بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 1 أغسطس 2016

محاكمة بلفور وإعادة اختبار عافية الضمير العالمي

الإرادة الوطنية الفلسطينية على أعتاب امتحان صعب مع اقتراب الذكرى المئة على إعلان وعد بلفور الذي مَنح فيه من لا يملك لمن لا يستحق، وطناً وأرضاً وتاريخاً وأحلاماً، فأسفر الوعد عن غبن تاريخي لحق بأناس تمزقوا وتفرقوا في جهات الأرض، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.
ويترافق هذا الحدث المؤلم مع عزم السلطات البريطانية، بالتواطؤ مع جهات إسرائيلية، على الاحتفال العام المقبل بذكرى الوعد الذي قطعه وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ما يضاعف حجم الإثم الذي ينظر إلى عذابات الآخرين على أنها تسقط بالتقادم.
وإذا صحّت الأنباء عن عزم السلطة الفلسطينية مقاضاة بريطانيا وطلب اعتذارها عن الوعد، فإن ذلك يمنح القضية زخماً إضافياً، إذ لا بد للمقاضاة أن تكون مؤسّسة على قواعد قانونية راسخة ودامغة، وألا تخضع السلطة الفلسطينية في أثنائها لأي ضغوط أو ابتزازات أو مساومات تحول دون الوصول إلى الغاية المرجوة.
وما يدعو إلى استنهاض همة السلطة هو أنه ليس لديها ما تضحي به، فهي خسرت التفاوض، وتخسر كلّ يوم مزيداً من الأرض، ويتفاقم في ظلها الانقسام والتشظي، فلا أقلّ من أن تشرب حليب السباع، وتنجز شيئاً تتذكرها به الأجيال.
ولئن كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس طالب بريطانيا، في قمة العرب بنواكشوط، بتقديم اعتذار رسمي تاريخي من أعلى الهيئات الرسمية البريطانية إلى الشعب الفلسطيني، نتيجة لما حلَّ به بسبب وعد بلفور والانتداب، من تشريد ودمار وتهجير وقتل ومعاناة مستمرة، فإن الخارجية الفلسطينية زادت على ذلك بأن يرافق الاعتذارَ اعترافٌ رسمي بريطاني بدولة فلسطين في حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، على أن تكون القدس الشرقية عاصمة لها، وذلك كجزء من عملية «تصحيح للظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني»، وفق الوزير رياض المالكي، الذي قال في القمة إن بريطانيا «مسؤولة عن جميع الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل منذ نهاية الانتداب عام 1948».
ومن واجب السلطة الفلسطينية، فضلاً عن ذلك، المطالبة بتعويض الضحايا نتيجة تبعات «الوعد المشؤوم الذي جلب إلى فلسطين مئات آلاف اليهود من أوروبا وأماكن أخرى على حساب الشعب الفلسطيني الذي عاش أبناؤه وأجداده في فلسطين على مدى آلاف السنين».
امتحان عسير ينتظر الإرادة الوطنية الفلسطينية لإعادة الوهج إلى أكثر القضايا عدالة في التاريخ المعاصر. وهو فرصة لإعادة بناء التحالفات الأممية وحشد قوى التحرّر في العالم من أجل تصويب المسارات الظالمة، وإعادة الاعتبار للضحايا.
ربما تكون معركة بلفور المقبلة رمزية في أبعادها ودلالاتها، لكنها ليست رمزية في نتائجها، لأنّ من شأن نجاح الجهد الفلسطيني أن يؤثث روح المقاومة ويشحذ همتها، ويمنحها أسلحة تعوّض بها فداحة الأمر الواقع الذي تحاول إسرائيل والدول الراعية لها والمتواطئة معها التبشير به، وتكريس رواية وحيدة لما جرى عشية الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1917، وهي الرواية التي سوّقها الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية عندما وصف الجهود الفلسطينية بشأن بلفور بأنها محاولة لـ «نزع الشرعية عن دولة اليهود»، في حين هزئ أحد طواقم حكومة نتانياهو، حين علّق: «لا تفاجأوا إذا وسّع الفلسطينيون مزاعمهم ضد بريطانيا وفرنسا أيضاً، لأنهما كانتا شريكتين في اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت حدود المنطقة».
المعركة المقبلة هي اختبار لعافية الضمير العالمي.
*  موسى برهومة كاتب وأكاديمي أردني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق