بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 2 أكتوبر 2017

صياغة جديدة للتعاطي مع البيئة.. «الاستدامة» لم تعد خياراً بعد اليوم

تمكّنت قمة الـ20 التي عقدت أخيراً، والقرارات الصادرة عنها، من تذكيرنا بحقيقة مهمة لا جدل فيها، وهي أن النجاح، خلال العقود الثلاثة المقبلة، في اتخاذ خطوات جادة لتحقيق تحوّل ناجح إلى اقتصاد مستدام وأقل اعتماداً على الموارد الطبيعية الناضبة لن يكون نتيجة لجهد أو قرارات فردية، بل سيكون تتويجاً لجهد جماعي مشترك يقوم على التعاون والتكاتف لحماية الكوكب.
وعلى رغم سلبية قرار البيت الأبيض الأخير الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، فإن ذلك يضع الكرة في ملعبنا، نحن الأفراد، لتحمّل المسؤولية والتصرف بحكمة في التعامل مع التحديات التي نواجهها في ما يتعلق بشح الموارد الطبيعية وتلوث البيئة. وبصفتنا أفراداً مسؤولين، يجب علينا أن نتحلى بالجرأة والشجاعة لمضاعفة جهودنا للانتقال باقتصادنا بعيداً عن المفهوم الاستهلاكي الشائع في الشراء والاستهلاك والتخلص اللامسؤول من النفايات، واستبداله بنظام يتماشى في شكل وثيق مع مبادئ الاقتصاد الدائري.
ويمثّل التعليم المفتاح الجوهري لتحقيق اقتصاد ناجح والوصول إلى تحوّل جوهري بالسلوك، وصناعة البلاستيك هي خير مثال على الحاجة إلى خلق توعية أشمل بين الأفراد، عن مفهوم إعادة التدوير، وقدرتهم على الإسهام في استدامة البلاستيك. ووفقاً لدراسة مسحية حديثة تبين أن واحداً من أصل خمسة من المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي يعتقدون أن البلاستيك مادة لا يمكن تدويرها، وهو ما يمثّل نسبة عالية من الأفراد غير المدركين للتطورات الحاصلة لتحقيق الاستفادة الاقتصادية الكاملة من البلاستيك. هذه الفجوة في المعرفة ستؤدي إلى تفاقم أزمة النفايات وتعمّق الفهم الخاطئ المتمثّل بإلقاء اللوم على البلاستيك وليس الأفراد، وهو ما يسهم في النهاية في زعزعة الثقة بالصناعة التي تمكّنت حتى الآن من تقديم كثير من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لبلداننا.
ويفضي تجاهل هذا السلوك إلى بروز مشكلة أكبر، وهو ما يؤدي أيضاً إلى تلاعب في الحقائق، فالبلاستيك لا يلوث البيئة، بل الأفراد هم المسؤولون عن ذلك، والتغلب على النقص في المعرفة، الذي يتسبب فيه هذا اللبس، يستوجب بذل مزيد من الجهود التوعوية لضمان أن نكون جميعاً مدركين للمسؤولية الملقاة على عاتقنا، والمتمثلة بتحويل ممارسات الاستدامة إلى عادات يومية، ولفهم السبيل إلى تحقيق خطوات فاعلة وقادرة على إحداث الفرق في مجتمعاتنا.
فمنذ اختراعه، قبل ما يزيد على 100 عام، أصبح البلاستيك عصباً رئيساً للاقتصاد العالمي ومسهماً فعّالاً في حياتنا حتى وقتنا الحالي، وصناعة البلاستيك كانت وما تزال محفّزاً رئيساً للأفكار الجديدة المرتبطة بالاقتصاد الدائري، التي يمكنها الانتقال بالطريقة التي نحافظ بها على الموارد الطبيعية وغير الطبيعية، والتشجيع على تغيرات جوهرية إيجابية في سلوكنا تدوم على المدى البعيد.
