بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 27 سبتمبر 2013

البطريرك وشاشته حسام عيتاني


بعد عامين ونصف العام من حرب النظام على المجتمع والشعب السوريين، يحق للقارئ والمشاهد التساؤل عن معنى ما أدلى به السيد محمد حسنين هيكل من أقوال في الشأن السوري وفي غيره من شؤون.
لا تنطوي على أي جدوى مناقشة ما قاله الرجل أو التدقيق فيه وتفحصه. فقد أطلق كلاماً مرسلاً بلا سند ولا مرجع غير شخصه الكريم. وعلى المتلقي التسليم بما يسمع ويقرأ لصدوره عن «الأستاذ»، وهو من مؤسسي مدرسة «الإطلالات» التي يظهر نجومها على العامة من أمثالنا يبلغوننا ما نستطيع الإلمام به بمداركنا المحدودة وأذهاننا البليدة ويلمحون إلى أن لديهم ما لا يستطيعون إبلاغنا به حرصاً على راحة بالنا.
وهذا دأب سياسيين ورجال دين و»مقاومين» يطلّون على جموع مُسلّمة مسبقاً بصواب ما ستسمع. كانت المنابر والشرفات العالية وسائل فصل بين الزعيم المعصوم وجموع المريدين السعيدة. وحلّت اليوم الشاشات العملاقة و»الضرورات الأمنية» والرسائل الصوتية حواجز مادية ونفسية بين الحقيقة التي يمتلكها المتكلم في عزلته وبين جمهور القاعات والبيوت المطيع.
وهيكل ليس وحيداً في هذا السلوك. بل يمكن القول بثقة انه ينقل إلى الفضاء العام شكلاً من الممارسة الاجتماعية الراسخة في بلادنا. كان لا بد للمؤسسة البطريركية السائدة في البيت والمدرسة والجامعة ومؤسسات الدولة والناظمة لأسس التعامل بين الأفراد والجماعات، أن تنقل خطابها بكل ما فيه إلى حقول الإعلام والثقافة.
ومثلما يتعين على الإنسان العربي أن يطيع كل من ينجح في القفز إلى القصر الرئاسي في غفلة من الزمن والتعامل معه على أنه «كبير العائلة»، وفق العبارة التي نحتها الرئيس أنور السادات، عليه وبالمقدار ذاته الموافقة الكاملة على كلام رجل يبلغ من العمر تسعين عاماً لأنه غطى معركة العلمين في الحرب العالمية الثانية وكان مستشاراً لقائد وزعيم خالد آخر (بكلمة ثانية: بطريرك آخر) هو جمال عبد الناصر.
لا يقصد ما سبق تعميم السلوك السوقي أو الابتذال حيال كبار السن من الأفراد العاديين أو السياسيين والمثقفين، بل يرمي إلى التصويب على ظاهرة تفتك بمجتمعاتنا منذ قرون. وها نحن نشاهد عملية ترميم للقيم البطريركية التي هزّتها الثورات العربية. وتسليط الضوء على هيكل يترافق مع ارتقاء سيد جديد مدارج الحكم في مصر هو عبد الفتاح السيسي وفق ذات آليات التصنيم والتقديس والنأي عن المحاسبة الديموقراطية. تقف هذه العملية على نقيض كل ما دعا إليه شباب ميدان التحرير وإن كانت تقدم نفسها كتلبية لرغباتهم في التخلص من حكم مبارك الفاسد ومرسي الإقصائي. بل إن المفارقة تكمن في أن الإمعان في التسليم لقادة السياسة والثقافة انتج وسائل إعلام متخصصة في نشر التجهيل خدمة «للقادة» والأساتذة وأتباعهم.
مثل هذا الكلام يصح على أسماء مكرسة في عوالم المعرفة والثقافة، تثقل أكتافها ورفوف مكتباتها ألقاب وجوائز من مؤسسات كريمة في مشارق الأرض ومغاربها. ومكانتها المكتسبة تضعها خارج نطاق المساءلة المعرفية، حتى لو كانت «هنّاتها الهيّنات» تلامس بل تعانق استغباء القارئ العربي أو الترويج لمفاهيم ما انزل الله بها من سلطان.

التساؤل مبرر، في السياق هذا، عن غياب الدراسة النقدية الجدية لأعمال أثارت لغطاً كبيراً في العالم العربي. المفاهيم التي زرعها كتّاب مثل محمد عابد الجابري وعبدالله العروي وإدوارد سعيد ومحمد أركون وغيرهم كثر، باتت في حاجة إلى ما لا يقل عن قراءة نقدية بعين جديدة، تعيد وضعها في سياقات خارج الصنمية وتجعلها جزءاً من ثقافة (وسياسة) حية ومعاصرة
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق