بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 28 ديسمبر 2015

نحو‭ ‬استثمار‭ ‬جماعي‭ ‬لنتائج‭ ‬المؤشر‭ ‬العربي

المؤشرات‭ ‬العلمية‭ ‬لسبر‭ ‬آراء‭ ‬المواطنين‭ ‬واستمزاج‭ ‬مواقفهم‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬والمؤسسات‭ ‬السياسية‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬الوسائل‭ ‬لتحليل‭ ‬الواقع‭ ‬ومعرفته‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق‭.‬
نحتاج‭ ‬جميعا‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬واقعنا‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق‭ ‬قبل‭ ‬الاجتهاد‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬الأحكام‭ ‬السريعة‭ ‬باسم‭ ‬المجتمع،‭ ‬لأنها‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أحكام‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬تمثلات‭ ‬معينة‭ ‬للمجتمع‭ ‬ومن‭ ‬خلفيات‭ ‬فكرية‭ ‬وسياسية‭ ‬وحتى‭ ‬إيديولوجية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬متمعنة‭ ‬في‭ ‬الواقع‭.‬
قياس‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ومعرفة‭ ‬توجهاته‭ ‬مفيد‭ ‬للجميع،‭ ‬للحكومات‭ ‬ولصناع‭ ‬القرار‭ ‬وللمعارضة‭ ‬أيضا،‭ ‬وهو‭ ‬مرتكز‭ ‬أساسي‭ ‬للإسهام‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬صناعة‭ ‬القرار‭ ‬الوجهة‭ ‬المناسبة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭.‬
القياس‭ ‬المنتظم‭ ‬لإرادة‭ ‬الناس‭ ‬المعبر‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬استطلاعات‭ ‬ميدانية‭ ‬علمية،‭ ‬سواء‭ ‬بعد‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬معينة‭ ‬ذات‭ ‬طبيعة‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬سياسية،‭ ‬أو‭ ‬قبل‭ ‬اتخاذها،
‮ ‬ولذلك‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬مراكز‭ ‬الاستطلاع‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬الرئيسية‭ ‬لصانع‭ ‬القرار‭ ‬ومن‭ ‬أسرار‭ ‬نجاحه‭.‬
في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬هناك‭ ‬فقر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬تقاليد‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬محاولات‭ ‬تستحق‭ ‬التنويه‭ ‬والإشادة‭.‬
المؤشر‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬استطلاع‭ ‬للرأي‭ ‬ينظم‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬ينظم‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المركز‭ ‬العربي‭ ‬للأبحاث‭ ‬وتحليل‭ ‬السياسات‭ ‬الذي‭ ‬يديره‭ ‬باقتدار‭ ‬الدكتور‭ ‬عزمي‭ ‬بشارة‭..‬
في‭ ‬نسخته‭ ‬الرابعة‭ ‬جرى‭ ‬تنفيذه‭ ‬عبر‭ ‬مقابلات‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬عينة‭ ‬تكتسب‭ ‬صفة‭ ‬التمثيلية‭ ‬للمجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬ولفآتها‭ ‬المختلفة،‭ ‬بلغ‭ ‬عددهها‭ ‬18311‭ ‬مستجوبا بهامشِ‭ ‬خطأ‭ ‬2‭-‬3%‭.‬‮ ‬
المؤشر‭ ‬العربي‭ ‬يستطلع‭ ‬اتجاهات‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬بخصوص‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والقيمية‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬أحوال‭ ‬المواطن‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬بلدا‭ ‬عربيا،‭ ‬وتمثلاته‭ ‬للحلول‭ ‬الممكنة‭ ‬لتجاوز‭ ‬الوضعية‭ ‬الراهنة‭..‬

89 ‬%‭ ‬من‮ ‬مواطني‮ ‬المنطقة‭ ‬العربيّة‭ ‬قدموا‭ ‬تعريفا‭ ‬للديمقراطية‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬اعتبارها ضمانة‭ ‬للحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬السياسيّة‭ ‬والمدنيّة،‭ ‬أو‭ ‬باعتبارها‮ ‬ضمان‭ ‬للمساواة‭ ‬والعدل‭ ‬بين‭ ‬المواطنين،‮ ‬أو‭ ‬باعتبارها ضمان‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‮ ‬بينما‭ ‬اعتبرها‭ ‬بعضهم‭ ‬هي‭ ‬أداة لتحسين‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصاديّة‭.‬
كما‭ ‬أن‭ ‬أغلبية‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ (‬أزيد‭ ‬من‭ ‬72٪‭ ) ‬تؤيد‭ ‬النظام‭ ‬الديموقراطي‮ ‬،‭ ‬مقابل‮ ‬22%‭ ‬يعارضونه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عملا‭ ‬كبيرا‭ ‬يتعين‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬لترسيخ‭ ‬قيمة‭ ‬الديموقراطية‭ ‬كثقافة‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬مواطني‭ ‬المنطقة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬حوالي‭ ‬80٪‭ ‬يَرَوْن‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬الديموقراطي‭ ‬هو‭ ‬النظام‭ ‬الأكثر‭ ‬ملاءمة‭ ‬ليكون‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭ ‬وترفض‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬السلطوية‭ ‬أو‭ ‬أنظمة‭ ‬الحزب‭ ‬الوحيد‭ ‬أو‭ ‬الأنظمة‭ ‬القليلة‭ ‬التنافسية‭ ‬أو‭ ‬الأنظمة‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬تنعدم‭ ‬فيها‭ ‬الانتخابات‭ ‬والأحزاب‭ ‬السياسية‭.‬
من‭ ‬المثير‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬55٪فقط‮ ‬من‭ ‬المستجوبين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربيّة‮ ‬يقبلون‭ ‬بوصول‮ ‬حزبٍ‭ ‬سياسيّ‮ ‬لا‭ ‬يتّفقون‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‮ ‬عبر‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع،‮ ‬مقابل‮ ‬40%‮ ‬أفادوا‮ ‬أنّهم‭ ‬لا‭ ‬يقبلون‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬الملاحظة‭ ‬السابقة‭ ‬ويؤكد‭ ‬نسبة‭ ‬الخصاص‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الديموقراطية‭.‬
‮ ‬62%‭ ‬من‮ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العربي‭ ‬عبروا‭ ‬على‭ ‬قبولهم استلام‭ ‬حزب‮ ‬ٍ‮ ‬سياسيّ‮ ‬إسلامي‭ ‬السّلطة‮ ‬،‮ ‬إذا‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬عددٍ‮ ‬من‮ ‬الأصوات‭ ‬يؤهله لذلك،‭ ‬مقابل‭ ‬ثلث‭ ‬المُستجوبين‭ ‬عارضوا‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬سؤالا‭ ‬عريضا‭ ‬على‭ ‬منظمي‭ ‬الاستطلاع‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬المقصود‭ ‬“بالحزب‭ ‬السياسي‭ ‬الإسلامي”خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬خريطة‭ ‬التنظيمات‭ ‬السياسية‭ ‬ذات‭ ‬المرجعية‭ ‬الإسلامية‭ ‬ليست‭ ‬متجانسة‭ ‬والاختلافات‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬تصوراتها‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬التعارض؟‭!‬
المؤشرات‭ ‬التي‭ ‬اعتمدها‭ ‬الاستطلاع‭ ‬لتقييم‭ ‬مستوى‭ ‬الديموقراطية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المعنية‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬إمكانية‭ ‬انتقاد‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خوف‭..‬نسبة‭ ‬38٪‭ ‬اعتبرت‭ ‬بأنه‭ ‬لايمكن‭ ‬انتقاد‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خوف‭..‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬بأن‭ ‬مركب‭ ‬الخوف‭ ‬لازال‭ ‬عائقا‭ ‬نفسيا‭ ‬أمام‭ ‬عمليات‭ ‬التحول‭ ‬الثقافي‭ ‬المطلوبة‭ ‬لإحداث‭ ‬الانتقال‭ ‬الديموقراطي،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المؤشر‭ ‬العربي‭ ‬يفتح‭ ‬آفاقا‭ ‬متفائلة‭ ‬حينما‭ ‬يفيدنا‭ ‬بأن أكثرية‭ ‬الرأي‭ ‬العامّ‭ ‬العربي‮ ‬مهتمّة‭ ‬بالشؤون‭ ‬السياسيّة‭ ‬في‭ ‬بلدانها،‮ ‬فالاهتمام بالشؤون‭ ‬السياسية‭ ‬قد ارتفع في‭ ‬مؤشر‮ ‬2015‮ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬استطلاع‭ ‬2014،‭ ‬ويقترب‭ ‬من‭ ‬المعدلات‭ ‬التي‭ ‬جرى‭ ‬تسجيلها‭ ‬بعد‭ ‬الدينامية‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭.‬
المؤشر‭ ‬العربي‭ ‬تضمن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭ ‬التحليل‭ ‬حول‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬الراهنة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الدين‭ ‬والتدين‭ ‬وعلاقته‭ ‬بالسياسة‭ ‬وإشكالية‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتكفير‭ ‬والموقف‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬وتقييم‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬للثورات‭ ‬العربية‭ ‬ومآلاتها،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإشكاليات‭ ‬التي‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬تحليل‭ ‬وفهم‭ ‬مواقف‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬اتجاهها‭.‬
*د‭.‬عبد‭ ‬العلي‭ ‬حامي‭ ‬الدين‮ ‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق