بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 10 مايو 2016

الادب الرقمية او ل خطوة لدخول حضارة الشاشة

35ناقدة، باحثة، مهتمة بالسرد وما يجد فيه من تحول، وبالأدب الرقمي والامكانات الهائلة التي يمنحها والتي من شأنها تطوير نظرية النص. حول الأدب الرقمي، والاشكالات التي يطرحها على مستوى المفاهيم، منهجيات القراءة والتناول، طرق صياغته وعرضه على شاشة الكمبيوتر، التقت “السياسة”، الناقدة الدكتورة لبيبة خمار، في هذا الحوار، الذي تستعرض فيه اشكالات الصراع بين الأدب الورقي والرقمي، ومستقبل أشكال الكتابة والقراءة في ظل التطور التكنولوجي. لماذا تلقبين بـ “همس البيادر” وما معناه؟ “البيادر” هي الأمكنة التي تجمع فيها المحاصيل بعد الحصاد لدرسها وتذريتها، وفي تجمعها تحت الشمس تزكم الأنفاس بأريجها، وتداعب العين باصفرارها الناضج الذي يبهج النفس ويجعلها تقبل على الحياة استبشارا بحنطة الخير. وفي تكدسها انتظارا للحظة التخزين، تتهامس وتتناجى لتحكي حكاية الحياة، وتبوح ببعض أسرار رحلة الخلق، التكوين، التحول، “بذرة في التربة بين الرطوبة، والدفء ثم بروز على السطح، شموخ وتطلع إلى السماء الرحبة، فالاخضرار، والاصفرار ثم الحصاد”. لذلك فهي تلخص رحلة المعرفة ومساراتها التي هي في العمق، تلق وتخزين، ثم تأمل واستقراء، وتحول وتحويل، ثم ابداع، وانتاج المُكني عنه بالهمس المتأتي عبر الانصات لصوت المعرفة، والحكمة الكامن خلف السطور، لذلك تصبح المعرفة همسا لا يلتقطه الا العارف المريد. لماذا اتجهت لكتابة النصوص الأدبية واخراجها؟ كتابة النصوص الأدبية وبالضبط نصوص “الشعر بالنثر” كما ينعتها الشاعر شربل داغر اختزال للحظة مكثفة، تلك النصوص خطاب في العشق تتحدث فيها الذات عن الحب كعلو روحي، وسمو بالانساني فينا، يخرجها من حالة التبلد العاطفي لتعانق معاني تجعلها تطير فرحا، وانتعاشا، تريد به الذات أن تحتفل بالحب سواء أكان متحققا أو محبطا. وتتحرر من قيود المكان لتهيم في خلوتها وتنشر القلب حقولا من الوجد والمحبة، إلى دنيا ناعمة وشفافة لا تبقي غير الفرح، الرضا، السعادة بالذات، والآخر. لذلك لجأت إلى اخراج هذه النصوص بلغة أخرى غير الحرف، لتستأثر باهتمام قارئ هذا العصر الذي تشده الشاشة بكل سحرها. الصورة والصوت هل هذه مسايرة للعصر أم ارضاء للقارئ؟ قارئ العصر الرقمي تثيره الصورة والصوت أكثر من الورق وعبقه، ولونه لذلك ينبغي أن نكتب بلغة يفهمها وتمسه وتعلق بقلبه وعقله. لهذا العصر عكاظه، مجالسه، أسواقه المختلفة كثيرا عما ألفناه، فمجالسه رقمية، لغته مركبة تجمع بين الكلمة، الأيقونة، الوسائط المتفاعلة، لذلك فمن الظلم أن نستمر في مخاطبته بلغة أحادية هي الكلمة؛ لذا علينا الدمج بين اللغوي وغير اللغوي، ومن هنا جاء اهتمامي باخراج نصوصي الأدبية. ما علاقة النقد بالاخراج؟ علاقة وطيدة، فكلاهما قراءة واعية وبعدية للنص الرقمي، حيث يشكل الاخراج تمثيلا وتمثلا لأكوان المبدع التخييلية، والدلالية، وقراءة ثانية له بعد قراءة المبدع ذاته، وهكذا يصبح النقد الرقمي هو قراءة للقراءة أو قراءة للتحيين، تعددت قراءتنا للنص، بتعدد خلفياتنا النظرية والابداعية، كلما توصلنا إلى جوهره، وتمكنا من تحديد هويته المتغيرة. لذلك فعلاقة النقد الرقمي بالاخراج هي علاقة اللاحق بالسابق بكل ما يحكمها من ضوابط، كما أن الاخراج يمنح للناقد الرقمي حرفية تمكنه من أن يرى ويشهد عملية الخلق وسر الكتابة ليعرف دهاليز النص الرقمي، خباياه الدفينة، ميكانيزم الكتابة وفلسفتها، طرائق تشكلها، وجمعها بين المتعدد والمختلف. شمولية الرؤية إلى أين وصل مستوى النقد الأدبي في المغرب؟ يمتاز النقد الأدبي في المغرب بشمولية الرؤية، جدية وعمق دراساته، قدرته على استنبات المفاهيم، والاتيان بالجديد، كما أنه يسير وفق خطة تعتني باشكالات عامة وأطروحات خاصة تنسجم ومشروع علمي نهضوي كبير يجعله يحظي بدور الصدارة. النقد المغربي كان سباقا إلى استنبات مفاهيم النقد الرقمي على يد الناقد الأكاديمي سعيد يقطين، واول أطروحة في هذا المضمار هي التي تقدمت بها في أواخر التسعينات وكانت حول الأدب التفاعلي. لقد تجاوز النقد المغربي مرحلة التأسيس التي انفتح فيها على النظريات الغربية مترجما ومستهلكا، ومرحلة التحليل والتطبيق، إلى مرحلة الانتاج التي تميزت بغربلة النظريات الغربية للاتيان بالجديد الذي يتوافق وخصوصية النظرية العربية مما أدى إلى استنبات مفاهيم جديدة أو معدلة، جعلته يتطور على اعتبار أن المعرفة، عبارة عن تراكم وتخزين، فتأمل واستقراء، ثم تحول وتحويل أي انتاج. ألهذا كان للنقاد المغاربة تلك المكانة في الوطن العربي؟ نعم، هذا هو السبب الرئيسي وراء هيمنة النقاد المغاربة على دور النشر المشرقية. النقد عموما لا يمكن أن يزدهر في ظل واقع ثقافي هش لتلاحمه مع البنيات السوسيوثقافية والسياسية، لذلك فهو يتطور ضمن منظومة عامة لابد من الاعتناء بكل أركانها للوقوف عند مَناخ نقدي سليم. ولا مفر بين الفينة والأخرى من اللجوء إلى نقد النقد لضخ دماء جديدة كفيلة بتطويره وجعله يتجاوز الأزمة التي يجدها أحيانا في مقاربة النصوص الأدبية المعاصرة عامة والنصوص الرقمية خاصة. هل تؤسسين لنظرية نقدية عربية جديدة بعيدا عن نظريات النقد الغربية؟ كان النقد العربي ولا يزال مرتبطا بنظيره الغربي، وهذا قدره، ورؤيتي للنص الرقمي التفاعلي، تنطلق من خلفية نظرية تجد في البنيوية أفقا ومسربا للانفلات، فقد مكنتني من الاحاطة بالأدوات والآليات التي يرتكز عليها النص المترابط أو التفاعلى مؤسسا أدبيته، وجماليته الخاصة المستشفة من بنياته، وطرائق تشكلها، وتعالقها مع بعضها بعضاً. كمحاولة للقبض على الطرائق التي تنبني بها نصوصه المتباينة، والمتعددة المتراوحة بين اللفظي والأيقوني، المنخرطة في كل يضمها، ويمنحها انسجاما، وتآلفا. كما مكنتني من القبض على التعالقات التي تنسجها البنيات مع بعضها البعض مختطة بذلك أسسا شعيرية تنهض وتتقوم على البنية والعلاقة، لكن الجديد في هذه البنيوية أنها تختلف عن بنيوية النص وتنزاح عنها لتختط معالم بنيوية جديدة معدلة تتواءم وخاصيات النص القائمة على الربط، الترابط، التعدد، انعدام الاتساق. ما معنى الأدب الرقمي؟ هو الذي يتخذ من شاشة الكمبيوتر مجالا للنشر مستفيدا من الامكانيات الهائلة التي تمنحها الوسائط المتفاعلة كعناصر بانية تجعل النص مرئيا، مسموعا، مقروءا في نفس الوقت، محولة فعل القراءة إلى ابحار، والقارئ إلى مبحر، مشاهد مع توظيفه لتقنية الترابط النصي كآلية للجمع بين النصوص والتفريق بينها، وللانتقال من عقدة إلى أخرى. وهو في ذلك يختلف عن النص المُرَقمن السلبي الذي ينقل إلى شاشة الحاسوب دون أن يغادر صفته الورقية حيث يبدل سنده إلى آخر تكنولوجي ورقمي دون الاستفادة من تقنياته وتوظيفها لتثوير النص وتطويره. ولا يمكن الاحاطة بخصائص هذا الأدب الحداثي والمستقبلي دون التسلح بوعي فلسفي ومعرفي ونقدي يمكن من فهم الترابط الذي لا يقف عند حدود التقنية بل يتجاوزها ليصبح صيغة وجود، وأسلوب كتابة، واستراتيجية ابداع. ما أهميته للناقد والروائي؟ في ظل اجتياح الكمبيوتر لكل أشكال الحياة من تدريب تفاعلى / افتراضي، تعليم، تجارة، حب، صداقات، بات يشكل هذا الوافد، بالنسبة للناقد والروائي، رهانا وتحديا ومغامرة لابد من خوض غمارها، لأنه يمثل أدب المستقبل، وطريقا لولوج حضارة الشاشة، لذلك فالروائي والناقد مطالبان بالأخذ بأسباب الرقمية. وفي انتظار أن يغزو الرقمي الورقي فانه الآن يشكل اختيارا ابداعيا، ونقديا واتجاها تجريبيا حداثيا جديدا له رواده ومريدوه، لكن كيف يتأتى ذلك؟ هل بالخلفية والمرجعية الورقية التي كانت تتحكم في الابداع والنقد أم بالتخلي عنها؟ فكيف يكتب الروائي، اذن، نصا رقميا متخلصا من خلفيته الورقية؟ وكيف ينتج الناقد خطابا بخصوصية النص الرقمي المختلف بنيويا، وتقنيا عن الورقي؟ وهل يشترط انخراطهما معا في العصر الرقمي احداث قطيعة جذرية مع الكتابة الورقية بكل خصائصها؟ ما اجابتك عن تلك الأسئلة؟ هذه الأسئلة تبزغ من طبيعة السند الرقمي ومن الاكراهات المفروضة على المبدع والناقد الراغبين في مناورة الرقمي، لذلك لا بد من الوعي بأن تاريخ الكتابة هو في جوهره تاريخ اكراهات، وتجاوز لهذه الاكراهات، وهو ما يجعل النص الشفهي يختلف عن المخطوط، والورقي يختلف عن الرقمي. الأكيد أننا الآن في مرحلة انتقالية لذلك نجد أن الرقمي يوجد إلى جانب الورقي، والعلاقة التي تؤطر هذا التواجد، هي التعايش والتجاور، ومن المحتمل مستقبلا أن يصبح الورقي من التاريخ أو من الآثار المحفوظة على الرفوف. المفاهيم الحداثية ما الاشكالات التي يطرحها الأدب الرقمي على مستوى المفاهيم النقدية؟ لقد أدى الأدب الرقمي إلى فهم الكثير من المقولات والمفاهيم الحداثية، والحداثية الجديدة، “ما بعد الحداثة” كالانفتاح، انتشار المعنى بلا حدود، شبكية النص، التعدد ولانهائية القراءة والكتابة، تحيين الكثير من المفاهيم النصية كالاختلاف، التفكيك، النص الشبكي أو المنجم، كما أدى إلى اعادة النظر في تحديد ماهية الأدب، منتجيه، متلقيه، وبالضبط إلى اعادة النظر في الأقطاب الأربعة المشكلة للعملية الابداعية، “المبدع، النص، الحاسوب، القارئ”، والى اعادة صياغة تعاريفها واشكالاتها. مع اعادة النظر في ترهين القراءة والكتابة، هدم الحواجز الفاصلة بينهما، استحداث مفهوم جديد يعبر عن العلاقة التي تجمعهما، القائمة على التفاعل والتجاذب المستمر، كما أدى إلى اعادة النظر في التجنيس الأدبي السائد، بل في مفهوم الجنس ومدى ملاءمته في التعبير عن نص سمته “التحول، الحركة، الدينمامية”، مما برز معه اشكالية القطيعة والاستمرار المرتبطة أساسا بطرق المقاربة والمنهجيات التي يمكن اعتمادها في التحليل، أساليب المناورة، الاحاطة بالنص الرقمي، كمُتجلٍّ جديد، يختلف في خلفياته المعرفية والفلسفية، سياقات تلقيه وتشفيره، أشكال تبديه وصيرورة تشكله عن النص الورقي. هل يعني ذلك التطور التكنولوجي والمعلوماتي قطيعة مع النص الورقي بكل مرجعياته النظرية والمنهجية؟ يؤشر تاريخ الأجناس على أن القديم يحيا في الجديد ويمده بعناصر تطوره، والجديد يتضمن القديم ويرتكز عليه، فلا موت للأجناس بل تحول وتحويل، يعني أنه لا بد من استحداث مفاهيم ومنهجيات جديدة، تكون قادرة على استقراء الأدب الرقمي، فمن غير المعقول أن نستمر في مقاربته بنفس الآليات التي ولدها النص، فكما تم استحداث آليات جديدة تمكن من محاكاة البيئات الافتراضية ماديا، “سماعات، نظارات، وغيرها”، للواقع الافتراضي ينبغي استنبات مفاهيم تكون قادرة على معرفة النص الرقمي وتعريفه والعبور اليه، واستدعاء المفاهيم النصية مع تعديلها وتجديدها. هل ننتظر تحولا في شكل وأسلوب الكتابة الروائية والقصصية بل والشعيرية من خلال مصطلح الأدب الرقمي والرواية التفاعلية؟ بالتأكيد، فالأدب الرقمي سيجعل كتابة الرواية القصة، الشعر، تخضع لارغامات عدة تغير في شكلها وأسلوبها فعلى المستوى السردي أصبح يحتفي بالجمل القصار بعيدا عن الاطالة والاستطراد، لتتخذ شكل مقاطع أو فقرات قصيرة أو جمل وامضة، كما أصبحت تعتمد على العلامة المركبة لارتكازه على الكلمة، الرابط، الوسائط المتفاعلة، ليصبح متعددا، مختلفا، ومتحركا داخل فضاء الشاشة. هذه الارغامات التقنية والتكنولوجية في جوهرها خصائص بنيوية تؤثر في شكل الكتابة، وطرائقها، وأساليب القراءة التي تخلت عن التتابع لتصبح ابحارا واختيارا حرا قائما على الحدس. هذه الخصائص هي التي جعلت الرواية التفاعلية تنبني على سردية أو شعيرية جديدة تتأسس على جمالية الظهور والغياب أو جمالية المحو النابعة من وظيفة الرابط، وأوجدت بلاغة جديدة قوامها الدمج بين اللفظي ببلاغته وأسلوبياته الورقية، والأيقوني بما فيه من صور ثابتة ومتحركة، ولقطات فيلمية، والمعلوماتي بما فيه من رابط وشبكة، راسمة بذلك ملامح الشكل الجديد الذي سيكون عليه السرد الرقمي القائم على تسريد التقنية، وملامح هذه الشعيرية الجديدة التي لا تزال في طور التجريب.
* لبيبة خمار 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق