بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

غزة أمام امتحان جديد

حيت حركة «حماس» السلطة الفلسطينية فردت عليها التحية بأحسن منها. أعلنت حماس حل لجنتها الإدارية في قطاع غزة، وهي حكومة لا تحمل إسم حكومة، فرحبت السلطة بدعوتها لتسلم مسؤولية القطاع، خيرها وشرها. ليس مهما الآن الخوض كثيرا فيما كانت «حماس» أقدمت على هذه الخطوة عن اقتناع وطيب خاطر أم أنها كانت محشورة فاستسلمت لما كان يمكن أن تفعله من قبل في ظروف أفضل، كما أنه ليس مهما النظر فيما كانت السلطة تملك ردا آخر غير الذي أعلنته وهي التي كانت تلوم الحركة على كل ما آلت إليه الأوضاع في غزة، والتي ساهمت هي بدورها، أي السلطة، في تفاقمها عندما اتخذت مؤخرا مجموعة من الاجراءات يفترض أن تلغيها الآن في ضوء هذا التطور الأخير. 
الصلح خير.. هذا أبرز ما يجب أن يلتقط من قرار «حماس» وتجاوب السلطة معها. لقد أنهك الاثنان طوال عشر سنوات من الانقسام وألحق كل منهما من الأضرار بالقضية الفلسطينية ومشروعها الوطني ما يغني إسرائيل عن فعل أي شيء. ولهذا لا بد من الترحيب بما جرى أملا في أن يكون طريق المصالحة بين «فتح» و«حماس» قد أصبحت سالكة أخيرا بعد عثرات وعقبات ومناكفات جعلت المرء يكون حذرا مع كل إعلان مصالحة جديد. 
الاستبشار والترحيب لا يغنيان عن التوقف قليلا لنرى المطلوب من الأطراف ذات العلاقة بهذا التطور حتى يتجنب الجميع خيبة أمل إضافية لم يعد بمقدور الفلسطينيين تحملها: 
ـ «حماس»، عليها أن تتهيأ من الآن لتعديل خطابها ونهجها في التفكير وغير ذلك ليتلاءم مع مرحلة تضميد الجراح المقبلة. أهالي القطاع جربوا حكمها وخبروه ومن حقهم أن يتنفسوا الصعداء خارج هذا السياق، وهو نفس ما يمكن أن يقال بالمناسبة عن أهالي الضفة مع السلطة. هذه الحركة ستجد نفسها الآن خارج السلطة، وفي نفس الوقت السياق لا يسمح لها أن تكون في المعارضة. ستكون في وضع غير مريح وهو وضع الشريك غير الكامل في حكم عليها أن تجاريه إلى حين إجراء الانتخابات المقبلة، فإما أن يجدد الناس الثقة فيها كما فعلوا عام 2006 أو يختاروا غريمها أو يلفظونهما معا. 
ـ السلطة الفلسطينية، ستجد نفسها من الآن فصاعدا بدون شماعة «حماس» التي ألصقت فيها كل ما عرفه القطاع من كوارث. ستجد نفسها مباشرة على تماس مع الحاجيات اليومية المختلفة لأهالي القطاع من معيشية وأمنية وغيرها، مع بقاء «المشروع الوطني» على الرف لفترة لأن هناك حالة ضجر عامة من «نصب» السياسيين، وبالتالي لا بد من «مرحلة نقاهة» يستعيد فيها الفلسطينيون ثقتهم بالطبقة السياسية كلها بتصنيفاتها وتلويناتها المتعددة. هنا على السلطة ورجالها أن يعملوا بتفان وجدية لاستعادة مثل هذه الثقة. أمر ليس باليسير.
ـ من حق مصر أن تبتهج أنها استعادت بالكامل «الورقة الفلسطينية» وأن الجميع، سلطة ومعارضة، ما عاد بمقدورهم أن يفهموا الأمور بشكل مغاير. 
صحيح أن القاهرة تعاملت مع القصة كلها من منظور أمني خالص، ولهذا أناطت إدارة ملف غزة برمته إلى جهاز المخابرات العامة، لكنها من خلال إعلان «حماس» وترحيب السلطة به والاتفاق على عودة السلطة الوطنية إلى القطاع وإشرافها على المعابر والاتفاق على إجراء انتخابات عامة قريبا استطاعت أن تبرهن للجميع أن لا مفر من المرور عبر القاهرة في هذا الملف، وهي رسالة وجهتها بالذات إلى قطر. ستكون الأنظار في الفترة المقبلة منصبة على ما يمكن أن تقوم به القاهرة لتسهيل مرور الفلسطينيين عير معبر رفح بعد أشهر من الإغلاق والإذلال، وما الذي يمكن أن تقوم به حليفتها الإمارات في تخفيف الضائقة الإقتصادية للقطاع بعد سنوات لم يكن أحد يلتفت إليه إلا قطر. وبين كل من مصر والإمارات سيتابع الفلسطينيون مساعي محمد دحلان، القيادي الفتحاوي المفصول وقائد ما يسمى بــ «تيار الإصلاح» (هكذا؟!!) لاستعادة عذرية مفقودة مستفيدا من سلسلة الأخطاء الطويلة لكل من السلطة وحماس هناك. 
العرب سيتابعون هذه الأيام أداء هؤلاء اللاعبين جميعا دون أن يتدخل أي كان لنجدة أي منهم، لكل شأن يغنيه. إسرائيل من ناحيتها ليست مزعوجة أبدا مما جرى، ستقول لنفسها لنترك الفلسطينيين ينظفون أمام بيتهم ولنرتح قليلا من «شغبهم»، وإذا حصل أي إشكال جديد فسيكون بينهم على الأرجح، أو مع جارتهم مصر، وهذه مضمونة تماما في ظل حكم السيسي. 
من مصلحة الجميع أن تسير الأمور بكل سلاسة إلى حين إجراء انتخابات جديدة لعلها تشكل مخرجا جديدا لمجمل الوضع الفلسطيني. أي تعثر في هذه الانفراجة الحالية سيجعل أهالي غزة يكفرون بالكل ووقتها سيقلبون الطاولة عليهم جميعا، ومن الصعب وقتها أن تعدل من جديد.
*محمد كريشان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق