بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 4 يوليو 2016

وداعا اوروبا

كتب الروائي النمسوي ستيفان زفايغ عشية انتحاره بالسم في 22-2- 1942، رسالة ودع فيها أوروبا التي كان يسميها «وطني الروحي» متألماً لـ «السقوط الحضاري» الذي كانت بدأت تشهده مع هيمنة النازية. هذه الرسالة انطلقت منها المخرجة السينمائية الألمانية ماريا شرادير لتنجز فيلمها الجديد الذي يخرج قريباً الى الصالات الأوروبية وعنوانه «ستيفان زفايغ... وداعاً أوروبا»، وتروي فيه الوقائع التي عاشها زفايغ في المنفى البرازيلي الذي اختاره بدءاً من العام 1936 هرباً من النازية ومآسي الحرب الثانية.

قد تكون المصادفة وحدها جعلت من هذه الجملة الأليمة «وداعاً أوروبا» عنواناً راهناً يطلقه الأدباء البريطانيون على مبادراتهم التي قاموا ويقومون بها، حيال الاستفتاء الشعبي الذي أدّى الى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. معظم هؤلاء الأدباء وقفوا ضدّ هذا الخروج حتى قبل إجراء الاستفتاء. في الشهر الماضي، نشرت صحيفة «الغارديان» عريضة وقعها نحو مئتين وخمسين كاتباً وفناناً دعوا فيها الشعب البريطاني إلى رفض الخروج من الاتحاد الأوروبي، ملمحين الى أخطار هذا الخروج وعواقبه. وكان في مقدّم الموقعين كتّاب كبار من مثل: جون لو كاريه ويان ماكيوان ووليام بويد وهيلاري مانتيل وجي كي رولينغ وحنيف قريشي وفيليب بولمان... وفتحت «الغارديان» صفحاتها أيضاً أمام كتّاب أوروبيين، من بينهم الايطالية إيلينا فيرانتي والألماني تيمور فيرمس، ليكتبوا رسائل مفتوحة الى البريطانيين يحضونهم فيها على عدم التصويت للخروج.بدا الكتّاب البريطانيون الأشد قلقاً وخيبة جراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كان هؤلاء ساهموا كثيراً، مثلهم مثل سائر زملائهم في «القارة العجوز»، في ترسيخ الفكرة الأوروبية، لا سيما مع انطلاق معاهدة ماستريخت عام1993. وقد وجدوا في الفضاء الأوروبي، الفكري والثقافي، ملاذاً يواجهون عبره الزحف العولمي الأميركي الجديد الذي يهدد هويتهم الأوروبية المشتركة.كانت نتيجة الاستفتاء بمثابة صدمة لمعظم الكتّاب البريطانيين. كتبت صاحبة «هاري بوتر» على التويتر معربة عن أسفها الشديد: «لم أشأ كما الآن أن يكون السحر حقيقياً. وداعاً أيتها المملكة المتحدة». وكتب الروائي السكوتلندي بيتر ماي: «البريطانيون مجانين في إقدامهم على الخروج من أوروبا. إنها كارثة لهم ولأوروبا». جون لوكاريه خاض معركة رفض الخروج بحماسة شديدة وكتب مدافعاً عن فكرة «البقاء» وأبعاده. وسخر الكاتب فرديناد ماونت في مقال له نشرته مجلة «لندن ريفيو اوف بووكس» بشدة من المنشقين عن أوروبا واصفاً إياهم بـ «المضطربين عقلياً» و «المنفصمين» و «اللامبالين».

أما الكاتب الإرلندي الشمالي روبرت ماكليام ويلسون فأعلن جهاراً موافقته على مسار الجمهوريين الإرلنديين الانفصاليين قائلاً «إن بريطانيا لم يبق لديها حق الانتداب لتحكم إرلندا الشمالية». ولعلّ تصريحاً مثل هذا يوحي بخطر آخر قد يهدّد الكيان البريطاني. وهذا الخطر تحدث عنه أصلاً كتّاب وصحافيون في بريطانيا والعالم. وهو ما حدا ببعض الكتّاب البريطانيين الى إطلاق «شعارات» متشائمة: «وداعاً بريطانيا»، «قفزة في المجهول»، «سنندم لأننا أدرنا ظهرنا لأوروبا»، «لقد أُغلق الباب»... واستوقفني تصريح للممثلة الشهيرة إيما تومبسون تقول فيه: «بريطانيا الكبرى، هذه الزاوية الممطرة من أوروبا، المحاطة بالغيوم، هذه الجزيرة البائسة... حتماً سأصوّت لبقائها في الاتحاد الأوروبي. يا إلهي سيكون من الجنون ألا أصوّت لبقائها!».

لكنّ كتاباً وفنانين آخرين لم يشعروا بحرج في تصويتهم للخروج وحافزهم الابتعاد عن الأزمات الكثيرة التي تتخبط فيها أوروبا والخوف من سيل النازحين الذين اجتاحوا حدود القارة وباتوا يهددون مملكتهم، علاوة على مأخذهم الشكلي على الاتحاد الغارق في البيروقراطية والذي لا يحترم الخصوصية البريطانية. يقول الكاتب ايرفين ولش: «الاتحاد الأوروبي لا يمكن الدفاع عنه كمؤسسة، لا يمكن الدفاع عن مؤسسة غير ديموقراطية أساساً، لا يمكن الدفاع عن مؤسسة يديرها مفوّضون أو مأمورون». وقال الممثل الكبير مايكل كين في هذا الصدد: «آلاف من الموظفين الذين لا وجوه لهم يفرضون علينا في الاتحاد إرادتهم».

«وداعاً أوروبا» أم «وداعاً بريطانيا»؟ قد يكون هذان الوداعان واحداً ما دامت عواقب «الخروج» واحدة على كلتيهما.
عبده وزن-الحياة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق