بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 27 يوليو 2014

مزايدات «الأغيار» في التفجع على إسرائيل مالك التريكي

كتب نائب مجلس العموم البريطاني عن حزب الديمقراطيين الليبراليين ديفيد وورد تغريدة تويترية تقول: «هو ذا السؤال الهام: «لو كنت أعيش في غزة هل كنت سأطلق الصواريخ؟ أرجّح ذلك. ثم أضاف بالألمانية، في استعادة لقولة الرئيس كندي الشهيرة: أنا برليني، «أنا فلسطيني – على الغرب أن يحدد موقفه – مع أي جانب هو؟»
قلائل هم الساسة الغربيون الذين يجرؤون على قول مثل هذا. ذلك أن الإجماع منعقد منذ الأزل حول قدسية أمن دولة إسرائيل، و»حقها المشروع في الدفاع عن النفس». ويبدو، والله أعلم، أن «النفس» المقصودة هي تلك الدولة الفاضلة التي تحب الخير لجميع البشر – الدولة العقلانية التي لا تبدأ بالعدوان أبدا (إذ ليس لديها جيش بل «قوات دفاع» اسمها براء من شبهة الإيديولوجيا) وإنما هي تردّ، مضطرة، مجرد رد لاحق في الزمان على ما بدر وسبق من عدوان الأشرار الذين لا يعيرون قيمة للحياة البشرية لأنهم واقعون، لأسباب مجهولة، في براثن «ثقافة الموت». أما إذا حدث أن تجاسر أحدهم على الخروج على هذا الإجماع الأزلي، فإنه سرعان ما يبادر على الفور إما لاتهام الإعلام بتحريف أقواله و»إخراجها عن سياقها» أو إلى الاعتذار الواضح الصريح المقترن بإعادة التأكيد، بطبيعة الحال، على حق إسرائيل في الأمن الذي يتفرع عنه «حقها المشروع في الدفاع عن النفس».
على أن الأمور لم تسر هذه المرة حسب السيناريو المعهود. ذلك أن ديفيد وورد لم يبادر إلى الاعتذار. بل إنه تمسك بموقفه قائلا إن تصريحه يتعلق «بفهم أسباب إطلاق الصواريخ. لست أؤيد ذلك. بل إني نددت به أمس في مجلس العموم. كل ما قلته هو أني أتفهم كيف يصل اليأس بالناس إلى حد القيام بهذه الأعمال».
ومع ذلك فإن إرغامات الواقع السياسي والحزبي الضاغط سرعان ما أدركت النائب البرلماني، فإذا بالحزب الديمقراطي الليبرالي يصدر بعد سويعات فقط بيانا مطولا على لسان السيد وورد نفسه يقول فيه: «إني أشجب العنف على كلا الجانبين في إسرائيل وغزة. إني أشجب أعمال حماس، ولم يكن في تصريحاتي تأييد لإطلاق الصواريخ على إسرائيل. وإذا كانت التصريحات قد أحدثت انطباعا معاكسا، فإني أعتذر».
صحيح أن الاعتذار قد تم، ولكن ليس حسب السيناريو المعروف: سيناريو التوبة النصوح. ذلك أن السيد وورد قد أبان عما لا يمكن أن يعدّ إلا شجاعة نادرة في هذه البلاد عندما أضاف في البيان: «ولكن مع دفاعي عن حق إسرائيل في الوجود والدفاع عن النفس، فإني سأمضي في المجاهرة بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني الذي يكابد عذابات تتجاوز القدرة على الوصف. ينبغي على المجتمع الدولي أن يبذل المزيد لإنهاء هذه الأزمة الإنسانية ولحماية العائلات التي تعيش في غزة. إني أتفهم محنتهم وقنوطهم».
وبالطبع تسابق الساسة من جميع الأحزاب في انتقاد هذا المارق. أما حزب الديمقراطيين الليبراليين فقد ندد بتصريحات نائبه وتبرأ منها، وأعلن أنه يأخذ هذه المسألة، التي تقع تحت طائلة الإجراءات التأديبية، مأخذ الجد البالغ. فما الذي يعنيه كل هذا الحماس في التنديد والتأديب؟ إن ما يعنيه هو أنه لو كان السياسي الإسرائيلي إيهود باراك في لندن لعاب عليه «الأغيار» من الساسة البريطانيين نقصا فادحا في التفجع على إسرائيل، ولرموه باللاسامية وبالتحريض على الإرهاب! ولكن لا بد للساسة هنا، قبل ذلك، أن يصيروا أقل رعبا وارتعادا من اللوبي الصهيوني المتظلّم دوما الشكّاء البكّاء أبدا، حتى تسعفهم الذاكرة بأن إيهود باراك ذاته قد صرح في لحظة صدق نادرة، أثناء حوار مع الصحافي جدعون ليفي في آذار/مارس 1998، «لو كنت فلسطينيا في العمر المطلوب لانضممت في مرحلة ما إلى إحدى المنظمات الإرهابية».
وكان وورد قد تعرض قبل عام بالضبط للمعاقبة، حيث علقت عضويته في الحزب، عندما رفض الاعتذار عن تغريدة تساءل فيها عن مدى قابلية دولة إسرائيل للاستمرار: «هل أنا مخطىء أم محقّ؟
بعد طول زمن بدأ الصهانية يخسرون المعركة. حتى متى سوف تقدر دولة الأبارتهايد الإسرائيلية على البقاء؟». وليست هذه المرة الأولى التي ينشق فيها برلماني من الديمقراطيين الليبراليين على ثقافة الإجماع القامع.
إذ سبق لعضو مجلس اللوردات عن هذا الحزب الليدي تونغ أن رفضت عام 2012 الاعتذار عن قولها: «إن إسرائيل ليست باقية إلى الأبد على وجهها الحالي. سوف يأتي يوم تضيق فيه أمريكا ذرعا بالاستمرار في منح إسرائيل سبعين مليار دولار سنويا لدعم ما أسميه حاملة طائرات أمريكا في الشرق الأوسط – تلك هي ‪حقيقة‪ إسرائيل».

٭ كاتب من تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق