بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 10 مايو 2016

أشياء الحياة اليوميّة

إنّ جميع أشياء الحياة اليومية من أصغرها إلى أكبرها محملة بمعان إضافية، هذا شيء حتمي عندما نمعن الرؤية في أشيائنا الخاصة وأشياء الحياة اليومية العامة. هذه السجادة، وتلك المنضدة، وهذه النافذة، وهذا السرير، وذلك الكرسي، وهذا الحذاء، وهذه الثياب... وغيرها ممن تشكل لغة علاقة الجسد بمحيطه اليومي، سنجدها أشياء حية تتكلم بصمتها وحضورها، ها هي أشياء محملة بمعانٍ أبعد مما نعرفه عنها اثناء الاستعمال. 
خذ أيّة مفردة واكشف دلالتها اللغوية أو المادية تجد أنها مليئة بخيال المادة المتكونة منها؛ هذه النافذة، ستكون عتبة ومدخلا للراوي عندما يتسلل برؤيته ويسلطها على شخصيات في غرفة ما، وستكون ضوءا في شارع مظلم عندما تضاء بمصباح صغير، وستكون ممرا للشمس والضياء وأصوات الطير والمطرعندما تفتح على الشارع، وهكذا ستجد في درفاتها إطارا زمانيا يعلم وجودها، وفي زجاجها علامات على فنية شعبية غائرة في وجدان من يسكن لونيا. كل أشياء الحياة اليومية محملة بمعانٍ لا تعد ولاتحصى عندما نخضعها للتفكير، أوعندما تجتاز رؤية كل سطحها الظاهري لتتعمق في أبعادها المختفية اللامرئية، عندئذ سيكون خيالها الماديّ عونا على اكتشاف صورها غير المرئية. 
ماذا يوجد في أعماق نهير صغير أو بحيرة أو كوز ماء بارد؟ عندما نمعن الرؤية في هذه التكوينات نجد أنّها نوافذ معرفية على نفسها وعلى تكوينها الغائر في عتمة عوالم الأشياء، كل ماء هو سطح، وليس مثل الماء يغمر في أعماقه ملايين الأشكال الحيوية، وسيكشف النهير عن تلألؤ المحار عندما ينعكس عليه ضوء القمر، وسيكون كوز الماء المبترد مدخلا لفعل الدائرة الكونية التي تحول الحرارة إلى برودة، ودور عجينة الطين المفخور، هكذا يولد الشعر من تكوينات الحياة اليومية عندما نسلط عليها فعل الرؤية العميق، ولذلك يبقى الكثير من أشياء حياتنا اليومية مجهولا، ثم ينهض ثانية، خاصة أشياء الطفولة التي ارتبطت بنا، لأننا نعيد إنتاجها ثانية كلما مررنا بالمتشابه لها، حتى لو كنا في أقاصي العالم.
* ياسين النصير- الصباح العراقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق