بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

كردستان العراق: الحرب والعشائرية والأحزاب تضاعف أزمة الثقافة

 لاتبدو الثقافة في كردستان العراق، التي طالما ارتبطت بالظروف السياسية والعسكرية، في أفضل حال، فقد توقف، عدد من المجلات والصحف ودور النشر، فضلاً عن التراجع في المكتسبات والإنجازات النسائية. الإقليم، قد يكون نجح في بناء مجمعات سكنية ومولات فخمة، لكنهُ فشلَ في بناء الإنسان.

نشأ وظهر الإقليم في ظروفٍ استثنائية 1991 مُحاطاً من جهاتهِ الأربَع بأطرافٍ لا يمكن أن نسميهم أصدقاء، وفق ما يقول الكاتب أمين يونس، مضيفاً أن «الثقافة شأنها شأن الأمور الأخرى تأثرتْ بـالفوضى التي طَبعتْ واقع الإقليم». 
ويربط الكاتب بين الثقافة والتعليم، اللذان لايُمكن أن يتطورا في ظل بيئة «تنغمس فيها الأحزاب الحاكمة في صراعاتٍ مريرة على السُلطة والنفوذ ما يجهض العملية الديمقراطية ويحرفها عن مسارها الطبيعي، وينشر الفساد في كُل مفاصل الدولة بشكلٍ مُطَرِد».

تأثير الحروب
الحروب أثرت على مستوى العلم والثقافة، فقد خسر العراق أغلب الكفاءات العلمية في كافة المجالات التي ظهرت بعد تطور المجتمع العراقي عما كان عليه قبل خمسين عاماً، كما يؤكد المهندس عبد السلام مصطفى ، مشيراً إلى أن «انتشار الثقافة بين عامة الناس نتيجة تأميم النفط في السبعينيات وفرض إلزامية التعليم، حتى كادت أن تنعدم الأمية في التسعينيات.» 
هذه الكفاءات خسرها العراق بسبب الحرب الإيرانية وحرب الكويت، والاحتلال الأمريكي. 
وطبقاً لمصطفى، خسر المجتمع خلال الفترة من 2003-2008 حسب إحصائية لجمعية أساتذة الجامعة أكثر من خمسة آلاف استاذ جامعي وبرفيسور وعالم وطيار اغتيلوا على أيدي أجهزة الاستخبارات الأميركية.
رغم ذلك، زاد عدد الجامعات منذ 1991 من واحدة (جامعة صلاح الدين) ليتجاوز العدد اليوم العشر جامعات بين أهلية وحكومية متوزعة بين دهوك وأربيل والسليمانية، إضافة لاستقطاب عدد كبير من الأساتذة الجامعيين بسبب الظروف الأمنية السيئة في جنوب العراق.

مشاركة المرأة
حققت المرأة تطوراً ملحوظاً منذ 1991 كمشاركتها في الحياة العامة وفي مراكز صنع القرار السياسي، بحسب رئيسة منظمة «ئيمة» المعنية بشؤون المرأة، بهار علي.
وتضيف: «قد يعتبر هذا تطوراً قليلاً نسبة لنضالات المرأة ومساحات الحرية في كردستان، لكنه كبير إذا أخذنا بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي والثقافي المتخلف الذي تعيشه المرأة. ففي مجتمعنا فئتان، فئة قليلة متنورة مناصرة لحقوق وحرية المرأة، وفئة ظلامية متخلفة إسلامية رجعية عشائرية مؤثرة تحارب تطور المرأة وتحاول إعادتها للبيت». 
وتشير علي إلى «التراجع في المكتسبات والإنجازات النسائية التي حققتها النساء خلال تاريخ نضالهن».
وتوضح: «لقد أثر ظهور تنظيم الدولة الاسلامية بشكل أسرع مما توقعنا على إنجازاتنا التي لم تستقر بعد، وأعادنا لخمس سنوات للوراء، فقد تضاعفت حالات العنف كما تبين مقارنة بسيطة بين إحصائيات 2013 و2015. فالاهتمامات والأولويات لم تعد النهوض بواقع المرأة ومناهضة القوانين والأعراف المتخلفة. انصب الاهتمام محلياً ودولياً على توفير مستلزمات الحياة الأولية للنازحين، والأمور العسكرية». 
وتشدد على أن «العلم وحده لا يكفي، نحن بحاجة لثورة فكرية ثقافية حقيقية بكل المجالات». معتبرة أن «طريقنا الوحيد لمواجهة الفكر التطرفي الظلامي هو الفكر العلماني المدني والتركيز على استمرار تطور الديمقراطية والعمل على انفتاح المجتمع الفكري والثقافي».

«معركة الدفاع عن النفس»
تراوح الثقافة مكانها في الإقليم بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية، كما يرى رئيس اتحاد الكتاب الكرد، الشاعر حسن سليفاني، مبيناً أن «الإقليم يخوض معارك الدفاع عن النفس ضد وحشية داعش وهجماته المتكررة ضد مكتسبات كردستان الثقافية التي تأثرت سلبيا في ظل الحرب». 
فقد توقف، وفق سليفاني، «عدد من المجلات والصحف ودور النشر ما عدا مجلة الكلمة التي نصر على الاستمرار في إصدارها، وخسرنا لأسباب مالية بحتة مشروعنا الثقافي من منشورات الاتحاد الخاص بطباعة الكتب الذي أصدر 301 كتاباً. كما أغلقت معظم المراكز الثقافية العائدة لوزارة الثقافة، لكننا تمكنّا بصعوبة من إقامة مهرجان دهوك الثقافي في نيسان/أبريل المنصرم». 
الظروف الاقتصادية والسياسية أثرت أيضاً، على تراجع إنتاج الأفلام السينمائية، وإقامة المهرجانات الفنية والفعاليات الثقافية، فقد «بات الكثير من الناس يتحسرون على حضور أو مشاركة فعالية ثقافية ضخمة»، كما يبين الإعلامي والمختص بشؤون الأقليات وحل النزاعات، خضر دوملي.

العشائرية وزيف الازدهار العمراني
رغم الازدهار العمراني الذي يلحظه الجميع في كردستان، لكن ذلك لم يرمم الفجوات الثقافية والأزمة التي يعيشها الإقليم بسبب العقلية العشائرية المسيطرة والحزبية.
وفي هذا الإطار يوكد الكاتب أمين يونس: أن «الإقليم، ربما، قد نجحَ في بناء الكثير من المجمعات السكنية ذات الطوابق العديدة، والمولات الفخمة، لكنهُ فشلَ في بناء الإنسان». 
ويتابع: «نظرة سريعة على واقع المُدن في اقليم كردستان تكشف مدى الأزمة الثقافية والحضارية التي نعاني منها. ولنأخُذ مدينة دهوك مثالاً، فهذه المدينة التي يتجاوز عدد نفوسها النصف مليون نسمة، هي في الواقع قرية كبيرة».
ويشرح أن «الولاءات الفرعية هي السائدة. العشيرة، الحـــــزب، الحاكــم، الدين هي الطاغية على حساب المواطَنة والخضوع للقانون. وحتى النُخبة الموجودة مُبعثَرة لا يجمعها تنظيمٌ مدني أو نقابات وجمعيات مستقلة وغير مؤثرة على الساحة، مُقابِل سيطرة الواجهات الثقافية المُسّيَرة من قِبَل السُلطة، على الشارِع الثقافي، بما تحمله من رثاثةٍ وضحالة».

انتشار الأمية
إلى ذلك، تبين أستاذة علم الاجتماع، سميه سعيد خالد ئاميدي أن «المراقب لحال مجتمعاتنا يرى أن ما يسودها هو الولاء الديني واتجاهها أكثر نحو الأمية، وغياب الكتاب والمكتبات حتى في المؤسسات التعليمية.».
وتلفت إلى عدم وجود «أي سياسة منظورة من قبل الفاعلين في هذا المجال على تنمية البرامج التعليمية والثقافية التي تنشأ العقول المستنيرة، ففي مقابل خمسة آلاف مدرسة هناك أكثر من خمسة آلاف مسجد ومئات الكنائس وغيرها».

* ماري إسكندر عيسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق