بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 13 يونيو 2017

ناصر الزفزافي الشاب الذي حرك المغرب العميق

هذا الشاب المغربي الثلاثيني ذو اللحية السوداء المقصوصة فرض إسمه بقوة في نقاشات أماسي رمضان الطويلة. ليس فقط في مدن الشمال كالحسيمة وطنجة والناضور ولكن كذلك بمقاهي الرباط والبيضاء ومراكش. ولو قمنا اليوم بسبر للرأي العام المغربي المسيس ـ رغم أن هذا غير متاح حول مثل هذه المواضيع ـ وطرحنا على الناس السؤال التالي: من هو الشخص الذي يثير فضولكم أكثر؟ لكان جواب الأغلبية ولاشك هو ناصر الزفزافي. بل يتراءى لنا أنه لو بقي هذا الشاب رهن الاعتقال حتى نهاية شهر الصيام وبقي الحراك مستمرا على أشده كما هو حاله اليوم، لأصبح الزعيم الريفي الشاب أحد الشخصيات الثلاثة الأكثر شعبية بالمغرب بعد الملك وبنكيران، رئيس الحكومة السابق. 
فها هي «العدل والإحسان»، الجماعة الإسلامية الأقوى بالمغرب، تدعو «لمسيرة وطنية وشعبية» فداء للزفزافي، وذلك يوم الأحد المقبل 11 يونيو/حزيران أي في عز الظهيرة برمضان. وهذا نادر جدا ولا تحتفظ الذاكرة الوطنية بكثير من المظاهرات الوطنية في رمضان نهارا اللهم إلا أيام الاستعمار. يقول بلاغ الجماعة أن الهدف من المسيرة هو «الاحتجاج على الحكرة (الاحتقار) والتعسف والقمع الذي تواجه به الدولة حراك المطالبين بحقوقهم العادلة والمشروعة». وللتذكير فإن الجماعة قد توقفت عن الدعوة لمسيرات وطنية بأهداف داخلية منذ انسحابها من حركة عشرين فبراير نهاية 2011. كما دعت تنسيقية يسارية متعددة المشارب إلى تنظيم مسيرات احتجاجية بنفس الأهداف وبكل ربوع البلاد وذلك يوم 20 يونيو الجاري أي في الذكرى السادسة والثلاثين لانتفاضة الدار البيضاء. بالإضافة إلى هذا، يجب التذكير بأن هناك حوالي عشر مدن يخرج فيها أنصار الحراك للتظاهر على الأقل مرة كل أسبوع. 
من يكون ناصر الزفزافي هذا؟ إنه يمثل اليوم بطريقة ما وفي عدة جوانب، المغربي المتوسط. فعمره يقترب من الأربعين بيد أنه شبه عاطل عن العمل أي لا مدخول لديه. كما أنه تابع دراسته الابتدائية والإعدادية لكنه لم يحصل على البكالوريا أو ألثانوية العامة. إنه يتحدث لغة المغربي المتوسط أي عربية دارجة تتخللها بعض المفاهيم بالفصحى كما يخالط الدينُ دنيويتها. الشيء الوحيد الذي يميزه عن الأغلبية هو لكنته الريفية ولكن وكما نعلم فلكل مغربي لكنته المحلية. يتكلم الشاب بحدة ونرفزة لما يشير إلى خيانات الأمس ومظالم اليوم.
الخطاب السياسي للشاب «مغربي محض» كما قال لي أحد رواد اللقاءات المدنية والأدبية التي يكثر تنظيمها ليلا بالرباط خلال شهر رمضان. «مغربي محض» أي لا تشتم منه كثيرا رائحة الكتب القادمة من الشرق أو الغرب، فلا أثر فيه للنظريات السياسية المتعالمة ولا لطروحات ماركس أو حسن البنا، كما أنه ليس بالإسلامي الصريح ولا بالعلماني الواضح، لا باليساري ولا باليميني. فهو لا يريد إلا نهاية الظلم والفساد. إنه لا يطمح إلا إلى نهاية «المخزن الغاشم» كما يقول وكأنه لا يعلم ان هذا يتطلب ثورة.
لقد أصبح الزفزافي بكل هذا أيقونة الشباب الذي يسبح في كل مساء على أمواج الويب. يقول عنه الناس إنه «حقاني» أي يحب الحق ويقوله ويدافع عنه مهما كلفه الأمر. والمغاربة على العموم يرون في أهل الريف أهل مروءة وكبرياء وشجاعة وإن كانوا صعاب المراس. فسكان الريف أو «ريافة» مثلوا ولقرون طويلة نوعا من حرس الشمال وذلك في مواجهة القوى الإيبيرية والأوروبية على العموم، وكل المغاربة يعترفون لهم بذلك. بل إن هؤلاء يرون في عبد الكريم الخطابي بطلا قوميا منقطع النظير، والزفزافي لا يمل من ذكر إسمه كما يستشهد بتصريحاته في كل آن وحين. 
إن أوجه التشابه بين الرجلين كثيرة. فعبد الكريم مغربي حتى النخاع وهو في نفس الوقت ريفي قح وفخور ومثله تماما الزفزافي. بل زد على ذلك أنهما ينتميان لنفس القبيلة أي «بني ورياغل» وهي القبيلة المحاربة التي دوخت جحافل الجيوش الاستعمارية من إسبانية وفرنسية خلال العشرينيات من القرن الماضي. كما أن لها «أيامها» مع الملك الراحل الحسن الثاني. ففي سنة 1959 قرر هذا الأخير، وكان لا زال آنذاك وليا للعهد ورئيسا لأركان الحرب العامة، أن يعطي درسا لا ينسى لبني ورياغل وذلك بسحقهم عسكريا بمساعدة الجنرال القاسي محمد أفقير. صرح الحسن الثاني بكل فخر لجريدة لوموند بعد نهاية المعارك «إن ابي طيب ولكن بني ورياغل ستتذكر للأبد هذه السنة».
إن ما يطرحه حراك الريف الذي يتزعمه الزفزافي من تحد للنظام القائم، دفع الدولة إلى التخلي عن بعض من حزازاتها تجاه عبد الإله بنكيران وذلك بفك العزلة عنه. فقد التقى فؤاد عالي الهمة، المستشار المقرب من الملك، زعيم العدالة والتنمية. لقد زار إذن السيد الهمة، وهو غريم بنكيران اللدود وأحد رجال النظام الأقوياء، رئيس الحكومة السابق في منزله وذلك للحديث معه بشأن الحراك الريفي. ورغم نفي المستشار الملكي أن يكون موضوع اللقاء الدقيق هو الوضع شمال المملكة، فإن عدة مؤشرات، ومنها لقاء بنكيران بوالدي الزفزافي وتأكيد مصادر مقربة من زعيم العدالة والتنمية أن الرجلين تناولا قضية الحسيمة وأن الهمة كان مبعوثا من لدن الملك، تدل ـ أي المؤشرات ـ على أن فتح الحوار مع المغضوب عليه رقم واحد قد فرضته ولا شك الظروف السياسية الصعبة بالبلاد. فهل سيساهم بنكيران من جديد في إخماد الحريق كما فعل سنة 2011 أم أن الزفزافي عصي على الابتلاع؟
* المعطي منجب - المغرب

هناك تعليق واحد:

  1. لاتصال للحصول على قرض سريع وسريع.

    أقدم قرض آمن وغير مضمون بنسبة 3٪.

    استعارة مبلغ القرض من 2000 إلى 5000،000jd.

    اختيار مدة القرض من سنة واحدة إلى عشر سنوات.
    saheedmohammed17@gmail.com

    ردحذف