بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 5 فبراير 2017

سقوط النموذج القومي التقليدي وصعود النموذج القومي المعلوماتي

يمكن القول إن من بين التحولات الكبرى في المجتمع العالمي سقوط النموذج التقليدي للأمن القومي الذي كان يقوم على حراسة حدود الدولة من أي عدوان والاعتماد على القوات المسلحة بفروعها التقليدية الثلاثة البرية والبحرية والجوية في الدفاع عن الوطن.
هذا التحول الخطير الذي يتمثل في الانتقال من النموذج التقليدي إلى النموذج الجديد للأمن القومي المعلوماتي يمكن رده ببساطة إلى فتوحات واكتشافات ثورة الاتصالات التي تتضمن أساساً البث الفضائي التلفزيوني وشبكة الإنترنت.
أصبحت لدى دول متعددة اليوم أقمار اصطناعية تستطيع التصوير الدقيق لكل الدفاعات العسكرية والمواقع الاستراتيجية في بلاد الأعداء المحتملين أو الخصوم السياسيين، وأصبحت هناك القدرة التكنولوجية التي تسمح للدول المتقدمة عسكرياً بشل أجهزة الرادار في الدول التي ستقوم بمهاجمتها في اللحظات الأولى من المعركة، وبذلك تفقد القيادة العسكرية وبالتالي القيادة السياسية السيطرة على القوات المسلحة ويصبح البلد محل العدوان معرضاً لهزيمة مروعة. وهذا ما حدث تماماً بالنسبة إلى الغزو الأميركي للعراق. فإذا أضفنا إلى ذلك التقدم الخطير في صناعة الصواريخ البعيدة المدى الذي يسمح بإطلاقها من مسافات بعيدة لتصيب المواقع العسكرية والمدنية في البلد الذي تتم مهاجمته أدركنا خطورة الانقلاب في مفاهيم الأمن القومي والحرب الحديثة. ولنلاحظ على سبيل المثال أن القوات الأميركية قصفت العراق بصواريخ «كروز» من بعد ثلاثة آلاف كيلومتر بدقة بالغة. ومعنى ذلك أن الدفاع الجوي التقليدي لم يعد صالحاً للتصدي لهذه الأسلحة الحديثة.
مع ذلك – ويا للمفارقة- فالدولة الأكثر علماً والأقدر تكنولوجياً في مجال الحرب الحديثة والمعلوماتية وهي الولايات المتحدة الأميركية والتي بشر مفكروها الاستراتيجيون منذ سنوات بقدوم عصر حرب الشبكات network والحروب الفضائية Cybe war تعرضت هي نفسها لأكبر هجوم إرهابي ضد دولة عظمى في التاريخ الحديث!
ونقصد بذلك بالطبع الهجمات الإرهابية في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 حين استطاعت - كما تقول الرواية الرسمية الأميركية- مجموعة صغيرة من الإرهابيين العرب اختطاف أربع طائرات مدنية وتحويل مساراتها وضرب رموز القوة الاقتصادية الأميركية (مركز التجارة العالمي) ورموز القوة العسكرية (مبنى البنتاغون) وكانت الخطة أيضاً ضرب مبنى الكونغرس ذاته أو في رواية أخرى اعتراض طائرة الرئيس الأميركي، إلا أن الطائرة تحطمت وسقطت.
وعلى رغم الألغاز التي تحيط بهذا الحادث الإرهابي التاريخي وتشكيك بعض الكتاب العرب وحتى الأميركيين في قدرة هذا العدد القليل من الإرهابيين على ارتكاب هذا الحادث المهول، إلا أن أهم عبرة تستخلص منه أنه أسقط إلى الأبد النموذج التقليدي للأمن القومي، وأبرز أهمية حرب الشبكات من ناحية والحروب الفضائية من ناحية أخرى.
ويمكن القول إن أبرز المنظرين الاستراتيجيين الأميركيين لنموذج الأمن القومي المعلوماتي هما جون أركويلا ودافيد رونفيلدت اللذان نشرا المرجع الأساسي في الموضوع بعنوان «في معسكر أثينا» وهو من منشورات مؤسسة «راند»، التي تمثل العقل الاستراتيجي الأميركي خير تمثيل.
ويقوم النموذج الجديد على جمع المعلومات وتحليلها وبناء على ذلك تصدر القرارات الاستراتيجية والتكتيكية على السواء. ومن هنا يمكن القول إن الثورة المعلوماتية ستؤثر في العقود المقبلة تأثيراً حاسماً على الطرق التي يمكن بها للمجتمعات أن تدخل في صراعات، وكيف ستخوض قواتها المسلحة الحرب.
والفرق الأساسي الذي يقوم عليه نموذج الأمن القومي المعلوماتي الجديد هو بين حرب الشبكات والحروب الفضائية.
ما هي حرب الشبكات؟
تشير حرب الشبكات إلى الصراعات التي تقودها المعلومات على مستوى كبير بين الأمم والمجتمعات. وهي تعني محاولة تخريب ما يعتقد سكان بلد ما أنهم يعرفونه عن أنفسهم وعن العالم. وقد تركز حرب الشبكات على آراء النخبة أو على آراء الجماهير أو عليهما معاً. وقد تتضمن الممارسات الديبلوماسية، والبروباغندا والحروب النفسية، والتخريب السياسي والثقافي، والخداع أو التشويش على الميديا المحلية، والتسلل إلى شبكات الكومبيوتر وقواعد البيانات لتخريبها، ومحاولة تدعيم الجماعات المنشقة أو المعارضة في بلد ما من خلال شبكات الكومبيوتر.
وتمثل حرب الشبكات نوعاً مستحدثاً من وسائل الصراع التي تغطي الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وكذلك الأشكال العسكرية من الحرب. وعلى عكس الحروب الاقتصادية التي تركز على عمليات الإنتاج والتوزيع، أو الحروب السياسية التي تستهدف القيادات أو المؤسسات الحكومية، فإن حرب الشبكات تتميز باستهدافها المعلومات والاتصالات.
وستتخذ حرب الشبكات صوراً متعددة. فبعضها قد يدور بين الحكومات التي تنتمي كل منها إلى دولة منافسة. وقد يدور بعضها بين الحكومة والفاعلين غير الحكوميين داخل البلد نفسه. فعلى سبيل المثال قد تدور حرب الشبكات بين الحكومة والجماعات غير المشروعة التي تنغمس في الإرهاب، أو الجماعات التي قد تحوز على أسلحة تدمير شامل، أو ضد عصابات تهريب المخدرات.
وقد تدور حرب الشبكات ضد سياسات حكومات محددة بواسطة الجماعات الدفاعية التي تثير موضوعات تتعلق بالبيئة أو حقوق الإنسان أو موضوعات دينية.
والفاعلون الذين لا يؤمنون بالدولة ويسعون للانقلاب عليها مثل جماعات الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية، قد تستخدم حرب الشبكات لكي تتجاوز الحدود القومية وتنظم نفسها باعتبارها جماعات عابرة للقارات، وأبرز مثال على ذلك تنظيم «القاعدة».
وليست حروب الشبكات حروباً بالمعنى التقليدي للحرب، لكنها قد تستخدم كوسيلة لمنع حرب فعلية من أن تنشب.
ونأتي إلى النوع الثاني وهو الحروب الفضائية Cyber war، أي الحروب الفضائية أو المعلوماتية، وهي تلك الحروب التي توجه فيها العمليات على أساس مبادئ معلوماتية. وتعني في المقام الأول– كما أشرنا من قبل- تخريب أنظمة المعلومات والاتصالات الخاصة بالعدو. وتعني من ناحية أخرى محاولة معرفة كل شيء عن العدو، ومنعه في الوقت نفسه من معرفة أي شيء عن الطرف المهاجم، وهي تشير أيضاً إلى قلب ميزان المعلومات والمعرفة لمصلحة الطرف الذي يمتلك التكنولوجيا المناسبة حتى لو لم يكن توازن القوى العسكرية ليس لمصلحته.
ويمكن في هذا المقام الإشارة إلى حرب فيتنام التي كان الميزان العسكري فيها لمصلحة الولايات المتحدة، إلا أن جيش فيتنام الشمالية استطاع بعبقرية فذة خلق نظام اتصالي سمح له بمعرفة المواقع العسكرية الأميركية وحجم الحشود، وفي الوقت نفسه الإخفاء الدقيق للمعلومات عنه أمام تواجده، ولذلك ومن طريق تكتيك المفاجأة استطاع الجيش الفيتنامي الشمالي أن يهزم الجيش الأميركي المتفوق عدداً وعدة هزيمة ساحقة.
وتتخذ الحروب الفضائية أو المعلوماتية صوراً شتى وتعتمد على تكنولوجيات متعددة تتعلق بالقيادة والسيطرة، وجمع المعلومات الاستخبارية وتوزيع المعلومات في الوقت المناسب على القوات العسكرية بمختلف مستوياتها، واستخدام الأسلحة الذكية، وأهم من ذلك التشويش على النظام الاتصالي للخصم أو اختراقه بإدخال بيانات غير حقيقية.
تبقى ملاحظة أخيرة في غاية الأهمية وهي أن مجتمع المعلومات العالمي الذي وصفه مانويل كاستلز- كما أشرنا من قبل بأنه مجتمع شبكي Network Society سيؤثر تأثيراً بالغاً في تكوين القوات المسلحة وإدارتها. فهذه القوات تقوم تقليدياً وفي كل جيوش العالم على التدرج Hierarchy في القيادات والرتب، بمعنى أن القرار يصدر من القيادة العليا إلى القيادات الأقل رتبة حتى تصل إلى الجندي. غير أن بروز المجتمع الشبكي، كما يقرر الخبراء العسكريون، سيؤدي إلى القضاء على نظام التدرج القديم، لكي تبنى الجيوش على أساس شبكي، بمعنى أنها لن تعود عبارة عن قادة يأمرون وجنود يطيعون، ولكن عن مجموعات لأعضائها جميعاً حق التفكير والتخطيط واتخاذ القرار بحسب تطورات الوضع في الميدان، وهكذا تكتمل الثورة في الشؤون العسكرية، كما يطلق عليها، والمقصود بها التحقق من ثقل التشكيلات العسكرية الكبيرة العدد، والتركيز على تشكيلات أقل حجماً وأكبر قدرة في مجال قوة النيران، يضاف إلى ذلك التغير الجوهري في بنية القوات العسكرية من النظام التدرجي إلى التنظيم الشبكي.
هكذا يمكن القول إن المجتمع الشبكي باعتباره نموذجاً حضارياً جديداً جاء عقب وصول المجتمع الصناعي إلى منتهاه سيؤثر في الممارسة الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والصناعية والعسكرية أيضاً، حيث سيصبح تشكيل الشبكات المكونة من أفراد مستقلين ومؤهلين تأهيلاً عاياً هو السبيل إلى تقدم المجتمع في كل الميادين.
*السيد ياسين - كاتب مصري

هناك تعليق واحد:

  1. لاتصال للحصول على قرض سريع وسريع.

    أقدم قرض آمن وغير مضمون بنسبة 3٪.

    استعارة مبلغ القرض من 2000 إلى 5000،000jd.

    اختيار مدة القرض من سنة واحدة إلى عشر سنوات.
    saheedmohammed17@gmail.com

    ردحذف