بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 نوفمبر 2015

◘ صباح الحرف - «البنت» المقدسية... النجدية

في بعض الأعياد قال بعض الفقراء في السعودية قديماً «يصير العيد بلا حناء»، وفي كل الصباحات يقول اللبنانيون قديماً وحديثاً «ما بيصير الصبح بلا فيروز»، يقولون ذلك منذ نحو 60 عاماً، وكأنها تتزامن مع النكبات والنكسات، بلسماً روحياً لها حيناً، وأنيناً وحنيناً في أحايين أكثر، ومع الوقت أصبح معظم العرب يقولونها في الوطن، والمهجر، وفي المخيم، أو المعسكر.
كل سنة وأنت عذبة أيتها «الست» العربية، وكل ذكرى لميلادك ميلاد متجدد للذائقة العربية بعد أن هتك ستر أسماعنا وأرواحنا كم هائل من الأصوات الرديئة التي لم تنجح على رغم الدعم الإعلامي، والترويج، لأنها ببساطة لا يمكنها أن تكون كصوتك، قهوة صباح، وشمعة مساء.
بصوتك الرخيم، وألحان الرحابنة، وفيلمون وهبي، ومحمد محسن، ومحمد عبدالوهاب، وزكي ناصيف، وغيرهم، نثرت الأزاهير ما بين قدسية مكة، وأنين القدس، وحنين بيروت، وكأنك عذرية الطرب التي لا يجوز المساس بها، لا بماضيها الغنائي ولا بحاضرها العصي على الزمن، العصي على الثمانين، والتسعين، والمئة، والعقود التي ستأتي كل صباح بنكهتك، تلك العلامة «الحضارية» المسجلة.
فيروز اسمك، واسم لحجر كريم، والعرب تقول «الكريم طروب»، وشاعر صحرائنا البدوي الجميل أخذته العزة بالشوق، وانتخى برائحة خزامى، وحلق يشرق بالنغم على حبيبته فقال: «يا ريحة الصبح مع فيروز لا غنت/ نسم علينا الهوى من مفرق الوادي/ ما عاد فيني صبر والعين ما ظنت/ غيرك يجيها بكل الصدق وينادي/ كل النسايم أحس إنها معي حنت/ قالت دخيل الهوى خذني على بلادي»، فوثق الأغنية الضوء في ذاكرة الصحراء.
عندما غنيت «البنت الشلبية»، تقافزت الفتيات في العالم العربي، كلهن تريد أن تكون الجميلة، وكلهن جميلات، بدءاً بالفتاة المقدسية التي أسمتها الدكتورة عايدة النجار «البنت الشلبية» في كتابها «القدس والبنت الشلبية» وهي تحكي عنهن وعن نفسها تطير «في القدس العتيقة على المراجيح القريبة من المسجد الأقصى بفستان العيد الزهري»، وانتهاء بالنجدية التي تحلى ناظرها بفضة نجم «سهيل»، ومسامعها بذهب ايلول الأصفر «تحت الشبابيك»، ومروراً بهن كلهن ينشدن صباح الزعتر والزيتون، ومساءات زهر الرمان.
يقولون إنك «الوحيدة التي يمكنها أن تجعل الدنيا تغني وتبتسم لنا على رغم مآسينا وقسوة الحياة علينا»، ويخشون أنهم بكل هذا الولاء للجمال لعقود من الزمن لم ينجحوا في جعلك تضحكين، أو تنسين قسوة السياسة والقدر على لبنان الذي أحببته حد أن غنيت «السهرة عا بابك أغلى من سني».
في عامك الـ 80، كل سنة وأنت إحدى لآلئ عقد الإبداع العربي، الذي لا تزال جواهره أملنا وصمام أماننا ضد كل هذا التراجع في الذائقة، والانتكاس في الجمال، والعبث بالفن.
أمدك الله بالصحة والسعادة والإبداع، وشكراً لك نيابة عن كل الأوقات التي كنت هالتها، و«هيل» قهوتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق