بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 أغسطس 2015

«عراق الألف صدام» بين اعترافات أوباما والعبادي

في اعترافات تاريخية، قال الرئيس الأمريكى باراك أوباما امس «أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتحل بالحكمة فى حربها على العراق في العام 2003، وإن ظهور تنظيم القاعدة فى العراق وتعزيز قوة إيران وبرنامجها النووى ليس سوى نتيجة لتلك الحرب التى انفقنا عليها أكثر من 3 تريليون دولار.. هذا هو واقع التاريخ». 
وتأتي هذه الصحوة المتأخرة لضمير رئيس الولايات المتحدة فيما يشهد العراق مظاهرات شعبية متصاعدة احتجاجا على تفشي الفساد والبطالة وتردي االخدمات الحكومية، حظيت بتأييد علني من شخصيات سياسية ودينية مهمة، واعترف رئيس الوزراء حيدر العبادي بأحقية مطالبها، واعتبر انها تشكل «جرس انذار» مشددا على الاجهزة الحكومية ان تلبيها. 
وكان مثيرا للانتباه ان تلك المظاهرات التي كانت بدأت في البصرة للمطالبة بمعالجة مشكلة الكهرباء سرعات ماتوسعت جغرافيا إلى كافة محافظات الجنوب والوسط، ومطلبيا لتشمل العديد من اسباب المعاناة في الحياة اليومية للعراقيين.
وكان واضحا مدى القلق الذي يراود العبادي تجاه هذا الحراك الشعبي الحقيقي الذي تجاوز الخطوط الطائفية، ماتمثل بوضوح في مظاهرات بغداد التي هتفت «لاسنية ولاشيعية.. تسقط شلة الحرامية».
ومع تقاطع اعترافات اوباما والعبادي يتحتم القاء نظرة متأنية على اوضاع هذا البلد صاحب اغنى احتياطي نفطي مؤكد في العالم، الذي يعجز عن حل مشكلة الكهرباء المستمرة منذ الغزو الأمريكي حتى اليوم، بل ولايجد من الاموال وهو بلد الرافدين والخيرات مايمكنه من دفع الرواتب لبعض العاملين في الحكومة والقوات الامنية لو تقديم المساعدات لاكثر من مليون نازح في اراضيه. 
اولا: ماذا فعلت أمريكا بالعراق؟ الاجابة وحسبما يتردد في الشارع العراقي اليوم :»خلصونا من صدام واحد ليأتونا بالف صدام». هذا ملخص بليغ لحال البلاد التي تتحكم فيها احزاب لها ميلشيات شبه عسكرية تتصرف خارج اطار القانون، بل اصبحت هي القانون، ناهيك عن تنظيم «الدولة» الارهابي الذي يحتل اكثر من ثلث العراق، وعين في كل مدينة او بلدة «واليا» عليها، وهؤلاء يسومون الناس سوء العذاب بغض النظر عن دينهم او طائفتهم. 
نعم كانت ترتكب في عهد صدام العديد من الجرائم والانتهاكات ضد الشعب، لكن كانت هناك دولة: رئيس وسلطة مركزية وجيش وطني ومجتمع متماسك إلى حد بعيد. اما اليوم، وعلى الرغم من وجود عملية سياسية مهترئة، فان البلاد تعيش وضعا «انقلابيا» من الناحية العملية بعد ان صارت السلطة العسكرية للميلشيات وليس للجيش، اما السلطة السياسية فتملكها جوهريا المرجعية الدينية، اذ انها الوحيدة القادرة على اقالة حكومة وتعيين اخرى.
ثانيا: تذكر الرئيس اوباما الثلاثة ترليونات دولار التي اهدرتها بلاده على تدمير العراق، وتذكر ايران التي استفادت حتما، ومازالت، من حماقة الرئيس السابق جورج بوش واجرامه، الا انه «نسي او تناسى» اكثر من مليون برئ عراقي فقدوا حياتهم بلا ذنب على ايدي جيش الغزو الأمريكي، بالاضافة إلى مئات الالاف الذين عذبوا او جرحوا او اصيبوا بعاهات مستديمة، وهذا موت من نوع اخر. الادهى ان واشنطن مازالت تسمح لنفسها بالقاء محاضرات على الاخرين بشأن حقوق الانسان، بل واستغلاها لتحقيق اغراض سياسية. 
ثالثا: تحول العراق بعد الغزو الأمريكي إلى «مغناطيس» للجماعات الارهابية من افغانستان وغيرها، ثم «رأس جسر» مكنها من دخول بلاد اخرى في الشرق الاوسط، ثم تمزيقها والتحكم في اجزاء واسعة منها. والنتيجة ان الولايات المتحدة قررت الفرار المخجل في وجه «القاعدة»، التي سرعان ما ولدت تنظيم «الدولة»، وهذا يحتاج القضاء عليه إلى «عشرين عاما» حسب تصريحات لمسؤولين أمريكيين. وعندما قررت أمريكا ان تشكل تحالفا لمحاربة الارهاب، اظهرت تقاعسا اقرب إلى التواطؤ، وقتلت خمسمائة مدني عراقي آخرين بغاراتها خلال العام الماضي، حسب تقرير لمنظمة بحثية نشر قبل يومين. 
وليس هذا كله سوى جزء من الجريمة الكبرى التي ارتكبتها واشنطن ليس ضد العراق فقط بل والمنطقة باسرها.
اما النتيجة: العراقيون لايجدون الحد الادنى من شروط العيش الكريم، ويواصلون دفع الثمن من دمائهم: نحو ثلاثة الاف من القتلى والجرحى في المعارك والتفجيرات شهريا. عراق بلا سيادة، تحارب على ارضه دول يصعب حصرها. عراق منقسم اجتماعيا وطائفيا، وحسب كثير من المراقبين، لن يعود دولة كما كان.
ومن هنا تبرز اهمية هذا الحراك الشعبي الاخير، كنقطة ضوء في نفق مظلم، اذا لم يسطو عليه سياسيون مازالوا يسطون على العراق او ماتبقى منه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق