بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 17 أبريل 2016

مروان البرغوثي و«توليد نخبة سياسية جديدة»

في الخامس عشر من هذا الشهر تمر الذكرى الـــ 14 لاعتقال مروان البرغوثي والحكم عليه لاحقا بالسجن خمس مؤبدات وأربعين عاما. طوال هذه السنوات تغيرت معطيات كثيرة في الساحة الفلسطينية أغلبها لم يكن يبعث على الارتياح خاصة حالة الانقسام التي شطّرت الوطن إلى أن جاءت الهبة الأخيرة التي لم تجد من يحسن التعاطي مع عفويتها وعمق دلالاتها. وفي هذا رأى البرغوثي أن القيادة الفلسطينية «أخفقت في التقاط مغزى الهبة الذي قدم بوصلة وطنية يمكن الاستعانة بها لتصويب المسار، بعيدا عن الأوهام وسراب التفاوض والسلام الزائف»، معتبرا أن هذه القيادة «لم تغتنم اللحظة التاريخية، ولا تزال تراوح مكانها وتكرر الخطاب والأداء ذاتهما، منعزلة عن الجماهير التي خطت أولى الخطوات نحو تصويب المسار، ونحو إعادة الاعتبار إلى قضية فلسطين».
وفي مقال تحت عنوان «نحو توليد نخبة سياسية جديدة» نشرته مجلة «الدراسات الفلسطينية» في عددها الأخير(106- ربيع 2016)، كتب عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» وعضو المجلس التشريعي والأسير في سجن هداريم، زنزانة رقم 11، كما جاء في التعريف المصاحب للمقال، أنه «إذا أردنا تخطي مساوئ هذه المرحلة، فإن علينا تجديد الخطاب والبنية عبر التزام خطاب تحرر وطني وبنية سياسية شابة تنقلنا إلى مسار وطني بديل»، منتقدا ما وصفه بــ»التكلس والشيخوخة الفكرية والنضالية التي أصابت الفصائل والتنظيمات في مقتل وانعكست على الحالة الوطنية برمتها». 
اللافت في هذا المقال- الوثيقة أنه رغم صراحته خلا من أي إشادة بنفسه أو مزايدة على غيره كما أنه لم يذكر فيه أسماء بعينها أو فصائل محددة وإنما حاول تشخيص الهم الوطني العام. لهذا رأى المطلوب هو «استعادة خطاب حركة التحرر الذي يركز على الخلاص من الاحتلال وعلاقات التبعية والهيمنة التي فرضها هذا الاحتلال وهو ما اصطلح على تسميته التمسك بالثوابت الوطنية». وأضاف «مهندس انتفاضة الأقصى» عام 2000 أن «العودة إلى خطاب التحرر الوطني يحررنا من أعباء وتفصيلات مطلبية حولت السلطة الفلسطينية من قيادة تحرر وطني إلى وسيط بين المواطن والاحتلال في قضايا وتفصيلات حياتية لا تنتهي ومتواصلة منذ أكثر من عقدين».
ويضع البرغوثي إصبعه على موطن الداء الكبير حين يؤكد: «أفقدتنا المفاوضات العبثية ومسارها السياسي، إلى حد كبير، مفردات الخطاب التحرري لمصلحة الخطاب الحقوقي والشرعية الدولية المنعزل عن واقع ما يجري على الأرض من جشع كولونيالي إسرائيلي»، جازما أنه «لا يعقل أن يستمر التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال وندعي في الوقت نفسه أننا حركة تحرر تناضل ضد هذا الاحتلال».
وفي سؤال حارق طرحه البرغوثي على الجميع قال إنه «بينما استطاع الرعيل الأول الذي فجر الثورة أن يلتقط اللحظة التاريخية وينجح في دمج منظمة التحرير في قوى التحرر والديمقراطية والعدالة المنسجمة مع حركة التاريخ، فإن التحدي الذي ينتصب أمامنا يتلخص بسؤال: هل يمكن استعادة تلك اللحظة والمكانة؟»، طارحا «تجديد الدماء والعقول وتوليد نخبة سياسية جديدة».
اللهجة الهادئة والرصينة التي كتب بها مروان البرغوثي ورقته تحيلنا مرة أخرى إلى الأهمية الكبرى التي تكتسيها دائما تجربة السجن في مسيرة أي مناضل ضد الاستعمار لأنها تجعله، في الغالب، في حالة تجل وصدق مع النفس بعيدا عن ضغط الشارع أو تصعيد أجوف ضد الاحتلال، وبعيدا كذلك عن أي مناكفة عدمية مع المنافسين الوطنيين. ومما يروى في تونس أن الزعيم الحبيب بورقيبة، وبعد ما عـُــدّدت أمامه ذات مرة مناقب أحد المناضلين، سأل «وهل دخل السجون أو المعتقلات؟» قيل له: لا، فعقـّـب بالقول: للأسف ينقصه شيء هام جدا!!.
ما كتبه البرغوثي يخص بالدرجة الأولى القيادة الفلسطينية ولكنه لا يعفي غيرها من المسؤولية سواء «فتح» أو «حماس» أو باقي الفصائل الفلسطينية فالكل يعاني أزمة حادة بدرجة أو بأخرى زادها تفاقما حالة الجزْر العربية العامة وانحسار حال المقاومة ضد إسرائيل بشكل خاص مع تورط رافعي هذا الشعار في المنطقة في متاهات الحروب الداخلية والأجندات الطائفية في سوريا والعراق واليمن. لم يشر البرغوثي إلى أي كان بالاسم لكنه كان لافتا جدا، وخطيرا للغاية في آن معا، تنبيهه إلى أن من يملأ الفراغ الحالي في الساحة الفلسطينية هي «قوى الفكر التفكيري التي تنتشر كالنار في الهشيم»، خاصة وأن «دوائر الاحتلال تساعد في إيجاد بيئة حاضنة للخطاب التكفيري بهدف دق أسافين بين النضال التحرري الفلسطيني والقوى الديمقراطية والتقدمية المؤيدة لهذا النضال في العالم»… أو لم يسبقه في ذلك رؤساء عرب بجواره؟؟!!
٭ كاتب وإعلامي تونسي
محمد كريشان - القدس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق