بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

اغتيال ناهض حتر: حوار القاتل والقتيل

لقي الكاتب الصحافي الأردني ناهض حتر (56 عاماً) مصرعه في عملية اغتيال صباح أمس الأحد عند البوابة الخارجية لقصر العدل، حيث كان من المفترض أن يحضر جلسة محاكمة سرّية وذلك بعد تحريك دعوى ضدّه باسم الحق العام بتهمتي «إثارة النعرات المذهبية» و»إهانة المعتقد الديني».
فقبل شهرين نشر حتر رسما كاريكاتوريا على صفحته على «فيسبوك» يتضمن تصويراً تشخيصياً مسيئاً للذات الإلهية مع تعليق له يقول: «رب الدواعش». كان سبباً لبلاغ جماعي لعشرات من المواطنين الأردنيين الغاضبين ضد الكاتب.
لقي الاغتيال تنديداً سريعاً من السلطات الأردنية كما أثار جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية والإعلامية الأردنية والعربية بين رافضين لمبدأ الاغتيال السياسي وبين متشديين معتبرين أنه لقي مصيرا يستحقه.
حتر المعروف بكونه كاتبا يسارياً، اتخذ انتماؤه هذا انحناءات غريبة، فهو ـ بحسب مساجليه من غلاة الشوفينيين. وأفصح من عبر عن العداء لوجود الفلسطينيين في الأردن بدعوى أن مشروع «الوطن البديل» الإسرائيلي «لا يمكن دحضه إلا بعودة (أو ربما بطرد؟) الأردنيين الفلسطينيين إلى فلسطين»، كما أثار لغطاً كبيراً بتساؤله حول «قانونية» حمل الفلسطينيين للجنسية الأردنية.
كذلك، سجّل حتر مواقف شديدة المغالاة في تأييد نظام بشار الأسد في سوريا وأحد أقواله المشهورة في ذلك «سنواصل مع الأسد، حتى لو احترقت المنطقة كلها ودمرت عاليها على سافلها». فضلاً عن آراء حادّة نحو اللاجئين السوريين حيث اعتبر في مقال له أن «خسارتهم لا تعد نزفا ديموغرافيا» كونهم من «الفئات غير القادرة على التعايش مع التعددية والنمط الحضاري الخاص بسوريا». 
هذه المغالاة جعلت صحيفة «الأخبار»، وهي المعروفة بقربها من «حزب الله» والنظام السوري، للاعتذار وحذف المقال من موقعها الالكتروني.
شخصية حتر ومواقفه تدل على حدية آرائه السياسية، عدا عن أن اجتهاداته الشيوعية التي تقول بالدفاع عن العمال والفلاحين تحمل تناقضات كبيرة. ففي الوقت الذي كان فيه معارضاً عنيفاً لتيّار الإسلام السياسي (السنّي) فإنه كان مؤيّداً من دون تحفّظ لاتجاه آخر من الإسلام السياسي (الشيعيّ) عبر تأييده لإيران الوليّ الفقيه ولحزب الله (في إحدى مقالاته يعتبر السيّد حسن نصر الله تجسيداً لفلاديمير إيليتش لينين!).
وقد بدا ذو دلالة، أن جماعة «الإخوان المسلمين» في الأردن شاركت العديد من الأحزاب والشخصيات والجمعيات بالتنديد بعملية الاغتيال وبشاعتها، هذا ردّ من التيار الذي كان أحد مواضيع كراهية الكاتب، ذاك أن المنهاج السياسي والمدنيّ والأخلاقي في التعاطي مع «جرائم الكراهية» (كما يسميها الغرب) هو القانون وحده، والاغتيال هو أسلوب الجهلة الذين لا يستطيعون مقارعة الفكر بالفكر.
القاتل، كان قادماً من حجّ بيت الله الحرام، ولكنّه عاد ليرتكب جريمة نكراء تتنافى تماماً مع تقاليد الإسلام والسنّة النبوية ولعلّ القاتل (أو من أفتوا له بالقتل) لم يقرأ قصة الشاعر كعب بن زهير الذي هجا الرسول وشبّب بنساء المسلمين ولكن الرسول عفا عنه وخلع عليه بردته فكتب فيه قصيدة البردة الشهيرة.
على عكس ما انتوى القاتل، فإنّه بفعلته الإرهابية أساء إلى الإسلام والمسلمين ورفع راية الانتقام على راية الفكر ومنح مواقف الكاتب القتيل مساحة أكبر للانتشار وأعطاه مصداقيّة وفاعلية أكبر، وهو للأسف، برهن على حجم الاستعصاء السياسيّ الراهن في المنطقة العربية بين فكر يبرّر الإبادة الجماعية والعنصرية وآخر يبرّر الاغتيالات والإرهاب.
*القدس العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق