بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 22 يونيو 2016

عندما يغيب الحياء

أحيانا يبدو أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يكابر ويعاند في اتجاهات لا يريدها شعبه بل يكرهها، فقط ليثبت انه لا يخضع للضغط والابتزاز، وألا أحد يلوي ذراعه كائنا من كان.
قد يقول قائل إن الرئيس منهك صحيا وغير مدرك لما يدور حوله، فليس هو الذي يقرر. هذا كلام سليم، لكن الذين يحكمون باسم الرئيس ويقررون مستغلين «غيبوبته» وعجزه الكامل يشبهونه ويعرفون مزاجه فيفرطون في استغلاله. هم لم يخترعوا شيئا، ولو كان هو في وعيه وعافيته لفعل مثلهم وأسوأ. 
كل يوم يمر يكرس أكثر الانطباع بأن الرئيس، أو من يحكم باسمه، لا يكترث لأمر البلاد والشعب. 
لو كان الحال غير ذلك، هل من تفسير لتعيين وزير السياحة (السابق) عمار غول عضوا في مجلس الأمة بعد ساعات من تنحيته كوزير الأسبوع الماضي؟ (غول هو الوحيد الذي عقد مؤتمرا صحافيا يعلن فيه أنه أصبح عضوا بمجلس الأمة. يا لها من جرأة!).
ولو كان الحال غير ذلك، هل من تفسير لتعيين بوعلام بسايح وزيرا ممثلا شخصيا لرئيس الجمهورية وهو في السادسة والثمانين، وذلك بعد أسابيع من رسالة من بوتفليقة اشاد فيها بالشباب ودعاهم إلى «تحمل المشعل»؟
ولو كان الأمر غير ذلك هل من تفسير لتعيين نورالدين بوطرفة وزيرا للطاقة، والرجل من حوله شبهات بسوء التسيير والفشل الإداري؟ منذ سنوات لم يقل بوطرفة كلاما يصلح غير وعيد برفع تسعيرة الكهرباء، وظل يردد الوعيد ذاته إلى الساعات التي سبقت ترقيته من مدير عام شركة الكهرباء والغاز إلى وزير للطاقة، ثم كان أول تصريح له كوزير أن الزيادة في تسعيرة الكهرباء غير واردة. يا لها من جرأة.
ولو كان الأمر غير ذلك كيف يُعيّن عبد السلام شلغوم وزيرا للفلاحة وألف شبهة تلاحقه منذ كان المدير العام لديوان القمح ومشتقاته؟
و(أخيرا) لو كان الحال غير ذلك، كيف يُبقى على عبد السلام بوشوارب وزيرا للصناعة وقد برز اسمه في فضيحة «وثائق بنما»، فلا يرف له جفن؟
هل أراد احدهم في يده القرار حماية غول من الحساب والمحاكمة بتعيينه في مجلس الأمة ومنحه الحصانة؟ فالرجل أبان عن فشل هائل في المناصب الوزارية التي تحملها منذ تولي بوتفليقة الرئاسة. ترك وراءه الخراب وبصمات فشله محفوظة للتاريخ في كل الوزارات التي حل بها، والأخطر أنه مشتبه في ضلوعه في قضايا تتعلق بالطريق السيار الذي يسمى شرق غرب، والذي يخرب منه شطر مع بداية انجاز الشطر الموالي. 
ليس مستبعداً أن التعديل الحكومي المناقض للمنطق يجسد عناد بوتفليقة أو الساهرين على استمرار مزاجه وطريقته في الحكم، والقائمة على أن «لا أحد ولا شيء يلوي ذراعي».
منذ 17 سنة هي فترة حكم بوتفليقة تولى أكثر من 130 وزيرا حقائب وزارية، جاؤوا وذهبوا ولا يتذكرهم أحد اليوم. بعضهم عُينوا باتصال هاتفي وأُقيلوا بآخر. آخرون (وزير إعلام طويل اللسان بلا فائدة) بلغه خبر إقالته في نشرة أخبار المساء بالتلفزيون الحكومي. كثيرون لم يعرفوا مَن عينهم ولماذا، ومَن أقالهم ولماذا. بعضهم لم يلتق الرئيس يوما. عندما تتأمل هذه «الخلطة» قد تشفق على هؤلاء لأنها ليست مسؤوليتهم المطلقة في ما تعرضوا له من «تشريف» ثم «كب» يرقى لدرجة الإهانة. فهُم في نهاية المطاف يعتقدون أنهم محظوظون تم اصطفاؤهم لخدمة الأمة، أو هكذا يروجون. 
الحق على الرئيس الذي، عندما كان في كامل قواه، داس على القوانين والأعراف بقراراته ومزاجيته ليرضي غروره الشخصي. ثم على الذين يحكمون اليوم باسمه بعد أن فقدّ قدراته، فيتصرفون من وحي مزاجه ومدرسته المتسلطة المصابة بعقدة الأنا والتفوق.
ضمن هذه المزاجية يتعامل الرئيس من يحكم باسمه مع مجلس الأمة والمناصب الدبلوماسية كأنها ممتلكات خاصة يمنحها لمن يشاء كيفما شاء ومتى ما شاء. فلا غرابة أن تحوّل هذا المجلس الذي يوفر الامتيازات المادية لأعضائه مقابل عجزهم المستمر، إلى مكب وفق الكاتب السياسي سعد بوعقبة. فالرئيس يعين بموجب الدستور، ثلث أعضائه وفق قائمة شروط لا وجود للكفاءة بينها، فحوّله إلى ما يشبه نادٍ للمتقاعدين المحظوظين من مسؤولي أجهزة الدولة المدنية والعسكرية.
ما يسمى الثلث الرئاسي اليوم في مجلس الأمة هم وزراء فشلوا في مهامهم وضباط متقاعدون عزّ على الرئيس أن يفقدوا امتيازاتهم، وشخصيات محظوظة شفعت لها الولاءات الجهوية، ونساء أريد تزيين المكان بهن ولكي يقال إن المرأة حاضرة.
ومثله السلك الدبلوماسي الذي كان في السابق في يد قيادة المخابرات تعيّن في مناصبه بالخارج ضباطها وعملاءها ومخبريها لينالوا امتيازات مادية ومعنوية هائلة، قبل أن يستلم الرئيس وحاشيته مفاتيح التعيينات ذاتها للمحظوظين في معسكره.
في بلد يحترم شعبه، أول وجهة كان يجب أن يتجهها غول بعد إعفائه من منصبه هي مكتب قضاة التحقيق في ملفات الطريق السيّار ليرد على الشبهات التي تلاحقه. في بلد كهذا لو وُجد، يُشكر بسايح بحرارة ويُنصَح بأخذ تقاعد مريح فورا، يستمتع فيه بما بقي له من عمر، ويُنصح بوطرفة بالبقاء في بيته.
لكنها جزائر آل بوتفليقة، غاب فيها الحياء السياسي فلا غرابة أن انتهى بها المطاف عاجزة عن تنظيم امتحان بكالوريا بلا غش وتسريب للأسئلة، ودوري كرة قدم بلا مباريات «مبيوعة» ومرتبة النتائج.
*توفيق رباحي - الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق