بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

الإرهاب بين الطرح السنّي والمفهوم الشيعي

هناك ثلاثة تواريخ مهمة في حركة المد الديني والمشروع الإسلامي عموماً تأثرت بها مسيرة العرب والمسلمين بل ربما العالم كله، الأول هو نشوء حركة «الإخوان المسلمين» في مصر من مدينة الإسماعيلية عام 1928 بعد سنوات قليلة من سقوط آخر خلافة إسلامية في إسطنبول، والثاني نجاح الثورة الإيرانية في الوصول إلى السلطة في شهر شباط (فبراير) عام 1979، أما الثالث فهو حادث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 بما حمله في طياته من نتائج خطيرة وتداعيات، من سقوط أنظمة وانهيار دول، حتى أضحى مبرراً للعدوان باسم الدفاع عن النفس ومطاردة العرب والمسلمين بدعوى مكافحة الإرهاب، أما العرب والمسلمون فهم أول ضحاياه وأكثر من دفع فاتورة جرائمه.
وعلى رغم الاختلاف بين المحطات الثلاث التي أشرنا إليها، إلا أن القاسم المشترك بينها هو أن كلاً منها أدى إلى تحولات كبيرة وخطيرة في مسيرة الإسلام السياسي بالدرجة الأولى والاتهامات الظالمة التي وجهت إلى الديانة المحمدية وأساءت إلى العرب والمسلمين على حد سواء، وخلطت بين الإرهاب والكفاح المسلح ووضعتنا جميعاً في موقف دفاعي من دون ذنب أو جريرة. ولا بد هنا أن نناقش الطرح الظالم الذي ربط بين الإرهاب والإسلام السنّي تحديداً، على اعتبار أن تنظيمي «القاعدة» و «داعش»، وهما أخطر تنظيمين إرهابيين ظهرا في العقود الأخيرة، ينتميان ولو من حيث الشكل الظاهري إلى الإسلام السنّي، وعلى رغم أني أظن أن الثورة الإيرانية أدت أيضاً إلى دفعة قوية للتطرف والغلو والإرهاب في بعض مناطق العالم الإسلامي، إلا أنها تمكنت من التملص من المسؤولية وساعدها ذلك الانقسام المهين بين السنّة والشيعة بفعل الوجود الأجنبي وتغذيته ذلك النوع من المشاعر التي لا مبرر لها، وقد استثمر الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية الخلاف السنّي- الشيعي المزعوم في توسيع الهوة بين أتباع المذهبين، على رغم أن الفارق بينهما تاريخي وليس دينياً، فإلههما واحد، ونبيهما واحد، وقرآنهما واحد، وقبلتهما واحدة، وأركان دينهما ثابتة، والخلاف التاريخي الذي بدأ منذ القرن الأول الهجري ينصب على أولوية الإمام عليّ بالخلافة بعد رسول الله، بينما يرى الفريق الآخر أن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان هي المسار الطبيعي الذي وصل بالجميع إلى الإمام عليّ، كرم الله وجهه، وهو محل تقدير وتوقير لدى أهل السنّة والجماعة على نحو لا يقل إطلاقاً عن تقدير الشيعة له، والآن دعنا نناقش ما أجملناه من خلال الملاحظات التالية:
أولاً: إن الشيعة العرب جزءٌ لا يتجزأ من الجسد العربي بل يسبق تشيّع الفرس الذي انتشر في ظل الدولة الصفوية بقرون عدة، فالتشيع العربي بدأ منذ عام الانقسام حول الخلافة الإسلامية والمواجهة بين عمر وعلي أثناء ما نطلق عليه «الفتنة الكبرى»، وأتذكر أني سألت ذات يوم صديقاً كان ضابطاً عراقياً سابقاً ومعاوناً لرئيس أركان حرب القوات المسلحة العراقية أثناء الحرب العراقية- الإيرانية: كيف كان موقف الضباط الشيعة في الحرب مع إيران؟ قال لي: كانوا في الصفوف الأولى يحاربون من أجل الوطن العراقي ويؤكدون انتماءهم العربي قبل انتسابهم الشيعي ولقد قاتلت معهم طوال السنوات الثماني وأدركت عروبتهم الحقيقية وإيمانهم بأمتهم ووطنهم، ثم أضاف مفاجأة من العيار الثقيل: أنت تعرفني منذ أكثر من ثلاث سنوات عملنا فيها معاً في عاصمة أوروبية وأريد أن أقول لك إني عراقي شيعي، ولعل في معرفتك بي شهادة حقيقية تضاف إلى ما ذكرته لك.
ثانياً: تتردد مقولة تاريخية ينطلق منها البعض قائلين إن الشيعة هم ثوار الإسلام، إضافة إلى أنه لا يمكن التفرقة بين المسلمين بسبب معيار الثورة، فالخلافات المنهجية هي تعبير عن التفاوت في النظرة التاريخية، وليست أبداً اجتهادات فكرية أو خلافات حول جوهر الشريعة، لذلك فإن المسلمين على اختلاف مذاهبهم يدينون الإرهاب ويرفضونه ويعتبرونه عدواناً على الأرواح وخروجاً عن صحيح الدين، لذلك فإن الحديث عن وجود أغلبية سنّية في صفوف التنظيمات المتطرفة هو أمر مردود عليه بأن هناك تنظيمات متعددة تقوم على قاعدة إرهابية وليست نظرة مذهبية، لذلك فإنه لا يوجد سنّي مسلم يبرر الإرهاب ولا شيعي مسلم يقبل جرائمه، فالإدانة واحدة والرفض مشترك ولا قبول لهذه الجرائم في ملّة أو دين أو مذهب.
ثالثاً: عندما نتحدث عن الخلاف الفارسي- العربي وهو خلاف تاريخي، فإننا ندرك أنه تراكم لعصور متعاقبة من سوء الفهم المتبادل والثقة المفقودة، فالدولة الفارسية كانت تنظر في كثير من مراحلها بنوع من الاستعلاء إلى العرب مع أنهم يمثلون مصدر الشريعة الغراء ومهبط الوحي ومنزل الرسالة، لذلك فالخلاف بين الفرس والعرب يقف على أرضية قومية وليس خلافاً مذهبياً أو دينياً فالكل يقبل مظلة الإسلام ولكن الدوافع القومية الكامنة والأطماع الفارسية في منطقة الخليج هي التي دفعت بالخلاف بين الأمتين الفارسية والعربية إلى هذا المدى.
رابعاً: لقد اتفق جميع خبراء الدراسات السلوكية على أن الإرهاب ظاهرة عالمية عرفتها الإنسانية في مراحل معينة من تطورها، وهي لا ترتبط بجنسية ولا تعبر عن دين ولا تمثل قومية، إنما هي ظاهرة عدوانية متطرفة تتعمد الفهم المغلوط للديانات والثقافات والحضارات وتسعى إلى تمزيق وحدة الصف والعبث بما هو مشترك بين أبناء الجنس البشري مع محاولة تصنيفهم على نحو يخدم أهدافها ويدعم البعد الإرهابي في أساليبها الدموية، وذلك يعني أن محاولة الزعم بوجود إرهاب سنّي أو ثورة شيعية هو نوع من العبث الفكري الذي لا يستقيم مع حقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا، فالجريمة لا دين لها ولا وطن ولكنها تسعى إلى استغلال مظاهر الحياة كافة، لخدمة غاياتها التي لا يقرّها شرع ولا يقبلها دين.
خامساً: لقد أثبت الشيعة العرب في العراق ودول الخليج وأقطار المشرق العربي أنهم يدافعون عن أوطانهم إذا واجهوا عدواً أو تجاوز عليهم خصم، بينما لا يمكن بيع أوطانهم ثمناً لخلاف مذهبي لا يشكل اختلافاً حقيقياً في إطار جوهر الدين وثوابت الشريعة، ولكن يتم استغلال بعضهم من قوى إقليمية لا تريد الاستقرار والأمن والسلام لشعوب المنطقة، فتدفعهم نحو بعض حالات التمرد على شرعية الحكم ووحدة الصف واحترام مفهوم المواطنة، وليس صحيحاً على الإطلاق أن هناك عربياً يتمرد على سلطة الحكم بدافع مذهبي ما لم تكن وراءه رائحة التآمر ودوافع العدوان.
سادساً: لقد زرع تنظيم «داعش» انطباعاً عاماً على المستوى العالمي بتأكيد انتمائه المذهبي بل قام بعمليات قتل مروعة وفقاً للهوية وتلطخت أعلامه السوداء بدماء السنّة والشيعة على السواء، ولذلك فإننا نؤكد أن ذلك الإجرام الإرهابي لا يستند إلى مذهب ديني، ولكنه يوظف ذلك لخدمة أغراضه وتحقيق أهدافه.
سابعاً: دعنا نعترف بأن لدى المسلمين مشكلة حقيقية تجاه تفسير مفهوم الجهاد، إذ حاولت فرق كثيرة وجماعات مختلفة تطويعه وفقاً لأهوائها بينما الجهاد في الإسلام له مدلول أرقى وأرفع بكثير مما حاول البعض إلصاقه به أو نسبته إليه، فالجهاد يعلو على الدماء والأشلاء وليس الجهاد بالضرورة سيفاً أو مدفعاً، ولكنه يمكن أن يكون أيضاً دعوة مخلصة أو رسالة صادقة أو كلمة حق أمام سلطان جائر، فالجهاد نزعة إصلاحية وليس جماعة إرهابية أو شهوة دموية، من هنا يصعب إلصاق تهمة الإرهاب بفضيلة الجهاد، فالفارق بينهما كبير والمسافة واسعة ولا ينبغي الخلط بينهما، كما تحاول بعض القوى الإقليمية تبريراً لسياسات عدوانية أو تحويلاً للأنظار عن جرائم في حق الشعوب التي تحاول أن ترفع الداء وتدفع البلاء، ولكن روح العصر وخطورة وسائل تكنولوجيا المعلومات قد لا تساعد على ذلك في كثير من المناسبات.
لقد أردنا من السطور السابقة أن نؤكد معنى نحرص عليه ونلتزمه وهو أن الإرهاب لا وطن له ولا دين ولا مذهب، ومن الظلم الحديث عن إرهاب سنّي أو آخر شيعي فالإرهاب جزء من الجريمة المنظمة التي يعرفها عصرنا كما عرفتها عصور سابقة ومن غير المعقول أن نتحدث عنه بغير ذلك، فالإرهاب لا يقف بين الطرح السنّي أو المفهوم الشيعي ولكنه ينطلق من قواعد عدوانية آثمة لا تحترم قيمة الإنسان ولا حق الحياة ولا تملك رؤية للمستقبل.
* مصطفى الفقي - كاتب مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق