بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 14 سبتمبر 2015

تونس: سحر الشموع و رياح الردّة

تشهد الساحة السياسيّة في تونس هذه الفترة عدّة تحرّكات اجتماعية وسياسية ونقابية بما يُـنبِئ بخريف أشدّ حرارة من الفصل الذي سبقه. ومن أهمّ أسباب هذا الغليان السياسي قانون المُصالحة الاقتصادية الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي وهو قانون على وشك المرور إلى المجلس النيابي قصد مناقشته والتصويت ضده أو لفائدته، مناقشة نتمنى أن تختلف عن مناقشات العهد السابق عندما كان الهدف من
الجلسات البرلمانية المصادقة على القوانين دون غيرها من المصطلحات التي تُميّز العمل البرلماني في الديمقراطيّات العريقة.

وكان رئيس الجمهورية التونسية قد عرض قانون المصالحة الاقتصادية على أنظار أعضاء الحكومة لدى إشرافه على مجلس الوزراء أوائل شهر تموز يوليو الماضي، وجاء في تفاصيل هذا المشروع أنه يهدف إلى «إنجاح منظومة العدالة الانتقالية في مجال الانتهاكات المتعقلة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام»، وينصّ على إمكانية إبرام صُلح بالنسبة إلى المستفيدين من أفعال تتعلق بالفساد المالي كما يقترح مشروع القانون إحداث لجنة صلح للنظر في المطالب التي يتقدم بها المعْنيُّون بالأمر.
أثار هذا القانون ضجّة في المشهد السّياسي التونسي وأعاد إلى الأذهان سلسلة الانحرافات التي عرفها المسار الثوري في تونس منذ فبراير 2011. فقد رفضته مُختلف الأحزاب المُعارِضة مِمّن ثـقُلت موازينها ومِمّن خفّت، أحزاب منها من سار على الدّرب الثّوري ولم يحِد عنه ومنها من فاق الحرباءَ تلوّنا.
وبالتّوازي مع هذا الحَراك السّياسي يعيش الشارع التونسي خلال هذه الأيّام على وقْع عدّة تحرُّكات احتجاجية شمِلت مُختلف أنحاء البلاد من تونس العاصمة شمالا مُرُورا بمدينتيْ القيروان وسيدي بوزيد وسط البلاد ووصولا إلى مدينة صفاقس جنوبا، وكان شعار هذه التحركات واحدا وهو أن لا مُصالحة دون محاسبة، وكذلك كان ردّ فعل السّلطة واحدا: تفريق للمحتجين بالهراوات وقنابل الغاز وحُجّتها في ذلك أن هذه الاجتماعات غير مُرخّصة حسب ما ينُصّ عليه قانون الطوارئ ذائع الصيت في وطننا العربي من شرق المُتوسّط إلى غربه.
ورغم هذا الرّفض الشّعبي المُتنامِي لهذا القانون، تُصِرُّ رئاسة الجمهورية على تمريره إلى مجلس نوّاب الشعب.
ليس قانون المُصالحة الوطنية إلا فصلا آخر من فصول الردةّ «التشريعيّة» التي تُميّز المشهد السياسي التونسي إذ بعد أن خفتت أضواء التّحرّكات الشّعبية بفعل سياسة الترهيب من الإرهاب والأزمة الاقتصادية، وجد النظام الحالي الطريق مُعبّدا لفرض سياساته وسياسة بنوك ما وراء البحار عبر تشريعات هدفها الأهمّ إطفاء ما بقي من وَهَج الثّورة التونسيّة ودفن الماضيين القريب والبعيد.
تعدّدت وسائل الإنارة وتطوّرت عبر العصور من الخشب متعدّد الاستعمالات إلى المناظير الليلية التي كادت أن تمحوَ مُصطلح الليل من القاموس اللّغوي الإنساني، ومع ذلك مازال ضوء الشّموع الضّوء الأكثر سحرا بشهادة عُشّاق الأمس واليوم. هكذا هي ثورة 17 كانون الأول ديسمبر 2010 في تونس، ثورة ستظل شمعة مُضيئة في سماء التّاريخ الحديث، قد تخبو أحيانا بفعل رياح الرِدّة ولكنّها سُرعان ما تعُود أكثر توهّجا.
* يوسف بوقرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق