بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 10 أكتوبر 2016

حول الاندماج الفلسطيني في الأردن

يعيد المواطنون الأردنيون من أصل فلسطيني تعريف أنفسهم وفق العشائر والبلدات الأصلية، ولكن في تشكلات ربما بدت انتقالية لكنها تصلح في هذه المرحلة لبناء تعارف وعلاقات جديدة يتحركون وفقها باتجاه تمثيل أنفسهم في الحياة السياسية والاجتماعية، ويبدو حزب جبهة العمل الإسلامي (الإخوان المسلمون) خياراً قوياً وحاضراً لبناء هذا التشكيل من دون استفزاز للسلطة والأردنيين، كما 
يمنحهم الحزب فرصة للتحايل على الاتجاه التفضيلي لدى فئة واسعة منهم لانتماء فلسطيني أوسع من العشائر والبلدات، ويسمح أيضاً باستيعاب أكبر عدد ممكن ويقلل من التنافس الداخلي في ما بينهم. كما أن الحزب يمنحهم شعوراً بالبقاء في المعارضة لمن أراد أن يعارض وفي الوقت ذاته من غير مجازفة أو مخاطرة...
وفي ذلك، فحزب جبهة العمل الإسلامي يعيد أيضاً تشكيل وتعريف نفسه مستفيداً من الإرث الذي حمله منذ 1970 عندما كان يحتكر العمل علناً وبحرية في أوساط الفلسطينيين الأردنيين ومستفيداً من العداء الذي تشكل بين السلطة السياسية والمنظمات الفلسطينية السياسية والقتالية، ليحول نفسه في ظل هذا العداء إلى بديل مريح ومقبول يستوعب الفلسطينيين ويساهم في اندماجهم في الحياة العامة والسياسية بعيداً من المنظمات الفلسطينية المعادية، وقد جاء ذلك مصاحباً لصعود موجة التدين والجماعات الدينية، ووظفت الحكومة أيضاً علاقتها الجيدة والتاريخية مع «الإخوان المسلمين» في بناء تحالف وشراكة جديدة لمواجهة التداعيات والتحولات في المشهد الداخلي والفلسطيني بعد حرب 1967 والصراع العنيف بين الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية في 1970، ويمكن القول أن تحالف الحكومة و «الإخوان المسلمين» نجح بنسبة معقولة في استيعاب الحالة الفلسطينية - الأردنية وفي إصلاح الانقسام والشرخ الواسع بين مكونات المجتمع.
وعندما استؤنفت الحياة السياسية الديموقراطية عام 1989، أظهر المشهد القائم عزوفاً فلسطينياً عن المشاركة العامة وحياداً سياسياً، ربما تكون ساهمت في تشكيله الهجرة الواسعة إلى الخليج والغرب في السبعينات، وغلبة الاتجاه للعمل في التجارة والقطاع الخاص منذ مرحلة مبكرة في التكوين الاقتصادي الاجتماعي للفلسطينيين، والاستقطاب السياسي والنخبوي الذي ساهمت به منظمة التحرير الفلسطينية، إضافة بالطبع إلى الاتجاهات الاجتماعية والسياسية للدولة الأردنية منذ السبعينات، والتي غيرت في تركيبة الطبقة الوسطى وسكان المدن، وأنشأت قيادات اجتماعية وسياسية مستمدة من تجربتها البيروقراطية، وأدى ذلك بطبيعة الحال إلى غياب أو ضعف القادة الاجتماعيين من أصل فلسطيني والقادرين على الوصول إلى مجلس النواب أو تفعيل المجتمعات والأوساط الفلسطينية في المشاركة السياسية والعامة.
وفي ظل هذه البيئة، تقدم الإسلام السياسي ليملأ الفراغ القيادي والنخبوي الفلسطيني، فكان معظم النواب الفلسطينيين في أعوام 1989 و1993 و2003 من «الإخوان المسلمين»، وقد ذكر وزير الداخلية عام 1993 سلامة حماد في تصريح على التلفزيون الأردني معلقاً على نتائج الانتخابات النيابية، أنها أوصلت إلى مجلس النواب 14 نائباً من أصل فلسطيني، بينهم 8 من حزب جبهة العمل. وأظهرت الانتخابات التي أجريت أخيراً (20 أيلول - سبتمبر 2016) أنه وصل إلى مجلس النواب أكثر من 30 نائباً من أصل فلسطيني، بينهم ستة فقط من جبهة العمل (عدد نواب الحزب ثمانية فقط)، ولعلها مجرد مصادفة أن يكون سلامة حماد نفسه وزير الداخلية في الحكومة التي أدارت الانتخابات الأخيرة، وإن كان ذكر شيئاً في التلفزيون الأردني فلن يعلم أحد في غابة الإعلام الشبكي التي لم يعد يتذكر فيها أحد الإعلام الرسمي!
تزايد التمثيل الفلسطيني في مجلس النواب من 15 في المئة تقريباً إلى الربع في مجلس النواب الأخير، وتراجع الحضور النسبي لحزب جبهة العمل في النواب الفلسطينيين من غالبية إلى أقل من الخمس، والحال أن اتجاهات اجتماعية فلسطينية جديدة تتشكل باتجاهات مختلفة، وقد ظهر ذلك بوضوح في الحراك والجدل السياسي والإعلامي الأردني في الربيع العربي (2011 – 2013)، وهي ظاهرة جديدة تستحق وقفة مستقلة وأكثر تفصيلاً.
*ابراهيم غرايبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق