بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 1 أبريل 2018

الشبكية بما هي صعود للأخلاق الفردانية والعقلية

ثمة سؤال بديهي عن الأخلاق والقيم المتوقعة في ظل الشبكية، وخصوصاً مع صعود الأزمات الاجتماعية والسلوكية اليوم على نحو غير مسبوق، وهي ظاهرة كما الأزمات الأخرى الجديدة لا يمكن فصلها عن التحولات والارتباكات المصاحبة للشبكية، لقد تحولت ظاهرة السلوك غير الاجتماعي في الحياة اليومية والعلاقات الشخصية والمؤسسية وقيادة السيارات، إلى تحديات مزعجة للسلطات والمجتمعات والأفراد، ويبدو واضحاً أن عمليات التنظيم القانوني لم تنجح في تحقيق سلوك اجتماعي مدني يخفف من الأزمات والضغوط التي صارت تؤثر في حياتنا وشعورنا بالرضا والأمان. والحال أن الملاحقة القانونية للمخالفات والجنح وإن كانت تشكل رادعاً وتقلل بطبيعة الحال من الفوضى والاعتداءات، فإنها لا يمكن أن تنشئ ثقافة سلوكية اجتماعية تحول الاحترام المتبادل والحفاظ على البيئة والفضاء المشترك، والحقوق والخصوصيات والتضامن إلى عمليات ذاتية مستقلة عن السلطات والقوانين والخوف والحوافز، إذ هي لم تكن في مرحلة الصناعة سوى عمليات لبناء الثقة بالنظام.
الأخلاق بما هي تقدير والتزام عقلاني بفعل الصواب، وتجنب الخطأ من دون حافز مادي أو قانوني أو ديني ليست سوى حرية فردية. فلا يكون هذا الفعل أخلاقياً إلا إذا كان فعلاً حرّاً، ولا يعود الفعل نفسه خلقاً حين يكون التزاماً قانونياً أو دينياً وإن يظل بالطبع فعلاً للخير و/ أو الصوب وتجنباً للشر و/ أو الخطأ، وفي ذلك فإن الأخلاق هي الحرية الخالصة لذاتها بلا خوف أو منفعة. والحرية هي الخير الخالص بما هو كذلك مستقلاً عن الحوافز. وهي أيضاً جوهر الإنسان ومبتدأ تنظيم الدول والمجتمعات والسلطات والتشريعات، أي اعتبار الإنسان كائناً حراً يسعى إلى الخير دائماً بما هو في جوهره وحقيقته خير خالص وجميل، وأن الخطأ أو فعل الشر هو استثناء.
إن أسوأ ما وقعت فيه السلطات السياسية والاجتماعية وما نتج عنها من قيم وسياسات وتشريعات وأفكار، هو اعتبار الإنسان كائناً تحركه المحفزات أو عدم الافتراض أنه ينزع إلى الخير بطبعه وجوهره، وأسوأ من ذلك بالطبع افتراض أنه ينزع إلى الشر أو في عبارة عملية أخرى تغليب الاستثناء على الأصل. وهذا لا يعني بالطبع عدم ردع أو محاسبة المخطئ. لم يكن ذلك الافتراض السلطوي سوى تطبيق توسعت النخب في ظل الفرص التنظيمية الهائلة التي أتيحت للدولة المركزية، المدارس والمعابد والمطابع ووسائل الإعلام المركزية التي احتكرتها الدولة، لكن ذلك كله صار هباء منثوراً!
وأنشأت السلطة السياسية والشركات الكبــرى (مثـل البــــنــوك والكــهربــاء والاتصالات والمياه والتأمين...) حالة من العداء بينها وبين المواطنين، تجعل مشاعرهم ومواقفهم تراوح بين الخوف والسلبية والإفشال وعدم التعاون، بل ويفسر ذلك تحول السلوك غير الاجتماعي وانتهاك القوانين والثقافة الأخلاقية والسلوكية العامة إلى أفكار واتجاهات احتجاجية مقبولة، وفي ظل المد الديني السائد فإن هذه السلبية وعدم التعاون مع السلطة والشركات تتحول إلى قيم وفضائل اجتماعية دينية واجتماعية، وأصبح مألوفاً ومتداولاً القول إن الغش والتهرب الضريبي على سبيل المثــال هما عمليات احتـجـاجية على الظلم والاحتكار.
إن الوظيفة الأساسية للأخلاق هي أن تخرج الإنسان من أوهام الندرة والبقاء والتهديد، لأنه من الممكن أن يظل أسيراً لها في مشاعره ومعتقداته حتى مع الوفرة. هكذا فإن الأخلاق هي تجاوز الخوف. الكرم مثلا ليس سوى تجاوز الخوف من الجوع أو الفقر أو الحاجة، والشجاعة ليست سوى تجاوز الخوف من الموت، والمحبة والتسامح ليسا سوى تجاوز الشعور بالتهديد، وفي المقابل فإن البخل والجبن والكراهية ليست سوى الخوف!
والشبكية اليوم بما تتيحه من مجالات واسعة للعمل والتداول بعيداً عن التنظيم السلطوي والاجتماعي تجعل الثقة هي المنظم الأساسي للحياة، وفي ذلك فإن القيم والأخلاق الصاعدة مستمدة من تحرر الفرد بما هو حر ومستقل بذاته، وتكون العقلانية الاجتماعية والأخلاقية أو الأخلاق بما هي عمليات عقلانية أن يتحرر الإنسان من الخوف، ويدير غرائزه واحتياجاته الأساسية وفق التقدير العقلاني للحياة والبقاء والارتقاء بالحياة.
* ابراهيم غرايبة كاتب أردني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق