بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 20 يوليو 2016

من المقهى إلى الاستوديو

لن يغفر التاريخ لأولئك الذين تركوا مقاعدهم المزمنة في المقاهي ليصبحوا مذيعين وإعلاميين لا يعرفون الألف من كوز الذرة في السياسة، أو الفارق بين الشمال والجنوب في الجغرافيا، أو حتى مقومات المذيع الجالس أمام الكاميرا والفارق بينه وبين الضيف أو الجالس في مقهى حيث يتبادل الأحاديث والرؤى والأفكار بغض النظر عن نوعية محتواها، أو بعيداً من جدواها، لأنها تظل في نهاية الأمر «كلام المقاهي».
وضمن الآثار الجانبية الناجمة عن هبوب رياح الربيع، تلك الهجمة الشرسة التي تعرض لها كرسي المذيع، الذي لم يعد إعلامياً بالسليقة، أو دارساً بالضرورة، أو حتى واعياً بطبيعة مهمته وأثرها الذي يمكن أن يمثل خطراً داهماً.
السنوات القليلة التي تلت «ثورة يناير» فرضت أجواء من الفوضى حيث الغضب يختلط بفرحة، وقبول ما لم يكن من الممكن قبوله في أزمنة الاستقرار.
وقتها لم يتبرم المشاهدون من ظاهرة جلوس الثوار على كراسي المذيعين، أو حتى تسلل مدعي معرفة دون أدنى معرفة. كان الجميع منشغلاً بالأحداث، وآخر ما كان في الإمكان أن تشغل أحدهم هوية المذيع، أو ثقافته أو مصداقيته أو انتماءاته.
وبعد مرور خمس سنوات على الثورة مع الكثير من الانتكاسات، وكشف المستور عن أثر الإعلام في تكوين وتوجيه الرأي العام (سلباً وإيجاباً)، بدأ بعضهم يدقق في من يقول ماذا ولماذا؟ فبين هبد ورزع صباحاً، وصولان وجولان مساء، وجد المشاهد نفسه في موقف صعب ملتبس. فالمذيع صار خبيراً استراتيجياً ومنظراً اقتصادياً ومحللاً سياسياً وإن لزم الأمر مفتياً دينياً. كما تحول إلى زعيم لما يدعي أنها الغالبية. بل إن بعضهم يشير إلى أن جلوسه على مقعد المذيع تكليف لا تشريف، أي أن الواجب الوطني والوازع القومي والدافع الشعبي، دفعته دفعاً إلى المقعد.
ولكن بمرور الوقت، وهدوء الأوضاع نسبياً، أتيحت للمشاهدين فرص إعادة النظر والتقويم في ما يقدم لهم عبر الأثير. التجربة أصقلت المشاهد، والأحداث الجسام والحجة والبرهان ساهمت وساعدت المشاهد في التفرقة بين الغث والسمين وتصنيف الوجوه التي تطل عليه عبر الشاشة. فمن يتشدق باسم المطحونين والقابعين أسفل خط الفقر بكثير، يتقاضى الملايين ويتفاوض من أجل الزيادة لأنه صار علامة تجارية تجذب المعلنين وتضمن الأرباح بالبلايين. ومن كان يهتف باسم الثورة ويبكي على أطلال العيش والحرية ويلعن فساد النظام السابق، اتضح أنه انتفع منه من دون أن يشير إلى ذلك.
صحيح أن بين صفوف المذيعين الذين اقتحموا الأثير شرفاء ومن يستحق الجلوس على هذا المقعد، لكنهم قليلي العدد. وعلى رغم أن المحاسبة من الأمور غير الواردة حيث إن شعار «عفا الله عما سلف» يطغى حيناً، وشعار «سقوط التهم بالتقادم» يفرض نفسه أحياناً، إلا أن بعضهم يتساءل عن الأسباب التي دفعت أصحاب القنوات والمسؤولية إلى فتح الأبواب أمام هؤلاء.
*أمينة خيري-الحياة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق