بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

الدولة الكردية مشروع سلام لشعوب المنطقة

بداية نهاية أنظمة الحكم في بغداد في كل مرة كانت تبدأ بأزمة مع الأكراد، ثم مشادات إعلامية، ثم مناوشات، ثم حرب استنزاف بين الجانبين، حتى اذا أوشكت قوة الأكراد على النفاد، وبدلاً من أن تسقط كان نظام الحكم في بغداد يسقط سقوطاً ما بعده من وقوف، لتبدأ من جديد مرحلة علاقات أخرى جديدة بين رموز النظام الجديد والمقاتلين العائدين لتوهم من الجبال، بعد أشهر وربما سنوات من مكابدة كل الآلام، فتبتسم رموز الطرفين ابتسامات يخالها الغبي نهاية كل المشكلات وليعدها المتفائل ايذاناً بمرحلة جديدة، بينما نيات الطرفين مختلفة في الاتجاه ومتشابهة بمقدار سوء الظن. فرموز النظام الجديد في بغداد كانوا يقولون سنسايرهم لبعض الوقت وسنقدم لهم تنازلات يخالونها ويخالها العالم سخية وسنفرغ محتواها في النهاية كلما لاحت بارقة أمل للخلاص منهم الى الأبد. بينما الطرف الكردي يبتسم أمام الكاميرا ابتسامة العض على النواجذ.
بداية المفاوضات وتدشين العلاقة الجديدة بين الطرفين تقام في كل مرة على أرضية النية القذرة لدى المركز ونية الإضطرار والضرورة لدى الكردي. هي ليست نية قذرة لكنها نية الرغبة في «المشي مع الكذاب لغاية الباب»، على رغم يقين الكردي بالنتيجة في كل مرة، لكنها ضرورة تحتمها معادلات دولية وإقليمية ومحلية متشابكة وشائكة.
يصبح أحد المساعدين لزعيم كردي ما وزيراً في بغداد. ومساعد آخر وزيراً أيضاً. وثالث ورابع. الصحافة البغدادية تثني على أدائه النقي وتبدأ بمدح كرديته التي تقف وراء كل هذا الكم من «الملائكية» في مخزون ضميره الحي! كما لو كانت تلك الصحف تصف هاوار ملا محمد وهو يرفع كرة جانبية ليكملها يونس في مرمى الخصم! بينما الشخص نفسه اذا استوزر في كردستان يتحول الى شيطان مبين! لا أدري ما حكاية «ملائكية» المسؤول الكردي في بغداد و «شيطانيته» على بني جلدته!الكردي بطبيعته، من الكردي البسيط الى الكردي المركب الى الكردي الممثل للنخبة ونخبة النخبة، هؤلاء جميعاً ملقحون بلقاح ضد الإنخداع، لكن الغريب دائماً فيهم هو انهم يتلقون كل مظهر من مظاهر التدليس والغش من المقابل الموهوم على انها بداية النهاية للنظام في بغداد، ولهذا تبدو ردود فعلهم باهتة باردة تكاد تمزق حتى قلوب اعدائهم لا قلوبهم فحسب، والسبب في ذلك بسيط، فالكردي بدلاً من أن ينشغل بسؤال الحاكم في بغداد عن سر تبدله المفاجئ يذهب ليستطلع رأي الداعم او الناصب او واضع ذلك النظام اصلاً ليقول له الأخير، كما في كل مرة، شيئاً واحداً فقط وهو «ايامه باتت معدودة. نحن أيضاً فوجئنا بموقفه. لا عليكم. انتظروا قليلاً. مصالحنا تحتّم علينا الصبر وأنتم أيضاً يجب عليكم الصبر، لكننا نؤكد لكم أن المؤشرات لدينا تقول إنه ماضٍ نحو الهاوية».
لهذا يعود الكردي منتشياً لأن اعتقاده بقرب الزوال أصبح يقيناً، والغريب أن هذا الشعور هو مكرر دائماً، ولا يحتاج برهاناً في كل مرة اينما ومتى ما سمعت بوجود أزمة حادة بين بغداد وكردستان، فذاك إيذان بقرب زوال النظام، نظام الحكم في بغداد، وإن لم تكن تصدق هذا فانظر الى تاريخ العلاقة بين الطرفين منذ عهد عبدالكريم قاسم الى يومنا هذا، ولا يُعقل أن تتكرر الأحداث نفسها طيلة ستين عاماً، من دون اتعاظ او اعتبار، فإن كان أحد طرفي العلاقة في تغير في كل مرة، ونقـــصد زوال رموز الأنظـــمة المتعاقبة، فإن الطرف الآخر هو نفسه تقريباً طيلة هذه العقود.
ولا يُعقل أن يستمر هذا الطرف على الأقل في السير في المنوال ذاته في كل مرة. لهذا كله، وفي ضوء المتغيرات التي عصفت وما زالت بالشرق الأوسط خلال العقد الأخير، فالأكراد مطالبون بعدم الاستمرار في اللعبة القديمة الجديدة مع تلك الأنظمة المتعاقبة، ولن يكون هناك سبيل لوضع حد نهائي لهذا المسلسل المتكرر من علاقة النفاق الحادة القديمة والحديثة - التي لا تعبّر إلا عن حال من الهدوء تعقبـها معارك دموية ومآسٍ لكلا الشعبين - إلا من طريق إعلان الطرف الكردي ورموزه إعلان الإستقلال فعلياً بعيداً من الاستفتاء الذي يبدو وكأنه تحصيل حاصل، اذ لا يُعقل أن تستفتي الكردي عن رأيه اذا كان موافقاً على أن يعيش في دولته المستقلة أم لا! فالسؤال المستفتى عليه يشبه سؤال الظمآن اذا كان يريد أن يرتوي أم لا!
لم تتوافر في التاريخ فرصة ذهبية كهذه الموجودة اليوم، ولن تتوافرن فكل الدول التي تتقاسم كردستان الكبرى هي في حروب غير معلنة مع بعضها بعضاً، وورثة الاستعمار القديم او البديل الحقيقي عن بريطانيا وهي أميركا تعيش سياسة محرجة في الشرق الأوسط مع إيجاد الدب السيبيري موضع قدم قوي لنفسه في الشرق الأوسط اضافة الى توافق مصالح الدول العظمى مع مصالح الأكراد، وما الآراء والتصريحات الرسمية من وزراء خارجية تلك الدول المؤثرة سوى سحابة صيف سرعان ما تتلاشى أمام الواقع.
*عمر الداوودي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق