بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

◘ المواجهة الآتية في المغرب

إرجاء التئام الهيئات التقريرية لحزبي الاستقلال والإتحاد الاشتراكي المعارضين في المغرب، إلى ما بعد منتصف الشهر القادم، يحيل على توقعات قد يفصح عنها خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس لدى افتتاحه السنة الاشتراعية الجديدة. كونه الأول لما بعد انتخابات البلديات والجهات التي ميّزها اختراق كبير لحزب «العدالة والتنمية» الذي يتزعمه رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران، مقابل تقهقر الحزبين المعارضين، واستثناء «الأصالة والمعاصرة» الذي يبدو أنه وجد كي «ينتصر».

الأحد، 20 سبتمبر 2015

◘ هل ينقذ الفلسطينيون الربيع العربي؟

أميل إلى التوصيف أن الهزيمة الفلسطينية هي سبب أساسي في تراجع الحالة الثورية العربية، وأميل إلى التوصيف أن الأرض الفلسطينية وعلاقتها بالصراع المباشر مع إسرائيل، هي قادرة على إعادة دفع الربيع العربي باتجاهه الصحيح، وقد يُرى في الكلام مجرد تحميل الفلسطينيين ما لا يحتملون، ولكنه هو هذا الواقع، فالرابط بين الفلسطينيين والشارع العربي، هو استمرار تلك الحالة الفاعلة في فلسطين، وهي

فـــلافـــل...

بالشارع الرئيسي لحينا الذي أسكنه بمدينة ليون, والذي أصبح من أهم الأحياء التجارية بالمنطقة الثامنة.. أغلق محل كان يتعاطى بيع نوع من السندويش والكعك الأمريكي.. بعد سنة من افتتاحه.. ولما رأيت أشغال إعادة افتتاح لتجارة أخرى.. وقرأت الدعاية لما سيئول إليه المكان.. وقرأت بالفرنسية وبخط عريض جدا كلمة FALAFEL فــلافــل... امتلأ قلبي غبطة.. ها هو أول محل شرقي بحينا

أحزابٌ سياسية أم شَرِكات ؟


في الآونةِ الأخيرة ، رأيتُ وسمعتُ العديد من مُواطني أقليم كردستان ، المُستائين من الوضع المُتردي ، يَصِفون الأحزاب السياسية الرئيسية ، من خلال شاشات التلفزيون ، بأنها [ شركات ] وليست أحزاب . 
رُبما قبلَ سنواتٍ ، لم يَكُن المواطنون ، يستخدمون هذه العبارات في توصيف الأحزاب الحاكمة ، خوفاً من بطشها ، أو كانوا مازالوا يأملونَ خيراً فيها .. لكن اليوم ، تغيرتْ الأحوال وتراكمتْ السلبيات وإشتدتْ الأزمات .. وبقِيَتْ الفئة الطُفيلية

الخميس، 17 سبتمبر 2015

◘ أوباما يودّع سورية... وبوتين يتلقفها

يجلس الرئيس الأميركي باراك اوباما على مقعده في القطار الذي يتهيأ لمغادرة محطة الشرق الأوسط خلال لحظات، وهو ينظر عبر زجاج النافذة إلى الرصيف حيث بدأ مودعوه في تناتش الحقائب التي لم يستطع أن يحملها معه، من دون أن ينتظروا انطلاق قطاره حتى. وعلى رغم أنه يهز رأسه أسفاً ويحرك يديه مستنكراً، إلا أن هؤلاء يعرفون أن أبواب القطار أقفلت ولم يعد ممكناً نزوله منه، ولا بد من انتزاع حصصهم من التركة.

«موت فيله» لبيار لوتي: بكاء محزن على الأطلال

في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1908، بعث الكاتب الفرنسي بيار لوتي الى صديقته المناضلة الاشتراكية والمهتمة في فرنسا وأوروبا بالقضية المصرية، رسالة جاء فيها: «لقد أنجزت لتوّي كتابي الذي كنت اشتغل عليه عن مصر. وكنت خلال الصيف المنصرم كتبت إهداء طويلاً الى صديقنا المسكين مصطفى، أتحدث فيه عن نزهاتنا في القاهرة، وما شابه ذلك. اليوم أتساءل عما إذا كانت الكلمات القليلة التي أرفقها إليك هنا، مكتفياً بها الآن

الاثنين، 14 سبتمبر 2015

◘الجماعات الاسلامية في كوردستان حائرة بين الحس القومي و الفلسفة الدينية



من يتابع الواقع الاجتماعي و الثقافي في كوردستان، و يريد ان يقرا جانبا مهما من مسيرة جهات معينة في هذا العصر، لابد ان يركز على فحوى الادعائات الحقيقية لهم من حيث المنهج و الفكر و الفلسفة . و ان نختصر الحال من قرائتنا لجانب منه من منظور باحث هاوي محاولا التجرد من اية خلفية او فكر او فلسفة، فاننا نجد ان الجماعات

تونس: سحر الشموع و رياح الردّة

تشهد الساحة السياسيّة في تونس هذه الفترة عدّة تحرّكات اجتماعية وسياسية ونقابية بما يُـنبِئ بخريف أشدّ حرارة من الفصل الذي سبقه. ومن أهمّ أسباب هذا الغليان السياسي قانون المُصالحة الاقتصادية الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي وهو قانون على وشك المرور إلى المجلس النيابي قصد مناقشته والتصويت ضده أو لفائدته، مناقشة نتمنى أن تختلف عن مناقشات العهد السابق عندما كان الهدف من

لِمَ تَوَجّب قتل أييندي - غابرييل غارسيا ماركيز


فريق «ما العمل؟» 
مرّ إثنان وأربعون عامًا منذ مات الرئيس التشيليّ سالفادور أييندي في قصر الرئاسة «لا مونيدا» في مدينة سانتياغو، محاولًا الدفاع عن نفسه باستخدام «كلاشينكوف» أهداه له فيديل كاسترو. هنا في هذه المقالة التي نُشرت في «ذا نيو ستيتسمان» شهر مارس 1974، يستطلع الروائي – الحائز على جائزة نوبل – غابرييل غارسيا ماركيز سجلَّ أييندي في تشيلي، وعلاقاتِ منافسيه مع الولايات المتّحدة وصعود خَلَفِه: الجنرال أوغوستو بينوتشيه.
Allendeأييندي محروسًا بعدد من الجنود أثناء مغادرته قصر لا مونيدا أثناء الانقلاب.

السبت، 12 سبتمبر 2015

باسم الدين سرقونا الحرامية، ابرز شعارات العراقيين المتظاهرين وطموحاتهم في التغير

"باسم الدين سرقونا الحرامية" و"كلهم حرامية" و" يا مواطن يا مسكين ضحكوا عليك باسم الدين" و" تكول اصلي ..تكول اصوم ..تكول ما عوفن قيامي.. بس سؤال بروح ابوك..ليش تزعل من يسبون الحرامي..؟ نسخه الى الأحزاب الإسلامية" و" من سياستكم الطائفية.. فقدت حبيبتي .. ذنبنا انا شيعي وهي سنيه " و" لا سكوت بعد اليوم " و " اسم العراق القديم ما بين نهرين.. واسم العراق اليوم ما بين الخونه والمفسدين" و" اوقفوا

الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

◘ اليمين المتطرّف وظاهرة -راجح-


يعيش اليمين المتطرّف في إسرائيل في دوّامة الخوف، وكأنّه يعيش مسرحيّة "بيّاع الخواتم" للأخوَين رحباني على الدوام. يخترع المثيرات المنتِجة للخوف؛ كي يصبح اليهوديّ مواطنًا مفزوعًا ومرعوبًا ومشمئزّا ... والعربيّ رعيّة مشكوكًا فيها، وشخصيّة حذرة ومتردّدة تبحث عن والٍ ليرعى مصالحها وأمورها ... وتدفع حكومة اليمين إلى استثارة سلوك الهجوم في المواطن اليهوديّ وإلى استثارة سلوك الهروب والهجرة و... في "الرعيّة" العربيّ.
في مسرحيّة "بيّاع الخواتم"، يخترع مختار الضيعة شخصيّة "راجح" المعادي للضيعة ليؤثّر فيهم وليظهر جلَده؛ فيصارع المختار راجح ليدافع عن أهل الضيعة ويمنع الأذى عنهم، وينتهي الصراع دائما بانتصار المختار ... استغلّ يافعان منحرفا السلوك وعنيفان قصّة راجح، ونفذّا مآربهما الإجراميّة في الضيعة ونسباها إلى راجح ... 
يتّبع اليمين سياسة وسلوكيّات التخويف إعلاميّا، بأساليب الحكم العسكريّ وأجهزة المخابرات الأمنيّة... نتيجة للانحراف النفسيّ والعشوائيّة في إدارة شؤون الدولة، ويبرّر سياسته بهمجيّة وعدوانيّة الشعوب المجاورة ... على أمل كسب تأييد المواطنين (اليهود)، وأن يحذر/يخاف "الرعايا" (العرب) من اعتراض سياسة الوالي وبطش السلطان، ويخضعوا بالتالي للسيادة، ويشاركوا في اللعبة الديمقراطيّة كمقموعين ومستغَلّين.
فلليمين الإسرائيليّ شخصيّات عديدة كراجح ... الفلسطينيّ المدافع والمقاوم راجح، والإيرانيّ الذي يبحث عن الطاقة النوويّة راجح، والمصريّ الذي يبحث عن الغاز راجح، والروسيّ الذي يدعم السوريّ في حربه على الإرهاب راجح، ومردخاي فعنونو راجح و....
تعكس ظاهرة "راجح" في إسرائيل تدهور إدارة/قيادة الدولة السياسيّة؛ التي ترفض سياسة التنافس الحضاريّ العقلانيّ الشريف، وتتمسّك بحالة الصراع السياسيّ المثيرة للمشاعر، لذا عليها أن تختلق المثيرات العاطفيّة للخوف دائما؛ كي تبقي الناس تعيش مرحلة الردّ العاطفيّ (الردّ العاطفيّ في السياسة الرسميّة مشروع إلى حدّ ما)؛ ولتمنعهم من الانتقال إلى مرحلة الردّ العقلانيّ/المنطقيّ. فنراها توجّه السلوك الجماعيّ نحو الخوف، لتوهم طرفًا واحدًا بانتصارها على العدوّ، ولتجيّش وتحشد و"تحمّي" طرفًا ثانيًا، ولتبتزّ طرفًا ثالثًا و... ولتظهر إسرائيل بصورة دولة مسكينة مثيرة للشفقة والإحسان وبريئة من كلّ ذنب، و"فرفور ذنبه مغفور"... فهي تكرّس الاحتلال دفاعًا، وتصادر الأرض حمايةً، وتعتقل وتضطهد وتقمع وتذلّ ذودًا عن الديمقراطيّة، وتقصف المواقع العسكريّة السوريّة لتدفع بالحلّ السياسيّ، وتعالج الجرحى مِن الإرهابيّين والوحوش الآدميّة الذين يحاربون في سوريّة لتحمي الدروز والمسيحيّن هناك!
لا يمكن تغيير الحالة النفسيّة المرضيّة للقيادة اليمينيّة الإسرائيليّة، لا يمكن للقيادة اليمينيّة أن ترفع من المستوى المعنويّ والروحيّ لمواطني دولة إسرائيل (من اليهود والعرب) مهما ملكت مِن حقول غاز، ومهما أظهرت قيادات "المعسكر الصهيونيّ" وبعض القيادات العربيّة من حسن سلوك وخضوع، لذلك يجب إسقاط هذه القيادة اليمينيّة، والعمل على إيجاد بديل لها في السلطة.
في الأونة الأخيرة، أخذنا نسمع أصواتًا ونقرأ أفكارًا يهوديّة عقلانيّة (لا بأس بعددها وتأثيرها) تنادي بالتسامح وتنبذ سياسة التهديد والتخويف، وتؤيّد العدل الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسلام والديمقراطيّة. 
لذا، أرى من واجب قيادتَي "القائمة العربيّة المشتركة" و"ميرتس" أن تعملا معًا على تأطير قوى مجتمعيّة بديلة تنهض بالمجتمع المدنيّ من الحضيض السياسيّ الذي وصله ويعيشه اليوم، قوى إنسانيّة قادرة على تقبّل الآخر والتعايش معه بدون شروط مسبقة، قوى تقدّر أهميّة إنهاء الاحتلال والاعتراف بحقّ تقرير المصير للشعب الفلسطينيّ، قوى قادرة أن تجعل الوضع السياسيّ مستقرّا وواضح المعالم تسوده الثقة ولغة التسامح والإصغاء والحوار والتعاون وبدون اختراع "راجح" المخيف.
* راضي كريني

جدلية أفول الأسلمة وبزوغ الوطنياتية في العراق

ماذا حققت الحركة الاحتجاجية السلمية حتى الآن؟ 

وما مساراتها القادمة المحتملة؟
ما يحدث في بغداد ووسط البلاد وجنوبها منذ منتصف شهر تموز 2015 وحتى اليوم من انضباط سلوكي وجمالية تعبيرية أبداها العراقيون في احتجاجاتهم السلمية ضد فساد السلطة

الاثنين، 7 سبتمبر 2015

◘ الحرس الحديدي، نازيون يحكمون مصر...


(1)
وفقاً لحكايات إعلام الدولة الرسمي فهو من مواليد حي "منيل الروضة" بالقاهرة عام 1922 وإنه بمجرد حصوله على شهادة الثقافة العامة باجتيازه للصف الرابع الإعدادي دفعه حبه للوطن إلى الالتحاق بالكلية الحربية, التي تخرج منها ليبدأ مشواره العسكري أثناء اشتعال الحرب العالمية الثانية (1939- 1944) بين معسكرين من الدول الكبرى, هما معسكر المحور بقيادة ألمانيا وإيطاليا واليابان ومعسكر الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة

◘ إبداعٌ في التحايُل


منذ بدأ الأزمة المالية في أقليم كردستان وإعلان خلو المصارف الحكومية من السيولة ، قبل أكثر من سنة ونصف .. ظهرتْ تجارة عجيبة وغريبة .. وهي تجارة ( الشيكات او الصكوك المصرفية ) . حيث ان الدوائر الحكومية ، قامتْ بتقديم شيكات بمبالِغ للمُقاولين والتجار ، مُقابِل الأعمال المُنفَذَة والسلَع المُجّهَزَة ، وأخبَرَتْهم بأنهُ لاتوجد سيولة نقدية في البنوك .. وعليهم الصبر والإنتظار ، بضعة أسابيع لحين حَل الأزمة .

لماذا يكرهون هذا الرجل؟


وقف رجلٌ ذاتَ نهار يحملُ في يده مصباحًا، لكي يُنير الطريقَ لمَن ضلّوا، وفي اليد الأخرى يحملُ مرآةً هائلة. راح يُوجّه صفحةَ المرآة العاكسة صوب وجوه الأدعياء المُضلّين الذين يخدعون الناسَ. كان يعرف أن المرآة سوف تعكس قبحَ أرواحهم، فإن شاهدوا دمامتَهم، انفجروا، أو اِرعووا عن غِيّهم. هذا الرجل موجودٌ في كل عصرٍ،

لبنان على موقد. .. الشرق الأوسط الجديد...إإإإ


لقد تأخر لبنان كثيرا عن الركب وها هو يلتحق أخيرا بسوريا والعراق وليبيا وتونس ومصر واليمن فبدونه لا يكتمل الحريق العربي. فماذا يريدون من دولة لا تعرف كيف تتعامل مع نفاياتها ، دولة لا تستطيع انتخاب رئيسها وهي منذ شهور بدون رئيس دولة مالم يوافق السعوديون والفرنسيون والأمريكيون على ترشيح ذلك الرئيس الذي يصغي جيدا ويلتزم بما يوجه له. الاحتجاجات التي انطلقت منذ أسابيع بنيات سليمة من أجل تحسين الخدمات البلدية والقضاء على الفساد ، تعمل قوى خارجية

الخميس، 3 سبتمبر 2015

◘ العريف بنيامين


* ليلة أمس الأثنين 31/8/2015 ، تعاركتْ عائلتان ، إثرَ خِلافٍ على أراضٍ ومصالح مالية ، في منطقة كويسنجق ، وسقطَ أربعة قتلى من الجانبَين وعددٍ من الجرحى . علماً ان العائلتَين أولاد عمومة وأخوال بعض . العائلة المُهاجمة أولاً ، قتلتْ إثنَين من الطرف الآخَر ، وجُرِح منها إثنَين ... عائلة القتيلَين ، نصبَتْ كميناً في الطريق العام ، لأنها توقعتْ بأن

العالم العربي نموذجاً: الدولة حين تأكل المجتمع

فرقٌ شاسع بين سلطة سياسية تعمل على توظيف آليات اشتغالها ومؤسساتها وموارد الدخل والثروة الوطنية لتمكين بنية الدولة وتأمين تطورها الارتقائي، وبين سلطة تفترس الدولة والمجتمع وتحوّلهما إلى أدوات لتمكين سطوتها القهرية. وتتموضع بين النمطين أشكال من الدول المتعددة. ففي نموذجنا العربي، تتموضع أجهزة الدولة ومؤسساتها في

قنديل امّ هاشم

«قنديل أمّ هاشم»، ليحيى حقي معْلمٌ بارز في الأدب العربي. قصّةٌ آسرة. من آيات سحرها أنها تُرْجمت إلى لغاتٍ مختلفة.
غرابتها أنها تتجدّد مع كلّ قراءة. كأنّها كُتِبت البارحة. 
القصّة العربية الحديثة تجاوزتها فنّياً، مع ذلك ما تزال تتجدّد بعنفوان. بالإضافة إلى ذلك ثمّة ثغرات بنائية، لا يمكن إساغتها في أية قصّة أخرى، إلاّ أنّها من عناصر قوّتها.
تبدأ القصّة أوّلا بزيارة القرية إلى المدينة. يظهر تباينهما على أشُدّه، بممارسة طقس ديني تؤدّيه القرية، وتتعالى عليه المدينة.
القرية تتمثّل بالشيخ رجب عبد الله يومَ كان صبيّاً. يزور مع رجال الأسرة، ونسائها مسجد السيدة زينب، و«يهوي على عتبته الرخاميّة بالقبلات»، مما يثير حفيظة رجال الدين، فيستعيذون «بالله من البدَع والشرك»، أما أغلبية الشعب فتبتسم لسذاجة هؤلاء القرويين».
بهذه المقدّمة التي تبدو عادية، صوّر يحيى حقي بفطنة، شرخاً حضاريّاً بين بيئتين بشريّتين، رغم أنهما يشتركان في بلدٍ جغرافي واحد. هل سيتوسّع هذا الشرخ؟ هل سيلتئم؟
بهذه الحيلة الفنّية أثارالمؤلّف فضول القارئ، وتحرّقّه.
نظراً لهذه النزعة الدينية، فإن الشيخ رجب عبد الله، حين هاجر إلى المدينة (القاهرة) طلباً للرزق، فإنّه اختار سَكَنَهُ بالقرب من المسجد. وحين نجح في متجره عزا ذلك إلى السيّدة زينب.
دخل إسماعيل المدارس الأميرية. ولأنّ تربيته دينية، وينحدر من أصلٍ قروي، فقد تفوّق على أقرانه أولاد «الأفندية» «المبتلين بالعجمة وعجز البيان». أمّا البيت فإنّه إنْ جلس للمذاكرة يرين فيه خشوع كامل. «حتى فاطمة النبويّة ـ بنت عمّه، اليتيمة أباً وأمّاً ـ تعلّمت كيف تكفّ عن ثرثرتها وتسكن أمامه في جلستها صامتة كأنها أمَةٌ وهو سيّدها. تعوّدت أن تسهر معه كأنّ الدرسَ درسُها، تتطلّع إليه بعيْنيْها المريضتيْن المحمرّتيْ الأجفان...».
بذر يحيى حقّي حتى هذا الحدّ بذرتيْن مهمّتين، وكأنّهما سقطتا من بين أصابعه عفواً. الأولى بذرة التباين والاختلاف بين القرية والمدينة، والثانية: فاطمة النبوية، وقد منحها المؤلف صفاتٍ تقرّبها إلى النفس. هي أوّلاً بنت عمّه. يتيمة الأب والأم. تسهر معه. عيناها محمرّتا الأجفان. ما الذي ستكون عليه هذه العلاقة البريئة الحميمة؟ وهل سيكون جفناها المريضتان إحدى حبكات القصّة؟
أكبر الظنّ انّ الكتّاب الموهوبين يجعلون الحوادث والأفكار كالبذور، تسقط من بين أصابعهم عفواً. ثمّ بعد سنوات تواجهها وقد أصبحت أشجاراً ملتفّة.
هكذا نشأ «إسماعيل في حراسة الله ثمّ أمّ هاشم (السيّدة زينب)».
كان إسماعيل يقطع المسافة المحدودة بين الحيّ والميدان بسرعة، ولكنّها تطول إذا سار إلى جانب النهر أو إذا وقف على الجسر. وبعد انفضاض الغرباء والزوار لا يُسمع في هذه الحارّة، سوى «تنفّس خفيّ عميق، يجوب الميدان، لعلّه سيدي العتريس: بوّاب الستّ زينب».
حينما تلتفت إلى مصدر ذلك الشهيق والزفيرومصدره سيدي العتريس، ترى قبّة. هي: «لألاء من نور يطوف بها. يضعف ويقوى كومضات مصباح يلاعبه الهواء. هذا هو قنديل أمّ هاشم المعلّق فوق المقام».
بعد كلّ تلك الآحتفالية النهارية، والأجواء القدسيّة التي ترين على الحيّ والبيت، يظهر قنديل أمّ هاشم وكأنّه روح حانية مشعّة، بعد أن يخلو الحيّ من الغرباء والزوّار. لا يخلو تماماً، إذ سرعان ما يمتلئ ببشر جعلتهم الفاقة أشباحاً صفراً.
من هذا الجوّ المشبع بالذبول والإنهاك والصمت تصعد أصوات الباعة. وعلى الرغم مما في هذه الحومة من روح قدسية، إلاّ أنها لا تخلو من «أن يكون الكيل مدلّساً والميزان مغشوشاً. كلّه بالبركة». ثُمّ بعد ذلك يشتدّ نداء الشحّاذين. «شابّة تنبت فجأة وسط الحارة عاريةً أو شبه عارية: ـ يا للي تكسي الولية يا مسلم، ربّنا ما يفضح لك ولية». «وهذا بائع الدقّة الأعمى الذي لا يبيعك إلاّ إذا بدأته بالسلام وأقرأك وراءه الصيغة الشرعية للبيع والشراء». ثمّ تأتي بعد ذلك أصوات السكارى وهم يتعرّضون للمارّة بتعليقات لا تخلو من ظرف.
تعوّد إسماعيل على هذه المشاهد فلم تعُدْ تثير آهتمامه.
في المرحلة الثانية، نتعرّف على اسماعيل مراهقاً، بعد أن تعرّفنا على أهمّ الترسّبات الدينية والثقافية في خلفيته الأولى. يمكن القول إنّ المرحلة الأولى تمثّل الإعداد الذهني والنفسي كمنهج لحياته في المستقبل. أمّا المرحلة الثانية فتمثّل الجسد في أعلى درجات غليانه، لا سيّما إذا كان تفجّره الطبيعي محرّماً. يقول راوية القصّة: «هو فريسة ممزّقة