وإصرار بعض الأفراد والمنظمات على شيطنة البلاستيك وتحميله مسؤولية النفايات، التي تلوث بيئتنا، لا يتسم بالموضوعية، لأن هؤلاء يغفلون المتسبب في هذه الظاهرة، المتمثل بالسلوكيات، وينسون الدور المهم الذي يلعبه البلاستيك في جعل العالم من حولنا أكثر ازدهاراً وصحةً وسعادة، فهو يؤمن إيصال مياه شرب نظيفة إلى بيوتنا، ويسهم في أنظمة عزل المباني لترشيد استهلاك الطاقة، ويوفر منتجات آمنة لقطاع الرعاية الصحية. وحتى الأطعمة التي تمثل الحاجة الأساسية الأهم لبقائنا، يسهم البلاستيك في الحفاظ عليها طازجة، من خلال منتجات التغليف البلاستيكية، إذ يعد هدر الأغذية ثالث أكبر مسهم في إطلاق غازات الدفيئة. ويعتبر البلاستيك مادة خفيفة جداً بالمقارنة مع نظيراتها، ما يجعل منها أسهل وأكثر كفاءة في قطاع النقل، ويؤدي في النهاية إلى الحد من البصمة الكربونية. وبحسب التقديرات، فإن استخدام البلاستيك في تغليف المنتجات كافة قد يؤدي إلى خفض متوسط حمل كل شاحنة بما يقارب 800 كغ، ويوفر ما يصل حتى 2 لتر من الديزل لكل 100 كلم تقطعها، ويحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنحو 5 كغ.
وبمقارنته مع المواد التقليدية الأخرى، يعتبر البلاستيك أفضل للبيئة، بفضل إسهامه في تحقيق الكفاءة في الموارد، فبحسب دراسة لمنظمة International Trucost نشرت عام 2016، فإن الكلفة البيئية للبلاستيك المستخدم في المنتجات الاستهلاكية أقل بما يقارب أربعة أضعاف في حال تم استبداله بمواد أخرى. فالبلاستيك المستخدم في التغليف مثلاً يتطلب طاقة أقل بأربع مرات من الورق، ما يعني استهلاك مياه أقل، وبالتالي تلوثاً أقل، ويحتاج البلاستيك إلى طاقة لإعادة تدويره أقل من تلك التي يحتاج إليها الورق بنحو 91 في المئة.
في هذا السياق فإن مجانية الأكياس البلاستيكية الخفيفة الوزن في منافذ التسوق يعد تبذيراً يجب إيقافه، فبحسب دراسة إقليمية أجراها الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات (جيبكا) فإن 50 في المئة من الأفراد المشاركين في الدراسة أبدوا موافقة على تحصيل مبالغ رمزية لقاء الحصول على الأكياس البلاستيكية، لتغيير سلوكياتهم بعد انتهاء الغرض منها وتقليل احتمالات التخلص منها بمثابة نفايات، واستبدالها بالأكياس البلاستيكية ذات المتانة العالية القابلة للاستخدام المتكرر. وهذه الأكياس يمكن بعد إعادة استخدامها وانتهاء عمرها الافتراضي إعادة تدويرها بصورة مبتكرة في صناعة الأنابيب وأعمال الطرق ومناحي قطاع الإنشاءات كافة. وفي الاقتصاد الدائري فإن فوائد البلاستيك تتخطى أية مادة أخرى، ولا توجد مادة أخرى لديها التنوّع ذاته الذي يمتلكه البلاستيك.
وتشير الإحصاءات إلى تنامي استعداد الأفراد لدعم عمليات إعادة التدوير في بلدانهم، لكن عقبات، مثل صعوبة الوصول إلى المنشآت، ونقص التعليم، تقف في طريقهم. إذ يؤيد 40 في المئة من المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي زيادة إسهامهم في عملية إعادة التدوير، و21 في المئة منهم دعوا إلى إنشاء مزيد من المنشآت المخصصة لذلك. في المقابل، فإن تزايد عدد المشاركين بحملات تنظيف البيئة في المنطقة، مثل حملة «بيئة بلا نفايات» يعكس قوة العمل الجماعي.
ختاماً، يجب علينا أن نعمل على إبراز ودعم وتشجيع القيادات الشابة في مجتمعاتنا، لصياغة الطريقة التي نتمكن بها، بوصفنا أفراداً وشركات وحكومات، من مواجهة هذه التحديات وانتهاز الفرص التي يوفرها مفهوم الاقتصاد الدائري، فالاستدامة لم تعد أمراً اختيارياً، بل أصبحت نهجاً لا غنى عنه، ولن يؤدي أي تغيرٍ في السياسات أو تشوّه في المفاهيم إلى التأثير في الحقيقة التي نحمل مفاتيحها، نحن الغالبية.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق