بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 17 مايو 2017

«الأمريكي البشع» يزور «مقبرة يهجع فيها الصمت»

بعد قليل جداً، في 19 أيار/ مايو القادم، يبدأ دونالد ترامب زيارته لمنطقتنا حسب ما أعلن هو نفسه في مطلع هذا الشهر. والغاية الأساسية من رحلته هي بكل وضوح إنشاء ما أسميناه قبل شهر تماماً ومن هذا المنبر بالذات «حلف بغداد جديد». أي أن ترامب يسعى وراء تشكيل محور رسمي لأتباع واشنطن في المنطقة العربية يضم كافة الحكومات الإقليمية المعروفة بولائها لأمريكا، بما فيها الدولة الصهيونية حتى ولو لم تكن عضوية هذه الأخيرة في المحور رسمية إلى حدّ المشاركة العلانية في اجتماعاته (في هذه المرحلة على الأقل). 
والحال أن الذي أوحى بهذه الفكرة «العبقرية» إلى ترامب، المعروف عنه أنه شبه أمّي في مجال السياسة الدولية، إنما هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما التقى بالرئيس الأمريكي الجديد قبل ثلاثة أشهر. وقد حثّ نتنياهو هذا الأخير علناً، في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقداه في 15 شباط/ فبراير، على «أن نقتنص فرصة تاريخية، لأنها المرة الأولى في حياتي والمرة الأولى في حياة بلادي، التي لا تنظر فيها الدول العربية إلى إسرائيل كعدو بل، وبصورة متزايدة، كحليف».
لذا وبما ينسجم كلّياً مع المشروع المذكور، سوف يزور ترامب الدولة الصهيونية بعد زيارته للمملكة السعودية. وبرنامج لقاءات الرئيس الأمريكي في سبيل إنشاء ما يصبو إليه هو كالتالي: بعد اجتماعه بالرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في واشنطن، يسافر إلى المملكة السعودية حيث يجتمع بالحكّام العرب، ثم ينتقل إلى الدولة الصهيونية بحيث يستكمل الدائرة الإقليمية للحكومات الموالية لواشنطن. أما الفاتيكان، فمحطة شبه تمويهية للإيحاء بأن الرئيس الأمريكي يحجّ إلى مقرّات «الديانات السماوية» الثلاث (ولو صحّ أن المراقبين سوف ينظرون باهتمام إلى ما سوف ينجم عن لقاء الرئيس الأمريكي الحالي الغارق في الرجعية وبابا الكنيسة الكاثوليكية الراهن الذي يُعتبر من التقدميين، لا سيما مقارنةً بسلفه).
وبعد، فأين «الشارع العربي» اليوم من هذا المخطط الإمبريالي الذي لا يقلّ خطورة عن «حلف بغداد» القديم، بل يزيد؟ ليس من شكّ على الإطلاق في أن حالة غليان عظمى كانت سوف تعمّ المنطقة بأسرها «من المحيط إلى الخليج» قبل عقود قليلة لو أن رئيساً أمريكياً استعدّ لزيارة منطقتنا من أجل غاية كالتي يأتي ترامب من أجلها، وكم بالأحرى لو كان هذا الرئيس كترامب يكنّ عداءً مكشوفاً للعرب والمسلمين، أللهمّ باستثناء فئتين: الذين يعومون في الدولارات النفطية والذين أوكلت لهم مهمة حراسة هؤلاء. إن زيارة كالتي يزمع ترامب إجراءها، لو تمّت في أي وقت من النصف الثاني من القرن العشرين، لأدّت إلى إثارة سخط عموم المنطقة واستعداد جماهير غفيرة تقدّمية ومضادة للإمبريالية وللصهيونية لاستقبال الزائر المنبوذ بتظاهرات تنديد عارمة.
أما اليوم فمنطقتنا، إزاء استعداد «الأمريكي البشع» لزيارتها، باتت «مقبرة يهجع فيها الصمت»، على حدّ قول الشاعر اللبناني ميشال سليمان في منتصف ستينيات القرن المنصرم في «رثاء الخيول الهرمة» (كان يقصد حالة الانحطاط القصوى التي كان الحزب الشيوعي اللبناني قد وصل إليها آنذاك قبل أن ينهض من جديد في عام 1968 ولربع قرن من الزمن). وقد باتت المنطقة العربية حقاً، وليس بالمعنى المجازي وحسب، «مقبرة يهجع فيها الصمت» وهو صمت لا يخترقه سوى أزيز الرصاص ودوي الانفجارات التي تعمل باستمرار على زيادة عدد المقبورين. أما التظاهرات في الشوارع والحشود في الميادين فقد انقرضت وكأن «الربيع العربي» لم يكن للحركة الشعبية التقدمية العربية سوى أغنية البجعة، تلك الأغنية الرائعة التي تصدر عن البجعة وهي تلفظ آخر أنفاسها وفق الأسطورة الإغريقية.
وما بقي لنا سوى أن نأمل أن دونالد ترامب، من خلال رعونته ومهارته في الاستفزاز، سوف يساهم بشكل فعّال في إحياء ثورتنا من الرماد كي تستلهم طيراً أسطورياً آخرَ جاءنا من مصر القديمة هذه المرّة، ألا وهو طائر العنقاء.

*جلبير الأشقر كاتب وأكاديمي من لبنان

هناك تعليق واحد:

  1. لاتصال للحصول على قرض سريع وسريع.

    أقدم قرض آمن وغير مضمون بنسبة 3٪.

    استعارة مبلغ القرض من 2000 إلى 5000،000jd.

    اختيار مدة القرض من سنة واحدة إلى عشر سنوات.
    saheedmohammed17@gmail.com

    ردحذف