بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 1 مايو 2016

هدم المعبد!

تشابكت خيوط داخلية وخارجية في تكييف مسار الاستحقاقات الاشتراعية المقبلة في المغرب. وبعدما ساد اعتقاد بأن المنافسات ستنحصر بين عدد أقل من الأحزاب والتكتلات المتحالفة، فجر سياسيون في المعارضة قضية خطرة، لا بد أن تكون لها تداعيات. أكانت تندرج في إطار الحروب الاستباقية للتموقع في صدارة المشهد السياسي، عبر استخدام شتى الوسائل المتاحة للتقليل من أهمية التجربة السياسية الراهنة، أو في نطاق معاودة تقويم الحسابات والاستقراء.

اللافت أنه على رغم التقاء الفرقاء السياسيين عند تقاطع التجربة السياسية التي يرون أنها متميزة إلى حد كبير، في مفعول إشراك الإسلاميين، كما فعل المغرب على نحو سابق في جذب المعارضة إلى حكومة ما يعرف بالتناوب، فقد بدا كما لو أن هناك حالة ندم تعتريهم. فهم لم ينساقوا وراء موجة إزاحة الإسلاميين أو تقليم أظافرهم، لكنهم أقرب بالنسبة لبعض فصائل المعارضة على الأقل، في هدم المعبد.
الثابت في ضوء السيل الجارف من الاتهامات التي عرضت لما وصف بالتأثير الأميركي في حمل حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي إلى واجهة الحكومة، أو انكفاء بعض الأحزاب للإفساح في المجال أمام هذه الفرضية، أن المغرب عاد إلى أجواء ما قبل اشتراعيات العام 2011، بما في ذلك الحراك الاحتجاجي الذي قادته «حركة 20 فبراير»، ثم الموقف من حكم الإسلاميين. وبعدما كان رفاق رئيس الحكومة عبد الاله بن كيران يلوحون بأنهم اختاروا منهجية التدرج في الاستقطاب والحضور السياسي، ما جعلهم يكتفون في وقت سابق بتقديم مرشحين أقل إلى أن حان موعد «الغزوة» الانتخابية. اقتبس غريمهم «الأصالة والمعاصرة» الأسلوب ذاته، موضحاً أنه انخرط في تحالف ثمانية أحزاب كي لا ينفرد بالصدارة.
على أن أخطر ما في الكلام أنه يضع التجربة السياسية برمتها في موضع التشكيك، في وقت أقرت فيه البلاد القطع مع سياسة صنع الخرائط الحزبية والنيابية. ولئن كان مستساغاً أن التجارب السياسية تأتي على قدر الاستقراءات والمعطيات الكامنة على الأرض، فإن ذلك لا يلغي حقيقة أن الشركاء في المعارضة والموالاة أقروا بنزاهة اشتراعيات العام 2011. ولم يقل أي من مناوئي حكومة الإسلاميين أنه يريد إطاحتها بغير سلاح صناديق الاقتراع.
لكن في حال اقتضت الصراعات الحزبية المفتوحة استخدام هكذا أسلوب في إعداد الناخبين لتقبل مفاجأة ما. فالمسألة لا تزيد عن تمارين الحروب النفسية، لولا أن «العدالة والتنمية» رد على ذلك بالقول أنه يقبل أن يأتي في الرتبة الثانية أو الثالثة، في سياق اشتراطات لكونه الحزب الفائز بالصدارة «حقيقياً» على حد تعبيره.
صحيح أن التجربة الحكومية تعرضت لصعوبات بعد تصدع مكونات الغالبية مرات عدة، في ظل انسحاب وزراء حزب الاستقلال وبروز خلافات مع الحليف الجديد «تجمع الأحرار». لكن المسألة بقيت محصورة في إطار تجاذبات يعود سببها الأساسي، لناحية إقامة تحالفات حزبية تسبق اشتراعيات تشرين أول (أكتوبر) المقبل، ما يعكس الرغبة في تجاوز مآزق التناقضات التي أثرت في السلطة التنفيذية كما فعاليات المعارضة على حد سواء.
ولا يمكن في هذه الحالة وصف هذه التحالفات بأنها طبعات منقحة لتحالف الأحزاب الثمانية، ما دام كل تكتل يسعى إلى الاستئثار بوضع مريح في السلطة التنفيذية، غير أن منطوق الدستور ومفهومه لا يرهنان تشكيل الحكومة بالتكتل الحائز على الغالبية، وإنما بالحزب الذي يأتي في الصدارة. ما يلغي عن التحالفات إمكان إقرار واقع مغاير للوثيقة الدستورية.
أن تكون للمغرب خلافات مع الولايات المتحدة، فما من دولة عربية أو إسلامية أو أفريقية إلا وصدحت بعدم مجاراتها السياسة الأميركية في قضايا ومواقف عدة. لكن أن يصل الأمر إلى صدور اتهامات بالتأثير في مجريات صناديق الاقتراع، فتلك قضية أخرى. والأهم أن اشتراعيات المغرب لم تبدأ بعد، وإن كانت علاماتها الفارقة تجلت على مستويات عدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق