بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 24 فبراير 2016

العروبة بين الحاضر والخيال السياسي

لقد تغير معنى العروبة وأخذ أكثر من بعد منذ اكتشاف العرب أهمية الوطنية العربية في واقعهم خصوصاً بعد سقوط الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى. فبينما تمثل تركيا الحديثة دولة موحدة للأتراك وغيرها من القوميات، تمثل ايران دولة للإيرانيين من فرس وغيرهم، إلا ان العرب لم يستطيعوا حتى اليوم تشكيل أمة وتحقيق وجود لهم كما

«بندول فوكو» لأمبرتو إيكو: حين يتسلى الفيلسوف بـ «المؤامرة الكونية»

اذا كان المترجم العراقي صلاح نيازي احتاج الى مئات الهوامش والملاحظات، على غرار ما فعل غيره من مترجمي «أوليس» جيمس جويس الى لغات العالم، كي يوصل هذه الرواية الإنكليزية الفريدة في نوعها وفي لغتها - وبخاصة في لغتها - مفهومةً الى القارئ العربي، لا شك في ان من يحاول ترجمة رواية «بندول فوكو» الإيطالية الى العربية، سيحتاج الى أضعاف ذلك من الهوامش والملاحظات، كي يُفهم القارئ العربي كل ما تتحدث عنه هذه الرواية إذ يقرأها في نحو السبعمئة صفحة ونيّف التي تتألف منها واحدة من أصعب وأعقد الروايات في الأدب الإيطالي الحديث. ومع هذا اذا كان ثمة ما يمكننا ان نبدأ به الحديث عن «بندول فوكو»، التي كان ترتيبها من ناحية تاريخ صدورها ثانية بين روايات الفيلسوف والمفكر الإيطالي امبرتو إيكو الراحل قبل ايام عن قرابة الـ84 سنة، وهو بعد في عز عطائه ونشاطه الفكري، فهو القول إن إيكو انما انطلق في كتابتها مما يشبه المزحة. فهذه الرواية التي سيكون من المستحيل محاولة تلخيصها، انبنت على أساس لعبة حاول القيام بها ثلاثة من محرري الكتب يعملون في دار صغيرة للنشر في ميلانو، ليجدوها لاحقاً لعبة تنقلب عليهم. والحال اننا قبل الحديث عن الرواية، نجدنا ميالين هنا الى توضيح السبب الذي جعلنا قبل سطور نعرّف امبرتو إيكو بـ «فيلسوف ومفكر» وليس بـ «روائي» على رغم ان شهرته العامة والعالمية انبنت على رواياته، ولا سيما منها «اسم الوردة» و «مقبرة براغ» أكثر كثيراً مما انبنت على كتبه الفكرية والفلسفية واللسانية والنقدية، مع ان هنا يكمن جهده ومكانه الحقيقي.
> فبالنسبة الى إيكو لم يكن خوضه الكتابة الروائية منذ البداية سوى نوع من تزجية الوقت، نوع من المزاح. بل لنقل ان معظم ما كتبه في هذا السياق يبدو أقرب الى الفكر منه الى العمل الروائي. هو استخدم السرد الروائي، غالباً، لإيصال أفكار، او لدحض افكار، وليس للتوغل في حيوات شخصيات او تصوير علاقات. بدا غالباً وكأنه يحوّل التاريخ – نوعاً خاصاً من التاريخ – الى سرد روائي وليس العكس. كان ذلك دأبه منذ «اسم الوردة» – التي زاد تحويلها فيلماً من شعبيتها، وأنقص من قيمتها الفكرية -. فهو في هذه الرواية انما أراد ان يقدم اطروحة ضد الجمود الفكري وضد غلبة التزمت الديني على متعة الفكر والحياة. وهو لئن موضع روايته الأولى تلك في العصور الوسطى وفي دير يحرّم رؤساؤه قراءة ما كتبه ارسطو عن الشعر ووصل الى هناك من طريق ابن رشد وغيره من المفكرين والمترجمين العرب، كان من الواضح ان قراءه ادركوا – وقراؤه دائماً من الصنف الذكي – ان مرافعته في الرواية معاصرة وحديثة، وان حبكتها البوليسية تنتمي الى ايامنا وليس الى العصور الوسطى. وواضح ان النجاح الساحق وغير المتوقع لـ «اسم الوردة» راق لإيكو، فأعاد الكرة مرات ومرات. لكنه كان في كل مرة ينكب على الفكرة نفسها انما منوعاً – بلجوئه الدائم الى تاريخ ما – على فكرة «المؤامرة»، ليس لتعزيزها أو رفضها، وإنما لاستخدامها تكئة لموضوعه. وربما يصح القول هنا، ان هذه الفكرة، قبل ان يوصلها إيكو الى ذروة حداثتها، وسخافتها على أية حال، مع روايته قبل الأخيرة «مقبرة براغ»، جعلها الموضوع الأساس للرواية التي نحن في صددها هنا «بندول فوكو».
> ولكن لماذا نتوقف هنا، لمناسبة رحيل إيكو عند «بندول فوكو» من دون غيرها، فربما لأنها الأقل انتشاراً لدى قارئنا العربي. بل لسنا ندري حتى ما اذا كانت ترجمت الى العربية، - في وقت ترجمت فيه أعمال أخرى لهذا الكاتب الذي كان فائق الخصوبة في كل انواع الكتابة التي مارسها، لكننا هنا نتحدث عن المجال الروائي دائماً -، مرات عديدة، أهمها، لغوياً وأناقة، تلك التي قام بها التونسي أحمد الصمعي، لـ «اسم الوردة» و «مقبرة براغ» و «جزيرة اليوم السابق». ومن هنا يبدو لنا التوقف عند «بندول فوكو» استكمالاً لما سبق ان عرفه القارئ العربي من روايات فوكو، ناهيك بما نعرفه من ولع للقارئ العربي، نخبوياً كان أو عامّياً، بفكرة المؤامرة. فهذه الرواية تغوص به حقاً في فكرة المؤامرة، وهي تعوّض عليه بعض الخيبة التي لا شك اعترته حين قرأ «مقبرة براغ» ليكتشف ان إيكو ينفي فيها فكرة صدور «بروتوكولات حكماء صهيون» عن اجتماع يهودي صهيوني حقيقي، الفكرة التي كثيراً ما حملها القارئ العربي وآمن بها بل جعلها احياناً منطلق عمله السياسيّ! غير ان هذا ليس موضوعنا هنا.
> موضوعنا هو تلك الحكاية المسهبة في طولها والمغرقة في غرابتها ولغتها – الى درجة ان الكاتب الانكليزي الراحل انطوني بارغس الذي كان من اول قراءها ونقادها، اقترح ان يرفُق بها قاموس للرموز والمصطلحات الكابالية وأفكار السحر والخيمياء وما الى ذلك، حيث، وكما أشرنا أول هذا الكلام، من دون مثل هذا القاموس لن يُفهم منها شيء، لا من قبل القارئ العادي ولا حتى من قبل القارئ النخبوي. ومع هذا، من دون قاموس قرئت الرواية وأُحبت، بل قُلّدت بشكل تبسيطي في أعمال حققت بدورها نجاحات شعبية كبيرة، وأبرزها «دافنشي كود» للأميركي دان براون.
> راوي «بندول فوكو» هو المدعو كازوبون، أحد المحررين الثلاثة الذين خطر في بالهم مرة بعدما قرأوا مخطوطة تتحدث عن مؤامرة كونية ونظريات المؤامرة، ان في إمكانهم معاً ان يكتبوا ما هو أفضل منها، على سبيل المزاح. وهكذا راحوا يشتغلون على صياغة نصّهم الذي سمّوه «المخطط» والذي يدور من حول بندول حقيقي ضخم معروض بالفعل في متحف الفنون والمهن في باريس. وطبعاً، كما أشرنا، من المستحيل تلخيص الرواية. ولكن يمكن القول ان الصياغة التي اشتغل عليها الرفاق الثلاثة، ولا سيما منهم بلبو، الذي كانت تحركه في هذا الإتجاه، في شكل خاص ذكريات طفولته عن الحرب العالمية الثانية التي مزقت وطنه ايطاليا، اضافة الى حبه للورنزا، تماماً كما يحرك حب الحسناء الاخرى ليا، الراوي كازوبون. أما الموضوع الأساس فينطلق من الإخفاق الذي كان من نصيب المؤامرة التي حاكها فرسان المعبد للسيطرة على العالم، وصولاً الى نجاح المؤامرة في جعل العامة يؤمنون بوجودها. ثم علاقة كل هذا بـ «فلسفة الاعداد» الكابالية اليهودية، علماً أن الكتاب نفسه، إذ يبدأ بفقرة كتبت بالعبرية، ينقسم، بدلاً من الفصول، الى عشرة اقسام عُنونت تبعاً للاعداد الكابالية: كثير – هو هما – بينا – هيسيد – جيبورا – تيفيريت – تنساح – جمود – يسود ومالخوت (وهي المسماة سيفيروت بالعبرية). مهما يكن، ومهما بدا هذا كله جدياً في نهاية الأمر، فإن الرفاق الثلاثة كانوا يتوخون المزاح في البداية، غير ان تضافر الظروف والأحداث، وظهور «الشياطين» في الحقيقة لمغامرينا الثلاث، بعدما كانوا يسخرون أول الأمر من وجودهم، يحول المزحة الى مأساة، ولا سيما بعدما تحدث «الجريمة» الاولى. ولكن هل هي حقاً جريمة؟ لن نعرف إلا لاحقاً طالما ان امبرتو إيكو لا يقود خطانا عبر كتابه وعبر الأزمان والجمعيات والأسرار والاخفاقات ومآسي التاريخ واللغات والصراعات، إلا في شكل تدريجي. في شكل يجعلنا أمام صورة ما للتاريخ الخفي لأوروبا وربما للعالم. التاريخ الذي يبدو متجاوباً مع كل نظريات المؤامرة التي لم تكف عن ان تشغل عقول الناس منذ فرسان المعبد الى النازية والصهيونية والشيوعية مروراً بالماسونية وما إلى ذلك.
> أجل كل هذا هنا في هذا الكتاب المركب المعقد، والممتع في نهاية الأمر، لمن يتمكن من الدخول فيه وتتبع مغامرات أبطاله الثلاثة... المغامرات التي سيفيدنا الناشر في نهايتها، وفي صفحة مستقلة تلي الخاتمة انه بعد ليلة 23 حزيران (يوليو) 1984 التي جلس فيها راوي «بندول فوكو» يتأمل البندول في المتحف الباريسي – وفي موعد غير محدد اختفى البندول تماماً، في الوقت الذي انزاح فيه تمثال الحرية من مكانه»..
ابراهيم العريس-الخياة اللندنية

الأربعاء، 17 فبراير 2016

◘ حرب البصلة

في المنطقة التي جئت منها، منطقة عكّار في الشمال اللبنانيّ، تُروى قصّة لا تخلو من طرافة، لكنّها لا تخلو من معنى أيضاً. ذاك أنّه في أواخر الأربعينات أو أوائل الخمسينات، ظهرت بصلةٌ على الحدّ الفاصل بين منزلين.

الاثنين، 8 فبراير 2016

◘ «برلمان الحلاقات» يهدي بوتفليقة دستوره الثالث

منذ أمس الأول الأحد أصبح للجزائر دستور جديد معدّل، هو الثالث في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. تعوّدت الجزائر على أن لكل رئيس دستوره إلا بوتفليقة الذي يصر على الاختلاف والتفوق، فكان له ثلاثة دساتير: واحد وصل به إلى الحكم، وآخر (في 2008) استمر به في الحكم، وثالث لتحضير خروج آمن من الحكم له ولعائلته وحاشيته.

تونس: كاريكاتور السياسة والرواية

تبدو الأعوام الخمسة الأخيرة أطول بكثير من أي فترة أخرى في تاريخ دولة الاستقلال في تونس. أطول من السنوات الثلاث والعشرين السابقة، بل وأطول من السنوات الثلاثين الأسبق! فقد حدث الكثير وتراكمت طبقات من الوقائع والفواجع، بحيث أصبحت الأسابيع الأولى من عام 2011، وما اكتنفها من استبشار وابتهاج، مجرد ماض بعيد أو تاريخ غابر لم يعد في متناول الذاكرة.