بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

من يراسل الجنرال في شيخوخته؟

قبل بضعة أعوام، في أوج احتقان رئاسي سابق، طلبت صحيفة لبنانية من مثقفين لبنانيين وفنانين وكتّاب أن يسموا رئيساً للجمهورية، بحرية تامة وخارج الخريطة الطائفية، فحمل التحقيق أسماء هي بمعظمها من خارج الطائفة المارونية التي يقتصر عليها رئيس الجمهورية، بحسب الميثاق الوطني. بدا المثقفون الذين استفتهم الصحيفة في حال من الحيرة أمام الأسماء التي يمكن اختيارها مارونياً، فسموا أشخاصاً من طوائف مسيحية أخرى. هذه الحيرة كانت لتتبدى أيضاً لدى المثقفين لو أن الاستفتاء جرى حول أسماء لرئاسة المجلس النيابي المقصورة على الطائفة الشيعية أو رئاسة مجلس الوزراء التي هي وقف على الطائفة السنية. هل يمكن تصور أن اسماً مثل غسان تويني كان ممنوعاً عليه أن يترشح إلى رئاسة الجمهورية لأنه أرثوذكسي؟ هل يمكن أيضاً أن يُحرم اللبنانيون رئيساً للجمهورية مثل غسان سلامة لأنه كاثوليكي؟ وهلم جرا وجرا وجرا...
سمّى بعضهم يوم الاثنين الماضي وهو يوم وصول الجنرال ميشال عون إلى كرسي الرئاسة بحسب الاتفاق «داخلياً» وإقليمياً ودولياً، «الاثنين الأبيض». الكرسي الماروني الشاغر في قصر الرئاسة منذ عامين ونيف وجد أخيراً من يجلس عليه ومع مجيء الرئيس بلغت أزمة الرئاسة المتفاقمة الحل المرتجى مبدئياً وشعر الكثير من الموارنة بطمأنينة، طالما افتقدوها لا سيما بعد صعود موجة مأساة مسيحيي الشرق العربي في ظل الحكم التكفيري مع داعش وسواه. ميشال عون هو الجنرال الثالث الذي يصل إلى كرسي الرئاسة ما بعد اتفاق الطائف. ليس لدى الموارنة سوى الجنرالات، قال بعضهم، ممازحاً أو محتجاً ومعترضاً. لكن الجنرال عون ليس مثل بقية الجنرالات لا سيما الجنرال اميل لحود الذي جاء إلى الرئاسة بمشيئة سورية بحتة ومُدّد له قسراً أيضاً بقرار سوري بحت. ميشال عون لا يزال هو الجنرال في نظر كل أنصاره وهم شبه «أكثرية» على الخريطة المسيحية. وهذه الكنية تعني لهم المنقذ والبطل والزعيم وما زالوا متمسكين بها وسيظلون، وبها يهتفون له على وقع الزمامير والأناشيد. هم لا ينسون أن الجنرال هو الوحيد الذي تجرأ على مواجهة الرئيس الراحل حافظ الأسد خلال حرب التحرير ووصفه بـ «المسمار» الذي يجب أن يُقلع. ولا ينسون أيضاً إطلالاته الخطابية من شرفة قصر بعبدا منادياً إياهم: يا شعب لبنان العظيم. لا يعترف هؤلاء بهزيمة الجنرال في حرب التحرير ضد الجيش السوري «المحتل» ولا في حرب الإلغاء ضد ميليشيات القوات اللبنانية، ولا يأخذون عليه هربه إلى السفارة الفرنسية بعد الهجوم السوري على قصر بعبدا وتركه العسكريين يستشهدون بلا دفاع. ويغض هؤلاء النظر عن كل أخطائه السياسية، الفادحة أحياناً، وعن عدم حنكته في الديبلوماسية والستراتيجيا، وكذلك عن طبعه «الديكتاتوري» الذي حمله مرات إلى إهانة الصحافة علانية وإلى إطلاق عبارات غير لائقة في حق سياسيين وصحافيين وبعضهم من الشهداء... ويتناسون كيف منع الصحف التي لا تسميه «دولة الرئيس» أيام عيّنه الرئيس أمين الجميل رئيساً للوزراء عام 1989 في أوج الأزمة الرئاسية والحكومية حينذاك. بل هم يتجاهلون كيف أهانوا مرة البطريرك الماروني السابق عندما اقتحموا مقر بكركي العريق معترضين على موقفه الحكيم ضد سياسة الجنرال الهوجاء... وبعدما عاد الجنرال عقب ثورة الأرز التي كانت كلفتها باهظة وأدت إلى انسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية لم يبال مناصروه أيضاً بما قام به من انقلاب على مبادئه التي كان يظن الجميع أنها راسخة وثابتة، فاصبح على صداقة مع النظام السوري ومع إيران وحزب الله الذي كان يهاجمه في منفاه الباريسي منتقداً المقاومة وداعياً إلى الانفكاك عن المسار السوري.
الآن صار الجنرال رئيساً للجمهورية. إذا أحصينا مواقف المثقفين اللبنانيين في هذه الرئاسة، فما تراها تكون؟ وصول الجنرال الثالث إلى سدة الرئاسة، لن يعني بتاتاً أن عاصفة التغيير والإصلاح ستهب. وصل الجنرال في الثانية والثمانين وبدا خلال «مهزلة» الانتخابات الرئاسية متعباً وربما متوتراً، فلم يبتسم ولو ابتسامة صغيرة. شعر الجنرال ربما بإحباط عندما سقط في الدورة الأولى ولم يتمكن من الخروج منه تماماً بعد فوزه في الدورة الرابعة. الجنرال يجب أن يفوز في الدورة الأولى. وقد أغاظته كثيراً «حرتقة» بعض النواب عندما صوّت أحدهم للمطربة «الإباحية» مريام كلينك...
الجنرال في شيخوخته جالساً على كرسي الرئاسة. سيكون حتماً شخصية روائية بامتياز قد تشبه ولو من بعيد شخصية الكولونيل «الذي ليس لديه من يراسله» في رواية غبريال غاسيا ماركيز، لكن الفرق الوحيد أن الجنرال لن يصبح فقيراً.
*عبده وزن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق