بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 13 نوفمبر 2016

وجه أميركا

كان مايكل مور محقاً. توقع فوز دونالد ترامب. لم تخدعه الإحصاءات، ولا جو الرعب الذي خلقته وسائل الإعلام، ولا تكتل كبار الفنانين حول هيلاري كلينتون. مخرج «فهرنهايت 9/11» يعرف المجتمع الأميركي أكثر من غيره. شرَح أعماقه في أعماله. هو يعرف وجه أميركا البشع. جسّده في أشرطته الوثائقية، كاشفاً القناع عن هذا الوجه في السياسات الاقتصادية واستغلال العمال، وفي السياسات الخارجية القائمة على الكذب وتجارة الحروب، مثلما جسدها في «فهرنهايت». وسيعرض شريطاً وثائقياً عن ترامب قريباً يكشف فيه زيف «الحلم الأميركي» الذي أوصل هذا «البائع» إلى البيت الأبيض ليحكم الولايات المتحدة ويتحكم بالعالم بعقلية التاجر الجشع، معتمداً على القوة العسكرية الهائلة، وعلى مؤسسات لها تاريخ طويل في الحروب واستغلال الفقراء باسم عظمة أميركا وتفوقها، مغطية لاإنسانيتها بشعارات الحرية والديموقراطية. ليس صحيحاً أن ترامب سيغير في هذه المؤسسات، على رغم تفاؤل الذين رأوا فيه دخيلاً عليها. ستطوعه «الإستابليشمنت» مثلما كانت الحال مع أوباما الأكثر ثقافة وحنكة منه. لشدة تفاؤل العالم بالرئيس الأسود منحته الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للسلام. لكن بعد شهور قليلة على وجوده في البيت الأبيض خضع للوبيات السلاح والصهيونية. ولم يستطع تنفيذ وعوده الكثيرة، وملخصها أن العالم سيصبح في عهده أكثر أمناً. لكن مراجعة بسيطة لمسيرته تظهر مدى الخديعة التي وقعنا فيها. الرجل الأسود أصبح أكثر بياضاً من أي رئيس آخر. في عهده عمّت الحروب في المشرق وأفريقيا، وتصاعدت العنصريات في أميركا وأوروبا، ودمرت بلدان.
حتى إنجازات أوباما في الداخل، مثل القانون المعروف باسمه ويتيح لملايين الأميركيين تأميناً صحياً، عرضة للإلغاء، هذا أول ما تعهد به ترامب خلال حملته الانتخابية. أما عن خطة الرئيس المنتخب للسياسات الخارجية فحدث ولا حرج. تعهد بناء جدار على الحدود مع المكسيك ليمنع تدفق المهاجرين، وسيجبر هذه الدولة الجارة على دفع تكاليف بنائه. وسيطلب من الدول المحتاجة إلى حماية واشنطن دفع ثمن الحماية، كأن الإدارات السابقة كانت جمعية خيرية تحميها من دون مقابل.
لتنفيذ هذه التعهدات، أو قل التهديدات، ليس أمام ترامب سوى الاستعانة بالمحافظين الجدد الذين كانوا أفضل من مثل الروح العنصرية الأميركية، وها هم مستعدون لتأدية هذه الخدمة للإنسانية بكل طيب خاطر. جون بولتون يطل بشاربيه المميزين ووقاحته المعهودة متأهباً لتولي الخارجية وتنفيذ طروحاته الداعية إلى وضع حد للأمم المتحدة، ينافسه على المنصب رئيس مجلس النواب السابق الأكثر يمينية في الحزب الجمهوري نيوت غينغريتش. وها هو عمدة نيويورك السابق رودي جولياني أيضاً يستعد ليكون أحد أعمدة الإدارة الجديدة.
اختار الشعب الأميركي رئيساً يمثل لاوعيه الجمعي، رئيساً لا يخفي العنصرية والعنجهية، يعبر عنها بغباء يصل إلى حدود السوقية في مخاطبة مؤيديه وخصومه وحلفائه. وهم يقبلون خطبه الهزيلة، وعباراته البذيئة بالصراخ إعجاباً، فقد ظهر البطل المنقذ. بطل توجته وسائل التواصل الاجتماعي التي تعبر، بما فيها من عفوية وعدم احتراف، خير تعبير عن روحية المجتمع. أما وسائل الإعلام التقليدية التي تحكمها ضوابط المهنة، والارتباط بهذه الجهة أو تلك، فظهرت كأنها خارج التاريخ، فقد أجمعت كلها على محاربة ترامب، لكن تأثيرها في الرأي العام كان محدوداً جداً.
ترامب يمثل الوجه الحقيقي لأميركا. وليس القناع الذي تلبسه كلينتون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق