بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 ديسمبر 2015

الأكلُ يحترِق .. الوطنُ يحترِق

( حمودي الصغير ، تجاوزَ عُمره الخمسة سنوات ، ولم ينطُق بِكلمةٍ واحدة .. بحيث ان والدَيه ظّنا بأنهُ أبكَم ، وحتى بعد مراجعتهم للعديد من الأطباء ، الذين أكّدوا أن إبنهم الصغير ، ليس عندهُ مشاكل صحية في المناطق المسؤولة عن النُطق ، فأنهُ بقيَ صامتاً على طول الخَط . إلى أن كانَ في صباحٍ ما ، وحمودي جالسٌ في المطبخ ، كالعادة ، ووالدتهُ تقومُ بأعمال المنزل .. حيثَ قالَ حمودي ، بصوتٍ واضِح وكلماتٍ كاملة : ماما ماما .. أن الأكل يحترِق ! . سارعتْ الأم وأطفئتْ الطباخ .. ثم إنتبهتْ إلى أن إبنها تكلمَ أخيراً ، فقفزتْ من الفرحة وقالتْ : أنك تتكلمُ ياحبيبي .. لماذا لم تنطق شيئاً في السابِق ؟ .. رَدَ حمودي ببساطة : .. كانَ كُل شئ يسيرُ بِشكلٍ طبيعي وجيد ، فلماذا أتكَلَم ؟! ) .
أيها القابضونَ على السُلطة .. أيها المُتحكمونَ بِكُل مفاصل المال والتجارة والثروة والنفط .. أيها الجَشِعونَ أيها الحيتان .. 
لطالما بقينا نحنُ آلاف الحموديين الصِغار ، صامتين لسنين طويلة . كُنّا نتغاضى بِغباء ، عن إنتهاكاتكُم .. كُنا نتعامى بِسذاجة ، عن فسادِكُم .. كُنّا حَمقى ولا نقولُ شيئاً ، عن أكاذيبِكُم وإدعاءاتِكُم .. ولكن أن تَصِل الأمور ، إلى حَد أن تتهاونوا وتستهتروا ، بحيث " تحرقوا الطِعام " ، فسوفَ ننطُق .. بل لن نتوقفَ عن الكَلام ، ونقولها بصراحةً وبوضوحٍ تام : كفى ... بصوتٍ هادرٍ يهُز أركانكُم : كفى .. فلقد تجاوزتُم كُل الحدود .
وأستعيرُ من الدكتور " فارس كمال نظمي " ( .. حينَ تأبى السُلطة الكومبرادورية ، ان تُمارِس حَداً أدنى من الإصلاح الإقتصادي والسياسي ، لصالح المحرومين ، وتصرُ على إستمرار تكديس الأموال في كَفة قادَتها وزبانيتها .. فعليها ان تُواجِه ، حَداً أعلى من طاقة الإحباط المُنفَلِتة لدى المحرومين ، ضمن جَدلِية إعادة توزيع الثروة .. ولكن بوسائِل الإنتقام والثأر وإعتبار الدولة غنيمةً مُستباحة ! ) .
كما أستعيرُ من الأستاذ " سعدون محسن ضمد " ( .. القَدَر الذي ، يجمع الوَعي والضمير ، في شريحةٍ من الناس ، والسُلطةَ والمال في غيرها .. قَدَرٌ أحْمَق ) .
................................
حمودي الصغير ، نطقَ أخيراً ، لأن الأكل كانَ يحترِق .
أما آنَ الوقتُ لنتكَلم .. حيثُ ان الوطنَ كلهُ يحترِق .
فَلَسنا مُجبَرينَ أن نقبَلَ بالقَدَر .. إذا كانَ القَدَرُ أحمَق .
* امين يونس - كاتب كردي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق