المؤشرات العلمية لسبر آراء المواطنين واستمزاج مواقفهم من الظواهر والمؤسسات السياسية هي من أفضل الوسائل لتحليل الواقع ومعرفته بشكل دقيق.
نحتاج جميعا إلى معرفة واقعنا بشكل دقيق قبل الاجتهاد في إطلاق الأحكام السريعة باسم المجتمع، لأنها تكون في الغالب عبارة عن أحكام نابعة من تمثلات معينة للمجتمع ومن خلفيات فكرية وسياسية وحتى إيديولوجية في بعض الأحيان، وليس من قراءة متمعنة في الواقع.
قياس الرأي العام ومعرفة توجهاته مفيد للجميع، للحكومات ولصناع القرار وللمعارضة أيضا، وهو مرتكز أساسي للإسهام في توجيه صناعة القرار الوجهة المناسبة في مختلف المجالات.
القياس المنتظم لإرادة الناس المعبر عنها في استطلاعات ميدانية علمية، سواء بعد اتخاذ قرارات معينة ذات طبيعة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، أو قبل اتخاذها،
ولذلك فقد أصبحت مراكز الاستطلاع في الدول المتقدمة، خاصة في الغرب، من الأدوات الرئيسية لصانع القرار ومن أسرار نجاحه.
في العالم العربي هناك فقر كبير في ترسيخ تقاليد استطلاعات الرأي، لكن مع ذلك هناك محاولات تستحق التنويه والإشادة.
المؤشر العربي هو أكبر استطلاع للرأي ينظم في المنطقة العربية ينظم من طرف المركز العربي للأبحاث وتحليل السياسات الذي يديره باقتدار الدكتور عزمي بشارة..
في نسخته الرابعة جرى تنفيذه عبر مقابلات مباشرة مع عينة تكتسب صفة التمثيلية للمجتمعات العربية ولفآتها المختلفة، بلغ عددهها 18311 مستجوبا بهامشِ خطأ 2-3%.
المؤشر العربي يستطلع اتجاهات الرأي العام بخصوص العديد من القضايا الاقتصادية والسياسية والقيمية التي تهم أحوال المواطن الذي يعيش في 12 بلدا عربيا، وتمثلاته للحلول الممكنة لتجاوز الوضعية الراهنة..
89 % من مواطني المنطقة العربيّة قدموا تعريفا للديمقراطية يدور حول اعتبارها ضمانة للحقوق والحريات السياسيّة والمدنيّة، أو باعتبارها ضمان للمساواة والعدل بين المواطنين، أو باعتبارها ضمان الأمن والاستقرار، بينما اعتبرها بعضهم هي أداة لتحسين الأوضاع الاقتصاديّة.
كما أن أغلبية الرأي العام (أزيد من 72٪ ) تؤيد النظام الديموقراطي ، مقابل 22% يعارضونه، وهو ما يعني أن هناك عملا كبيرا يتعين القيام به لترسيخ قيمة الديموقراطية كثقافة في وعي مواطني المنطقة، ومع ذلك فإن حوالي 80٪ يَرَوْن بأن النظام الديموقراطي هو النظام الأكثر ملاءمة ليكون نظام الحكم في بلدانهم وترفض الأغلبية الساحقة أنظمة الحكم السلطوية أو أنظمة الحزب الوحيد أو الأنظمة القليلة التنافسية أو الأنظمة الدينية التي تنعدم فيها الانتخابات والأحزاب السياسية.
من المثير أيضا أن 55٪فقط من المستجوبين في المنطقة العربيّة يقبلون بوصول حزبٍ سياسيّ لا يتّفقون معه إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، مقابل 40% أفادوا أنّهم لا يقبلون ذلك، وهو ما يؤكد الملاحظة السابقة ويؤكد نسبة الخصاص في الثقافة الديموقراطية.
62% من الرأي العام العربي عبروا على قبولهم استلام حزب ٍ سياسيّ إسلامي السّلطة ، إذا حصل على عددٍ من الأصوات يؤهله لذلك، مقابل ثلث المُستجوبين عارضوا ذلك، وهو ما يطرح سؤالا عريضا على منظمي الاستطلاع عن ما المقصود “بالحزب السياسي الإسلامي”خصوصا وأن خريطة التنظيمات السياسية ذات المرجعية الإسلامية ليست متجانسة والاختلافات بينها وبين تصوراتها تصل إلى درجة التعارض؟!
المؤشرات التي اعتمدها الاستطلاع لتقييم مستوى الديموقراطية في البلدان المعنية تعتمد بشكل أساسي على مدى إمكانية انتقاد الحكومة من دون خوف..نسبة 38٪ اعتبرت بأنه لايمكن انتقاد الحكومة من دون خوف..وهو ما يعني بأن مركب الخوف لازال عائقا نفسيا أمام عمليات التحول الثقافي المطلوبة لإحداث الانتقال الديموقراطي، غير أن المؤشر العربي يفتح آفاقا متفائلة حينما يفيدنا بأن أكثرية الرأي العامّ العربي مهتمّة بالشؤون السياسيّة في بلدانها، فالاهتمام بالشؤون السياسية قد ارتفع في مؤشر 2015 مقارنة مع استطلاع 2014، ويقترب من المعدلات التي جرى تسجيلها بعد الدينامية التي أطلقها الربيع العربي.
المؤشر العربي تضمن العديد من النتائج التي تستحق التحليل حول بعض القضايا الراهنة من قبيل الدين والتدين وعلاقته بالسياسة وإشكالية الإرهاب والتكفير والموقف من القضية الفلسطينية والسياسة الخارجية للدول العربية وتقييم المواطن العربي للثورات العربية ومآلاتها، وغيرها من الإشكاليات التي نحتاج إلى المزيد من تحليل وفهم مواقف المواطن العربي اتجاهها.
*د.عبد العلي حامي الدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق