بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 17 مايو 2017

خواطر فلسطينية

كــــان أول فنجـــان قهوة «غير سعــودية» أحتسيه في حياتي فــــي منزل صديقين فلسطينيين، كانا زميلي دراسة في المرحلة المتـوسطة، كان صالونهم صغيراً جداً، لكنه أنيــق ومرتب، وكان المشهد سينمائياً بالنسبة إلي. فالفنجان مزين يدوياً بما يشبه الكوفية الفلسطينية، ويوضع على صحن صغير، وبجانبه كأس ماء طويلة، بالضبط كما نشاهد في مسلسل عربي في التلفزيون، أو فيلم عربي في أجهزة «الفيديو» آنذاك.
كان الشقيقان محمد وبشار، ومعهما لاحقاً أصدقاء آخرون هما بسام وغسان، نافذتي «الإنسانية» على القضية الفلسطينية، فكوا رموزاً وطلاسم «سياسية» نرى آباءنا يسمعونها في أخبار التلفزيون أو إذاعة «لندن»، وأحاديث الرجال بما فيها من غمز ولمز حول الخيانات والتحالفات والأموال والحروب السابقة والمتوقعة.
أمهات أصدقائي الفلسطينيين وجداتهم- إن كن على قيد الحياة آنذاك- كن حديثات عهد بروائح الأرض، تضوع في منازلهن روائح للزعتر والزيتون وزيته، والقهوة والكعك، مختلفة عن تلك التي تمسها حواسنا في منازلنا- إن وجدت فيها هذه الأشياء- وفي البقالات والمطاعم، كانت كهوية تعرف بها حالما تدلف إلى المنزل إن كان هناك حنين دائم ويقين راسخ بالعودة، العودة التي تأخرت، وما اندثرت آمالهن بها.
أستحضر هذه الصور التي ربما تبدو انطباعات فتى في كل ذكرى فلسطينية، وتتواصل الذكريات حينما وفدنا من المدن الصغيرة والقرى منتصف الثمانينات إلى الجامعة في الرياض، وكان الرمز لأن تكون مثقفاً ومناضلاً هو اهتمامك بالقضية الفلسطينية، سواء كنت جاداً ومؤمناً أم مجرد متوشح للكوفية لركوب مرحلة التغني المظهري بقهوة وخبز الأمهات الفلسطينيات التي خلدها محمود درويش.
عاماً بعد عام وربيعاً عربياً بعد ربيع تتراجع الذكريات الفلسطينية وقصص الشتات خلف قصص أخرى أبطالها هم أنفسهم كانوا من يدّعون البطولة المطلقة في الحفاظ على الحق الفلسطيني والهوية الفلسطينية، والحنين إلى رائحة خبز وقهوة الأمهات اللاتي لا يزال بعضهن إلى اليوم يحتفظ بصندوق صغير لأغراض العودة، أو مفتاح أثير لمنزل لا تدري على وجه اليقين إن كان لا يزال هناك، بجوار التلة الخضراء المطلة على حقل الزيتون.
عاماً بعد عام وبعض حمقى الإعلام والتواصل يجعلون من ذكــريات النكبة، ونهب الأرض، وقصة أطول شتات في العصر الحــــديث، تنتظر العودة لسبعة عقود في طي النسيان، والفارق أن التغنــي برائحة القهوة بقي، لكن في صورته الحديثة الكمالية التـــي تشير إلى حداثة مدعاة للعقل، وهي غلاف لتخلف أصيل فــي الذائقــة الإنســـانية والشعور الحقيقي بنكبة إنسان عربي.
ثلاثة أرباع شعب كامل تم تحويلهم إلى لاجئين، يحملون جراحهم و «كواشين» أراضيهم، ومفاتيح منزلهم أينما رحلوا، ويتوارثونها جيلاً بعد جيل، في انتظار قرارات أممية لا تنفذ، وقضايا أُحدثت لتطغى على الإعلام وتجعل صور شتاتهم في آخر نشرات الأخبار، إن ثمة من لا يزال يضع فلسطين في نشرات الأخبار.
تمسكوا بحق العودة، فالأرض لا تسمع نشرات الأخبار، ولا ترى وسائل التواصل الأخرى، وهي ستنتظركم إلى يوم القيامة.
محمد اليامي

هناك تعليق واحد:

  1. لاتصال للحصول على قرض سريع وسريع.

    أقدم قرض آمن وغير مضمون بنسبة 3٪.

    استعارة مبلغ القرض من 2000 إلى 5000،000jd.

    اختيار مدة القرض من سنة واحدة إلى عشر سنوات.
    saheedmohammed17@gmail.com

    ردحذف