بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 14 سبتمبر 2015

◘الجماعات الاسلامية في كوردستان حائرة بين الحس القومي و الفلسفة الدينية



من يتابع الواقع الاجتماعي و الثقافي في كوردستان، و يريد ان يقرا جانبا مهما من مسيرة جهات معينة في هذا العصر، لابد ان يركز على فحوى الادعائات الحقيقية لهم من حيث المنهج و الفكر و الفلسفة . و ان نختصر الحال من قرائتنا لجانب منه من منظور باحث هاوي محاولا التجرد من اية خلفية او فكر او فلسفة، فاننا نجد ان الجماعات
الاسلامية السياسية و غيرها لازالت تعيش في في تناقضات المجتمع الكوردي، لا بل هم اكثر من يتاثرون بها لوجود التناقضات الكثيرة بين ظهرانيهم الفكرية الفلسفية الخاصة بالاسلام و بهم كاحزاب سياسية، عدا ما يلمسهم مما اورثه المجتمع الكوردي من العادات و التقاليد ماقبل الاسلام و كيف اختلط بالمستورد بعد فرض الدين الاسلامي بقوة السيف و الترهيب و الترغيب من جهة و الاعتناق الذاتي و بشكل اقل من جهة اخرى، و صعوبة المزج بين ما كانت راسخة و ثابتة من السمات الاجتماعية الاصيلة و الدخيلة من جهة اخرى .
ان ابتعدنا شيئا ما عن الجماعات الاسلامية السياسيا فهناك قوى اخرى من الممكن ان نسميها الاجتماعية غير السياسية، فاننا نجدهم سائرين على خطوات ابتدعها كما يحلو للبعض ان يسميها الناشطون و المجتهدون في تاريخ الكورد و اكثرهم بروزا في تاريخه و اكثر انتشارا و هما القادرية و النقشبندية، و فروعهما وفق المجتهدين الصغار ما بعد مؤسسهما مولانا خالد و الشيخ عبدالقادر الكيلاني . انهم تربوا من جراء مسيرة التاريخ و العصور المتلاحقة و ما اقتنوه من المعلومات و ما سموه العلوم الاسلامية، فحدثت تغييرات واضحة على طقوسهم و نشاطاتهم الدينية الاجتماعية و علموا الناس بها و عرف فيما بعد بمدارس القادرية و النقشبندية . و لم يكن هناك منافس لهم من قبيل احزاب سياسية اسلامية، الا في الاونة الاخيرة و ما انبثق من احزاب اسلامية سياسية مستوردين الافكار من العالم العربي ، و قد اثر ما يحمله الاسلام السياسي في جزء من المجتمع الكوردستاني، نتيجة تاثيراتهم الايديولوجية باسم و ادعاء صلب الدين و الاسلام الحقيقي و على اساس تطورهم و عقلانيتهم في الفكر والفلسفة بما يتماشى مع العصر و متطلباته . اي اصبح الاسلام السياسي بديلا لتلك الجماعات على الارض، على الرغم من استخدام هؤلاء احيانا من قبل الاحزاب العلمانية في تنافسهم الجماهيري مع احزاب الاسلام السياسي اخيرا بعدما دخلت لعبة الديموقراطية الساحة بشكل اوسع و خاصة بعد سقوط الدكتاتورية في العراق .
لو اهملنا التاثيرات الطفيفة لتلك الجماعات الاسلامية الاجتماعية القديمة في العمل و الفكر نتيجة التغييرات، و بحثنا ماهو عليه الاحزاب الاسلام الاسياسي من حيث نشوئهم و فكرهم و فلسفتهم الدينية السياسية المصلحية القحة بعيدا عن فحوى الدين لما جائوا به بعد الوهابية و الاخوان المسلمين و الذين اثروا على المجتمع الاسلامي الذي انتشر فيه الدين الاسلامي ايضا بوسائل عصرية و نتيجة التماس و السرعة في التواصل و المصالح المشتركة بينهم .
الحزب الاسلامي في كوردستان من حيث الفكر و الفلسفة الدينية الاسلامية، يجد نفسه محصورا بين فكي المبررات القومية للالتزام بجماعة اجتماعية اصحاب مقومات مشتركة و هي مؤثرة جدا في عقلية و سلوك الناس لحد اليوم لانه لازال يعاني من عدم تحقيق ابسط الاهداف التي تهم القومية قبل اي شيء اخر، اي لازالوا يعانون من نواقص ما قبل الدين نتيجة ظروفهم السياسية و الاحتلال الذي وقعوا فيه مجبرين، و مابين الادعاءات الاسلامية مافوق القومية التي تدعي الانسانية و فوق القومية، و ان كان في جزء كبير منه خداع لصالح قومية على حساب الاخر، بعض القوميات التي استغلت الاسلام لتثبيت اركانها عدا الاهداف الاخرى، و منها الترك باسم السلطنة العثمانية و المذهب السني، و الفرس باسم الامبراطورية الفارسية و الساسانية و المذهب الشيعي، و محاولات النشطاء و المجتهدين الكورد من تثبيت القومية الكوردية باسم الدين و من امثال الشيخ مولانا خالد النقشبندي رغم عدم نجاحهم بشكل كامل، نتيجة انعدام الدولة القومية او كيان يعتمدوا عليه، و هذا اهم سبب في فشلهم النسبي و عدم امتدادهم بشكل اكبر، و على الرغم من تاثيرهم المباشر على المجتمع و بقاء توصياتهم و طقوسهم و اداعائاتهم الفكرية الفلسفية متبعة من قبل جماعات دينية اجتماعية من مختلف القوميات لحد اليوم .
لو تعاملنا مع كافة الاحزاب الدينية الاسلامية السياسية الموجودة على الساحة السياسية الكوردستانية كحزمة واحدة و اهملنا الفروقات الكبيرة بينهم من جوانب شتى و حتى الفكرية و الفلسفية ناهيك عن الايديولوجية . نجد ان جميعهم لم يعبروا بعد نحو الضفة الاخرى مما تفرضه متطلبات القومية نتيجة احتكاكهم المباشر مع المجتمع و ما تفرضه مقومات القومية على المسار السياسي من جهة، و من اجل التماهي مع تداعيات و ابعاد القومية او ارضاءه من اجل عدم فقدان الجماهيرية المطلوبة لديهم كاحزاب الاسلام السياسي، لم يقدروا على تجاوز القومية على ارض الواقع رغم عدم ايمانهم بها فكرا و فلسفة، او بالاحرى نتيجة سيطرة مقومات القومية العربية على افكارهم و قناعاتهم من خلال الدين الاسلامي و على كل من اعتنق الاسلام دينا منذ الفتوحات الدموية و بحد السيف لحد الان .
احزاب الاسلام السياسي المتفرعة في كوردستان تنصارع على ابسط مصلحة و تعاند على ما تدعيه من اهتمامهم بالاخرة و ما تؤمرهم به شروط و تعليمات الدين التي انتشرت و فرضت نفسها سواء فكرا او فلسفة في العالم الاسلامي منذ انتشاره او اصبحت عادة اجتماعية يلتزمون بها . الاسلام السياسي في كوردستان لم يتمكن من تجاوز متطلبات الفرد البسيط من اعتناقه لما ورثه من قبل ان كان بالخطا ام هو الحقيقي،بينما يدعيه هؤلاء بالبدعة لانها ربما امتزجت هذه الصفات و المراسيم و الطقوس الدينية الاسلامية مع تداعيات و ابعاد القومية الثابتة المتجسدة في جسم الامة الكوردية منذ نشوئه و بزوغه في فترات متباعدة مع بعضها .

لو قيٌمنا المرحلة ما بعد الانتفاضة في كوردستان، فاننا نجد ان احزاب الاسلام السياسي في كوردستان قد تغير بامر الواقع و تساير مع المستجدات، و اننا يمكن ان ندعي انها اعتدلت نسبيا لانها كانت ترفض ما تفرضه القومية جملة و تفصيلا من قبل و منذ البداية و اقحمت المنتمين اليها في افكار خيالية بحتة لا صلة لها بالواقع و ما هو عليه الشعب الكوردي، الا ان الواقع و افرزاته قد اثر في مسيرتهم و توجهاتهم و غيرهم نحو الاعتدال حتى عند اكبر المتطرفين فيهم وصولا لاصغرهم . ما يعيشه المنتمون الى تلك الاحزاب الاسلامية السياسية هو التناقض الذي يقعون فيه نتيجة التقاطع ما بين الارشادات التي يتلقونها من مراكزهم و مواقعهم و مقراتهم مع ما تلقوه من تربيتهم العائلية و البئية، و ما بقي من السمات الاصيلة المتوارثة في كيانهم و بنيتهم الاجتماعية، و عليه نجدهم يتحالفون مع كافة الاطراف من اجل مصالح يومية ايديولوجية ضيقة و لا يبالون بانهم يصافحون الشيطان كما سموهم من قبل . و هذا الوجه الايجابي للتغييرات التي حصلت خلال هذه الفترة، و هذا ما يجسد ارضية لتطبيق اليات الديموقراطية دون اعتراض او ممانعة احد . الا ان التزام بعض منهم مع المصدر الرئيسي الخارجي الامر في اكثر الاحيان قد يؤثر على مسيرتهم السياسية، و هنا نجد ان سلوكهم و مواقفهم تجاه بعض القضايا القومية المصيرية، تجعلهم حائرين بين ما يؤمنون و ما يفرض عليهم خارجيا و ما يؤمن به المجتمع الكوردستاني، و هو الاهم لهم و لجماهيريتهم و انتمائاتهم الاجتماعية . نجد التناقض و الاختلافات الكبيرة في رؤياهم، مما يحدث لهم احتكاكات كبيرة بينهم هم او بينهم و بين المجتمع بشكل عام، و تضر بهم جميعا جملة وتفصيلا، عدا الاسباب الاقتصادية المؤثرة في تنميتهم او تراجعهم، و جميعهم مروا بمنحيات متذبذبة كثيرا من حيث نموهم او ضعفهم خلال هذه السنوات، و كان العامل الاقتصادي في مقدمة مسببات لتطورهم او تنميتهم العددية، وفي امكانياتهم الكمية و الكيفية ارتفاعا و انخفاضا . لذا لا يمكنهم ان ينسلخوا تماما من المتطلبات القومية و لا يصح لهم الابتعاد عن ما تامرهم به الفلسفة الاسلامية و الفكر و الايديولوجيا التي تفرض عليهم الالتزام بمقومات اخرى، و منها لصالح القومية العربية و على العكس ما تفرضه متطلبات و مقومات القومية الكوردية، و هذا هو مربط الفرس في امكانية كل طرف التعامل مع هذا التناقض من اجل اقناع الموالين لهم . لذا نجد ان التناقض ساري المفعول طالما اعتمدت كل من هؤلاء الاحزاب الاسلامية السياسية على اسس و ثوابت الاسلام دينا و تاريخا و فكرا و فلسفة، و كيف ينظمون ما يجري لهم و يربطونه بالمتغيرات، بشرط ان لا يقع على حساب الايمان و الارتباط باصل الدين الاسلامي . اننا تلمسنا تغيرات تكتيكية في سلوكهم و تصرفاتهم وتعاملهم مع المتغيرات السطحية اليومية لحياة الناس و التغييرات السياسية المؤثرة على حياة الناس ايضا . و لا نريد هنا ان نتكلم عن كيفية تعاملهم مع التطورات العلمية و ما يحاولون مزجها مع ثوابتهم، لانها قضية عالمية تمس جميع الاحزاب الاسلام السياسي في العالم و لا تخص كوردستان فقط .
*عماد علي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق