بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

بين السلطوية والإثراء غير المشروع

من الدروس الأولى في السياسة عدم التسرع في إصدار الأحكام حول خلفيات وأسرار بعض التسريبات وأبعادها السياسية، ذلك أن هناك خيوطا دقيقة بين مشاريع الإصلاح الحقيقية المبنية على التراكم وبين إرادة الابتزاز الخفية التي تتقنها جهات تحكمية نافذة..
ما يعرفه المغرب من غضب شعبي مشروع حول تفويت بعض العقارات الكبيرة لعدد من رجالات الدولة بأثمنة زهيدة يخفي وراءه أسلوب في الحكم قائم على علاقة جد معقدة بين السلطة والثروة وشراء الولاءات…
مع ذلك وبعيدا عن نقاش اللحظة الراهنة، نحن في حاجة إلى ترسيخ ثقافة سياسية جديدة داخل المجتمع وداخل جزء من نخبه السياسية تتجاوز ربط مواقع السلطة بخدمة أغراض الجاه المفيد للمال ومراكمة الثروة.
هذا مسار ينبغي أن يخضع بدوره للتراكم والتدرج، وليس من السهل التخلص منه بمنطق «القطائع»، بمعنى أن هناك مجهودات كبيرة تنتظر مشاريع الإصلاح الديموقراطي تستدعي التأهيل الجماعي لمختلف المؤسسات من أجل إصلاح مسالك المال العام والحيلولة دون انفلاتات تسمح بالاغتناء غير المشروع، وهو إصلاح يهم مؤسسات الدولة والهيئات الحزبية ومنظمات المجتمع المدني ومنظومة القوانين بالإضافة إلى ثقافة الريع التي تعشش في أوساط النخبة وعدد من الفئات الاجتماعية المختلفة.
مع ذلك، يمكن القول بأن من أهم إنجازات هذه المرحلة هو تحرير الممارسة السياسية من معاني الارتزاق واستغلال النفوذ، واسترجاع المعنى النبيل للسياسة المرتبط بخدمة الناس والعمل على إصلاح معاشهم اليومي، و»اكتشاف» المواطن لطينة من السياسيين مستعدين لخدمة بلدهم دون السقوط في مستنقع الجشع والفساد ونهب المال العام. وهو ما يشهد به الجميع في حق رئيس الحكومة وعدد من الوزراء ومسؤولي الدولة.
نعم، إن تجربة الحكومة الحالية في عمومها تكشف أن بلادنا اليوم ربحت طينة جديدة من المسؤولين مختلفين عن نماذج من السياسيين أفسدوا مفهوم السياسة وحطموا ثقة المواطن في المؤسسات..
إن هذا التصور لا يستبطن أي تصور مثالي للسياسة ولا يتجاوز منطق السلطة والإكراهات المحيطة بممارستها وطبيعة الألغام الموجودة في طريقها، لكن بداية الغيث هي التحرر من الثقافة السياسية السائدة ووضع البلاد فوق سكة ثقافة سياسية جديدة عنوانها الكبير أنه يمكن ممارسة السياسة بالموازاة مع أخلاق الصدق والاستقامة وقول الحقيقة كاملة والتعفف عن المال العام.
ومن مقتضيات الثقافة السياسية التي نحتاجها أن السياسي لا ينبغي أن يقول الحقيقة للسلطة فقط ولكن للمجتمع أيضا، فلا يمكن محاربة الفساد بدون انخراط المواطن وتعاونه الكامل وتخلصه من القابلية للرشوة والفساد.
إن أي تردد في قول الحقيقة للمجتمع في الوقت المناسب يمثل إعاقة مزمنة للديمقراطية التي لا يمكن أن تقوم إلا على أساس تغيير ثقافة المواطن وتحريره من مسلسل الإحباطات والهزائم النفسية التي وقع ضحية لها بفعل خيبات الأمل المتكررة في النخب السياسية التي تحملت مسؤولية تدبير الشأن العام ولم تحقق ما كان منتظرا منها، ولم تصارح الرأي العام بأسباب فشلها ولم تصدح بالعوائق الحقيقية التي اعترضت طريقها، مخلفة وراءها العديد من الأسئلة والاستفهامات ذات الطبيعة الفكرية والسياسية والأخلاقية..والأخطر من ذلك أنها أنتجت عقلية سلبية لدى المواطن مستسلمة أمام الواقع الفاسد ولا تؤمن بإمكانية تغييره.
إن المتابعة الشعبية الواسعة لأداء المؤسسات تعكس حجم الأمل وحجم الانتظارات المعلقة عليها، ولذلك فإن نخبتنا السياسية اليوم مطالبة بترسيخ تقاليد جديدة في علاقتها بالمواطن تحصن منسوب الثقة الموجودة فيها اليوم وترتقي به إلى وعي سياسي حقيقي يفهم بأنه لا إصلاح حقيقي إلا من داخل مؤسسات قوية تتمتع بالمصداقية اللازمة، ما عدا ذلك كله سراب في سراب..
٭دعبدالعلي حامي الدين- كاتب من المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق