بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 22 مارس 2016

نوروز

تتحول الفضائيات الكردية في عيد نوروز الذي يصادف في 21 آذار (مارس) من كل عام مسارح كرنفالية صاخبة تضج بالألوان والأعلام والصور واللافتات التي تظهر معاني ودلالات هذه المناسبة القومية التي ترمز إلى «اليوم الجديد»، وهو معنى نوروز بالكردية.
حكاية هذا العيد، ضاربة في القدم، إذ تعود إلى ما قبل الميلاد بأكثر من ستمئة عام، وتقول الأسطورة إن حاكماً مستبداً كان يظلم شعبه ويسومه مرّ العذاب، فتصدى له شخص يدعى
«كاوا» كان يعمل حداداً، وعقد العزم على التخلص من هذا الداء، وهو إذ تمكن من هذا الخصم أضرم النار على ذرى الجبال إيذاناً بانتهاء عهود الظلم والقمع والعسف، ومن هنا يشكل إشعال النار طقساً يقوم به المحتفلون في الليلة التي تسبق الاحتفال.
هي، إذاً، أسطورة لا أحد يعلم مدى دقتها وصحتها، ولكنها تحولت عبر القرون إلى مناسبة رمزية تنطوي على الشغف بالحب والجمال والحياة، وهذا بالضبط هو ما يجسده المحتفلون بالنوروز من العراق وإيران وتركيا وسورية وصولاً إلى المدن الأوروبية، وهو، كذلك، ما تنقله الفضائيات الكردية بمختلف توجهاتها ومرجعياتها واهتماماتها.
تضع هذه الفضائيات، ليوم واحد، خلافاتها جانباً، وتتناسى التباينات الإيديولوجية والمماحكات الحزبية التي تقسم فضاء البث حزبياً وسياسياً، لتنهمك في رصد هذا التقليد السنوي البهيج الذي لا يقتصر على الأكراد فحسب، وإنما يشمل، كذلك، الفرس وبعض شعوب آسيا الوسطى.
ويتزامن يوم نوروز مع الانقلاب الربيعي، ليزيد من رونق هذا العيد الذي يتفتح في قلوب المحتفلين مثلما تتفتح أزهار الربيع في مشهد يتناقض، تماماً، مع الحروب التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، والتي تغرق الشاشات بلون الدماء وصرخات الثكالى وأنين اللاجئين الفارين من جحيم هنا وهناك.
في نوروز تبدل الفضائيات الكردية تلك النبرة السياسية والحزبية الكئيبة وتلبس زياً مزركشاً موحداً، وتصغي إلى صدى الأغاني وإيقاع الرقصات التي تملأ السهول والوهاد والجبال والمروج في كل بقعة من بقاع كردستان، فيبدو هذا اليوم وكأنه مسروق من مفكرة زمن غابر حيث بساطة الحياة وجمالية الطبيعة التي تتسامى عن النزاعات والحروب الطاحنة.
ويمكن اختزال هذا اليوم في أنه اتفاق خفي على هدنة يسودها الفرح والجمال، وهو يعطي مثالاً موحياً على أن النفس البشرية تواقة للسكينة والسلام، غير أن نزعات الشر، لا تني تطل هنا وهناك، في مشهد عبثي حوّل المنطقة إلى ساحة سيرك، وإذ نرى على الشاشات كل هذه المساحة من الفرح نتساءل: لماذا لا تتحول الحياة والشاشات طوال العام إلى نوروز دائم؟
إبراهيم حاج عبدي - الحياة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق