بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 27 أبريل 2016

تعديلات الدستور الأردني… تعجّل أم ماذا؟

الاستهانة بمزاج الشارع وبذكاء المواطنين وقدراتهم على التحليل والمتابعة وآلامهم وآمالهم مسألة لا يمكن الرهان عليها مرة اخرى في اقرار تعديلات دستورية أثارت في الاردن الجدل حتى قبل بداية نقاشها.
الارتجال هنا مرة اخرى سيد الموقف والحكومة تباغت نخبا، لا يشاورها أحد، ومواطنين مهمشين وخائفين وقلقين من كل ما يجري في المنطقة بتعديلات دستورية يقول بعض رجال الدولة في البرلمان انها مسلوقة ومتسرعة ثم تبدأ كالعادة داخل الوسط الحكومي حفلة التشكيك بولاء وانتماء بمن يقلق او يتحفظ او حتى يقترح خارج النص.
كمواطن اردني لا أرى أن الدستور نص مقدس واعتقد ان الدساتير توضع لكي يتم تعديلها وتطويرها وفقا لحاجات الانسان والمواطن اصلا ثم وفقا لمتطلبات المصلحة العليا ثانيا.
لكن ذلك لا يدفعني للحماس او للتصفيق للتعامل مع نصوص الدستور وكأنها لائحة داخلية او نظام قانوني يمكن ببساطة تعديله بين الحين والآخر بدون توافق ومشاورات وحتى بدون استشارة الخبراء من رجال الدولة والنظام ليس في مجال التشريع فقط ولكن في مجال الفقه الدستوري نفسه.
ينظر الاردنيون باحترام شديد لدستورهم وبتقدير عال لنظامهم والدولة الاردنية لا تحتاج اطلاقا لشرعية تنتج عن تبديل بنصوص هنا او هناك في عملية متسارعة غير مدروسة لم تطه على نار هادئة خلافا لما ينبغي ان يحصل بالعادة.
النظام في الاردن بالنسبة للأردنيين أولا وللمنطقة والعالم ثانيا خارج سؤال الشرعية ليس فقط بسبب شرعية الانجاز والواقع ولا بسبب تمثيل النظام لهوية شعبه السياسية ولكن ايضا لأن قيم التسامح والتعامل الموضوعي مع الواقع مستقرة في اذهان الاردنيين جميعا ولأن الحب والولاء للعرش يمارسهما حقا ويوميا الفقراء والبسطاء في المخيمات والبوادي وكل المحافظات أكثر بكثير مما تمارسهما تلك النخب الطارئة التي تزاود على الجميع وتتصدر المشهد وتراقب الاحباط والاخفاق وبصورة تسحب من رصيد النظام عند الناس.
لا اعتقد شخصيا بوجود حالة انكار عند اي مواطن اردني تجاه الدولة والمؤسسات وصلابتها وألمس العكس تماما حيث يسترسل ويسترخي انكار الناس والرأي العام والمواطنين عند النخب وبعض المؤسسات وبصورة انتهازية وفردية تؤذي للمرة الثانية رصيد الدولة عند الناس.
ولا اعتقد بالمقابل بان وجدان المواطن الاردني يمكنه ان لا يحترم نصوص الدستور او يمكنه التحفظ على الصلاحيات الملكية التي كانت دوما ضمانا للحق والانصاف ومعادلا موضوعيا لأحلام المواطنين واحلامهم في وجه تعسف السلطات والحكومات والنخب الانتهازية.
الاشكال في الطريقة التي عرضت فيها هذه التعديلات من قبل ادوات في الادارة وليس من قبل الادارة نفسها مما ينشط ذاكرتنا مجددا بان الوطن الاردني يواجه أزمة ادوات في الحكم واضحة الملامح ولم يعد من الممكن تجاهلها او انكارها لأن الرسائل الملكية التي ينبغي ان تصل للشعب على اساس صيانة حقوقه وضمانة الانصاف والعدالة لا تحقق مرادها مرة بسبب ألعاب وعبث رموز الحكومات وأدوات الادارة التنفيذية ومرة بسبب الارتهان فقط الى نوعية محددة من المسؤولين لا تتميز بالعمق الثقافي ولا بالفكر السياسي مما يعزز دوما الارتجال والعشوائية وينزع الدسم من كل روايات الدولة عندما تصل لهدفها في الجمهور.
من حيث الشكل التعديلات الدستورية الاخيرة في الأردن ظهرت وكأنها متعجلة مما أنتج مساحة من التأويل والتكهن تضاعفت وزادت مع عدم انطلاق حملة في الاعلام الرسمي تمهد للأمر او حتى تشرحه للجمهور وبصورة تقول ما هي الاسباب الموجبة، الامر الذي أخرج التعديلات الدستورية رغم الحاجة الوطنية لبعضها من دائرة الرضا والتوافق العام.
استدعي مجلس الوزراء بعد يوم من اجتماعه المعتاد لإقرار هذه التعديلات وهو أمر لم يكن من حيث الشكل اضطراريا خصوصا وان الحكومة قالت ضمنيا ما يوحي بان التعديلات أمرت بها ولم تخرج من وحي تفكير المطبخ الحكومي.
من حيث الشكل ايضا لم تجر الحكومة مشاورات قبل القاء ملف التعديلات الدستورية في حضن الجمهور حيث لم تجر لقاءات مع خبراء دستوريين ولا مع اركان السلطة التشريعية وكل ما شاهده المواطن الاردني شريط اخباري أسفل الشاشة الحكومية يتحدث عن تعديلات دستورية مقترحة دون ان تشرح للمواطن لا في البرامج ولا في الاخبار.
حتى رموز التشريع الخبراء في طي نصوص لمصلحة النظام والدولة كانوا خارج التغطية تماما فلم يشاورهم او يسألهم او يضعهم في الصورة أحد وهنا حصريا تبرز مسؤولية الفريق الوزاري والفريق العامل مع القصر الملكي لأنه من غير اللائق مطالبة سلطة التشريع فجأة بتعديلات دستورية لم تشرح للناس ولم تحظ بالتوافقات التي تحظى بها بالعادة مشاريع قوانين أقل أهمية.
الاداء الذي برز في عرض التعديلات الدستورية أساء لها وأقولها بكل صراحة أساء ايضا للنظام والدولة دون مبرر وبعيدا عن المضمون المباشر لجوهر نصوص التعديلات نتحدث هنا عن الشكل والطريقة وعن انتاج مجاني لمساحات اضافية من التكهن والشائعات بسبب غياب رواية رسمية متماسكة وصلبة ومقنعة.
لذلك كان الارتجال سيد الموقف ولذلك تصبح الحاجة ملحة مجددا لتشخيص مصلحة النظام فعلا وسط حالة من الاستعصاء الادواتي يستحق الاردن حكما ووطنا وشعبا التوقف عن انكارها.
* بسام البدارين-القدس العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق