بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 14 يونيو 2015

أقلّ من مواطنين في كيانات هي أقلّ من دول!

يُكثر قادة إسرائيليون ومن بينهم رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو من الحديث عن ثقتهم بانفراج قريب وبوجود احتمال جدي لتفاهمات إقليمية. حتى صقور حزبه الليكود أدلوا بدلوهم في هذا الاتجاه. كذلك منظرون أمنيون يلمحون إلى حلحلة إقليمية ممكنة.
يُمكن أن نعزو الأمر إلى ضائقة إسرائيل بسبب من تزايد حمى المقاطعة ونزعة أوروبية واضحة إلى تثبيت خيار الدولتين من خلال إجراءات أوروبية ضد المستوطنات بوصم ما يصل أوروبا من مُنتجاتها وبضائعها. وعادة ما تبدأ أوروبا ما ستتبعها فيه أميركا. ويُمكن أيضاً أن نشير إلى وجود تقارير أمنية إسرائيلية نتحدث عن ضرورة تســـهيل حياة الفلـــسطينيين والتخفيف من قبضة الاحتلال. لكن يبدو أن المفاجأة التي يحضّر لها الإسرائيليون في تصريحاتهم ولهجتهم الهادئة خلافاً للمرحلة السابقة ستأتي من قطاع غزة!
المعلومات التي تأكّدت فلسطينياً ومن أعلى المستويات أن مشروع إمارة غزة يتشكّل على قدم وساق. وهو ما تسعى إليه حركة حماس بتشجيع إقليمي وتضغط على السلطة الوطنية كي تقبل به. بل استقطبت حماس بعض الرموز العربية المفكّرة لغرض إقناع السلطة الوطنية بالموافقة على المشروع. ويقضي المشروع بأن يُصار إلى جعل قطاع غزة أمارة تحكمها حماس باعتراف إسرائيلي وتسهيلات على المعابر وفي الحصار شرط أن تلتزم حماس التهدئة التامة وأن تتحمّل مسؤولية أي خرق قد يحدث.
معنى هذا أن تتحول حماس إلى السلطة المعترف فيها في قطاع غزة ـ بدل السلطة الوطنية التي وهبتها اتفاقيات أوسلو قطاع غزة وممراً آمناً بين غزة والضفة. وتسعى حماس إلى إقناع السلطة الوطنية بذلك مدّعية أن تطوراً استراتيجياً كهذا لا يعطّل مـــساعي التدويل ولا استكمال تحصيل الاعتراف من هيئات الأمم المتحدة!
ستســتثمر إسرائيل التـــقاءها مع الســـعودية ومــصر وتركيا وقطر في مسائل إقليمية عديدة (محاربة الإســـلام العدمي والملف النووي الإيراني وصـــدّ التـــمدد الإيراني) لتكريس هذا المـــشروع من خلال تسويقه فاتحة لتســـوية المسألة الفلسطينية. بل بدأ المصريون جُملة تسهيلات على معبر رفح بعد أشهر من حصار مشدّد لا خارج فيه ولا داخل إلى القطاع! بمعنى أن للمشروع أكثر من حاضنة إقليمية لا سيما مصر المعنية بفك الارتباط بين حماس وبين الإرهاب في سيناء.
الأهمّ أن الطرفين، إسرائيل وحماس، معنيتان بالمشروع. فهو لإسرائيل ضمانة لأمن بلداتها في الجنوب وتحرير اقتصادها من ضغط الجبهة الجنوبية، في المدى المنظر. لكن المشروع سيكون في المدى نفسه وفي المدى البعيد أيضاً منسجماً مع رغبة إسرائيل في إطار الصراع لا حلّه من خلال عزل الفلسطينيين مكانياً في مجموعات منفصلة كما هو الواقع على الأرض الآن. وهو ما يسهّل عملية التحكّم بها وبمصيرها أو بمواجهة أي تطورات غير مستحبّة إسرائيلياً بأقّل كلفة ممكنة. وهذا يعني أن يكون الفلسطينيون أقلّ من مواطنين في كيانات هي أقلّ من دول.
وهي مرحلة أرقى مما هو عليه الوضع الآن. وسيصير كذلك في حال طبّقت إسرائيل رزمة من التسهيلات على الأرض وسمحت بطفرات إعمار في غزة والضفة يشعر بها الناس فوراً كما هو الأمر في رام الله ونابلس والخليل وجنين ـ أربع مراكز مدينية تجارية نشطة تحمل اقتصاديات الضفة وكيانها السياسي المتمثّل بالسلطة الوطنية ومؤسساتها.
لم تقتنع السلطة الوطنية ورئيسها بالمشروع إلى الآن. لكنه لن يبذل في تقديرنا جهداً خاصاً لإفشاله وإن كان سيجرّب. وذلك لأن الرئيس محمود عباس اتخذ قراراً استراتيجياً بالتنسيق مع النُخب الفلسطينية في الضفة والشتات وفلسطين الداخل أن لا عودة لكفاح مسلّح وأن الحلّ هو بتدويل المساعي لإحقاق حلم الدولة الفلسطينية وبتمدين النضال من أجل ذلك. هذا، فيما حركة حماس تكاد تطير من الفرح لأنها ستحصل على شرعية كاملة من كل الأطراف في حال تموضعت كسلطة كاملة الحضور السياسي والسيادي بالنسبة الى مواطنيها ـ وليس لإسرائيل طبعاً ـ في القطاع. صدّق عدوك هذه المرة! مَن سيتذكّر بعد ذلك إنشاءات حماس وصواريخها أو حروب إسرائيل وعدوانها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق