حدث لحاكم ليبيا معمر القذافي، الذي تخلى عن مشروعه الذري وانتهى به الامر الى هجوم جوي من حلف شمال الاطلسي، وموت مُذل على يد جمهور متعطش للدم. ورأوا كيف حظي حكام كوريا الشمالية’ الذين لم يتخلوا عن مشروعهم، بالمنعة ولهذا لن يتخلوا عن المشروع الذري.
‘كان انتخاب روحاني ونغمة المصالحة التي تبناها بصفته متحدث النظام عملا بليغا. إن هجوم السلام يخدم مصلحة الايرانيين، اذا كانوا ينوون التوصل الى اتفاق، ويخدم مصلحتهم اذا كانوا يخدعون.
رئيس إعوجاج
إن الثاني الذي جاء لاتمام اعمال هو باراك اوباما. إن اوباما رئيس بلا سياسة خارجية. وتتحرك سياسته الخارجية مثل الثملة من خطبة الى خطبة، ومن مثالية خالصة الى واقعية خالصة، ومن رومانسية ساذجة الى مكيافيلية. والخطب عصماء كل واحدة على حدة لكن حينما تُجمع معا ترفض أن تجتمع في نظرية واحدة. كان مصمما حينما انتُخب على أن يخرج في أسرع وقت ممكن من العراق وافغانستان، وهما حربان سماهما، وفي هذا قدر كبير من الصدق ‘غبيتين’. ‘هذا هو وقت حصر العناية في بناء أمة في الداخل لا في الخارج’ قال. وغير رأيه بعد ذلك وعزز القوات وسرّع الخروج بعد ذلك. وقد دعا شباب العالم العربي في خطبة في جامعة القاهرة الى التمرد على نظم حكمهم. ورجع عن ذلك ازاء صعود الاحزاب الاسلامية. ولم يشأ أن يستخدم القوة العسكرية وقت الحرب الأهلية في ليبيا، لكنه عمل وانتهى الامر الى مقتل السفير الامريكي وانهيار النظام في ليبيا وتهريب سلاح من هناك الى منظمات ‘القاعدة’. وقد حاول أن يطبق درسه في ليبيا على سورية، فامريكا لن تتدخل مهما يبلغ ارتفاع الصراخ بسبب ذبح المدنيين. ثم أمر بالهجوم على سورية بالصواريخ، وغير في آخر لحظة مرة اخرى رأيه وتوجه الى مجلس النواب وصُب عليه الماء البارد وترك الحلبة للروس.
في خطبة أداء القسم الثانية له قبل

في حضرة غياب ادوراد سعيد مالك التريكي



قال لي صديقي ذات مساء لندني خريفي مطير: انسى وتصالح مع اليأس. ليس هناك مثقف عربي مستقل. الاستقلالية في بلادنا صعبة، بل هي شبه مستحيلة. انسô قلت: ليس هذا صحيحا، يكفي أن يكون المثقف أو الأستاذ الجامعي قانعا براتبه الشهري، الحافظ لكرامته، حتى يكون قد استوفى الشرط المادي الأساسي للاستقلالية. المثقفون المستقلون قلة، ولكنهم موجودون. قال: ومن هم؟ أرني واحدا فقط. فذكرت له، على سبيل المثال، جورج طرابيشي، وجلبير أشقر، وجورج قرم، وعبد الله العروي، وهشام جعيط، ويوسف صديق، وعبد الوهاب المؤدب والمنصف الوهايبي، الخ. قال صديقي، وهو من الصحافيين المجيدين: فليكن، ولكن ما هي جدوى الاستقلالية في هذا العصر المتقلب المزاج المتلاطم الأمواج؟ بل ما هي جدوى المثقف ذاته؟ ما معنى ذلك كله؟ ما معنى أن يعبر نعوم تشومسكي، كل أسبوع تقريبا، عن رأيه في هذه المسألة أو تلك؟
المعنى؟ هو بالضبط ما شرحه ادوراد سعيد، الذي تحل الآن الذكرى العاشرة لرحيله، في أحد أجمل كتبه (مجموعة محاضراته في البي بي سي عن ‘صور المثقف’) وما جسده طيلة حياته الفكرية المتوقدة بإبداع متأصل في الذكاء والوفاء. لم يتهيب سعيد من الصدع، وحيدا في ساحة ثقافية وأكاديمية معادية، بحقائق مزعجة للضمير الأمريكي الهانىء بأفضليته السياسية والمخلد إلى سعادة الاستعلاء الأخلاقي على العالمين. وكان سعيد قد بدأ يحلق بجناح الجدارة (قبل أن يحلق بجناح القضية) منذ أن أفلح في فتح ثغرة كبرى في حصن الخطاب الثقافي الغربي المتواطىء، إراديا أم موضوعيا، مع قرون من حملات الهيمنة الغربية على بقية الإنسانية، وخصوصا على هذا الشرق الذي ما إن بدأ يطمح للانعتاق من نقم التاريخ والإيديولوجيا حتى وقع في نعم الجغرافيا والجيولوجيا. والنعمة والنقمة سيان. كلتاهما مذلة وإظلام مصير.
وعندما أتت اتفاقيات أوسلو، عام 1993، بضلالاتها الاستسلامية الانهزامية لم يتردد سعيد في الوقوف، وحيدا في ساحة سياسية إجماعية معادية وأمام ‘سلطة وطنية’ صارت ألد الخصام (فقد منعت ‘السلطة’ كتب سعيد في أراضيها، بينما كانت تباع في كل بقاع الأرض، بما فيها دولة إسرائيل!!!)، ضد سياسة ترويج الأوهام والإصرار على إنكار الواقع. كان يبدو، خاصة في منتصف التسعينيات، كما لو أنه دون كيشوت المبارز لطواحين ‘السلام’ الهارب أبدا إلى الأمام. عقدان (شهد سعيد على أولهما بتلك الفصاحة الآسرة) أثبتا صحة موقفه، حيث أن ‘أوسلو’ لم تكن سوى تصفية للقضية الفلسطينية دون مقابل. بالمجان. ويبقى ‘حل الدولتين’ قائما بطبيعة الحال طالما ظلت ‘السلطة الوطنية’ مستمرة في ممارسة سياسة ‘تعليق عدم التصديق’. ولكل امرىء ما نوىالمثقفون المستقلون موجودون. وهذا ما يثبته باسكال بونيفاس في كتابه الصادر قبل أشهر عن ‘المثقفين النزهاء’ (وكان قد نشر قبل عامين كتابا عن ‘المثقفين الدجالين’). وبما أنه استهل كتابه بحوار مع نصير القضية الفلسطينية الذي رحل عنا أوائل هذا العام، ستيفان هيسيل (صاحب البيان الشهير ‘فلتغضبوا’
ô على مظالم هذا العالم)، فلا بد أن نذكر أيضا مثقفا مستقلا آخر هو محمد أركون الذي رحل عنا في مثل هذا الشهر من عام 2010. كان الرجل مكتفيا براتبه الجامعي. الاستقلالية ممكنة. ولا تصالح مع اليأس.